صحيفة البلاد:
2025-05-15@06:18:58 GMT

صديقي القديم وحياة البرزخ الوظيفي

تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT

صديقي القديم وحياة البرزخ الوظيفي

محمد الفريدي

تحولات الحياة وتقلباتها لا تستثني أحدًا، حتى الذين يبدون في قمة السلطة والنفوذ والمناصب العليا، ففي الحياة العملية الأضواء لا تنطفئ بسهولة، ولكن يمكن للمشهد أن يتغير بشكل سريع، كما هو الحال مع أحد أصدقائي من الشخصيات البارزة في المدينة المنورة، من الذين كانوا يومًا ما يحظون بتقدير المواطنين والمقيمين وتصفيقهم، وإذا تحركوا يتحركون بموكب مهيب من السيارات الرسمية، وينظر إليهم كرموز للقوة والسلطة والنفوذ، ولا يدعون إلا بكلمات تعكس هيبتهم ومكانتهم.

لكن الزمن له دوره في صقل الشخصيات وتغيير الأدوار، فقد تحول صديقي هذا من حالة القوة والنفوذ والسطوة إلى حالة لا أقول الضعف، بل حالة أكثر تواضعًا وإنسانية، وبات معروفًا بسهولة الوصول إليه، واستجابته لاتصالات أصدقائه القدامى وزملائه السابقين، ما يعكس تحولًا في نمط حياته وطريقة تفاعله مع الآخرين.

إضافة إلى ذلك، اتخذ صديقي هذا على عاتقه مهمة تعليم الآخرين، والاهتمام بتغير السلوك والتفاعل الاجتماعي، فكان يوزع ما يسميه بـ “ بلوك بنكهة الفراولة” وهو رمز للتجديد في العلاقات والتفكير، ويعتبر هذا التحول نوعًا من الإرادة لإثبات أن المكانة لا تعني العزلة عن العالم الحقيقي، وأن المناصب العليا والنفوذ يمكن أن يستخدما لفائدة الآخرين وتعليمهم.

هذه الشخصية تعيش ما يمكن أن نسميه بـ “حياة البرزخ الوظيفي”، حيث تتداخل مراحل القوة الوظيفية مع مرحلة الانسحاب الهادئ نحو حياة أقل تعقيدًا وأكثر إنسانية، هذا التحول يعتبر درسًا في أن القوة والنفوذ هما لحظتان زمنيتان تتغيران بتغير الظروف، وأن الجوهر الحقيقي للشخص وإن ارتقى في المناصب العليا، لا تظهر إنسانيته الحقيقية إلا بعد أن يترك تلك المناصب ويتعامل مع المتغيرات الجديدة.

في الواقع، يمكن للفترات الانتقالية في حياة الأفراد، خاصة تلك التي تشهد تحولات من قمة النفوذ إلى حياة أكثر تواضعًا، أن تكون مصدر إلهام للكثير، هذه الشخصية المهابة التي كانت يومًا ما محط الأنظار ووسائل الإعلام في المدينة المنورة، تعلمت كيف تنقل خبراتها وتجاربها إلى الآخرين بطريقة مؤثرة ومفيدة، بعد أن كانت توجهاته ومواقفه تحدد من خلال الألقاب والمناصب فقط، بات الآن يقدر بسعة صدره وقدرته على الاستماع والتوجيه والإرشاد.

يظهر هذا التحول الكبير في شخصيته كيف يمكن للحياة العملية أن تكون مرهقة ومستنزفة للطاقات الشخصية، وكيف يمكن للخروج منها أن يجدد النشاط والروح المعنوية، الرجل الذي كان يومًا ما يحيط نفسه بالمساعدين والمستشارين والحراسات الأمنية، يجد الآن السلام والراحة النفسية في مشاركة خبراته وتجاربه مع الأجيال الجديدة وأصدقائه وزملائه القدامى، ومن خلال تقديم نصائحه وتجاربه، يعلم الآخرين أهمية التكيف مع الظروف المتغيرة والحفاظ على الأخلاق والقيم الشخصية في مواجهة التحديات.

تعليماته ونصائحه لم تقتصر على الأمور العملية- فحسب- بل تعدتها إلى الأمور الدينية، وكيفية التعامل مع الناس وبناء العلاقات التي تسودها المودة والاحترام المتبادل.

أما “بلوك الفراولة” الذي يوزعه على البعض، فهو ليس مجرد رمز للتغيير، بل هو دعوة لتجربة الحياة بنكهة جديدة ومختلفة، نكهة تحترم التنوع وتقدر الأفكار الجديدة.

من هذه النقطة، يمكن القول: إن حياة البرزخ الوظيفي التي يعيشها صديقي الآن ليست نهاية المطاف بالنسبة له، بل هي بداية جديدة، هذه الفترة الانتقالية تظهر مرونة الإنسان وقدرته على التحول والتكيف مع الظروف المتغيرة، وأيضًا تظهر أهمية الخبرة والحكمة التي يمكن أن يقدمها الأفراد لمجتمعاتهم بعد تركهم المناصب الحكومية العليا.

ما يجعل قصة صديقي مهمة وذات مغزى عميق هي أنها تعلمنا أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلطة أو المكانة الاجتماعية فحسب، بل في القدرة على التأثير الإيجابي في حياة الآخرين وفي المجتمع، هذا التأثير يستمر ويتعمق أكثر بعد مغادرة الساحة الوظيفية، حيث يصبح المرء أكثر حرية في التعبير عن آرائه ومشاركة خبراته دون القيود التي تفرضها عليه الأدوار الرسمية.

إن الدروس التي يمكن استخلاصها من حياة هذا الصديق لا تقتصر على العسكريين وحدهم، بل تمتد لتشمل كل من يمر بمرحلة تحول في حياته.
القدرة على إعادة تقييم الذات وتغيير المسار ليست سهلة، لكنها ضرورية للنمو الشخصي والمهني، وصديقي هذا بتحولاته وتجديداته، يظهر أن النهايات يمكن أن تكون بدايات جديدة، وأن الفشل في مرحلة ما لا تعني الفشل في الحياة.

أيضًا، يوضح أن الاستمرار في الأدوار التقليدية ليست الخيار الوحيد المتاح، بل هناك دائمًا إمكانية للتجديد والابتكار في طرق التفكير والعمل، وهذا ما يجعل الحياة مثيرة وذات معنى، فالحياة ليست مجرد سلسلة من الإنجازات، بل هي أيضًا مجموعة من التجارب والعلاقات التي تشكل شخصياتنا وتحدد مساراتنا.

بالنظر إلى ما قدمه صديقي من نصائح ومواقف، يمكن القول: إن أهم ما يمكن أن يعلمه لنا هو القدرة على الاستمرار في التعليم والتعلم والنمو، بغض النظر عن العمر البيولوجي أو المكانة الاجتماعية والوظيفية السابقة، فكل يوم يمكن أن يكون فرصة لتعلم شيء جديد وتحسين شيء قديم، وكل لقاء يمكن أن يكون فرصة لتبادل الخبرات والمعارف.

في نهاية المطاف، قصة صديقي هذا- أمد الله في عمره- على طاعته ونفعنا ونفع المسلمين بعلمه الغزير وأدبه الجم؛ تعلمنا أن قيمة الإنسان لا تقاس بمناصبه وإنجازاته فقط، بل بتأثيره الإيجابي في الآخرين وبقدرته على التعامل مع المتغيرات والتحديات بشجاعة وأمانة، وتعلمنا كذلك النظر إلى الحياة كرحلة مستمرة من التعلم والتحدي والتجديد، وتذكرنا بأهمية تقدير اللحظات الصغيرة والعلاقات الحقيقية التي تعطي الحياة معناها العميق.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: مقالات صدیقی هذا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

كتمان زوجي معضلتي في الحياة

أريد أن أتغلغل إلى سويداء قلبه.
كتمان زوجي معضلتي في الحياة.
بعد التحية والسلام، دعيني سيدتي في الأول أشكرك وكل القائمين على هذه الركن القائم بذاته عبر موقع النهار اونلاين. اشير أنه لي مشكلة أحاول يوميا أن أجد لها حل، لكن لا أعلم إن كانت خبرتي القليلة. في الحياة هي ما جعلت الأمور تبدو مقلقة أم أنني ضخمت الأمور أكثر من اللزوم. أنا فتاة حديثة الزواج، كانت لي تصورات عن الرجل وطريقة التعامل معه، لكنني فوجئت بزوج كتوم وقليل الحديث. وهذا يقلقني لأنني لم أبدي أي تذمر إلى حد الساعة، لكنني من الداخل أشعر أنني بدأت أفقد طعم السعادة. حتى قبل أن تبدأ حياتي الزوجية، أرجوك كيف أتعامل معه قبل أن يتغلب الملل على حياتي وحياته؟
أختكم ن.ليلى من الوسط الجزائري.

الــــــــــــــــــــــرد:

حياك الله حبيبتي وشكرا لكلماتك الطيبة، في البداية هوني عليك الأمر، ولا ترفعي الراية وأنت لازلتِ في البداية. فعن أي ملل تتحدثين، وكيف لك أن تفقدي طعم السعادة وأنت على عتبة حياة جديدة. وعلاقة زوجية جديدة، دعي كل ما كنت تحلمين به قبل الزواج جانبا. فالمسلسلات الرومانسية وقصص الحب ما هي إلا مشاهد تمثيلية تتعرض للحذف والتركيب، أما الواقع فهو ما قاله الله. عز وجل: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا تسكون إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”. فالزواج هو احتواء للعيوب والميزات وجهاد لغرس المحبة والتعامل برحمة.
لكنني أوافقك جدا أن هذه الصفة في الرجل تثير أعصاب المرأة، لكن لا يجب أن تفقدي السيطرة حتى لا يهزت عرش بيت. عزيزتي أنت حديثة الزواج كما ذكرتي وبدل من الاستسلام حاولي أن تغيري في زوجك هذه الصفة بمرونة وسلاسة. واتبعي الخطوات التالية والله وليُّ التوفيق:
*اصبري على الزوج، وتعرفي أكثر على شخصيته لتجدي الحلول المناسبة للتغلب على حالة الفتور التي يعيشها الزوج.
*أظهري له الاهتمام خصصي وقتا له، ولا تعطي كل وقتك لشؤون البيت لأن ذلك قد يُشعره بالفراغ.
*شاركيه اهتماماته وهواياته، وتحدثي إليه في مواضيع له دراية كبيرة بها ومعلومات وافرة.
*تجنبي الحديث معه أثناء انشغاله، وشجِّعيه وامدحيه عندما يفعل شيئاً إيجابياً.
*تشاوري معه في أي مشكلة تواجهكِ، واطلبي رأيه.
*وهو خارج المنزل ابعثي له رسائل عاطفية، فذلك سيساعده على التجاوب والتواصل معكِ باستمرار. وعبِّري فيها عن حبكِ الكبير له.
*لا تكوني كثيرة الإلحاح واتركيه يفعل ما يريد بهدوء.
*كوني لطيفةً معه، ولا تلوميه عندما يحكي لكِ عن موقف محرج ما، أو خطأ في العمل، بل كوني صديقةً له.
وتذكري دوما هذه المقولة: “الرفق ما كان في الشيء إلا زانه وما خلا من الشيء إلا شانه”

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • من أرصفة الحكمة الى ظلال الحياة
  • جبران: قانون العمل الجديد يحقق الأمان الوظيفي ويشجع على الاستثمار
  • الإيجار القديم.. تعرف على الأماكن التي سينطبق عليها القانون
  • أحمد موسى: مصانع المواسير لها أهمية كبيرة في تغطية مشروعات الإسكان وحياة كريمة
  • كيف نظم الإسلام سلوك المسلم في مجلسه مع الآخرين؟.. علي جمعة يوضح
  • سيف بن زايد يكرم العريف أول أحمد علي البلوشي من شرطة رأس الخيمة بميدالية التميّز الوظيفي
  • برلماني: حكم الدستورية بشأن الإيجار القديم مرجعية أساسية لا يمكن تجاوزها
  • كاسترو: جيسوس صديقي ولديه خرافة في المباريات .. فيديو
  • ترامب: ضرباتنا المكثفة خلال 50 يوماً ضد الحوثيين حققت مالم يحققه الآخرين خلال 10 سنوات
  • كتمان زوجي معضلتي في الحياة