الصحافة.. وأسئلة المستقبل الحرجة
تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT
أصبح من الضروري في زمن التغيرات السريعة طرح الأسئلة الحرجة التي تشغل الدوائر المهنية والأكاديمية في صناعة الصحافة، مثل: هل تحل برامج وأنظمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي محل الصحفيين في المستقبل؟ وهل أصبحنا بالفعل أمام تحول تاريخي في صناعة الصحافة يعيد تعريفها من جديد، ويعيد بالتالي تحديد وظائفها وأدوارها في المجتمعات الإنسانية؟
وللإجابة عن تلك الأسئلة، من المهم في البداية أن نفرق بين خمسة أنواع أو مستويات من المستقبل حددها علماء المستقبليات وهي: المستقبل المباشر، يمتد من عام إلى عامين، والمستقبل القريب من أكثر من عامين إلى خمسة أعوام، والمستقبل المتوسط من أكثر من خمسة أعوام إلى عشرين عاما، والمستقبل البعيد من أكثر من عشرين عاما إلى خمسين عاما، والمستقبل غير المنظور ويمتد إلى ما بعد الخمسين عاما.
وإذا استبعدنا المستقبل غير المنظور فإن مستقبل الصحافة بصفتها مهنة وصناعة ورسالة، في ظل تقنيات الذكاء الاصطناعي، يبدو آمنًا بشكل عام إلى حد كبير في المستقبل المباشر والمستقبل القريب، ولكنه لا يبدو كذلك في المستقبل المتوسط وبالمثل في المستقبل البعيد.
ولما كانت الدراسات المستقبلية تعتمد على مناهج عديدة ومعقدة نوعا ما، فإننا نكتفي في هذا المقال ولأغراض التبسيط وإيصال الفكرة باستخدام أشهر هذه المناهج، وهو منهج بناء السيناريوهات.
والسيناريو هو «وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه». ووفقا لذلك تُصنف السيناريوهات إلى ثلاثة أنماط هي: السيناريو الممكن، والسيناريو المحتمل، والسيناريو المرغوب فيه أو المعياري.
ودون الدخول في تفاصيل كثيرة فإن السيناريو الأول الممكن، وربما المرغوب فيه من جانبي باعتباري صحفيا، هو سيناريو بقاء أوضاع الصحافة كمهنة وصناعة على ما هي عليه في المستقبل المباشر والمستقبل القريب، أي خلال السنوات الخمس القادمة، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد شبه الكامل على العنصر البشري في جمع الأخبار والتقارير والمعلومات وتكييفها للنشر على المنصات الإعلامية المختلفة التقليدية منها والورقية، واستمرار حاجة العالم إلى المزيد من الصحفيين المحترفين الذين يشاهدون الأحداث بأنفسهم وينقلون أخبارها إلى الناس عبر المنصات الإعلامية خاصة في ظل تعقد هذه الأحداث كالحروب والنزاعات والمشكلات الدولية.
ويدعم هذه الفرضية مجموعة من الأدلة والحقائق منها، على سبيل المثال وليس الحصر، استمرار اعتماد قطاعات واسعة من المجتمعات الإنسانية على المنصات الإعلامية التقليدية، بفعل استمرار وزيادة الفجوة الرقمية في غالبية دول العالم، واستمرار الحاجة إلى البشر المؤهلين للعمل في وسائل الإعلام، واستمرار وتزايد مدارس تعليم الصحافة، إلى جانب استمرار أجيال من الصحفيين يتولون حاليا قيادة المؤسسات الإعلامية لا يخفون ولاءهم لأساليب العمل الإعلامي التقليدية، ويحاولون مواجهة التقنيات الجديدة والحفاظ على الميراث المهني المتصل بالصحافة، ويبدون مقاومة شديدة للتوسع في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الصحفي.
وقد يمتد هذا السيناريو إلى ما بعد السنوات الخمس ويدخل في المستقبل المتوسط، الذي يمتد إلى عشرين عاما من الآن، في غالبية دول العالم، خاصة النامية منها، وفقا لتاريخ وطور الصحافة فيها، وعدم قدرة المؤسسات الإعلامية فيها على مواكبة ثورة الذكاء الاصطناعي وتوليد برامج ذكاء اصطناعي خاصة بها، مثلما فعلت المؤسسات الإعلامية في الدول المتقدمة، إلى جانب استمرار أنظمة الحكم وبالتالي الأنظمة الإعلامية التقليدية التي تنظر إلى الصحافة باعتبارها ذراعا من أذرع الحكومة مثلها مثل الجيوش وقوات الأمن والهيئات القضائية.
ويمكن القول إنه رغم ظهور واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عدد كبير من المؤسسات الإعلامية الغربية، فإن مثيلاتها في الدول النامية ما زالت تنظر لها بريبة وشك ولم تندفع إلى استخدامها في العمل الصحفي حتى في الأعمال البسيطة والروتينية مثل تقارير الطقس، ونتائج المباريات الرياضية وتقارير المال والأعمال.
السيناريو الثاني الذي يمكن أن يحدث على المدى المتوسط هو أن يبقى جوهر مهنة وصناعة الصحافة وهو رواية قصص ذات معنى وذات صلة بحياة الناس، وبالتالي فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي تبقى أداة مساعدة للصحفيين والمؤسسات الإعلامية يمكن أن تؤدي مهام معينة، لكنها في الوقت نفسه، ومع الوضع في الاعتبار توقعات تطورها في هذا المستقبل الطويل نسبيا، لا يمكن أن تحل محل العنصر البشري في رواية القصص. فرغم أن «الخوارزميات أصبحت أكثر تعقيدا، فإن جوهر الصحافة وهو رواية القصص ذات الأهمية - يظل إنسانيا بطبيعته»، بغض النظر عن مدى تقدم التكنولوجيا، وبالتالي سيكون هناك دائما حاجة إنسانية واجتماعية للصحفيين.
البديل لهذا السيناريو أن تحل هذه التقنيات محل العنصر البشري، في المستقبل المتوسط، فيما يعرف بالإزاحة الوظيفية التدريجية والتي تعني أن بعض الوظائف الصحفية قد لا تكون هناك حاجة إليها في المستقبل، لأن الذكاء الاصطناعي يمكنه القيام بها، وهذه هي الفكرة التي تزعج الصحفيين وتجعلهم يشعرون بالقلق بشأن ما سيحدث لمسيرتهم المهنية. وقد سبق وعاصرت الصحافة مثل هذه الإزاحة والاستغناء عن عدد كبير من الوظائف الخاصة بالتصوير والتصميم والإخراج الصحفي والأرشفة والتوثيق الإعلامي وغيرها. هذه المخاوف لن تصمد بالطبع أمام التطور الكبير المتوقع في أنظمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، والذي سيكون على الصحافة والمؤسسات الإعلامية بوجه عام أن تركز على استثماره في زيادة وتعزيز العمل الذي يقوم به الصحفيون، وإدراك أن تقنيات الذكاء الاصطناعي وإن استطاعت التعامل مع مهام صحفية مثل إعداد التقارير الأساسية وتحليل البيانات، فإنه لا تزال هناك أشياء كثيرة لا يستطيع القيام بها سوى البشر.
إن علينا في هذه المرحلة المبكرة الموازنة بين الفرص والتحديات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لصناعة الصحافة. وتتمثل الفرص في الكفاءة، واتساع التغطية، والتخصيص. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء تقارير سريعة عن الأرباح المالية والنتائج الرياضية وغيرها بكفاءة كبيرة، كما يمكن للمؤسسات الإخبارية زيادة إنتاج المحتوى الخاص بها بشكل كبير، بحيث تغطي نطاقًا أوسع من المواضيع، دون الحاجة إلى تعيين صحفيين إضافيين، وكذلك تمكين هذه المؤسسات من تخصيص محتوى الأخبار بناءً على تفضيلات القارئ الفردية، مما يعزز مشاركة المستخدم.
وعلى مستوى التحديات التي قد تمنح وقتا إضافيا للصحافة والصحفيين لحين مواجهتها، فإن أبرزها مدى أصالة وصدق وموثوقية المضمون الإعلامي الذي يتم إنشاؤه ببرامج الذكاء الاصطناعي. فالتقارير المنتجة بهذه التقنيات لا تخلو من أخطاء ساذجة، يمكن أن يؤدى تمريرها إلى مشكلات كبيرة، وقد حدث ذلك بالفعل للعديد من وسائل الإعلام العالمية، وهو الأمر الذي يؤكد استمرار الحاجة إلى وجود الصحفيين والمحررين المؤهلين للتحقق بدقة من صحة المعلومات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي قبل نشرها، إلى جانب مواجهة المخاوف الأخلاقية المتصلة بإساءة استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء قصص كاذبة ومضللة، ومواجهة كل أشكال التزييف العميق. ويمثل غياب اللمسة الإنسانية في التقارير والمقالات المنتجة بالذكاء الاصطناعي تحديا آخر يصب في صالح الصحفيين المحترفين القادرين وحدهم على تقديم الآراء ووجهات النظر الفريدة ويمتلكون مهارات السرد الصحفي المعروفة.
يبقى فقط أن نؤكد هنا أنه أيا كان شكل المستقبل، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في أداء بعض المهام الصحفية المتكررة، يمنح الصحفيين فرصة التركيز على أنواع أخرى من العمل الصحفي التي تتطلب مهارات بشرية، مثل التحقيقات الاستقصائية، والتحليل التحريري والتوسع في إشراك الجمهور والتواصل معه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی المؤسسات الإعلامیة فی المستقبل یمکن أن
إقرأ أيضاً:
سلامة الحمادي.. رحلة تميز في الذكاء الاصطناعي
خولة علي (أبوظبي)
سلامة جمال الحمادي، طالبة في الصف العاشر بمدارس التكنولوجيا التطبيقية، مفعمة بالطموح والتطلع نحو المستقبل، شغفها العميق بعالم الذكاء الاصطناعي يدفعها لاستكشاف آفاق هذا المجال المتقدم والمتغير باستمرار، ومن خلال انضمامها إلى مركز «ربع قرن للعلوم والتكنولوجيا» التابع لمؤسسة «ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين»، تسعى سلامة إلى توسيع مداركها العلمية وصقل مهاراتها التقنية، مدركةً أهمية الذكاء الاصطناعي في تشكيل المستقبل.
نقطة تحول
في عام 2021، انضمت الحمادي إلى مؤسسة «سجايا فتيات الشارقة»، حيث شاركت في برامج وورش عمل متعلقة بالعلوم والتكنولوجيا، وفي عام 2023، كانت من ضمن المشاركات في برنامج «المدير التنفيذي للعلوم» الذي أطلقته مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. وتخلل البرنامج رحلة إلى الكويت لمدة 12 يوماً، وكانت هذه التجربة بمثابة نقطة تحول، حيث اكتشفت خلالها شغفها العميق بالتكنولوجيا والهندسة، ما دفعها للاستمرار في استكشاف هذا المجال بشغف أكبر.
تطوير مهارات
اكتسبت الحمادي مهارات متنوعة في مجالات التصميم والبرمجة، فضلاً عن تركيب وصنع الروبوتات، والعمل بروح الفريق، حيث أصبحت قادرة على التعاون بفعالية مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة.
كل هذه المهارات أهلتها للتعامل مع التحديات التقنية المتقدمة بثقة وحماس، ما يعكس شغفها المستمر بالابتكار والتعلم.
مشاريع مبتكرة
قدمت الحمادي العديد من المشاريع المبتكرة داخل الدولة وخارجها، وكان من أبرزها مشروع Type1 - Blackout، وهو جهاز مبتكر مخصص لمرضى السكري والزهايمر، يتم ربط الجهاز الصغير بمعصم اليد، وفي حال تعرض المريض لنوبة أو فقدان الذاكرة، يُرسل الجهاز رسالة تحذيرية إلى أفراد العائلة المسجلة أسماؤهم فيه، ما يتيح لهم التدخل وتقديم المساعدة أو طلب الإسعاف. وفي أغسطس 2024، قدمت مشروعاً يهدف إلى مساعدة الأطفال في تحسين أدائهم الدراسي، إلى جانب تطوير مهاراتهم في الإلقاء والمحادثة، مما يعكس شغفها بالابتكار وخدمة المجتمع.
برامج ومسابقات
بعد انتهاء مشاركتها في برنامج «المدير التنفيذي للعلوم»، تم ترشيحها للمشاركة في مخيم مهارات الذكاء الاصطناعي ضمن فعاليات المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2023، لتحقق المركز الثاني على مستوى الدولة، كما انضمت إلى برنامج VEX V5، أكبر مسابقة عالمية للروبوتات، وفازت فيها بجائزة الإبداع في السنة الأولى. واستمرت الحمادي في المشاركة بالعديد من البرامج والمسابقات، مثل «الأمن السيبراني»، «مشروع العربة المريخية»، ومسابقات متعلقة بالروبوتات، وكان آخر هذه المشاركات برنامج «نواة»، الأول من نوعه، الذي امتد لمدة 10 أيام.
مشاركات أوسع
تتطلع سلامة الحمادي إلى توسيع مشاركاتها على نطاق أكبر وأوسع، سواء محلياً أو عالمياً في مجال علوم الفضاء والذكاء الاصطناعي، وهدفها أن تصبح مهندسة ذكاء اصطناعي ورائدة فضاء في المستقبل، سعياً لخدمة وطنها الإمارات، التي لا تدخر جهداً في دعم المواهب وتمكينها في شتى المجالات.
إنجازات
حققت الإماراتية سلامة الحمادي العديد من الإنجازات من خلال مشاركتها في برامج وفعاليات متنوعة، حيث نالت الميدالية الذهبية في مسابقات «مستكشف ربع قرن» و«العربة المريخية» عام 2024، و«مبرمج 50» و«رُبع قرن والعالم» 2023، بالإضافة إلى مسابقة NBD عام 2022. كما حصلت على الميدالية الفضية في عدد من الفعاليات والمسابقات، منها: المنتدى الدولي للاتصال الحكومي ضمن مخيم مهارات الذكاء الاصطناعي 2023، مسابقة «سابق بالهيدروجين» 2023، ومسابقة «وادي السيليكون لتطوير التطبيقات» 2024. وحصدت أيضاً الميدالية البرونزية في الأمن السيبراني من أكاديمية اتصالات عام 2023.