لمس التطور التقني العديد من جوانب الحياة وترك أثرًا واضحًا فيها، ومن ضمنها كانت الجوانب الإجرامية التي ازدهرت في الفضاء السيبراني بفضل الخصوصية والقدرة على إخفاء هوية مرتكب الجريمة. وعلى غرار شبكات الإنترنت المظلمة التي تسهل العمليات الإجرامية بالشارع، بزغ نوع جديد من العصابات الإجرامية، وهم القراصنة المأجورون.

في جوهرها تبدو عصابات القراصنة المأجورين فكرة بسيطة ومتوقعة في عالم يسوده التحول الرقمي والبيانات الرقمية، ولكن الآونة الأخيرة شهدت ازدهارًا واسعًا لهذا القطاع مع ظهور العديد من العصابات من مختلف بقاع العالم تنفذ الهجمات السيبرانية بالطلب ولأسباب مختلفة.

عصابات من مختلف بقاع العالم

يمكن تتبع العصابات التي تعمل في قطاع القرصنة بالإيجار في العديد من الدول حول العالم دون وجود نمط واضح بينها، كما أنها تتنوع في الطبيعة والحجم على غرار عصابات المافيا والجريمة المنظمة وهي تتراوح بين عصابات الفرد الواحد وحتى المجموعات الصغيرة وصولًا إلى المجموعات المنظمة والكبيرة التي تمتلك أعضاءً من دول وجنسيات مختلفة.

النموذج الأحدث لهذه العصابات هو "أميت فورليت" المحقق الإسرائيلي الخاص الذي تورط في عدة عمليات قرصنة مأجورة لصالح مجموعة "دي سي آي" (DCI) وهي شركة علاقات عامة تدير أعمال عدة أثرياء من مختلف بقاع العالم فضلًا عن صناديق الاستثمار والتحوط لعدد من الشركات.

"دي سي آي" شركة علاقات عامة تورطت مع "أميت فورليت" بعدة عمليات قرصنة مأجورة (الجزيرة)

تم القبض على فورليت مؤخرًا في مطار هيثرو بلندن بعد أن وجه إليه مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي عدة تهم تضم التجسس والمشاركة في جرائم سيبرانية متنوعة كان أبرزها الاختراق المأجور، وبالطبع أنكرت مجموعة "دي سي آي" علاقتها مع فورليت وأكدت أنها توجه عملاءها إلى الالتزام بالقوانين.

وعام 2020 شهد تحقيقًا موسعًا أجرته رويترز حول عصابات القراصنة المأجورين، ومن خلاله استطاعت الوصول إلى مستندات تربط بين قرصان مأجور هندي يدعى سوميت غوبتا ومحقق خاص بوادي السيليكون يدعى ناثان موسر، وتمحورت العلاقة بينهما حول عمليات اختراق مدفوعة كان غوبتا يقوم بها لصالح عملاء موسر مقابل 10 آلاف دولار شهرية في ذلك العام، إذ تعاون الأخير مع شركة تدعى فيسالوس (ViSalus) المسؤولة عن توزيع الحمية الغذائية بأميركا من أجل اختراق حسابات أحد أبرز منافسيها وهو شركة أوشن آفينو (Ocean Avenue).

وبالطبع، لجأت "أوشن آفينو" إلى القضاء الأميركي من أجل إدانة فيسالوس، وهي القضية التي انتهت بدفع تسوية من قبل الأخيرة، ولكن ذلك كان على حساب رخصة موسر الذي تم اتهامه بالقضية فضلًا عن غوبتا الذي أنكر جميع التهم والجرائم الموجهة له، وذلك قبل أن يختفي بشكل كامل منذ عام 2020 حتى 2023 ليعاود الظهور هذه المرة مع عصابة من القراصنة المأجورين.

وتمكن تقرير رويترز من تتبع 35 قضية تضمنت جرائم قرصنة مأجورة من قبل قراصنة هنود تستهدف أكثر من 75 شركة أوروبية وأميركية، وذلك عبر توجيه أكثر من 80 ألف رسالة بريد إلكتروني إلى 13 ألف هدف محتمل، وهو ما يعزز من خطورة قطاع القراصنة للإيجار وانتشارهم الآونة الأخيرة.

فرصة لتحقيق دخل إضافي

يسيطر القراصنة الهنود على ساحات القرصنة المأجورة مثل غالبية القطاعات التقنية في العالم، وربما يعد توجه هؤلاء إلى هذا القطاع بسبب سهولة تحقيق أرباح كبيرة منه دون الحاجة إلى العمل فترات مستمرة، إذ يحصل بعض القراصنة على مبالغ تتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف دولار شهريًا مقابل عمليات القرصنة المدفوعة.

وكانت الأرباح التي يمكن تحقيقها من هذه العمليات مغرية للعديد من القراصنة الهنود للبدء في عمليات منظمة من أجل كسب المزيد من العملاء والأموال، وهذا التوجه أدى لولادة عدة شركات تجسس هندية كما تطلق على نفسها مثل أبين (Appin) وبيل تروكس (Belltrox) وسايبر روت (CyberRoot).

وتتشارك جميع هذه الشركات في البنية التحتية لها وتعتمد على واجهة قانونية واحدة، وتستخدم القراصنة الهنود صغار السن من أجل تنفيذ عملياتها المختلفة وتحقيق الأرباح التي تسعى إليها.

عدة شركات تجسس هندية تقدم خدماتها لمن لديه الأموال مثل شركات "أبين" و"بيل تروكس" و"سايبر روت" (غيتي) قرصنة مأجورة لأهداف سياسية

تسلط التقارير المتنوعة الضوء على عمليات القرصنة المأجورة للأهداف التجارية من قبل الأفراد والشركات المختلفة، ولكن هذا لا ينفي وجود أهداف أخرى لعمليات القرصنة المأجورة، وربما كان أبرزها الأهداف السياسية.

ويعد التجسس على المنافسين والأهداف السياسية إحدى ركائز الحروب السياسية حول العالم، وذلك قبل ظهور الإنترنت وانتشاره، لذلك كان من المنطقي أن ينتقل الأمر إلى الساحات السيبرانية، وربما يعد تطبيق بيغاسوس الخبيث الذي تطوره المجموعة السيبرانية الإسرائيلية "إن إس أو" (NSO) أحد أبرز تطبيقات القرصنة المأجورة.

وتتيح هذه الشركة لأي طرف قادر على دفع ثمن التطبيق الوصول إليه وتثبيته في أجهزة الأهداف التي يرغب بها من أجل الوصول إلى رسائل واتساب الخاصة به والاستيلاء على بيانات هاتفه بشكل عام، وبينما كان هذا التطبيق ذائع الصيت السنوات الماضية، فإنه لم يعد منتشرًا كما كان.

رغم كون "إن إس أو" شركة إسرائيلية رسمية ومعترفا بها عالميًا، فإن هذا لا ينفي عنها صفة قراصنة الإيجار، كونهم يشاركون في عمليات اختراق مدفوعة موجهة تجاه أفراد ومؤسسات بعينها، كما لا يجب إهمال مجموعات القرصنة المعهودة مثل لازاروس (Lazarus) التي تمتلك روابط مباشرة مع حكومة كوريا الشمالية.

يعد تطبيق بيغاسوس الخبيث الذي تطوره المجموعة السيبرانية الإسرائيلية "إن إس أو" أحد أبرز تطبيقات القرصنة المأجورة (غيتي) لماذا التوجه للقراصنة المأجورين؟

تختلف بشكل كبير الأسباب التي تدفع الأشخاص للتوجه إلى تأجير القراصنة، وبينما تبرز الأسباب الاقتصادية والنوايا الإجرامية في مقدمة هذه الأسباب، إلا هناك بعض الأسباب التي قد تكون نبيلة، مثل ما حدث مع المحقق الألماني ماتياس ويلينبرينك الذي اضطر للتعاون مع قرصان مأجور عام 2012 من أجل كشف هوية شخص يبتز أحد عملائه الأثرياء.

وبالطبع فإن مثل هذه الاستخدامات يتطلب تشريعات تنظيمية خاصة بها، وذلك حتى لا يساء استخدامها بشكل مباشر في العديد من الحالات، كما أنها تحتاج إلى تشريعات عالمية لأن العديد من هذه المجموعات تتخذ من دول النامية مثل الهند والصين مقرًا لعملياتها.

لكن الاستخدامات السياسية تبرز لتصبح السبب الأول لمثل عمليات الاختراق هذه، وربما كانت الهجمات السيبرانية الروسية ضد أوكرانيا أحد الأمثلة الواضحة على الدور الهام للحروب السيبرانية في مختلف دول العالم.

وهذا التنوع في الاستخدامات يستدعي ولادة تنظيم عالمي قادر على مواجهة الجرائم السيبرانية -وتحديدًا جرائم القرصنة بالإيجار- قبل أن تستفحل في الانتشار العالمي وتسبب كوارث مستقبلية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات العدید من من أجل

إقرأ أيضاً:

توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل

كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.

وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of list

أما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.

 

ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".

الحرب أنهكت المجتمع

وذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.

إعلان

ولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.

ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.

واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".

وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.

وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.

وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.

قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطية

ولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.

إعلان

غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.

وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".

وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".

وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".

وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تواجه إدانة دولية متصاعدة بسبب فوضى توزيع المساعدات
  • تحرّك قانوني لعزل نتنياهو: “خطر على إسرائيل”
  • مسؤول حوثي: ارتفاع عدد الطائرات المدنية التي دمرتها إسرائيل في مطار صنعاء إلى 8
  • الوزير الشيباني: بدأت بوادر الاستثمارات الضخمة التي ستنعكس إيجاباً على حياة المواطن
  • شرطة البليدة تفكك شبكة دولية مختصة في تهريب السيارات وتزوير ملفاتها القاعدية
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • الجزائر.. تفكيك شبكة إجرامية دولية تهرب أدوية مزورة والجيش ينفذ مناورات ضخمة
  • 30 مارس منظمة دولية تستلهم يوم الأرض وتلاحق إسرائيل
  • هجمات بلوتوث متطورة لسرقة البيانات.. طرق حماية جهازك
  • الجزائر تفكك شبكة إجرامية دولية تمتهن تهريب الأدوية وتزوير النقود والشعوذة