عُثِر في كهف في الهضبة الإيرانية الوسطى على آثار للوجود البشري تعود إلى ما بين 452 ألفا و165 ألف سنة، بينها أدوات حجرية منحوتة وعظام خيول وأسنان أولية (لبنية)، وهي الأقدم على الإطلاق مما عُثر عليه في هذه المنطقة الشاسعة الواقعة على مفترق طرق بين المشرق العربي وآسيا.

وأوضحت دراسة نشرتها في نهاية مايو/أيار الجاري مجلة "جورنال أوف باليوليثيك أركيولودجي" أن هذا الاكتشاف يعني أن أول دليل مؤرخ على استيطان المنطقة بات أقدم بـ 300 ألف عام مما كان يُعتقد سابقا.

العالم بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية في متحف الإنسان جيل بيريون شارك في إعداد هذه الدراسة، وقال إن المواد الأثرية القديمة إلى هذا الحد نادرة في هذه المنطقة.

وكان علماء ما قبل التاريخ يعرفون أن الهضبة الإيرانية الوسطى كانت مأهولة بالسكان منذ مئات الآلاف من السنين، نظرا إلى تعدُّد المواقع في المناطق المحيطة بها، وهي المشرق العربي والقوقاز في الغرب، وآسيا الوسطى في الشرق، حيث عاش بشر من عدة أنواع من جنس الإنسان، كالإنسان المنتصب والإنسان البدائي وإنسان الدينيسوفان والإنسان العاقل.

سلسلة جبال زاغروس الممتدة بين إيران والعراق وجنوب شرق تركيا (غيتي إيميجز)  مجموعة اكتشافات

ومن الأدلة على الوجود البشري، مجموعة اكتشافات لأحجار منحوتة في إيران، بعضها على سطح الأرض، وبعضها الآخر أظهرته حفريات نادرة في أمكنة محددة.

لكنّ أي حفرية لم تكن قد أتاحت بعد تحديد تسلسل زمني بهذه الدقة وبهذا النطاق الواسع.

وقال العالم الفرنسي إن المعلومات المتوافرة كانت تشوبها ثغرات عديدة في ما يتعلق "بالفترات القديمة من عصور ما قبل التاريخ".

وفي عام 2018، أعاد فريق المشروع الأنثروبولوجي الفرنسي الإيراني دراسة "كهف قلعه رد" (شمال إيران)، الواقع عند الحد الغربي للهضبة الإيرانية الوسطى التي تشرف عليها جبال زاغروس.

ويقع الكهف على ارتفاع 2137 مترا، وشهد عمليات تنقيب غير قانونية قبل عقود، عُثر خلالها على أدوات حجرية منحوتة كانت موجودة على السطح بالقرب من مدخل الكهف.

أما الحفريات الجديدة التي وصلت إلى عمق مترين ونصف متر على مساحة لا تتعدى 11 مترا مربعا، فأسفرت عن العثور على "عشرات الآلاف من القطع الأثرية"، على حد قول جيل بيريون.

ومن بين هذه القطع عدد كبير من عظام الخيول والحمير البرية تحمل آثار استخدامها للنحر، وأدوات حجرية مقطعة تستخدم في إعداد الأطعمة.

وشكلت هذه الاكتشافات مادة غنية جدا ويمكن تحديد موقعها زمنيا لأنها ظلت في مكانها على طبقات عدة، يعود أعمقها إلى 452 ألف عام، وآخرها إلى 165 ألف عام.

ويعمل هذا الفريق البحثي بقيادة الفرنسي جيل بيريون والإيراني حامد وحدتي نسب، من جامعة "تربت مدرس" في طهران.

من عاش هنا؟

وتوجت هذه الاكتشافات بالعثور على سن لبنية بشرية، يستحيل تحديد تاريخها بشكل مباشر ولكنها موجودة في طبقة يراوح عمرها بين ما قبل 165 ألف عام و175 ألفا، وهي تاليا أقدم سن معروفة على الإطلاق في منطقة لم يكن فيها حتى الآن أي أثر بشري مؤرخ بشكل واضح يعود إلى أكثر من 80 ألف عام، على ما أوضح متحف الإنسان في بيان.

وأظهرت السن اللبنية آثار خرّاج وتسوّس وارتشاف لجذرها بالكامل تقريبا، ويُحتمل تاليا أن تكون قد سقطت بشكل طبيعي في المكان الذي كانت المجموعة تستوطنه.

وقال الباحث "يمكننا أن نتخيل مجموعات بشرية كانت تستخدم الكهف، لتعيش فيه، وتأكل فيه من دون أن تشغله بشكل مستمر".

وعلى ارتفاع أكثر من ألفَي متر فوق مستوى سطح البحر، في هذه الحقبة الجيولوجية من العصر الجليدي الأوسط التي تميزت بفترات جليدية، لم يكن الوصول إلى الموقع متاحا على مدار السنة طبعا.

ولكن من كان يستخدم هذا الموقع؟ هل هي مجموعات من إنسان نياندرتال، كجيرانها الذين كانوا يعيشون على بعد بضع مئات من الكيلومترات إلى الغرب؟ أم هي مجموعات من إنسان الدينيسوفان من آسيا؟ أو ربما حتى أنواع أقدم، عاصرت إنسان توتافيل من جبال البيرينيه الأوروبية، وهو من عمر أقدم طبقة في كهف "قلعة كرد" الإيراني؟

نظرًا لقلة الرفات البشري في الموقع، لا يمكن تحديد النوع أو الأنواع التي كانت تعيش فيه.

وتحدث جيل بيريون قائلا: "نجد أنفسنا في مرحلة زمنية تغطي 300 ألف سنة من تاريخ التطور البشري، في فترة من التنوع الثقافي الكبير ربما كانت كل هذه الأنواع موجودة خلالها، كان يحل بعضها مكان بعض، وربما تعايش بعضها"، ومنها الإنسان العاقل من الجنس البشري.

وأشار إلى أن "أعمال التنقيب مستمرة في موقع "قلعة كرد"، آملا في أن تشمل "مواقع أخرى من هذه الفترات في هذه المنطقة الشاسعة، بغية تكوين فكرة أفضل عن مدى تعقيد الاستيطان البشري".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ألف عام فی هذه

إقرأ أيضاً:

أوائل الإمارات: لحظات لا تُنسى وخطط بمستوى الوطن

دينا جوني (دبي) 

بين الذهول، والمفاجأة، والفخر، استقبل أوائل الثانوية العامة في الإمارات نتائجهم لهذا العام، في لحظات لن تُمحى من ذاكرتهم، لتكون بداية مرحلة جديدة تبنى فيها الطموحات والأحلام الجديدة.
أسماء أربعة من أوائل الطلبة رووا قصص تفوقهم ببساطة وصدق، واجتمعوا على أن النجاح لا يولد مصادفة، بل يصنع بالصبر والاجتهاد، والدعم الأسري، والبيئة التعليمية التي وفرتها دولة الإمارات.


عبد الله سالم الشامسي، من ثانوية التكنولوجيا التطبيقية - عجمان، المسار المتقدم، لم يُخفِ دهشته حين رأى اسمه بين أوائل الدولة. يقول لـ«الاتحاد»: «شعرت بالذهول وبمزيج من الفخر والمفاجأة.. كنت ملتزماً بالدراسة ومعدلاتي عالية، لكن لم أكن أتوقع أن أكون من الأوائل».
 ويشرح أن سرّ تفوقه يكمن في التوازن: «كنت أدرس بشكل منتظم، وأراجع أولاً بأول، دون ضغط أو توتر.. الجو العائلي ساهم كثيراً، والمعلمون كان لهم دور كبير، وزرعوا في داخلي ثقة دفعتني لبذل المزيد».
ويتجه عبدالله لدراسة الذكاء الاصطناعي، عبر الابتعاث الخارجي، قناعة منه بأن «هذا المجال أساسي اليوم، وسيمكنني من تقديم شيء فعلي لخدمة الإمارات».


«انصدمت»!
أما حميد عادل عبيد، من ثانوية التكنولوجيا التطبيقية - الشارقة، المسار العام، فقد عرف أنه من الأوائل من خلال سيل الاتصالات التي انهالت على منزله. يقول: «انصدمت عندما رأيت اسمي في القائمة... لم أكن أعلم، وكنت أظن أنني فقط من المتفوقين، لا أكثر».  كان حميد يدرس بهدوء وثبات، دون أن يُشعر نفسه بالضغوط. حلمه اليوم واضح: دراسة الطيران، وهو المجال الذي طالما شغف به، ويأمل أن يحقق من خلاله حلم التحليق وتمثيل بلده في مجال يتطلب دقة ومسؤولية.

أخبار ذات صلة الإمارات وباكستان تعقدان الجولة الثانية من المشاورات السياسية لبحث آفاق التعاون الثنائي التجربة البرلمانية الإماراتية واكبت تطورات العصر بكفاءة واقتدار


خبر التفوق من السيارة 
في لحظة عائلية عادية، بينما كانت موزة سيف المحرزي في السيارة مع والديها، نقلت لها والدتها خبراً غير متوقّع: «اسمك الأول الذي ورد في تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن أوائل الدولة».
موزة، من مدرسة الظهرة في دبي - مسار النخبة، قالت: «كنت أتوقع معدلاً ممتازاً، لكن أن أكون الأولى على الدولة، فهذا أكبر من أحلامي». وتضيف أن سرّها كان في التوكّل، والاجتهاد، والتنظيم الصارم للوقت. «كل شيء له وقته.. حتى الراحة والخروج والدراسة. كنت أضع جدولاً وألتزم به. أحياناً أضحي، لكني كنت أعلم أن التعب مؤقت، والنجاح دائم». تطمح موزة لدراسة الذكاء الاصطناعي في جامعة خليفة؛ لأنه تخصص المستقبل، ولأنه ينسجم مع رؤية دولة الإمارات.


أدرس ما أحب لأتفوق فيه 
في قطاع التعليم الخاص، سجلت حبيبة ياسر قديح من مدرسة الشروق الخاصة - المسار العام، حضورها القوي ضمن قائمة أوائل الدولة. «تواصلت معي وزارة التربية والتعليم وأبلغوني... كنت أطمح للتفوق، لكن لم أتوقع أن أكون من الأوائل أو أحصل على هذا المعدل العالي»، تقول حبيبة.

رسائل ملهمة من جيل صاعد
يتفق الطلبة الأربعة على أن دعم الأهل، والتشجيع المدرسي، والقدوة القيادية التي يرونها في نماذج كثيرة بالإمارات، شكّلت كلها عوامل محفزة دفعتهم لبذل أفضل ما لديهم، مؤكدين أن تهنئة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لأوائل الثانوية العامة، لم تكن مجرد تكريم، بل مثلت دفعة معنوية إلى الأمام، ومؤشراً على ثقة الوطن بشبابه. من عجمان إلى الشارقة ودبي، ومن التكنولوجيا إلى علم النفس، تتشكل خريطة جديدة لجيل يؤمن بأنه إنما يصنع مستقبله بيديه، في وطن يحتضن طموحه، ويراهن عليه.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف أقدم الصخور على الأرض بتاريخ يعود إلى 4 مليارات سنة
  • أحمد خالد صالح: أقدم شخصية مصور جنائي ذكي في «فلاش باك»
  • إيران: التعرف على هوية 935 قتيلًا جراء الحرب الإسرائيلية بينهم أطفال ونساء
  • ترامب: لم أقدم شيئًا لإيران ولا أتحدث معهم منذ أن دمرنا منشآتهم النووية.. فيديو
  • أوائل الإمارات: لحظات لا تُنسى وخطط بمستوى الوطن
  • حميد عبيد من أوائل الثانوية: «انصدمت»!
  • ترامب: إيران كانت قريبة من امتلاك سلاح نووي والعودة للاتفاق ممكنة بشروط
  • مسؤول في حزب الله.. إسرائيل تكشف هوية المستهدف جنوب لبنان
  • هل شاهدت أقدم صخور على وجه الأرض من قبل؟ «صور»
  • ماهي نتائج إجتماع اللواء سلطان العرادة مع اللواء عيدروس الزبيدي؟