لافروف يشكر الصين على موقفها من الحرب في أوكرنيا خلال قمة "بريكس"
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاثنين، نظيره الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة "بريكس" المنعقدة بمدينة نيجني نوفغورود الروسية، وشكره على الموقف الصيني المتوازن من الحرب في أوكرانيا.
وبحسب بيان وزارة الخارجية الروسية، أعرب الوزيران عن امتنانهما لتطور علاقات الشراكة الاستراتيجية الثنائية، في ظل تصاعد الاضطرابات العالمية.
وناقش الوزيران قضايا الأمن والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والأنشطة العسكرية للولايات المتحدة "المناهضة لروسيا والصين".
وتبادل الوزيران وجهات النظر حول وضع مجموعة بريكس ومستقبلها، خلال القمة التي تستمر الاثنين والثلاثاء.
وشكر لافروف نظيره الصيني على ما أسماه "الخطوط المتوازنة" التي اتبعتها الصين، فيما يتعلق بالأزمة بأوكرانيا وقرارها بعدم إرسال ممثلين لقمة السلام الأوكرانية المزمع عقدها في جنيف.
وكانت وزارة الخارجية الصينية علقت، على الاتهامات التي وجهها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بشأن ممارسة ضغوط على عدد من الدول لثنيها عن المشاركة في "قمة السلام" المرتقبة.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ خلال مؤتمر صحفي، إن بلادها منفتحة وشفافة، ولا تمارس أي ضغوط على دول أخرى، موضحة أنه "على صعيد مفاوضات السلام فموقف الصين عادل. فهو لا يستخدم أي دولة أخرى وهو غير موجه بالتأكيد ضد استضافة سويسرا لقمة السلام هذه".
وتابعت ماو نينغ: "تأمل الصين بصدق ألا يصبح مؤتمر السلام هذا منصة لخلق مواجهة بين الأطراف"، مؤكدة أن عدم مشاركتها في المؤتمر لا يعني أنها لا تؤيد السلام.
وانتقدت الصين هذه القمة، معتبرة أنه سيكون "من الصعب" لها أن تشارك في غياب روسيا. وتشدد بكين على أنها محايدة في النزاع وتسعى إلى تحقيق وقف القتال من خلال الحوار.
إلا أن الدول الغربية تنتقد بكين بسبب تعزيز روابطها مع موسكو، ومنحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غطاء دبلوماسيا وسياسيا لشن الحرب.
و"بريكس" تكتل أُسس عام 2006، ويضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، قبل أن تنضم مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات إليه مطلع العام 2024.
وتهدف "بريكس" ذات التوجه الاقتصادي أيضا إلى إعطاء المزيد من التمثيل في القضايا الدولية، للدول النامية التي تقاوم هيمنة الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر: الموقع بوست
إقرأ أيضاً:
السلام على أنقاض الحرب: أطروحة ترامب المقلوبة
أثار الرئيس الأمريكي ترامب في أعقاب الضربة الجنونية التي نفذتها طائرات بي ـ2 الشبحية على ثلاث منشآت نووية إيرانية في «نطنز» و«فوردو» و«أصفهان» مفارقة عجيبة لمصطلح «السلام» تتجاوز الحرب الحالية إلى مستوى من الفهم قد يسود العالم أجمع.. وتكشف الدلالة الترامبية للسلام عن ملامح حالة سياسية جديدة قد تتسيد العالم في المرحلة المقبلة.
كتب ترامب قبل أن تغادر طائراته الشبحية سماء الشرق الأوسط تدوينة على منصته يقول: «حان الآن وقت السلام»! وليس السلام هنا نهاية للحرب كما يوحي التعبير، بل هو إعلان عن بدئها، فترامب يدرك أن القصف هو الشرارة لا الخاتمة. والواضح أن مفهوم السلام الذي يعنيه ترامب في عبارته المكتوبة بوعي هو لحظة تتويج القوة، وهذه مفارقة لا يمكن تجاوزها في فهم المرحلة القادمة.. السلام الذي يعلن فوق رماد القصف لا على طاولة المفاوضات، والسلام الذي لا ترعاه الدبلوماسية ولكن تفرضه القنابل الخارقة للدروع.
كانت الولايات المتحدة تدير علاقتها مع إيران خلال العقود الثلاثة الماضية عبر الضغط الاقتصادي تارة وعبر أدوات التفاوض والحوار المتعدد الأطراف تارة أخرى. وحتى عندما بلغت حافة الصدام في أحيان كثيرة، ظل الرؤساء الأمريكيون يقدّرون تكلفة الحرب مع دولة ذات عمق حضاري وجغرافي وكتلة سكانية ضخمة مثل إيران.. لكن ترامب، الذي وصف العملية بـ«النجاح العسكري الباهر»، لم ينتظر حتى تصل نتائج الضربة إلى الميدان، فتحدّث كما لو أن الحرب قد انتهت، وأن «السلام» قد تحقق بمجرد الضغط على الزناد.
ما يثير القلق العالمي الآن ليس تجاوز ترامب لحوار السلام الذي كانت ترعاه سلطنة عُمان وكانت نتائجه مبشرة بدلالة تصريحات ترامب نفسه، ولكن إعادته لتعريف السلام، ليصبح نتيجة للقصف والتدمير لا نتيجة للاتفاقيات المنبثقة عن الحوارات والتوافقات الدبلوماسية.
لا ينطلق السلام وفق مفهوم ترامب من المنطق العماني الذي يراهن على أهمية الحوار في بناء التفاهمات الدولية وحل الخلافات السياسية، ولا حتى من منطق المفكر الغربي كانط الذي يدعو لسلام دائم عبر القانون، ولا حتى ضمن مفهوم «الآباء المؤسسين» لأمريكا الذي يبدو السلام في فكرهم نقيضا للقوة العسكرية وهو ليس، بالتأكيد، مشروعا للهيمنة. والواضح أن مفهوم السلام الذي تحدّث عنه ترامب أقرب ما يكون إلى أطروحة صامويل هنتنغتون حول «صدام الحضارات»، حيث لا يُبنى السلام على تفاهم حضاري، بل على هيمنة طرف على آخر، وعلى إقرار بحدود القوة بدل تفاهم العدالة. ودعا هنتنغتون في أطروحته تلك إلى إدارة التوتر بين الحضارات، لا لتجاوزه، وهكذا يبدو ترامب حين يعلن السلام في لحظة تفوق عسكري، لا في لحظة نهاية صراع.
وما يزيد من خطورة هذا الانحراف أن ترامب لم يكتفِ بإعادة تعريف السلام، بل تجاوز بذلك أيضا التقاليد الدستورية الأمريكية التي تمنح الكونجرس صلاحية إعلان الحرب، لا الرئيس وحده. لقد تصرف كقائد أعلى يستخدم القوة بلا تفويض تشريعي، ما يعيد إلى الأذهان تحذيرات «الآباء المؤسسين» من عسكرة القرار السياسي وانزلاق الجمهورية إلى حكم الفرد المتفرد بالقرار.
والمفارقة التي يدركها ترامب تماما أن ما قصفه ليس المنشآت النووية، ولكن أحد آخر خطوط الدفاع المعنوي لإيران؛ فالقيادة الإيرانية كانت تربط هذا المشروع بفكرة السيادة والكرامة.. وإذا كان ترامب يدرك تماما أن الرد الإيراني قادم لا محالة فإن طريق السلام بات أكثر تعقيدا، فيما كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق في مسقط.
إن إعادة تعريف مفهوم «السلام» وفق أطروحة ترامب من شأنها أن تقلب معايير الشرعية الدولية، وتنذر بتكرار نموذج القوة بديلا للقانون في أماكن كثيرة في العالم.
وقال الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، محذرًا: إن قرار الحرب أخطر من أن يُترك للعسكريين وحدهم؛ لكن ترامب يثبت أن السياسيين أيضا -حين يجنحون للقوة- لا ينبغي أن تُترك لهم الحرب دون رادع دستوري أو وازع أخلاقي.
إن الأخطر في ما حدث، ليس الضربة ذاتها، رغم خروجها على كل القوانين، بل إعادة تشكيل وعي عالمي جديد يُسوِّق الحرب بوصفها مدخلا للسلام، ويقلب المفاهيم لتغدو القنابل وسيلة تفاهم. وفي اللحظة التي تغيب فيها طاولات التفاوض، وتحضر الطائرات الشبحية، يصبح السلام أكثر المفردات هشاشة في زمن القوة. وما لم يُستدرك هذا الانزلاق المفاهيمي، فإن «السلام» ذاته قد يتحول إلى كلمة حرب.