محمد مغربي يكتب: ثورة اصطناعية لذوي الهمم (1)
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
فى زمن ما، لم يكن للإنسان سوى ساعده للبقاء على قيد الحياة، فهو إما مُحارب يعيش من كدّ يديه وسيفه، وإما عبد قادر على تأدية مهام منزلية للعيش فى كنف سيده، وقتها، كان «ذوو الهمم» يُعدّون عبئاً ثقيلاً على المجتمع، لدرجة دفعت شعوباً إلى التخلّص منهم بأبشع الطرق، ولم يكن «هتلر» سوى منفّذ لتقاليد قديمة حين اعتبر أن أى «صاحب همّة» هو ألمانى «غير نقى»، وبالتالى يجب التخلّص منه.
لكن أفضل ما فى الإنسان أنه يتطور ويتحضّر، لذلك مع نهاية القرن العشرين لم يعد ذوو الهمم عبئاً على الدولة، بل صاروا أصحاب حقوق على الدولة أن تخصصها لهم، وتمنحهم مميزات تساعدهم على الحياة وفق احتياجاتهم الخاصة، بل صار هناك الثالث من ديسمبر، يوماً عالمياً للتذكير بحقوقهم والنظر فيما تم تقديمه إليهم وماذا يحتاجون غداً.
وكما أن كل اختراع طبى يفيد الإنسان بشكل عام، فإنه يفيد أيضاً ذوى الهمم بشكل خاص، وفى السنوات الأخيرة لم يعد الأمر مقتصراً على الطب فقط، فثورة التكنولوجيا وما أنتجته من تقنيات ساعدت كثيراً أصحاب الاحتياجات الخاصة للدمج فى المجتمع وتيسير مهامهم اليومية، بل إن هناك تقنيات صارت تستهدفهم فى المقام الأول، واستطاعت أن تمنحهم ما لم يكونوا يحلمون به، ما يجسّد وجه التكنولوجيا المشرق رغم كل ما يمكن أن يشوب أوجهها الأخرى من ظلام.
ولعل البداية كانت مع التكنولوجيا «AI»، والذى قدّم ثورة فى مختلف الجوانب، وخاصة تمكّين ذوى الإعاقة من خلال توفير أدوات وخدمات تساعدهم فى التغلب على تحدياتهم، فتطبيق مثل «ألكسا» وهو مساعد ذكى يمكنه التحكّم فى الأجهزة المنزلية باستخدام الأوامر الصوتية فقط، ساعد ذوى الهمم كثيراً داخل البيوت لأداء مهامهم اليومية بسهولة.
وكذلك استخدام كرسى «ويليكس» المتحرك الكهربائى ذاتى القيادة، وهو كرسى مزود بكاميرات رقمية مثبتة عليه وشاشة تحكّم رقمى وأجهزة استشعار «Sensors»، وذلك لتجنب العوائق وفهم احتياجات المستخدم وتفضيلاته والتحكم فى الكرسى بناء على هذه المعلومات، أى أنه يمكنه التوجه إلى الوجهة المطلوبة دون حاجة لتدخل المستخدم نفسه، تلك المميزات دفعت شركات عديدة لتصنيع كراسى «ويليكس»، بما فى ذلك شركات أمريكية وألمانية، وتقدر مبيعاته بنحو 5.8 مليار دولار فى عام 2022، فى ظل توقعات بنمو سنوى ليصل إلى 9.4 مليار دولار بحلول 2025.
أما أصحاب الإعاقة البصرية، فقدّم لهم الذكاء الاصطناعى نظارات Vii See الذكية، والتى تساعدهم فى التعرف على الأشخاص والأشياء من حولهم من خلال قراءة النصوص ووصف المشاهد، وتنتج تلك النظارات شركة Vii See اليابانية منذ عام 2017، ويتم فيها استخدام كاميرات رقمية وأجهزة استشعار SenSors، وبتحليل تقنية الذكاء الاصطناعى يتم فهم محيط المستخدم وتقديم المعلومات بطريقة مسموعة.
كما يعد أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى هذا المجال هو استخدام تقنيات التعرف على الصور لوصف محتوى الصور وفهم مضمونها، ومعرفة الأشخاص والأشياء الموجودة فيها، وكذلك التعرف على النصوص المكتوبة على الصور مثل التعرف على العملات ودفع الفواتير.
وبالنسبة لذوى الإعاقة السمعية، لم تغفلهم تقنيات الذكاء الاصطناعى التى قدّمت لهم سماعات «جارفيس» الذكية، وهى سماعات تُساعدهم على فهم المحادثات فى الوقت الفعلى من خلال ترجمة الكلام إلى لغة الإشارة «ترجمة فورية»، وذلك بربط السماعة بتطبيق على الهاتف يسمح لك، كما أن السماعة تعمل بجميع اللغات.
وتم تأسيس شركة «جارفيس» الأمريكية من قِبل فريق من المهندسين وعلماء النفس، ويُقدّر صافى إيراداتها فى عام 2022 بنحو 100 مليون دولار.
الأمر ذاته ينطبق على ذوى الإعاقة فى التعلم، إذ وفّر لهم الذكاء الاصطناعى أدوات تعليمية مخصصة لهم استناداً على تجارب تعليمية تفاعلية، وأدوات مساعدة لتحرير النصوص وإنشاء العروض التقديمية وإدارة المهام، كما قدّم أيضاً مساعدة لتحسين صحتهم النفسى بتوفير أدوات العلاج النفسى والدعم العاطفى، كما يمكنه مساعدة ذوى الإعاقة فى التواصل مع الآخرين وتكوين صداقات جديدة.
هل انتهت القائمة؟ الحقيقة لا، فمنح وهدايا الذكاء الاصطناعى لذوى الهمم طويلة وممتدة لدرجة تجعل اختصارها فى مقال واحد أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، لذلك ففى الجزء الثانى من هذا المقال ستتضح الصورة أكثر، ونعرف أكثر ما يجرى حولنا الآن من تطور مذهل.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ذوو الهمم التكنولوجيا الذكاء الاصطناعى الذکاء الاصطناعى ذوى الإعاقة التعرف على
إقرأ أيضاً:
ثورة في علاج «هشاشة العظام».. علاج جديد يمنح الأمل للملايين
في إنجاز علمي قد يُغيّر وجه الطب الحديث، أعلن الدكتور كريستوفر إيفانز، الباحث البارز في “مايو كلينك”، عن نتائج أول تجربة سريرية ناجحة لعلاج جيني جديد يستهدف هشاشة العظام، وهو المرض الذي يعاني منه أكثر من 32.5 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، ويعد من الأسباب الرئيسية للإعاقة المزمنة حول العالم.
هذا التقدّم المذهل جاء بعد نحو ثلاثين عامًا من البحث والتجارب المتواصلة، ويُبشّر بعهد جديد في علاج واحد من أكثر الأمراض شيوعًا وصعوبة في العلاج. وقد نُشرت نتائج التجربة السريرية الأولى على البشر في المجلة العلمية المرموقة Science Translational Medicine، بمشاركة فريق مكوّن من 18 طبيبًا وباحثًا.
كيف يعمل العلاج الجيني الجديد؟
يعتمد العلاج على إدخال جين يُعرف بمثبط مستقبلات الإنترلوكين-1 (IL-1Ra) مباشرة إلى الخلايا داخل مفصل الركبة، باستخدام فيروس غير ضار يُعرف باسم AAV، حيث تعمل الخلايا المعدلة وراثيًا على إفراز بروتينات مضادة للالتهاب من داخل الجسم نفسه.
هذه التقنية المبتكرة تهدف إلى تجاوز عقبة فشل الأدوية التقليدية، التي غالبًا ما يتم طردها سريعًا من المفصل بعد الحقن، مما يحدّ من فعاليتها، على عكس ذلك، فإن التعبير الجيني الناتج عن العلاج الجديد يستمر لفترات طويلة، حيث أظهرت النتائج استمرار وجود البروتينات العلاجية في المفصل لمدة عام على الأقل بعد حقن واحد.
نتائج مبشّرة… وتحسّن فعلي
في التجربة السريرية التي شملت تسعة مرضى يعانون من هشاشة العظام في الركبة، تم حقن العلاج مباشرة داخل المفصل.
وأظهرت النتائج ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات IL-1Ra، بالإضافة إلى تحسن واضح في الألم ووظيفة المفصل، دون تسجيل أي آثار جانبية خطيرة.
يقول الدكتور إيفانز: “هذه الدراسة قد تقدّم طريقة واعدة ومبتكرة لمهاجمة المرض. للمرة الأولى، نمتلك أداة يمكنها أن تغيّر بيئة المفصل من الداخل وتوفر راحة طويلة الأمد للمرضى”.
من فكرة إلى واقع… رحلة طويلة من التحديات
بدأت رحلة تطوير هذا العلاج منذ عام 2000، حين بدأ الفريق بتجربة الجين في المختبر وعلى نماذج حيوانية. ورغم الحصول على الموافقة المبدئية للتجارب السريرية في 2015، إلا أن العراقيل التنظيمية والتصنيعية أخّرت انطلاق التجربة حتى 2019.
فيما بعد، طوّرت “مايو كلينك” آلية تسريع خاصة للتجارب السريرية، ما قد يُمهّد الطريق أمام تجارب مستقبلية أسرع وأكثر كفاءة.
لماذا هذا الاكتشاف مهم؟
هشاشة العظام مرض مزمن يتفاقم بمرور الوقت، ويؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، العلاجات المتوفرة حاليًا تركز غالبًا على تقليل الألم، لكنها لا توقف التدهور المستمر في المفصل، أما هذا العلاج الجيني الجديد، فيقدم الأمل بعلاج يستهدف جذور المشكلة ويعمل من داخل الجسم نفسه.
ما القادم؟
مع النجاح الواعد للمرحلة الأولى، يتوقع أن تبدأ قريبًا المرحلة الثانية من التجارب، والتي ستشمل عددًا أكبر من المرضى واختبارات أكثر دقة لقياس الفعالية والأمان على المدى الطويل.
وإذا أثبتت المراحل التالية نفس المستوى من الأمان والفعالية، فقد نكون على أعتاب حقبة جديدة في علاج أمراض المفاصل المزمنة، حيث لا يقتصر الهدف على تخفيف الأعراض، بل على منع التدهور واستعادة وظيفة المفصل بشكل دائم.