تقدم تتقدم خطوتين للأمام .. وقف الحرب وعلمانية الدولة
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
الاتفاق الذي تم توقيعه في يوم السبت 18 مايو بنيروبي عاصمة دولة كينيا يشكل أملاً ويبعث تفاؤلاً في وقف الحرب الدائرة . يمكن من خلاله أن نري ضوءً في آخر النفق ، إضافة الي أنه شكل أختراقاً لحالة الجمود التي لازمت المساعي المبذولة لوقف الحرب بأقناع حركات مسلحة فاعلة ونشطه في الشروع والأسهام المباشر في الأنضمام لتجمع وقف الحرب ومن ثم تطبيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة علي أرض الواقع .
البعض قد يري أن المشكلة السودانية وخاصة في الجوانب التي تتعلق بنوعية الحكم القادم لا تخص صلاحيات رئيس تنسيقية (تقدم) وهذا رأي يتطلب النظر الي واقع الحرب اليوم . وبما أننا نريد أن تتوقف هذه الحرب ونسعي لتحقيق هذه الغاية بالظفر والناب ما عدا المؤتمر وأعوانه فبألضرورة أن تشترك جميع القوي السياسية في هذه المحاولات . نعلم أن شعار وقف الحرب يتطلب أتخاذ القرار السياسي الشجاع ليس فقط من المتحاربين وإنما كذلك من المنادين لتكوين الجبهة العريضة التي تنادي بلا للحرب .
وكما ذكرنا سالفاً أن وقف الحرب قرار سياسي يتطلب شجاعة من الأطراف المتحاربة وبنفس هذا المنوال وهذا المنطق المستقيم ، أذا أردنا توسيع الجبهة المدنية للوقوف في وجه غول الحرب لابد من أن نشرك القائدين عبدالواحد محمد نور وعبدالعزيز الحلو في المفاوضات . أشراك هذه الفصائل في المفاوضات يتطلب النظر في أسباب عزوفهم . أتضح أن من أهم أسباب العزوف منذ ثورة ديسمبر وحتي الآن هو عدم التصريح الجماعي للقوي المدنية الشمالية بقبولهم علمانية الدولة علي الرغم من توقيعهم الأتفاقيات الانفرادية مع الحلو وعبدالواحد علي عدم رفضهم للعلمانية . أري أن تشجيع الحركات الحاملة للسلاح للأنخراط مع القوي المدنية والأحزاب السياسية في تحالف سياسي لتأسيس نظام ديمقراطي يقضي علي النظام البائد ومؤسساته الي الأبد ولا يميز بين السودانيين بسبب العرق او الدين أو اللغة ويفضي الي سلام دائم يتطلب قرار سياسي يستجيب لمطالب الحركات التي رفعت السلاح لعقود طويلة وفحوي مطلبها الأساسي ولا زال هو الدولة العلمانية . أتخاذ القرار من قبل رئيس التنسيقية وحتي بدون تفويض يساعد في جذب هذين الفصيلين الي طاولة المفاوضات مما يساعد في وقف نزيف الدم السوداني وهو بمثابة عربون لحسن النوايا . أعلان نيروبي لم يأتي بما لم تأتي به الرسل ولم ينشد أتفاقاً مع دولة صهيونية وأنما سعي لوقف الحرب بأتفاق مع فصائل سودانية حاملة للسلاح وتنادي بوحدة السودان ، جمعها في بوتقة واحدة ووقع معها أتفاقاً لكي يعكس جديته في تحقيق سلام عادل ولكي يشجعها للمشاركة في مؤتمر دستوري ينظر في أطروحاتها التي قد تقنع بها بقية القوي السياسية .
عادةً ، أتفاقيات السلام التي تأتي بعد الحروب يتبعها أنفصال بعض الأقاليم من الدولة المعينة وتبعيتها الي دولة أو دول أخري . أننا لم نصل الي هذه الحالة بعد . الثمن الذي يطلبه حملة السلاح لكي ينضموا الي المجموعة التي تنادي بوقف الحرب هو قيام دولة علمانية . السؤال الذي يطرج نفسه : ما هو الأجدي والأفيد للسودان ، وقف الحرب وقيام سودان علماني يجعل الدولة تقف علي مسافة واحدة من جميع الأديان أو لا سودان ؟ من المفارقات أن دول الجوار التي أستقبلت اللاجئين السودانيين بأعداد كبيرة ليس من بينها دوله دينية واحدة مع العلم أن مواطنييها يدينون بديانات مختلفة إضافة الي أن هذه الدول هي التي نلجأ لها لكي تعيننا في حل مشاكلنا الداخلية التي تمخضت عن هل تُحكم الدولة السودانية بدستور علماني أو غير علماني ؟ الطعن في علمانية الدولة يصب في خانة التشكيك في نظام الحكم في دول الجوار التي نسعي لكي تصلح فيما بيننا .
المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوي الديمقراطية المدنية
ينعقد الآن المؤتمر التأسيسي لتقدم وبغض النظر عن السلبيات التي صاحبته والتي يمكن أختصارها في عدم التمثيل الكافي للجان المقاومة ، وعدم أشراك الهيئات النقابية الفاعلة والتمثيل الحقيقي للنازحين و غياب كتلة التعيير الجذري فأنه يعتبر بادرة موفقة تحتاج الي الدعم والمساندة وتوضيح الأخفاقات التي صاحبته.
هذا لا يعني أن كل ما تطرحه (تقدم) التي ضمت أكبر تجمع من القوي السياسية (بعد التجمع الوطني الديمقراطي) هو الحل الصحيح . هي مبادرة في المقام الأول لوقف الحرب نأمل أن يستفيد القائمين عليها من السير في خط ثورة ديسمبر. الواجب الوطني يتطلب مخاطبة تقدم وأصلاح إخطائها . وكما ذكرنا سابقاً يتوجب علي تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية أن تفصح عن لقآتها وتنزع ثوب السرية عن المفاوضات التي تجريها مع طرفي النزاع والوسطاء ، خاصة وأنها تصدرتْ المشهد في ظرف حربٍ لم يتم فيها التمثيل الديمقراطي الحقيقي للقائمين بأمرها . وفي هذه العجالة أقترح لتقدم أن تطور جهازها الأعلامي وأن تنشر لوائحها الداخلية .
مع التمنيات بالتوفيق لمخرجات المؤتمر التأسيسي .
حامد بشري
29 مايو 2025
hamedbushra6@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ثورة دیسمبر لوقف الحرب وقف الحرب فی وقف
إقرأ أيضاً:
ماذا لو دخلت أميركا الحرب مباشرة؟ وما الأهداف التي لا تتنازل عنها؟
خطورة التدخل الأميركي أهداف لا تنازل عنها الرد الإيراني لماذا المقامرة الأميركية؟
يقف العالم على أعتاب لحظة حاسمة عقب تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن اتخاذ ما قد يكون أخطر قرار في مسيرته السياسية، وهو توجيه ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، استكمالا لما بدأه جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ الجمعة الماضي.
وفي مواجهة هذا التصعيد المحتمل، تظهر المواقف الإيرانية رافضة لأي استسلام أو إملاءات خارجية، وجاءت الرسالة على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، وتحمل كلماتها تحديات أكّد فيها استعداد القوات المسلحة والشعب للدفاع عن البلاد، محذرًا من أن الهجمات الأميركية ستقود إلى "عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها".
وأمام هذا المشهد الذي تتباين فيه "تقديرات الردع والرد"، يشير محللون -في مقابلات مع الجزيرة نت- إلى أبعاد أوسع للصراع، تشمل بنية النظام الإقليمي، وتغيير خريطة المنطقة وفق رؤية ممارسات القوة الحالية، ومستقبل جديد من التوازنات في الشرق الأوسط، مؤكدين أن أي خطأ في الحسابات قد يزج المنطقة بأسرها في نفق التصعيد وأبواب قد تُفتح على مجهول.
خطورة التدخل الأميركي
ويشير التوجه الأميركي -وفقا لتصريحات المسؤولين الأميركيين- إلى تحريك قوات عسكرية ونقل مقاتلات متطورة إلى الشرق الأوسط، ومنها طائرات "إف-16″ و"إف-22" و"إف-35″، إضافة إلى قاذفات "بي-52" الموجودة حاليا في قاعدة "دييغو غارسيا" بالمحيط الهندي.
وهناك خيارات أخرى تدرسها الإدارة الأميركية مثل التدخل المباشر في المواجهات، عبر شن هجوم عسكري واسع النطاق ضد منشآت إيران النووية، وعلى رأسها "منشأة فوردو" المحصنة داخل الجبال.
وحسب الكاتب والباحث السياسي أسامة أبو أرشيد من واشنطن، فإن دخول الولايات المتحدة المباشر إلى المواجهة مع إيران سيغيّر موازين القوة بشكل جذري، إذ إن قدراتها الجوية والبحرية تفوق بكثير ما يمكن أن توفره إسرائيل وحدها، خاصة مع امتلاك واشنطن قنابل خارقة للتحصينات ذات قدرة -ولو نظريا- على تدمير المنشآت النووية المحصنة بالكامل.
إعلانوفي ما يتعلق بهذه النقطة تحديدا، فقد أعربت الحكومة الإسرائيلية في مناسبات عدة عن أنه يمكنها تعطيل البرنامج النووي وإرجاعه عدة سنوات للوراء، لكنها تفتقر للقدرات التي تمكنها من تدمير هذا البرنامج من دون دعم أميركي مباشر.
وأمام هذه الرؤية التي تتجلى شيئا فشيئا مع مرور الساعات من عمر المواجهات بين إيران وإسرائيل، يذهب المحلل السياسي إبراهيم المدهون إلى أن واشنطن انتقلت فعليا إلى "مرحلة التهيئة" للتدخل المباشر في الحرب، وأن "الحشود العسكرية والتصريحات التصعيدية للرئيس ترامب تؤكد دخول الولايات المتحدة شريكا مباشرا في هذه الحرب، حتى لو لم يُعلن ذلك رسميا بعد".
ومع ذلك، فإن واشنطن تدرك فداحة كلفة حرب طويلة في المنطقة، ولهذا تميل إلى سياسة "التدخل المتدرج"، بحيث تترك لإسرائيل الدور الأكبر في المراحل الأولى وتتدخل في لحظة الحسم فقط، وفقا للمدهون.
لكن في الجهة المقابلة، يقلل مدير مركز الرؤية الجديد للدراسات والإعلام في إيران مهدي عزيزي من احتمالية التدخل الأميركي المباشر، ويرى أن الولايات المتحدة تمارس في الوقت الحالي حربا نفسية وإعلامية هدفها الضغط على طهران وإرباك الخصم، وذلك "في ظل استنزاف القدرات الإسرائيلية وعجزها عن خوض حرب استنزاف طويلة".
وتضع فداحة كلفة التدخل المباشر للولايات المتحدة في الحرب سقوفا مرتفعة لما يجب على الإدارة الأميركية تحقيقه من أهداف، وهذه الأهداف -وفق تصريحات ترامب وكبار معاونيه- تتوزع بين هدف عاجل وآخر إستراتيجي طويل الأمد.
ويصف أبو أرشيد الهدف الآني المعلن لترامب بأنه "استسلام كامل من دون شروط" من قبل إيران، بحيث يجري تفكيك البرنامج النووي الإيراني كليا، وتصفير قدرة التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، على أن تقتصر إمكانية إنتاج الطاقة النووية على استيراد الوقود النووي المخصّب من الخارج.
ويشير الباحث السياسي من واشنطن إلى أن هذا الهدف قد يتطور ليشمل تفكيك برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، الذي تعده إسرائيل تهديدا مباشرا لأمنها ولمصالح أميركا وحلفائها في المنطقة، ومنها القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في الخليج والعراق.
كما أشار المتحدث نفسه إلى هدف ثالث يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو تفكيك "محور المقاومة" الإيراني في المنطقة، أو ما تسميه واشنطن "محور الشر"، وربما الدفع نحو تغيير النظام نفسه.
أما المدهون فيذهب أبعد من ذلك، ويرى أن المشروع الحقيقي لواشنطن هو "إعادة ترتيب المنطقة بالكامل"، وربما السعي نحو "سايكس بيكو جديد" بإشراف أميركي إسرائيلي.
مضيفا أن الهدف النهائي ليس فقط إخضاع إيران واستسلامها، بل تغيير شكل النظام السياسي والاجتماعي الإيراني بما يخدم الرؤية الأميركية ومصالحها في المنطقة. و"لا يستبعد أيضا أن يكون تفكيك إيران وتقسيمها أحد السيناريوهات المطروحة إذا تحقق انتصار أميركي سريع".
وفي مقابل هذه الأهداف المعلنة أميركيا وإسرائيليا، يؤكد الخطاب الإيراني أن طهران مستعدة "للدفاع عن مقدساتها مدعومةً من المسؤولين وكل أبناء الشعب"، وأن أي هجوم أميركي "ستكون له عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها"، حسب المرشد الإيراني.
إعلانوشدد خامنئي على أن الشعب الإيراني "لن يخضع لأي إملاءات"، وأن إيران "لن يُفرض عليها سلام أو حرب".
ووفق تحليل أسامة أبو أرشيد، فإن الرد الإيراني سيكون عبر استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، خاصة تلك الموجودة في العراق والخليج، والتي تقع ضمن المدى الصاروخي الإيراني، بالإضافة إلى تحريك الحلفاء الإقليميين لفتح جبهات متعددة ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية، مع تهديدات بإغلاق مضيق هرمز وتعطيل الملاحة الدولية.
ويذهب عزيزي إلى تفاصيل أكثر في الرد الإيراني، فحسب تحليله فإن إيران لن تتخلى عن حقوقها في تخصيب اليورانيوم وتطوير قدراتها الدفاعية والصاروخية، و"كل الخيارات مفتوحة دفاعا عن مصالح إيران حتى ولو أدى الأمر إلى إغلاق مضيق هرمز وخلق أزمة إقليمية ودولية في مجال الطاقة".
في حين يوضّح المدهون أن إيران قد تجد نفسها مضطرة -إذا واجهت ضربة أميركية ساحقة تستخدم فيها واشنطن "قوة غير تقليدية"- إلى عدم الرد حفاظا على ما تبقى من الدولة، و"حتى لا تفتح على نفسها باب الدمار الكامل".
التأمل في تشابك المصالح الأميركية في المنطقة، وتوزعها على مساحات جغرافية متعددة، وبقياس حسابات المكاسب والخسائر، قد يضعنا أمام معادلة تقول: إن أميركا بتبنيها الحرب الإسرائيلية على إيران "تقامر" بمصالحها ومكاسبها في المنطقة أمام مكسب إستراتيجي نعم لكنه قد لا يتحقق أمام رد الفعل الإيراني.
وهنا، يقول أبو أرشيد إن تحميل إسرائيل وحدها مسؤولية جرّ الولايات المتحدة للمواجهة مع إيران فيه تبسيط مخل، إذ يرى أن "التوسع وفرض الهيمنة هما جزء من الجينات الوراثية للولايات المتحدة" منذ نشأتها، وهي لا تقبل بوجود منافسين إستراتيجيين في مناطق تعدّها حيوية لمصالحها.
وهذه الرؤية تعززها عقيدة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر (في الثمانينيات) التي تؤكد أنه لن يُسمح لأي قوة أخرى بمنافسة النفوذ الأميركي في الخليج العربي، وتجارب واشنطن في فيتنام وأفغانستان والعراق تؤكد أن أميركا لا تتردد في استخدام قوتها حين ترى مصالحها مهددة، حتى لو كانت الخسائر أكبر من المكاسب الفعلية، حسب ما بيّنه أبو أرشيد.
أما المدهون، فيرى أن واشنطن "تقامر" في كل مرة بمصالحها من منطلق تصور قدرتها على فرض نظام عالمي جديد، مستندة إلى تفوقها العسكري وقناعتها بأن الهيبة الأميركية تتطلب ضرب خصومها في عقر دارهم ومنعهم من امتلاك أدوات الردع.
يذكر أنه منذ الجمعة الماضي شهدت المنطقة تصعيدا خطيرا بين إيران وإسرائيل، تمثل في سلسلة من الضربات الجوية المتبادلة وتوسيع دائرة الاشتباك لتشمل جبهات جديدة، وكشفت إسرائيل عن تنفيذ هجمات جوية على مواقع داخل إيران استهدفت منشآت مرتبطة ببرنامجها النووي، واغتالت عددا من القادة العسكريين وعلماء الطاقة الذرية في إيران.
وفي المقابل، ردت إيران بإطلاق رشقات صاروخية على مواقع عسكرية إسرائيلية في عدة مناطق، مع تفعيل منظوماتها الدفاعية. وأكدت المصادر الإيرانية أن الردود الإيرانية ستستمر في حال توسعت دائرة العدوان، وهو ما دفع واشنطن لإرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى الشرق الأوسط تحسبا لانفجار إقليمي أوسع.