قصة مَثَلْ «مَرْمِي اللّه ما بيترفع»
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
كنا صبية نلعب بين يدي جدي محمد الحسن حاجنور رحمه الله أمام منزله الكائن في (البركل تحت)، وإذا بامرأة تشكي له عقوق أحد الأبناء ثم تختم قولها عنه غاضبة: (مرمي أللّه مابيترفع).
غضب جدي وطلب منها عدم وصفه بذلك مرة أخرى، وما أن حل المساء؛ أتيتُه بشاي المغرب وجلست إليه أسأله عن قصة (مرمي أللّه المابترفع)، فقال لي بأنه مَثَلٌ سيئ لكافر حكى القرآن قصته في سورة الأعراف، وإسمه (بلعام ابن باعوراء)، ثم تلى الآيات التالية:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ، سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} 175-178
فمن هو هذا الرجل، وماهي قصته؟!
إنه من الشخصيات الغريبة التي ذكرها القرآن الكريم، شخصية من بني إسرائيل إسمه بلعام بن باعوراء، عاش في زمن النبيّ موسى عليه السلام، وكان صالحاً أوتي الكثير من آيات الله، ومنها استجابة الدعاء، وقيل بأنه كان يعلم اسم الله الأعظم.
لكن خاتمته كانت سيئة، فقد طلب منه جبّارو الأرض المباركة من قوم جالوت أن يدعو على موسى، فأبى في بادئ الأمر، فقدّموا له الهدايا وأقنعوا امرأته أن تُلِحّ عليه في الطلب، فاستخار الله ورأى في منامه من يأمره ألّا يفعل، لكنهم ظلوا يُلِحُّون عليه حتى وافق، ويُروى أنّه ركب حماره وصعد به جبلاً يُشْرِفُ على المكان الذي يتواجد فيه جيش موسى عليه السلام ليدعو عليه، فمنعت الملائكةُ الحمار من الصعود فبَرَكَ في الطريق، ومع ذلك استمرّ بلعام في غيه وشرع يدعو بكلمات يُريد بها الدعاء على موسى، فإذا بها تتحوّل الى دعاء على الجبّارين من قوم جالوت، ورغم ذلك لم يتُب، فطلب من الجبّارين أن يُزيِّنوا نساءهم لبني إسرائيل ويُمكّنوهم منهن بالزنا ففعلوا، وصارت مفسدة عظيمة في بني إسرائيل، حتّى أنّ أحدهم جلب امرأةً جميلةً لموسى وأعلن كفره أمامه بوصايا التوراة ونهيها عن الزنا، فدعى عليه موسى ومن أفسد منهم فأنزل الله عليهم رجزا من السماء هو الطاعون الذي قتل منهم سبعين ألفاً في يومٍ واحد.
أمّا بلعام فقد اندلع لسانُه على صدره وصار مثل الكلب اللاهث، وهذا في الدنيا، وينتظره عذاب الآخرة،
وهكذا أصبح بلعام (مَرْمِي) بسبب ردته عن دينه وكفره وخروجه على نبي من أنبياء الله، ولو شاء الله تعالى لرفعه، لكنه سبحانه لم يشأ له الرفعة والعلو لأنه باع دينه بدنياه وسعى وراء حطام الدنيا الزائل، فأخلد إلى الارض، فأصبح (مَرمِي الله المابترفع).
كم فينا من مرمي مابيترفع، منهم الذين يرفضون الاعتراف والقبول بدين الله مصدرا للتشريع في مااسموها الوثيقة الدستورية وكذلك في ما أسموه بالاتفاق الاطاري، بدأ سامرهم ينفض وغزلهم ينكث، فخرج منهم الشيوعيون وتبعهم اتباع حزب البعث والحبل على الغارب.
#قحت_مرمي_الله_المابترفع
عادل عسوم
adilassoom@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: على الداعي إلى الله أن يلتزم بالرفق واللين والحكمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "في زمان كشفت الفتن فيه قناعها، وخلعت عذارها، لا يندّ عن فهم الأحوذي، ولا يشذّ عن وعي الألمعي، استشراف الحوادث وتفحص الأحداث، فالتأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي، وأمر إلهي، قال جل وعلا: “لقد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”.
وتابع: وإن استهلال عام هجري جديد ليذكرنا بأحداث عظيمة جليلة، كان فيها نصر وتمكين، وعز للمرسلين والمؤمنين، تبعث في النفس التفاؤل والأمل، وحسن الظن بالله مع إتقان العمل، إنها قصة موسى -عليه السلام-، وهجرة المصطفى سيد الأنام -عليه أفضل صلاة وأزكى سلام-، ويوم عاشوراء ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه نبيه موسى -عليه السلام- من فرعون وملئه".
ولفت الشيخ السديس، النظر إلى أن الله -عز وجل- أوحى إلى موسى وهارون -عليهما السلام- ليذهبا إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد والإيمان وهذا درس عظيم في الدعوة إلى الله تعالى، وهو أن يلتزم الداعي إلى الله الرفق واللين والحوار، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فخرج موسى ببني إسرائيل وتبِعهم فرعون وجنوده، فنظر بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردِفهم، وقالوا: "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ"، فكان الرَّدُّ الحازم من موسى -عليه السلام-: "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"، وهذا درس آخر في اليقين وحسن الظن بالله.
كما أوصى بإحسان الظن بالله، والأخذ من تلك القصص والأحداث والأنباء الدروس والعبر والإثراء، وأنه على قَدْرِ اليقين الراسخ والإيمان الثابت لنبي الله موسى -عليه السلام- كانت الإجابة الفورية: "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ"، فأغرق الله فرعون وقومه جميعًا، وكان ذلك في يوم عاشوراء، فكانت نعمة عظيمة على موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل، فصام موسى -عليه السلام- هذا اليوم شكرًا لله تعالى، وصامه بنو إسرائيل، وهكذا تحقق النصر المبين والعاقبة للمتقين.
وبين الشيخ السديس، أن في حدث الهجرة النبوية ما يُقرّر هذه السنة الشرعية والكونية: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا"، فقال -عليه الصلاة والسلام- بلسان الواثق بنصر ربه: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".. إنه اليقين بنصر رب العالمين، ولهذا كان من أهمية هذا الحدث العظيم أن أجمع المسلمون في عهد عمر -رضي الله عنه- على التأريخ به اعتزازًا بالهوية الدينية والتاريخية والوطنية، مما ينبغي اقتفاء أثره والاعتزاز به فنحن أمة لها تاريخ وحضارة ورسالة على مر الأيام وتعاقب الأعوام.
وأوضح أن منهج المسلم عند حلول الفتن الاتجاه إلى الله بالدعاء، وكثرة التوبة والاستغفار، وعدم الخوض فيما لا يعنيه، ورد الأمر إلى أهله، والإسلام يدعو إلى نبذ العنف وتحقيق الوئام والتفرغ للبناء والإعمار، والتنمية والإبهار والبعد عن الخراب والفساد والدمار، فما أحوج الشعوب إلى نبذ الحروب، وما أحوج البلاد والعباد إلى الأمن والسلام والرشاد، وفي قصة نبي الله موسى -عليه السلام- وهجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنموذج عملي متكامل للنجاة من الفتن بالتمسك بشرع الله تعالى، وحسن الظن به، وجميل التوكل عليه.
وقال: "فموسى ومحمد -عليهما السلام- حتى في لحظة الانتصار، أدَّيا حقَّ الشُّكرِ لربِّ العالمين، فكانا يصومان هذا اليوم -يوم عاشوراء- شكرًا لله على عظيم نِعْمَتِهِ"، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قَدِمَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- المدينةَ فرأَى اليهودَ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فقال لهم: ما هذا اليومَ الذي تَصومونهُ؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نَجَّى اللهُ فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى -عليه السلام-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصومه".