لندن-سانا

كشف استطلاع عالمي جديد أجرته شركة “ماكنزي” حول الذكاء الاصطناعي أن الشركات في العالم تتجه في خطا متسارعة لتبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالها، وأن ذلك سيقضي على عدد من الوظائف.

وقال 65 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع: إن مؤسساتهم تستخدم الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي بانتظام وهذا الرقم الجديد يمثل ضعف النسبة المئوية التي تم تسجيلها في استطلاع أجرته الشركة نفسها قبل 10 أشهر.

وحسب الاستطلاع فإن عام 2024 هو العام الذي بدأت فيه المؤسسات حقاً في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي واستخلاص قيمة الأعمال منه حيث توقع ثلاثة أرباع المشاركين أن يؤدي الجيل الجديد للذكاء الاصطناعي إلى تغيير كبير أو مدمر في صناعاتهم خلال السنوات المقبلة، في حين أبلغت العديد من المؤسسات أنها بدأت بالفعل في تحقيق فوائد مادية من استخدام هذه التكنولوجيا مع تسجيلها لانخفاض في التكاليف وقفزات في الإيرادات، وذلك ضمن وحدات الأعمال التي يتنشر فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وشمل الاستطلاع 1363 مشاركاً يمثلون مجموعة متنوعة من المناطق والصناعات وأحجام الشركات والتخصصات الوظيفية والمناصب الوظيفية، حيث قال 981 مشاركاً: إن مؤسساتهم اعتمدت على الذكاء الاصطناعي في وظيفة عمل واحدة على الأقل، في حين قال 878 مشاركاً: إن مؤسساتهم تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل منتظم في وظيفة واحدة على الأقل.

وكشف الاستطلاع أن نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي العام أي الجيل الجديد والجيل القديم من هذه التكنولوجيا ارتفعت في جميع مناطق العالم، حيث كانت أكبر الزيادات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والصين، وبالنظر إلى الصناعات التي شهدت أكبر زيادة في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي فهي غالباً تلك التي تتعلق بالخدمات المهنية مثل التسويق والمبيعات وتطوير المنتجات والخدمات إضافة إلى قطاع الطاقة.

بدورها قالت مديرة معهد ماكينزي “كويلين الينغرود”: إن “الوقت حان لأخذ الذكاء الاصطناعي على محمل الجد بغض النظر عن نوع الصناعة”، مشيرة إلى أن” الطلب على الوظائف سيرتفع في عدد قليل من الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والبناء والتعليم، في حين سيكون الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً من اليوم وحتى عام 2030 على اقتناص وظائف في 4 مجالات، هي المساعدة الإدارية وخدمة العملاء أو المبيعات وخدمة الطعام والإنتاج والتصنيع”.

وأكدت الينغرود أن “الذكاء الاصطناعي التوليدي سيغير طبيعة العمل الذي يقوم به البشر فهو سيؤثر على نحو 30 بالمئة من أنشطتهم ولكنه لن يلغي وظائفهم، إلا أنه بالنسبة لهذه الفئات الأربع أي المساعدة الإدارية وخدمة العملاء أو المبيعات وخدمة الطعام والإنتاج والتصنيع فسوف يحدث ذلك حيث ستختفي هذه الأدوار الوظيفية الأربعة.

ووفقاً لتقرير لبنك “غولدمان ساكس” فإن التطورات المستمرة في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي من الممكن أن تجلب ما يقرب من 7 تريليونات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إضافة إلى دور هذه التكنولوجيا في تعزيز نمو الانتاجية بنحو 1.5 نقطة مئوية على مدى السنوات العشر المقبلة.

وشهدت تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوراً مذهلاً منذ نهاية عام 2022 في نقطة تحول مهمة في تاريخ التقنيات التي تعمل على جعل الأنظمة الآلية تحاكي الذكاء البشري، وبات الذكاء الصناعي يشكل مزيجاً من التحديات والفرص للقوى العاملة وأصحاب العمل.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی

إقرأ أيضاً:

حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي

كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.

إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.

تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».

انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.

طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».

أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!

حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».

ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».

الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.

كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.

وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.

في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.

مقالات مشابهة

  • استطلاع رأي لـ جالوب : تراجع حاد في تأييد الأمريكيين لـ إسرائيل
  • استطلاع: انقسام أمريكي حاد حول تأييد إسرائيل
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • “السعودية للكهرباء” تستضيف ورشة عمل حول الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستكشاف تطبيقات أنظمة الطاقة الكهربائية
  • «السعودية للكهرباء» تستضيف ورشة عمل حول الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستكشاف تطبيقات أنظمة الطاقة الكهربائية
  • "صُنّاع الذكاء" يُنمي مهارات الأطفال التقنية في جدة
  • الصحفيين تطلق استطلاعًا شاملًا عن الأمراض المزمنة والخطرة
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟