الثورة نت|

نص الدرس الرابع لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من حكم أمير المؤمنين علي “عَلَيْهِ السَّلَام” الثلاثاء 5 ذو الحجة 1445هـ/ 11 يونيو 2024م:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

يقول أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في النصوص التي رويت عنه، في سياق كلامٍ له:

((لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَايْمُ اللهِ لَأُنْصِفَنَّ المَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً)).

نقف في درس اليوم مع هذا النص فقرة فقرة للاستفادة منه؛ لأهمية ما ورد فيه.

بداية هذا النص قوله “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً))، وهو ينبههم هنا على أهمية الالتزام، والاستجابة، والسمع والطاعة؛ بالنظر إلى موقعه “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في موقع المسؤولية، التي ينبغي من خلال ذلك أن يكونوا مستجيبين له، ومطيعين له، فهم يعرفون أنه جديرٌ بتلك المسؤولية، والتزموا بالبيعة له، والإيمان بقيادته، والالتزام بقيادته، بقناعةٍ تامة، بناءً على إيمانهم بجدارته بتلك المسؤولية، وهو فعلاً جديرٌ بتلك المسؤولية العظيمة، ولو تعاون معه الناس- آنذاك- كما ينبغي، لصحح مسار الأمة، ولغيَّر واقع الأمة، ولاتَّجه بها إلى بر الأمان، إلى الصراط المستقيم، ولكان وجه العالم بخلاف ما هو عليه اليوم.

فهو ينبههم هنا أمام حالات متنوعة، البعض منها حالة ضعف في مستوى الاستجابة، في مستوى الالتزام العملي، في مستوى الطاعة، البعض حالات من التذمر، من إبداء الاستياء… حالات ليست بالشكل المطلوب في التعامل معه في موقعه في القيادة، بما هو جديرٌ به من الالتزام، والسمع، والطاعة له، ما هو جديرٌ بتلك المسؤولية في أعلى مستويات الجدارة.

وأيضاً هو يأمرهم بما فيه رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما تقتضيه المسؤولية وفق منهج الله وتعليماته، فهو هنا يقول لهم: ((لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً))، يعني: لم أصل بطريقة انتهازية وبدون جدارة إلى موقع المسؤولية، فترون أنِّي لست جديراً بالطاعة، ولا بالاستجابة، ولا بالالتزام، الأمر مختلفٌ، ليس حاله كحال الآخرين، هو في أعلى مستويات الجدارة بكل الاعتبارات، ينبههم أنه كان التزامهم بقيادته مبنياً على قناعة وجدارة، فلماذا، لماذا تلك الحالات غير الطبيعية، غير المناسبة من قلة الطاعة، أو عدم التفاعل، أو عدم الالتزام، أو الاستياء والتذمر؟

تحصل أحياناً مثل تلك الحالات السلبية في أوساط الأعوان والأتباع تجاه القيادة، بالرغم من أن القائد قد يكون- مثل ما هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في أعلى مستويات الجدارة- قد يكون القائد على مستوى الجدارة بالمسؤولية التي هو فيها، ما ينبغي للجميع أن يكونوا عوناً له، ومستجيبين له، وأن تكون انطلاقتهم واستجابتهم بالشكل المطلوب، ولكن أحياناً قد تحصل حالات فيها قصورٌ كبير في مستوى الالتزام، أو الطاعة، أو التفاعل، وحالات فيها تعبير عن الاستياء والتذمر… وهكذا حالات مختلفة ومتنوعة.

البعض من الناس قد تحصل له مثل هذه الحالة: حالة تذمر واستياء وعقد تجاه القيادة، ومنشأها أحياناً الحسابات الشخصية، أمور تتعلق بواقعه الشخصي، لديه طموحات معيَّنة، أو رغبات معيَّنة، على مستوى- مثلاً- منصب معيَّن، يريد أن يحظى بمنصبٍ معيَّن، أو لديه رغبات وطموحات مادية، يريد أن يكون له اعتماد مالي معيَّن، أو يريد أن يكون له موقع معيَّن، أو أن يترك له المجال ليتصرف كيف ما يشاء ويريد، دون محاسبة، ولا مؤاخذة في شيء، حتى لو كان تصرفاً سيئاً، أو ظالماً، أو منحرفاً، فهو يرى أنه يمتلك الحق في أن يتصرف وفق هوى نفسه، ورغبات نفسه، فإذا لم تكن الأمور معه كما يهوى وكما يرغب؛ حينها تتغير نفسيته، تحصل عنده عقدة، والعقدة منشأها ذلك: إمَّا من أجل منصب، أو من أجل مال، أو من أجل موقع، أو من أجل تصرف معيَّن، أو بأن الأمور لم تكن وفق رأيه الشخصي، قضايا معيَّنة، أو أمور معيَّنة، لم تتفق معه القيادة وفق رأيه الشخصي واتِّجاهه الشخصي؛ حينها:

-إمَّا البعض من الناس يصل به الحال إلى المشاقة، وإلى العناد، وإلى اتخاذ موقفٍ سيء.

-البعض من الناس قد تصل به الحالة إلى إبداء التذمر، والتعبير عن حالة الاستياء والسخط.

-البعض من الناس قد يتأثر في مستوى تفاعله العملي، أصبح غاضباً ومستاءً ومعقداً، ويؤثِّر ذلك على مدى تفاعله في أداء المسؤوليات…

وهكذا، يعني: تتفاوت الحالات.

-البعض من الناس قد يتَّجه إلى مستوى سلبي جداً، بالعداء، والكره، والمباينة، والافتراء، والبهتان، ويتعاطى بطريقة سلبية جداً.

فتختلف حالات الناس، وتتفاوت بمستوى ما هم عليه، من تفاعل، من وعي، من إيمان… من غير ذلك، البعض من الناس يفقد كل شيء، ويتغير تماماً.

وهذه حالة سلبية، عندما تكون تجاه القيادة المؤمنة، التي تتجه بالناس في إطار منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتتحرك بهم على أساس هدى الله وتعليماته، لا ينبغي أن يكون المعيار لدى الإنسان أموره الشخصية، أو رأيه الشخصي، أو حساباته الشخصية؛ فتتحول هي إلى معيار وإلى ضابط، يؤثِّر على مدى علاقته بالقيادة، أو موقفه من القيادة، ثم بالتالي على مستوى الالتزام العملي، الواقع… وهكذا.

((وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، وهذا أحياناً ما يسبب يعني ظهور مثل هذه الحالة والفجوة، ما بين الاتِّجاه الذي عليه الشخص، سواءً كان في موقع مسؤولية، أو كان في إطار الأمة التي تتجه في إطار موقف الحق، شخصاً منها، أحياناً قد تكون الفجوة التي تحدث بين الإنسان، وبين القيادة التي لديها ذلك الاتِّجاه والحق، هي هنا، في هذه النقطة بالذات: ((إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، فإذا لم يرى في القائد أنه يلبي له رغباته، أو يحقق له طموحاته الشخصية، أو يُنَفِّذ له آراءه الشخصية، أو يترك له المجال في أمور لا ينبغي أن يسكت له فيها: إمَّا فيها مظالم، أو أخطاء، أو مخالفات… أو غير ذلك؛ حينها تبدأ هذه الفجوة، يشعر بالفجوة ما بينه وبين القيادة؛ لأن ما يضبط علاقته به، وموقفه منه، كان ما يتعلق بأموره الشخصية وحساباته الشخصية.

عندما نتأمل في هذه العبارة: ((إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ))، هكذا كان أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في موقع القيادة للأمة، كل همه وكل سعيه أن يتحرك بها في إطار مرضات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووفق تعليمات الله، وأن يتَّجه بها إلى الله، إلى ما يرضيه، إلى ما يتطابق مع هديه، وهذا هو الخير للأمة، في ذلك فلاحها، وفوزها، ونجاتها، في الدنيا والآخرة، فيه الخير لها بكل ما تعنيه الكلمة.

وهكذا دائماً هم القادة الأبرار، المؤمنون، المتقون، هم لا يريدون الناس لأنفسهم، ولا من أجل أنفسهم، هم يريدون الناس أن يكونوا متجهين نحو الله، فيما فيه رضا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يشدُّون الناس إلى الله، هم عبارة عن طريق إلى الله، وعن دعاة إلى الله، فهم يتجهون بالناس نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفق هديه، وفق تعليماته، فيما يرضيه، وهذا هو الذي فيه الخير الكبير للناس في الدنيا والآخرة؛ ولذلك ينبغي أن تكون العلاقة معهم في هذا السياق نفسه قائمة على أساس الاستجابة، والطاعة، والتفاعل الإيجابي، والالتزام في الجانب العملي، لا تكون المسألة عند الإنسان كما أشرنا سابقاً، لأنهم ليسوا وفق هوى نفسه، ورغبات نفسه، وطموحاته الشخصية، واهتماماته الشخصية، فلديه موقفٌ منهم ويستاء منهم.

((أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ))،  يعني: لا أريدكم لنفسي، وهذه النقطة فارقة في الواقع، نقطة فارقة بين القادة الأبرار، المتقين، المؤمنين، وبين غيرهم من الانتهازيين، وأصحاب الأطماع، وعُشَّاق السلطة، الآخرون من عُشَّاق السلطة والانتهازيين والطامعين همهم أنفسهم، وتثبيت سلطانهم، تثبيت سلطتهم، وترسيخ سيطرتهم وهيمنتهم، وهمهم أن يكون الناس متجهين إليهم هم، يقبلون بهم، يعظمونهم، يقدسونهم، يطبلون لهم، يخضعون لهم، يطيعونهم في الباطل، ينتهون عندهم، هم لا يشدون الناس إلى الله، ليسوا طريقاً إلى الله، هم يقفون بالناس عندهم، ويجعلون من أنفسهم المنتهى، منتهى الولاء منتهى الطاعة، منتهى الانقياد، منتهى الارتباط عندهم، الحد هم، وحد الإنسان في الولاء هم، حده في الطاعة عندهم، حده في بقية الأمور عندهم؛ ولذلك ليسوا طريقاً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يتجهون بالناس بناءً على طاعة الله فوق كل شيء، والتوجه وفقه هدى الله وتعليماته، وهذه نقطة فارقة، تبيِّن حال من هم القادة الأبرار، المتقين، المؤمنين، ومن هم الانتهازيون، والذين لديهم رغبة في السلطة وعشق للسلطة، والتمحور حول السلطة وحول أنفسهم، وهم يتمحورون حول أنفسهم، ويريدون الناس لهم، وهم السقف المنخفض الذي لا يريدون للناس أن يتجاوزوه أبداً.

((إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ))، يشدُّون الناس إلى الله، يتجهون بهم على أساس هديه، فعلاً كان أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” نعمةً كبرى على المسلمين، لو حظي بالتعاون اللازم- آنذاك- لغيَّر وجه التاريخ، وصحح مسار الأمة، ولكان وجه العالم مختلفاً عمَّا هو عليه اليوم.

فالحالة التي لدى البعض عادةً- حتى في تلك المرحلة- تجاه أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” من التذمر، أو التخاذل، منشأها الرغبات الشخصية لدى البعض، والأهواء الشخصية، البعض أيضاً لا يريد أن يستقيم في الواقع العملي، سواءً كان في موقع مسؤولية، في منصب معيَّن، أو ضمن الأمة، واحداً من أبناء الأمة، الذين هم في إطار المسؤولية العامة في نهاية المطاف، المسؤولية الإيمانية التي تشمل الجميع، من كان له منصب، ومن ليس له منصب، فالبعض من الناس لا يريد أن يستقيم، وإذا لم يترك على حاله ليعمل ما يشاء ويريد؛ يغضب، يستاء، يتعقد ويسيء ويتذمر، ويتغير موقفه، يتغير موقفه حتى تجاه القيادة، البعض لا يريد أن يلتزم بتعليمات الله في الحلال والحرام، كان البعض منهم يسخطون على أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؛ لأنه لم يترك لهم المجال ليشربوا الخمر، يريدون أن يشربوا الخمر، فعندما أجرى عليهم الحدود غضبوا، وذهبوا عنه، والتحقوا بأعدائه، البعض من الناس للمسألة المالية… وهكذا.

البعض من الناس قد يتجه إلى مرحلة معيَّنة، متفاعلاً، مستجيباً، معبِّراً عن الولاء للقيادة، ثم تظهر في مرحلة معيَّنة تظهر له رغبات، أو طموحات، أو يواجه مشاكل معيَّنة، أو قضايا معيَّنة، فإذا لم تكن الأمور وفق ما يريد، أو لم يحصل على مبتغاه؛ يتغير، يتغير في نفسه، وتتغير حالته، فالإشكالية هي هنا: ((وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، حين يكون البعض من الأتباع، من الأعوان، من القادة، يريدون القائد أن يكون لأنفسهم، لتحقيق مبتغاهم، أمالهم، متطلباتهم، رغباتهم، أهوائهم… إلى غير ذلك. البعض من الناس حتى في طريقته في العمل، يصبح منطلقاً على هذا الأساس: هو يريد كيف يقنع القائد أن يكون له، ولكن الحالة الصحيحة للجميع بلا استثناء: للقائد، والأعوان، والقادة، وللأمة بشكلٍ عام، الشيء الصحيح الذي يستقيم به الأمر، ويستقيم به واقع الناس، هو: أن تكون الوجهة للجميع إلى الله، أن نريد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن نسعى من أجل رضاه، أن نسعى في طاعته، أن يكون همنا ومبتغانا هو رضوانه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يرضى عنَّا، عندما تتوحد الإرادة، ويتوحد الهدف والغاية، يستقيم الواقع، يتجه الجميع اتجاهاً واحداً، بانسجام، بتعاون، حتى لو حصل أحيانا التباس، أو سوء فهم، أو إشكالات معيَّنة، تكون معالجتها سهلة، ليست معقَّدة، لكن إذا تمحور الإنسان، سواءً كان في موقع مسؤولية، منصب معيَّن، أو كان واحداً من أبناء الأمَّة، إذا تمحور حول نفسه، وأصبح متجهاً وفق متطلباته، أهوائه، أصبحت هي المعيار، وهي الميزان، وهي الأساس الذي يبني عليه موقفه، هنا تظهر الإشكالات الكثيرة، ويحصل الخلل في الواقع.

((وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، لتلبية رغباتكم، ترك المجال لكم كما يحلو لكم، البعض من الناس يكون مستقيماً، متفاعلاً، منسجماً، لكن في مرحلة معيَّنة عندما يحصل منه خطأ، أو مخالفة، ثم يكون هناك توجيهٌ له ليستقيم، أو منعٌ له مما هو فيه من الخطأ والمخالفة؛ بسرعة يتغير مزاجه، موقفه، تفاعله، ويتغير تماماً، فكما قلنا: الحل هو في أن يكون اتِّجاه الجميع نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

((أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ))، من واجب الجميع من هم في موقع مسؤولية، في مناصب ومسؤوليات معيَّنة، أو بقية الأمة، من واجب الجميع أن يكونواً عوناً على البر والتقوى، عوناً فيما فيه الخير للأمة، فيما فيه عزَّتها، وصلاحها، وفلاحها، وكرامتها، فيه الخير لها في دينها ودنياها، وأن يكون اتِّجاه الجميع هو كيف يكونوا معينين، ومتعاونين، ومسهمين؛ لأنه إسهامٌ مهم، إسهامٌ يعود على كل شخصٍ من أبناء الأمة بالخير في الدنيا والآخرة، فهذه هي الحالة الإيجابية، التي تدل على وضعٍ صحيٍ على المستوى الإيماني والأخلاقي والقيمي، أنَّ الأمة بخير في إيمانها، في وعيها، في بصيرتها، في استقامتها: عندما يكون الغالب هو هذا الجو: جو التعاون، أن يتَّجه الجميع ليكون معيناً، ومتعاوناً، ومسهماً، ويعطي الله البركة مع ذلك، تتحقق للأمة نتائج كبيرة في درء الخطر عنها، في دفع شر أعدائها، في إنجازات مهمة في داخلها، في تحقيق مصالح كبرى حقيقية لها، كل النتائج الإيجابية مرتبطة بهذا: أن يكون التَّوجُّه الغالب، التَّوجُّه العام، توجهاً قائماً على أساس التعاون؛ ولهذا أتى قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: من الآية2]، فحينما يكون للناس قيادة مؤمنة، لديهم قائد مؤمن، يوجههم إلى ما فيه الخير لهم، ويتَّجه بهم في ما فيه صلاحهم، يوجههم وفق تعليمات الله، وفق هدي الله، ليحرص الجميع على أن يكونوا عوناً في تنفيذ ذلك، بحسب ما يستطيعون، كلٌّ في ما يمكنه أن يساهم فيه، حتى الكلمة الطيِّبة، حتى الأعمال والمواقف العامة، حتى ما يتعلق بالإنسان في نطاق مسؤوليته، على مستوى مسؤوليته هو شخصياً، أو الإسهام العام مع الآخرين، فإذا كان التوجه على هذا الأساس وفق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: من الآية2]، تكون النتائج مهمة جداً.

ثم على مستوى واقع الإنسان، من خلال استقامته هو، واستجابته هو، وإنصافه هو، أن يكون عنصراً خيِّراً في أمته، وفي مجتمعه، منصفاً، مستجيباً، متفاهماً، مستقيماً، هو يعين على نفسه، ويعين بنفسه، لا يجعل من نفسه إشكاليةً، نتيجةً لتصرفاته السيئة ومخالفاته، وما ينتج عنه، ويصدر منه من إساءات، أو إشكالات، أو مخالفات، تترك أثرها السيئة في واقع الناس.

فالحالة الراقية للناس، للجميع، وما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، على مستواه الشخصي، وكما قلنا: سواءً كان في موقع مسؤولية، له منصب معيَّن، أو كان في إطار المسؤولية الإيمانية العامة، واحداً من أبناء الأمة، الشيء المهم: أن يكون عنصراً فاعلاً، خيِّراً، إسهاماته إعانة في الأمور المهمة، في الأمور العامة، في الأمور العظيمة، هو يعين على مستوى التحرك في الجهاد في سبيل الله، في إطار ما يمكن من جانبه، وما يشارك فيه أو يساهم فيه من أعمال، أو مواقف، أو كذلك إسهام عملي، أو إسهام مادي، بحسب ظروف الإنسان وإمكاناته، على مستوى منصبه، على مستوى واقعه الشخصي، على مستوى نطاق مسؤولياته فيما يعنيه، وفيما يستطيع أن يسهم به خارج ذلك في إطار المسؤولية الإيمانية العامة.

أن يكون الناس عوناً، هذا أمر مهم لاستقامة الأمور، الأمة تنهض بذلك، ترتقي بذلك، تحقق الإنجازات الكثيرة بذلك، ثم تتخلص من كثير من الإشكالات والعوائق، إذا غاب هذا الجانب من واقع الأمة، ثم كثرت الحالات المختلفة عمَّا ينبغي أن تكون عليه الأمة، من تعاون على البر والتقوى، فتحوَّلت الحالة إلى حالة إشكالية، فهذا أمر مسيء جداً، ويسبب عناء كبير في واقع الناس، ويمثل إشكالية حتى أمام القائد، والحالة السلبية التي تجعل الإنسان عكساً من هذه الحالة، عكساً من: ((أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ))، عندما يتحول إلى مصدر إشكال، وحالة إشكالية في الواقع، هي حالة لها جوانب متعددة، منها:

التصرفات والممارسات الخاطئة، الإنسان إذا كان في منصب معيَّن، منصب أمني، أو منصب إداري… في أي مقام، في أي موقع من مواقع المسؤولية، وكانت تصدر منه ممارسات خاطئة، ظالمة، تتعلق إمَّا بمسؤوليته، أو في سلوكه العام، فيتحول هو في واقعه إلى واقع إشكالي، ينتج إشكالات في الواقع، ينتج ممارسات خاطئة، سيئة، ومسيئة، فيتحول إلى مصدر إشكال، مصدر إشكال، إلى عائق، الناس ينشغلون به، بعقده، بمشاكله، بمخالفاته، بما نتج عنها، يصبح هو أيضاً مصدر إزعاج، مصدر قلق، وتأثيراته السيئة كذلك، بدلاً من أن يكون عوناً ومعيناً.

أيضاً من الخطأ عندما يكون البعض بهذا الشكل: مصدر إشكال، بممارسات ظالمة، ممارسات سيئة، ممارسات مخالفة، ويصبح سلوكاً يستمر عليه، لم يعد يجد معه النصح، ولا التذكير، من الخطأ أن يحصل مع ذلك بالحماية، وأن يحظى بالحماية، بالعون، بالتعاطف معه، بالعصبية معه، البعض من باب العصبية، فيعزز ذلك موقفه في أن يستمر على ما هو عليه، أن يستمر على ما هو عليه؛ بينما لو شعر أنَّ الكل ليسوا معه فيما هو عليه من مخالفات، من أخطاء، من ممارسات سيئة، من ممارسات ظالمة، وأنَّ الكل سيقفون مع القيادة في أيِّ إجراء ضده، لمنعه من تلك التصرفات والممارسات السيئة، هذا سيكون عاملاً مساهماً في زجره وردعه.

البعض من الناس أيضاً أداؤه العملي أداء غير سليم، يعني: هو من ناحية- مثلاً- الالتزام الأخلاقي والروحي لديه التزام، لكنه في أدائه العملي أداء معقَّد، ليس أداءً ينطلق فيه بدون عقد، بطريقة سليمة، بطريقة صحيحة، يحرص على أن يؤدِّي مسؤولياته كما ينبغي، بل تدخل التعقيدات، والإشكالات العملية، ذات الطابع العملي، في أسلوبه العملي:

-إمَّا لأنه ينقصه ما يحتاج إليه من معرفة تجاه العمل، من خبرة إدارية… من نحو ذلك.

-وإمَّا لأن لديه عقداً نفسية.

-أو أنَّ لديه طموحات غير واقعية، فيربط الأداء العملي بتلك الطموحات غير الواقعية، غير الممكنة، البعض- مثلاً- يريد متطلبات وإمكانات ليست متاحة، ليست متوفرة، ثم يربط الأمور بها، ويعقِّد الأمور بها، ثم يتحوَّل أداؤهم العملي إلى أداء إشكالي، غير سليم، غير صحيح، غير إيجابي، فيؤثِّر، يؤثِّر على الواقع العملي.

البعض من الناس يحمل روحية الاستهتار، واللامبالاة، واللاشعور بالمسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيكون أداؤه إشكالي من هذا الجانب، ممارساته في موقعه في المسؤولية، في عمله، أو خارج ذلك: في سلوكه العملي والعام.

وعلى العموم، عندما يتحول الإنسان إلى مصدر إشكال: إمَّا لممارسات سلبية وسيئة وظالمة، أو ناتجة عن الاستهتار والتهاون في العمل… وغير ذلك، يتحول الأداء إلى أداء سلبي، أو خارج المنصب بكله، كما قلنا: كواحد من أبناء الأمة، سلوكه، تصرُّفه سيء، والإشكال الأكبر عندما يحظى من هو كذلك بتعاطف، بتضامن، بتعاون مبنيٌ على عصبية أحياناً: إمَّا عصبية مناطقية، أو عصبية عشائرية، أو أسرية، أو حزبية، أو جماعية، نتيجةً لانتمائه لجماعة معينة، فهم يريدون أن يكونوا سنداً له فيما هو عليه من إصرار على ممارسات ظالمة، أو ممارسات خاطئة، أو ممارسات سيئة، أو مخالفات عملية، أو عدم إنصاف؛ فحينها تتحول الحالة إلى حالة إشكالية، وعوائق، وتعقيد للأمور.

فلذلك الحالة الإيجابية هي: أن يكون الإنسان أولاً: حريصاً هو على الاستقامة، على أن يكون أيضاً منصفاً، يعني: يمتلك الإنسان هذا الحرص، إذا كنت في منصب، في أي منصب، في أي مسؤولية، احرص على أن تكون مستقيماً، ومنصفاً، الإنصاف من الإيمان، أن تنصف الآخرين، أي إنسان أخطأت بحقه، أو ظلمته، أن تكون منصفاً له، ومستجيباً في الإنصاف من نفسك، فيما عليك أن تنصف فيه، ومستقيماً، ومستجيباً، ومطيعاً، وعملياً في إطار ما هو رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وحق، وخير، أن تكون حريصاً على العدالة، أن تكون من ذوي العدل، من ذوي الاستقامة على العدل، أن تكون عوناً في الحق، ليحرص الإنسان على ذلك، ومستجيباً، ومتفاهماً في ذلك، هنا ستكون عوناً، بهذه الروحية، بهذا التوجُّه الإيماني الصادق: حرص على الاستقامة، حرص على الإنصاف من نفسك، استجابة، تفاهم، هنا أنت ستكون عوناً، تخفف، لا تكون أنت مصدر إشكالات دائماً، مخالفات، إزعاج، تعقيدات، حتى الأعمال الصالحة أنت أمامها عائق، لا تترك لها المجال لتمشي، أنت تمثل عائقاً بأسلوبك، بتعقيداتك للأمور، هذه حالة يجب أن يكون الإنسان متنبِّهاً لها، ((أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ))، والعون للقادة المؤمنين الأتقياء في طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” له نتائج عظيمة ومهمة.

ثم قال “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((وَايْمُ اللهِ))، وهذا قسم، ((وَايْمُ اللهِ)) تعني: القسم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، اليمين، ((لَأُنْصِفَنَّ المَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ))؛ لأن هذا هو من أهم المسؤوليات في دولة الإسلام، ومن أقدس المسؤوليات فيها، ومن أكبر الوظائف لها: الإنصاف للمظلوم من الظالم، وعلى الأمة أن تكون عوناً في ذلك، بل على الإنسان أن يكون عوناً حتى على نفسه في ذلك، أن يكون هو حريصاً على الإنصاف، مستجيباً، مبادراً، لا يحتاج إلى مشكلة كبيرة ومعقَّدة، البعض من الناس مثلاً يحتاج مشكلة، وجفاء، وعقد، أو يحتاج إلى مشكلة كبيرة، البعض من الناس يصل به عناده إلى أن يفتعل مشكلة أكبر: إمَّا يقاتل، أو يتعنت، ويتحدى، ويصرّ على الظلم، ويصرّ على ما هو عليه من عدم الإنصاف، وهذا ليس شجاعة، وليس شهامة، وليس مروءة، ولا يشرِّف الإنسان، العناد في موقع الإصرار على الظلم، والعناد في حالة الإصرار على باطل، هو عناد يصل بالإنسان إلى جهنم، الله توعَّد في القرآن الكريم كل جبارٍ عنيد، عنيد، أتى هذا التعبير في القرآن الكريم في عدة سور في القرآن الكريم، منها: (سورة إبراهيم)، منها: (سورة ق)، يأتي الوعيد للمعاند العنيد، الإنسان الذي هو عنيد، يصرّ على الظلم، يصرّ على باطل، يصرّ على عدم الإنصاف، يصرّ على الممارسات الخاطئة، ويعاند في ذلك، هذا شيءٌ لا يشرِّف الإنسان.

عندما يصل الإنسان إلى مثل هذه الحالة، ممن هو معاند، ومُصِرّ، مُصِرّ على ما هو عليه من ظلم، مُصِرّ على ما هو عليه من باطل، مُصِرّ على ما هو عليه من عدم إنصاف، يحتاج- لم يعد يجدي معه التذكير، ولا النصح… ولا أي شيء- يحتاج إلى الإرغام، إلى الإرغام له على ذلك. فالحالة إذا كانت حالة استجابة يتحقق الإنصاف للمظلوم من ظالمه، ويكون الناس عوناً في ذلك، بدلاً من عصبيتهم، العصبية مع الظالم هي عصبية جاهلية، سواءً وقفت معه جماعته، أو حزبه، أو قبيلته، وهو ظالم، هي عصبية جاهلية بكل ما تعنيه الكلمة، إذا كانوا حريصين عليه؛ فليدفعوا به إلى الإنصاف، وليساعدوه في الإنصاف، وليكونوا معه في الإنصاف، وفي الحق، لا أن يتعصبوا له ليبقى مصراً على ما هو عليه من ظلم، ومستمراً في ذلك.

((وَايْمُ اللهِ لَأُنْصِفَنَّ المَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً))؛ لأن البعض من الناس لم يعد ينفع معه إلَّا ذلك: أن يقاد بخزامته، الخزامة: حلقة تستخدم في أنف البعير ليقاد بها، حلقة من شعر، كانوا يشكِّلونها ويصنعونها ليقودوا البعير، البعض من الناس بعير، بعير لكن لا يسمع، ولا يفيد فيه نصح، ولا تذكير، ولا موعظة… ولا أي شيء، أسوأ من البعير حتى، لم يعد فيه إنسانية وكرامة، فيبادر إلى الإنصاف، إلى الاستجابة في الحق، يعاند، فيحتاج إلى التعامل معه بهذه الطريقة: أن يقاد رغماً عنه، أن يرغم على الإنصاف، ((حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الحَقِّ))، منهل الحق؛ لأنه خيرٌ له، لأن فيه الإنقاذ له حتى هو، والإخراج له مما هو فيه من الظلم، مع أن عليه أن يتوب إلى الله، يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى الله، أن يحرص على أن يُخرِج نفسه من غضب الله، وسخط الله.

((وَإِنْ كَانَ كَارِهاً))، أحياناً  تصبح هذه الصرامة أمام هذا النوع من الناس، ممن هو متعنت، لا يقبل بمنطق التذكير، بمنطق الأخوّة، بمنطق النصح، ولا تنفع معه، ولا تجدي أي مساعي لتدفعه إلى الإنصاف، فتكون الصرامة الضرورية معه، والتي هي مفيدة للمجتمع؛ لأنها تمثل ردعاً لغيره، يراه الآخرون من نوعيته، فيدركون أنه لا مجال لأن يبقى الوضع منفلتاً، ويتلعب الظالم والمتجبر الذي لا يراعي تقوى، ولا إيمان، ولا حق، ولا إنصاف، ولا عدل، وهمه هوى نفسه، ودوره في المجتمع دور سلبي سيء، يستغل إمَّا منصبه، أو موقعه الاجتماعي، أو نفوذه بأي اعتبارٍ كان، أو يستغل عصبية من يتعصَّبون معه، إمَّا لأنهم حزبه، أو لأنهم قبيلته، أو لأنهم أصحابه، أو لأنهم جماعته، هذه حالة خطيرة جداً، فتصبح الصرامة سبباً لجفوة، واستياء، وعقد، والمفترض أن يتعقَّد الناس من الظالم، ومن المسيء، ومن ذوي التصرفات الظالمة والخاطئة، أن تكون العقدة منهم، وليس على من يسعى إلى أن يتَّجه بالجميع الاتجاه الصحيح، الذي يتحقق فيه العدل والخير، والذي فيه المصلحة للجميع، للناس جميعاً، مثل هذه الأمور يجب أن تكون ثقافة عامة، ثم أن تكون توجهاً لدى الجميع؛ ليكونوا عوناً، وإذا تحقق هذا التعاون- كما قلنا وكررنا- يكون له نتائج عظيمة في الاستقرار الاجتماعي، في الازدهار، في تحقق النتائج المهمة للأمة، ترتقي الأمة في إيمانها ووعيها، تحقق إنجازات كبيرة، تحقق نتائج مهمة في واقعها في كل المجالات، في كل المجالات، تتمكن من النجاح، تتخلص من العوائق، والترسُّبات، والإشكالات، التي إذا كثرت؛ أصبحت عللاً ومرضاً وداءً عُضالاً، ومثَّلت- كذلك- مطبات كبيرة، وعوائق، وحواجز، وموانع تعرقل الأمة في مسيرتها الإيمانية والحضارية، تشتتها، تبعثرها، تغرقها في الإشكالات التي لا تنتهي، كل يوم إشكالات جديدة، ينشغل الناس بها، وقضية لفلان، ونزاع لفلان، وإشكال عند فلان، ومشكلة بين هذه العشيرة وهذه القبيلة، وهذا البيت وهذا البيت، هذه الأسرة وتلك الأسرة، تتعقد المشاكل، تكبر الصغائر، تكثر العلل، يفسد واقع الناس ويسوء، ثم لا يتمكنون أن يكونوا أمةً تحمل راية الحق والإسلام، تنهض بدورٍ عظيم في الواقع، يغرقون كل الغرق أمام كثير من الإشكالات، فتكثر وتكبر من الأمور الصغائر.

نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد الثورة ت ر ید ون ن ی ل أ ن ف س ک م أمیر المؤمنین علی على ما هو علیه من فی القرآن الکریم من أبناء الأمة تجاه القیادة هذه الحالة ی أ ر ید ک م واقع الناس ا ینبغی أن فیه الخیر أن یکونوا یحتاج إلى على مستوى فی الواقع ت ع ال ى س ب ح ان ه على أساس ون الناس إلى الله ما ینبغی فی مستوى على أن ی فی واقع إذا کان یکون له مثل هذه فی إطار یرید أن أن یکون غیر ذلک لا یرید أن تکون من أجل ى الله فی ذلک لم یعد ما فیه

إقرأ أيضاً:

نص كلمة قائد الثورة حول آخر التطورات والمستجدات

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

 

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

ثــلاثـة عنــاويـن لتطـــورات هــذا الأسبــوع، في العـدوان الإسـرائيلي على الشعـب الفلسطينـي والمقدَّسـات الإسـلاميـة:

العنـــوان الأول هـو: مـا يرتكبـه العـدو الإسـرائيلي مـن إبـادة جماعيـة للشعـب الفلسطينـي في قطـاع غـزَّة:

وهو مستمرٌ على ذلك على مدى عشرين شهراً، ولأكثر من ستمائة يوم، حيث بلغ إجمالي عدد الشهداء، والمفقودين، والجرحى: أكثر من (مائةٍ وسبعةٍ وثمانين ألفاً وأربعمائة فلسطيني)، نسبةٌ كبيرةٌ منهم من الأطفال والنساء.

وحينما ننظر إلى مأساة الشعب الفلسطيني، فعلينا أن نستوعب أنَّها مأساة طويلة جدًّا على مدى سبعةٍ وسبعين عاماً، ثم في هذا المستوى من الإبادة الجماعية، والتجويع والحصار، على مدى عشرين شهراً؛ ولـذلك لا ينبغي أن تكون النظرة مقصورةً، والمشاعر معها كذلك، على محصلة ما حدث خلال أسبوع، فكل يومٍ يضاف إلى هذه المأساة هو زيادةٌ في حجم المعاناة، زيادةٌ في المأساة نفسها، يزيد من حجمها، وآثارها، وأضرارها، وما يترتب عليها في واقع الشعب الفلسطيني المظلوم، هكذا هي مظلومية الشعب الفلسطيني، وهكذا هي مظلومية أهل غزَّة من أبناء الشعب الفلسطيني.

 

مــن جـرائـم العــدو الفظيعــة خــلال هــذا الأسبــوع:

استهدافه للنازحين في مدرسةٍ في منطقة (حي الدرج)، أحرق العدو الإسرائيلي فيها النازحين في خيام نزوحهم في فناء المدرسة بالصواريخ، وكانت جريمةً فظيعةً ومأساوية.

ومنها: استهدافه لأطفال طبيبةٍ فلسطينية، تعمل في مستشفى ناصر الطبي، حيث فوجئت وهي في المستشفى بوصول جثامين أطفالها التسعة، بعد استهداف العدو الإسرائيلي لمنزلها، لتجد تلك الطبيبة أطفالها أشلاء متفحِّمة في قسم الطوارئ الذي تعمل فيه، في واحدةٍ من المآسي المتكررة يومياً للشعب الفلسطيني؛ نتيجةً للإجرام اليهودي الصهيوني.

والعدو الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني، يتعمد قتل أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين؛ ولـذلك يستهدفهم في أوقات كثيرة، ومن أبرز الأوقات التي يركِّز على استهدافهم فيها: الأوقات الأخيرة من الليل في مراكز الإيواء، بعد أن يكون النازحون قد تجمعوا في خيامهم، وكذلك يركز أيضاً على إبادة الأطفال، نسبة كبيرة من الشهداء في قطاع غزَّة من الأطفال.

والعقيدة اليهودية- بنفسها- تقوم على إبادة الأطفال، إحدى مشاهير الصهاينة قالت: [نحن ملتزمون بالانتقام وتدمير غزَّة من رضيعها إلى كبيرها]؛ ولـذلك في الإحصائيات قرابة الـ (ألف شهيد) من الرُّضَّع، من الأطفال الرُّضَّع، وقد تكون الإحصائية أكبر من ذلك بكثير، والآلاف من بقية الأطفال في أعمار متفاوتة، عضوٌ سابقٌ أيضاً فيما يسمَّى بالكنيست قال قبل أيام: [كل طفلٍ رضيعٍ في غزَّة هو عدو].

وفعلاً هذه هي العقلية الإسرائيلية، والنفسية اليهودية الخبيثة المجرمة، التي تنظر هذه النظرة وتعمل على أساسها، في الاستهداف للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة؛ لأن مشكلتها مع الشعب الفلسطيني في وجوده كشعبٍ على أرضه، وهي تريد أن تقضي عليه، أن تتخلَّص منه بالإبادة، والقتل، والتهجير، وكل وسائل القضاء عليه وعلى وجوده في أرضه ووطنه؛ وبالتـالي هي تحسب حتى الأطفال الرُّضَّع بأنهم أعداء، وأن وجودهم يمثِّل مشكلةً على اليهود الغاصبين، المحتلين، المجرمين، الظالمين، المعتدين، وهم يسعون لاستهدافهم، يقوم على ذلك استهداف شامل بكل وسائل الإبادة، بالقصف الجوي، والبري، والبحري، بالتجويع، بمنع الغذاء والدواء... بكل وسائل الاستهداف.

التجويع أيضاً كوسيلة من وسائل الإبادة الجماعية مستمر، العدو الإسرائيلي ممعنٌ في الاستمرار في الحصار والتجويع، الآلاف من الأطفال مهددون بالموت جوعاً، وهناك وفيات مستمرة يومياً؛ بسبب التجويع، وسوء التغذية، والنقص الحاد في توفر الغذاء.

العدو الإسرائيلي في هذا الأسبوع، وكأسلوب من أساليب المخادعة والاستهتار، حاول أن يعمل عمليةً هي في واقعها مهزلة، والهدف منها: هندسة الجوع في قطاع غزَّة، حيث يسعى إلى إدخال مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة في حظائر ضَيِّقَة وصغيرة، ويحاول أن يبقيهم فيها في حالة اختناق لا تنتهي؛ لانتظار كميةٍ قليلةٍ جدًّا من الطعام، وفق آلية توزيعٍ إجراميةٍ وعدائية، وفي وضعٍ شبيهٍ بمعسكرات النازية في الحرب العالمية الثانية، وما كانوا يفعلونه أيضاً ضد العرب المسلمين في الجزائر، وفي ليبيا... وغيرها.

العـدو الإسـرائيلي في أسلوبه ذلك، في الوقت الذي هو يمنع فيه دخول آلاف الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية، التي تتعفن وهي باقيةٌ على الشاحنات لفترة طويلة، وهو يمنع دخولها، ويمنع أيضاً كل الفرق العاملة التابعة للأمم المتَّحدة والمنظمات من عملية التوزيع لها، هو مفضوح في مهزلته تلك، وهي مهزلة غير مقبولة دولياً، ولا يمكن القبول بها من أحد؛ لأن أي طرف دولي يقبل بها (أمم مُتَّحدة، أو أي غيرها من المنظمات) يقبل بتلك الآلية؛ فهو ينتهك ويقبل بانتهاك كل المواثيق الدولية، وكل حقوق الإنسان، وكل المواثيق المعتبرة والمعترف بها عالمياً؛ لأنها عملية عدائية، جريمة حرب، ما يسعى له العدو الإسرائيلي من إدارة وهندسة للجوع في قطاع غزَّة، ومن التَّحَكُّم في عملية التوزيع للغذاء، هي جريمة، جريمة بحق الإنسانية، وجريمة إبادة بحد ذاتها.

المساعدات الصِّحِّيَّة كذلك متوقِّفة، والعدو يستهدف بشكلٍ مستمر المستشفيات والكوادر الصِّحِّيَّة، وبتوقُّف دخول المساعدات الصِّحِّيَّة؛ تنفد المستلزمات الطِّبِّيَّة والأدوية، مع حالات المرضى والجرحى بأعداد كبيرة يومياً، يعني: في كل يوم هناك المزيد من المرضى والجرحى بأعداد كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني، الحاجة كبيرة جدًّا إلى المستلزمات الطِّبِّيَّة والأدوية، والعدو الإسرائيلي يمنع دخولها، ويستهدف المستشفيات بالقصف والاعتداءات، ويستهدف الكوادر الصِّحِّيَّة.

ممارسات العدو الإسرائيلي الإجرامية والوحشية، وإبادته الجماعية، والتجويع، والقتل، كل ذلك يسعى من خلاله إلى تحقيق هدفه في التهجير للشعب الفلسطيني، وفي الاحتلال التام لقطاع غزَّة، وهو مستمرٌ أيضاً في اعتداءاته في الضِّفَّة الغربية بكل أشكال الاعتداءات، والتي تهدف إلى تحقيق نفس الهدف في نهاية المطاف.

العدو الإسرائيلي أعلن مؤخَّراً عن عددٍ كبير يريد إنشاؤه من المغتصبات في الضِّفَّة الغربية، المغتصبات الاستيطانية، وهدفه المعلن، الذي أعلنه: أن يُعَزِّز من قبضته وسيطرته على الضِّفَّة الغربية، يواصل أيضاً كل أشكال الاعتداءات في الضِّفَّة، من قتل، واختطاف، وسطو، ونهب، كما فعل في مناطق متفرِّقة في الضِّفَّة الغربية، في مداهمته لمحلات الصرافة، ومحلات بيع الذهب التابعة للفلسطينيين، وقيامه بنهبها، والسطو عليها.

يهاجم منازل العائلات الفلسطينية، من ضمن الممارسات الإجرامية لقطعان المغتصبين، الذين يسمُّونهم بـ [المستوطنين]، يهاجمون منازل العائلات الفلسطينية، ويشعلون النار فيها، يحرقون المحاصيل الزراعية، وحتى المراعي في السهول، ويقتلعون أشجار الزيتون. وهكذا هي ممارساتهم الإجرامية، على مستوى الاستهداف للشعب الفلسطيني، بكل أشكال الاستهداف، ومع ذلك الهدم المستمر للمنازل، والتجريف المستمر في الأحياء، وكذلك على البيوت، على المحلات التجارية... وغير ذلك.

العنـــوان الثـــاني هــو: ذكــرى احتــلال القــدس، ومـا قــام بـه المجـرمــون اليهــود في هــذه الذكـرى هـذا العــام في القــدس والأقصـى يـوم الإثنــين الماضـي:

في ذكرى احتلال اليهود الصهاينة للقدس، وهي ذكرى من أسوأ ذكريات أُمَّتنا الإسلامية، ومن أخطر أيامها، ذكرى احتلال اليهود الصهاينة، الذين هم أسوأ أعداء هذه الأُمَّة، وهم العدو المجرم، الظالم، المفسد، حينما قاموا باحتلال مدينة القدس، التي تحتضن أحد أهم مقدَّسات المسلمين، وهو: المسجد الأقصى، مسرى النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، وقبلة المسلمين، شطراً من صدر الإسلام، ذكرى في إطار ما يجري حالياً في فلسطين، كان من المفترض بأُمَّتنا، بعلمائها، ونخبها، وقادتها، وذوي المسؤولية فيها، وأحرارها، وذوي الوعي فيها، كان من المفترض بكل الأُمَّة أن تلفت هذه الذكرى نظرها، وأن تُذَكِّرها بمسؤوليتها من جديد، وأن تدرك خطورة التفريط بمقدَّساتها، وخطورة الاستمرار في هذا التفريط، وأن تقيِّم وضعيتها، والمخاطر المتزايدة على المسجد الأقصى، مع استمرار العدو الإسرائيلي في خطواته العدائية، الرامية إلى تدميره في نهاية المطاف، فعلاً العدو الإسرائيلي لا يخفي هذا الهدف، هو هدفٌ معلن، والخطوات لتحقيق هذا الهدف هي خطوات مكشوفة وواضحة.

ما يقوم به العدو الإسرائيلي من اقتحاماتٍ شبه يومية بشكلٍ متصاعد، في محاولة لأن يَطْبَع وضع المسجد الأقصى بالطابع اليهودي، وأن يطمس هويته الإسلامية، وما يقوم به العدو الإسرائيلي تحت المسجد الأقصى، وفي محيطه، من حفرياتٍ وأنفاق، صمَّمها بشكلٍ مدروس، يهدف- في نهاية المطاف- إلى هدم المسجد الأقصى، وإلى تساقط جدرانه وسوره، وصلت إلى (سبعةٍ وعشرين نفقاً وحفرية)، يسعى من خلالها إلى الوصول بالمسجد الأقصى إلى حالة الانهيار، وإلى سقوط جدرانه، كما هو حال السور الجنوبي للمسجد الأقصى، الذي أصبح مُعَلَّقاً دون أساسات داعمة وحامية.

العمل الذي يقوم به العدو الإسرائيلي في الأنفاق والحفريات، تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، هو عمل منذ سنوات طويلة، وليس شيئاً جديداً، والعدو الإسرائيلي مستمرٌ فيه، منها: ذلك النفق الذي عقد كبار المجرمين الصهاينة اجتماعهم فيه، حيث بدأ التخطيط له في العام 2005، وافتتحه العدو الإسرائيلي قبل ست سنوات، بمشاركة السفير الأمريكي آنذاك، الذي أظهرته مشاهد الفيديو وهو يحمل مطرقةً ويعمل داخل النفق؛ لتأكيد المشاركة الأمريكية، والدعم الأمريكي للعدو الإسرائيلي، في الاستهداف للمسجد الأقصى؛ ولـذلك ليست المسألة متعلِّقة برد فعلٍ تجاه (عملية طوفان الأقصى)؛ بل مسار طويل، العدو الإسرائيلي الذي أحرق في بداية الأمر المسجد الأقصى، ويستهدفه بكل أشكال الاستهداف، ويعمل على تهويد مدينة القدس بأشكال كثيرة، وأعمال كثيرة، ومؤامرات كثيرة، والتفاصيل عن هذا الموضوع تفاصيل كثيرة، أُلِّفت عنها وصُنِّفَت كُتُب، وكذلك صُمِّمَت برامج، وقُدِّمَت برامج عنها؛ لأن تفاصيلها كثيرة، العدو الإسرائيلي له مسار واضح، بخطوات تهدف إلى تحقيق هذا الهدف المعلن.

في يوم الاثنين الماضي، في الذكرى التي كان ينبغي أن تكون مُحَرِّكَةً للمسلمين- كما قلنا- لتقييم ما يحدث حالياً، وما حدث سابقاً، وتقييم الوضع الذي هم فيه، وتقييم التهديد الكبير، الذي يهدد المسجد الأقصى بقدسيته العظيمة لدى المسلمين؛ لكن بدلاً من ذلك، المسلمون كانوا في حالة صمتٍ تام، ليس هناك تحرُّك، ليس هناك شعورٌ بالمسؤولية، ليس هناك اهتمام؛ في المقابل اليهود الصهاينة نفَّذوا أكبر الاقتحامات، وبالآلاف من الصهاينة للمسجد الأقصى وباحاته، ورفعوا فيه الأعلام اليهودية الصهيونية، ونفَّذوا فيه أوقح عمليات الاقتحامات منذ الاحتلال للقدس.

كان واضحاً في حجم تلك الاقتحامات، وما نفَّذوا فيها من طقوس في باحات المسجد الأقصى، وبمحاذاة حائط البراق، أنهم يريدون أن يطبعوه بطابعٍ يهوديٍ صهيوني، وأن يطمسوا هويته الإسلامية، ودنَّسوه باقتحاماتهم تلك، وبطقوسهم الخرافية، ورقصاتهم الساخرة، والمتبجِّحة، والمتحدِّيَّة للمسلمين جميعاً.

أطلق كبار مجرميهم في تلك الاقتحامات التصريحات العدائية، المؤكِّدة لنواياهم العدوانية، في تدمير المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم، وكذلك التصريحات المؤكِّدة لعدائهم لكل المسلمين دون استثناء، وللعرب جميعاً، وقال أحد كبار مجرميهم، وهو من أسوأ مجرميهم وأوقحهم، قال: [لن نُفَرِّق بين الأعداء]، وهو يقصد بذلك كل العرب وكل المسلمين.

وفعلاً هذه هي النظرة الإسرائيلية، والنفسية اليهودية تجاه كل العرب، حتى من يُطَبِّع من العرب معهم، واقعه كما ذكر الله في القرآن الكريم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، حتى من يمتلئ قلبه بالمحبة لأولئك المجرمين، الطغاة، الفاسدين، الفاسقين، الذين ليس فيهم ما يشد الإنسان إليهم، أو يُحَبِّبهم إلى الإنسان، وتعتبر المحبة لهم، والميل إليهم، والولاء لهم، حالة غير صِحِّيَّة، حالة مرضية، {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:52]، حالة مرضية، إفلاسٌ في الأخلاق، في سلامة الفطرة، خللٌ في سلامة الفطرة، الإنسان الذي يصل به الحال إلى أن يميل إليهم، وأن يرغب بالعلاقة معهم، وأن يرغب في أن يكون له ارتباطٌ بهم، وعلاقةٌ مشتركةٌ معهم، فيما هم عليه من سوء، وإجرام، وطغيان، وحقد، ومكر، وكيد وجشع، وفيما هم عليه من سوء، وخيانة، وغدر، وسوءٍ كامل في كل شيء، فهي حالة شنيعة جدًّا، وحالة غير طبيعية نهائياً! فهم كشفوا ويكشفون على الدوام عداءهم للجميع، ليست المسألة مجرَّد مشكلة بينهم وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، هم أعداء لكل المسلمين، نطق القرآن بذلك: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، من يُكَذِّب بهذه الحقيقة، فهو مُكَذِّبٌ بالقرآن، بالقرآن الكريم، بما نطق به القرآن الكريم، بصريح آيات الله في كتابه المبارك، وجاحدٌ لحقائق الواقع، التي ملأت سمع الدنيا وبصرها، فيما يفعلونه، وفيما فعلوه على مدى كل هذه العقود من الزمن.

كان من هتافاتهم في باحات المسجد الأقصى، يعني: في هذا الموقع العظيم برمزيته وقدسيته للمسلمين، كان من هتافات اليهود الهتاف بـ [الموت للعرب]، وكرَّروا هذا الهتاف، وهذا الهتاف [الموت للعرب] هو هتافٌ قديمٌ، منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي الغاصب لفلسطين المحتلة، على مدى سبعة وسبعين عاماً لم يتوقفوا عن الهتاف بهذا الهتاف، يُعَبِّرون به عن عدائهم لكل العرب، مع هذا الهتاف سياسات عدائية، أعمال إجرامية، إبادة جماعية... وغير ذلك.

وهنا يتجلَّى لكل الذين يتأثرون بالحملات الدعائية والإعلامية، من أبواق الصهيونية في المجتمع العربي، وبعض وسائل الإعلام العربية، الذين يصوِّرون للناس، في جحدان لأكبر الحقائق وضوحاً، أنه: [لا مشكلة ما بين العرب وإسرائيل؛ وإنما المشكلة إيرانية إسرائيلية]، كل شيءٍ في فلسطين يكشف كذب هذه الدعاية، ويُفَنِّدُ تلك المقولة الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، والتي فيها تنكُّرٌ تام- كما قلنا- لكل الحقائق، ولما في القرآن الكريم من آيات الله الواضحة والبيِّنة.

يهتفون في مختلف المناسبات العدائية، مع ممارسات عدائية، مع مواقف، مع أعمال، مع قتل، مع إبادة، مع جرائم، يهتفون بـ [الموت للعرب].

 

والأسوأ من كل ذلك، والأكثر تعبيراً عن شدة عدائهم للإسلام والمسلمين جميعاً، ولكل ما يَمِتُّ للإسلام بصلة، هو: هتافاتهم بعبارات يسيئون فيها إلى رسول الله وخاتم أنبيائه محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ":

والإساءة إليه هي إساءة إلى كل الأنبياء، الإساءة إلى خاتم النبيين، رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، هي إساءة إلى كل الأنبياء، وإلى مقام النُّبُوَّة، مقام الرسالة العظيم والمقدَّس، وهذا هو العنوان الثالث في هذه الكلمة.

هذه المسألة مسألة خطيرة، ومسألة مهمة في نفس الوقت، لا يجوز لكل مسلمٍ أن يتجاهلها، أو أن تمر على مسامعه بشكلٍ عادي، وكأنها مسألةٌ عادية، أو كلامٌ عاديٌ.

مما استمر عليه اليهود الصهاينة، منذ بداية احتلالهم لفلسطين، وإلى اليوم، وما قبل ذلك، يعني: هذا بالنسبة لهم من معتقداتهم، من ثقافتهم، من مقولاتهم، التي تتردد بين أوساطهم؛ لكنَّ المختلف: أن لها الآن سياق حركي عدائي ضد هذه الأُمَّة، وليست كما سبق، يعني: في أوساطهم الداخلية، في أثناء ممارساتهم لأنشطتهم الثقافية في واقعهم الداخلي، أو في نشاطهم التعليمي، في واقعهم فيما بينهم، المسألة الآن هي في سياق حركي عدائي ضد المسلمين، ضد هذه الأُمَّة، في مقدمتها العرب، فاليهود- منذ بداية احتلالهم لفلسطين وإلى اليوم- يعلنون الإساءة بالعبارات السيئة، والكلمات البذيئة، ضد وتجاه رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، إلى درجة أن ذلك أصبح جزءاً من هتافاتهم في مختلف مناسباتهم العدائية.

وكذلك الحال في موقفهم من القرآن الكريم، فيما يفعلونه من إحراق للمصاحب، وتكرر هذا كثيراً، وينشرون هم له الفيديوهات وهم يمارسون الإحراق للمصحف الشريف، أو مشاهد لتمزيقهم للمصحف الشريف، أو مشاهد لدوسهم على المصحف الشريف، ويفاخرون بذلك.

كذلك الاستهداف للمساجد بقدسيتها الإسلامية، من تدمير وتجريف من حرق، من تدنيس، من كتابةٍ على جدرانها بعبارات مسيئة إلى الإسلام والمسلمين، وإلى الرسول والقرآن.

ما يفعلونه هم، من جهتهم، غير غريبٍ منهم، فيما هم عليه من كفر، وشر، وسوء، وإجرام، وطغيان، في حالهم هذا ليس مستغرباً منهم أن يكون لهم، وأن يصدر منهم، مثل هذه الإساءات إلى نبي الإسلام، إلى رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، فالله أخبرنا في القرآن الكريم كيف هي إساءتهم إلى الله، إلى ملائكة الله، إلى أنبياء الله، وهم الذين لهم رصيد إجرامي حتى في قتل الأنبياء، وليس فقط الإساءة بالكلام إلى أنبياء الله، وفي كتابهم (التلمود)، وثقافتهم المحرَّفة، الكثير جدًّا من الإساءات إلى كثيرٍ من الأنبياء بأسمائهم، يسيئون إليهم بأفظع، وأبشع، وأقذع الإساءات والعبارات البذيئة، ويفترون عليهم أبشع الافتراءات؛ فيما يهدفون به إلى تشويههم.

لكـن الغـريب هـو: ما عليه العرب والمسلمون جميعاً من تخاذل وسكوت، وألَّا يستفزهم كل ذلك، مع أنه- كما قلنا- يأتي في إطارٍ عدائيٍ حركيٍ ضد هذه الأُمَّة، وليست في إطار التداول، مع أنه على كل حال مذموم، وجريمة، ويفترض به أن يستفز المسلمين، ويفترض به أن يكون كافياً في أن يكون لهم موقف بأرقى مستوى، ضد أولئك الأعداء المجرمين السيئين، ولكن حتى والعدو يتحرَّك عدائياً ضدهم، ويأتي ما يأتي منه في كل ذلك في إطار هذا الاستهداف لهذه الأُمَّة؛ ليعبِّر بذلك عن أنه يعادينا كأُمَّةٍ مسلمة في كل شيء: في ديننا ومقدَّساتنا، في معتقداتنا الدينية، في مقدَّساتنا الدينية، ويحقد علينا أشد الحقد في كل شيء، ولا يحترم فينا، ولا معنا، ولا لنا، أي شيء إطلاقاً: لا هوية، ولا معتقد، ولا انتماء، ولا أي شيء إطلاقاً، فهو يحقد كل الحقد، أساساً مستوى الحقد والاحتقار منه للعرب جميعاً، وللمسلمين بشكلٍ عام، أنه لا يعترف لهم حتى بأنهم بشر، وتحدثنا عن بعض المقولات التي هي موجودة في (التلمود)، ويرددونها في مدارسهم، في إعلامهم، في ثقافتهم، في حفلاتهم، في مناسباتهم، تجاه المسلمين، وتجاه الأغيار، من يُسَمُّونهم بـ [الأغيار]، يعني: بغير اليهود من المجتمعات البشرية، في نظرتهم إلى الجميع بأنهم مجرد حيوانات؛ بل يجعلونهم دون مستوى بقية الحيوانات، يفضِّلون الكلاب والحمير والخنازير عليهم، لديهم عبارات صريحة وواضحة بهذا الشأن.

 

لكن مع هذا الحقد الكبير ضدك أنت كمسلم، يفترض به أن يدفعك إلى أن يكون لك موقفٌ منهم كعدو، نظرةٌ إليهم نظرة ثابتة، واعية، راسخة، بأنهم أعداء بهذا المستوى من العداء، بهذا المستوى من الحقد، عليك وعلى كل مقدَّساتك، وليس لك عندهم ولا ذرة احترام، حتى لو كنت من المُطَبِّعِين والمُوَالِين، ليس لك عندهم ولا ذرة احترام، ولا لأغلى مقدَّساتك، ولا لأعظم مقدَّساتك، ولا لشيءٍ مهمٍ عندك، ليس هناك بالنسبة لهم أي ذرة احترام لك، ولوجودك، ولمقدَّساتك، ولهويتك، ولانتمائك؛ بل على العكس، يحقدون عليك في كل شيء، ويعادونك أشد العداء في كل ذلك.

أمَّا فيما يتعلَّق بالرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وبالقرآن الكريم، بالدين الإسلامي الحق، في عدائهم له، فعداؤهم له فيما هم عليه هم من إجرام، وسوء، وطغيان، وبشاعة، ولا إنسانية، ولا أخلاق، ولا قيم، هو يشهد على عظمة الإسلام، على عظمة الرسول، على عظمة القرآن؛ لأن الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ولأن القرآن الكريم، والدين الإسلامي الحق في أصله، في صفائه، في نقائه، هو يُجَسِّد ويمثِّل القيم الحق، وقيم الخير، وقيم العدل، والأخلاق الكريمة، والقيم الفطرية الإنسانية، التي أودعها الله في نفوس المجتمع البشري، واليهود الصهاينة هم أعداء لكل ذلك، أعداء للحق، أعداء للقيم الإنسانية الفطرية، هم من يمثِّلون الظلم، والإجرام، والطغيان، والفساد، والأحقاد، والشر، هم من يُجَسِّدُون حالة الشر، في أفكارهم، وسلوكياتهم، ومعاملاتهم، وتصرفاتهم، وكل هذا واضح فيما يفعلونه تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ظهروا أمام العالم أجمع كجهة شر، جهة شر بكل ما تعنيه الكلمة، وجهة ظلامية، مبطلة، فاسدة، حاقدة، لا تقبل بأي شيءٍ من القيم المتعارف عليها بين كل المجتمعات البشرية، ولا تقبل بأن ترعوي للحق والعدل، ولا لصوت الإنسانية، كل الشعوب في كل العالم تهتف بوقف الإبادة الجماعية، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وهم يتجاهلون كل ذلك.

ولكنَّ العار على المسلمين، حينما يفقدون الغَيرة حتى على دينهم، على مقدَّساتهم، ولا يبقى لهم اهتمام بأي شيء، لا من دينهم، ولا من دنياهم، اليهود بكل هذا الحقد على كل ما يتعلَّق بديننا الإسلامي، حتى تجاه الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وتجاه القرآن الكريم، لكن فيما يتعلَّق بدنيانا أيضاً، هم يريدون أن ينهبوا كل شيء، هم خطر على أمننا كأُمَّةٍ مسلمة، على ثرواتنا، على أوطاننا، مخططاتهم ومؤامراتهم واضحة، للاحتلال، للسيطرة، للنهب، للسطو، للتغلُّب، للقتل، للإبادة، وما يفعلونه، وما يريدون أيضاً فعله، وما فعلوه في الماضي منذ بداية احتلالهم لفلسطين، وما فعلوه ضد البلدان الأخرى، واضحٌ، وكلها شواهد على ذلك.

الحالة التي يصل فيها المسلمون، إلى ألَّا يبقى لديهم اهتمام لا بدينهم ولا بدنياهم، ولا غَيرَة على دينهم ومقدَّساتهم، هي حالة متدنية جدًّا، وحالة مؤسفة، وحالة مطمعة للأعداء فيهم، وخطيرة عليهم فيما بينهم وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هي حالة لم يصل إليها غيرهم من الشعوب والأمم والملل، حتى المشركون، حتى المشركون لم يكونوا بهذا المستوى من الاستهتار واللامبالاة تجاه ما يعتقدونه، ويُقَدِّسُونَهُ، ويتشبَّثون به، وهو باطل، والله ذكر لنا الكثير عنهم في القرآن الكريم، مما ذكره عنهم: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ}[ص:6]، حالة استنفار، وتحرُّك، ومواقف، وحاربوا، وفعلوا كل شيء؛ من أجل باطلٍ هم عليه، لكنَّه بالنسبة لهم معتقدٌ يعتمدون عليه، يغضبون لأجله، ومقدَّسات بالنسبة لهم يغضبون من أجلها، في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام": {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}[الأنبياء:68]، يعني: لا سكوت، لا تهاون، لا مهادنة أمام تحرُّك كهذا، وهم مِلل باطلة على كفر، على شرك.

فكيف يصبح حال من ينتمي للإسلام، الذي هو الدين الحق، ومقدَّساته هي أعظم المقدَّسات قُدْسِيَّة، هي التي تمتلك القدسية الحقيقية، وتستحق مِنَّا التعظيم والتقديس، هذا الدين الذي من خلال تمسُّكنا به، وأن نحمله أيضاً كمشروع وقضية، هو سببٌ لنصرنا، أن نكون أُمَّةً عزيزة، منتصرة، تحظى بتأييد الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبرعايته، وبالنصر منه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ثم يصل الحال بهذه الأُمَّة إلى أن تفقد أي تفاعل، يحدث ما يحدث، بمثل هذا المستوى من الإساءة إلى رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، إلى القرآن الكريم، ولا يُحَرِّك مثقال ذرةٍ من السخط، أو رد الفعل، تجاه الكثير من أبناء هذه الأُمَّة؟! هذه حالة خطيرة جدًّا! أين هذا المستوى من المستوى التربوي الإيماني، الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم، في مستوى أن تكون في مستوى المحبة لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والتعظيم له، وأن يكون ذلك فوق كل ما هو عزيزٌ على الإنسان، أو مهمٌ لدى الإنسان!

ولهذا يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:24]، وفعلاً حالة التَّرَبُّص: أن يتحوَّل واقع الإنسان إلى متربِّص، ومجرَّد منتظر لما تؤول إليه الأحداث، ولأنه فقد الدافع الإيماني، وفقد الطاقة المعنوية، والدافع المعنوي، ووصل إلى حالة إفلاس في إنسانيته، في أخلاقه، في قيمه، وهذا تأثيرٌ خطير- كما قلنا في الكلمة الماضية- للمسار الآخر من المعركة، ما بين أُمَّتنا وأعداء الإسلام، وهو المعركة الناعمة، الحرب الناعمة، المفسدة، المضلة، التي تستهدف هذه الأُمَّة في فكرها وثقافتها، وفي روحها المعنوية، وفي قيمها وأخلاقها؛ لكي تصل بها إلى حالة تتحول إلى أُمَّة مدجَّنة، مدجَّنة للأعداء، يسهل عليهم الإبادة لها، والسيطرة التَّامَّة عليها، والتَّغَلُّب الكامل عليها.

عندما نلحظ في واقع أُمَّتنا الإسلامية، حينما تكون المسألة مسألة إثارة فتن في داخل الأُمَّة، كيف أنَّ البعض يتحرَّكون بكل شِدَّة، بكل قسوة، بكل اهتمام: إعلامياً، وعسكرياً، وأمنياً، ومادياً... بكل الوسائل، إمَّا تحت عناوين لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، عناوين من عناوين الاختلاف المذهبي، ويكون معها الكثير من الافتراءات، والدعاوى الباطلة، التي لا أساس لها من الصِّحَّة، ولكنَّها تهدف إلى تأجيج وإثارة المشاعر؛ من أجل الدفع بالناس إلى الفتن، أو عناوين سياسية أخرى... أو غير ذلك، يظهر التفاعل، والغضب، والانفعال، والمواقف؛ ثم عندما يقوم الصهاينة اليهود المجرمون بالسب والإساءة إلى رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، والمسلمين جميعاً، من صدر الإسلام وإلى اليوم، لا يتحرَّك مثقال ذرة من السخط لدى مؤججي الفتن، ومثيري الفتن، ولاسيَّما الفتن تحت العناوين المذهبية والطائفية.

 

العدو الإسرائيلي هو عدوٌ للإسلام وللمسلمين جميعاً، والمعاول التي يحفر بها الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي القدس، هي تهدف إلى هدم تاريخ المسلمين، وحاضرهم ومستقبلهم؛ ولـذلك لا ينبغي أبداً لأي مسلم أن ينظر إلى ما يجري في فلسطين وكأنه لا يعنيه أبداً، [هي أحداث هناك، وماذا تعنيني هنا!].

هناك يعني فلسطين، يعني الأقصى، يعني مقدَّساتك، يعني جزءٌ من أُمَّتِكَ، شعبٌ هو جزءٌ من أُمَّتِكَ، هناك يعنيك، هناك أنت، هناك العدو الإسرائيلي، الذي يحمل لك من العداء بالمقدار نفسه الذي حمله ضد الشعب الفلسطيني، بنفس ذلك الحقد هو يحقد عليك، حينما تشاهد إجرامه ضد الشعب الفلسطيني، حينما تشاهد وحشيته وعدوانيته إلى درجة الإبادة للأطفال، هو حاضرٌ لأن يفعل بأطفالك نفس ما فعله بأطفال فلسطين، نفس ما فعله بأطفال الشعب الفلسطيني، أن يبيد النساء في بقية الشعوب العربية، كما أباد النساء من أبناء الشعب الفلسطيني، في قطاع غزَّة، وفي غيره قطاع غزَّة؛ ثم هو عدوٌ لك حيث أنت، ومخططاته ومؤامراته تطالك حيث أنت، وتستهدف بقية مقدَّساتك، له نفس الخطة تجاه ماذا؟ تجاه مكة، تجاه البيت الحرام، تجاه شعائر الحج، تجاه المدينة المنورة، تجاه مسجد الرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" في المدينة المنورة، نفس المخططات لاستهدافها، وتدميرها، وهو يحمل نفس الأحقاد على كل مقدَّساتك؛ ولـذلك ليست المسألة مسألة يمكن لك أن تتجاهلها، وتعفى من آثارها ونتائجها، عليك مسؤولية أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وآثار وامتدادات ما يحدث يصل إليك شئت أم أبيت، ولا ينفع التجاهل والتَّنَصُّل والتفريط في هذه المسؤولية.

 

فيمــا يتعلَّـق بالصمــود الفلسطينـي، وله الدور الأول في أنَّ العدو الإسرائيلي لم ينتقل إلى استكمال بقية مخططاته بشكلٍ كبير؛ لأنه لا يزال هناك عائق كبير يواجهه، هو هذا الصمود الفلسطيني:

نَفَّذَت (كتائب القسام) تسع عمليات مهمة في قطاع غزَّة، في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي وتوغلاته البرية.

هناك عمليات أخرى أيضاً لـ (سرايا القدس، والفصائل) تتصدَّى للعدو.

أطلقت (سرايا القدس) أيضاً عدداً من الصواريخ لقصف المغتصبات والتحشدات العسكرية الصهيونية.

العدو الإسرائيلي، بالرغم من أنه حشد (خمس فرق عسكرية)؛ بهدف إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، والاجتياح الكامل، والسيطرة التَّامَّة على القطاع، لكنَّ موقفه ضعيفٌ عسكرياً، يواجِه صموداً عظيماً وبطولياً من قِبَلِ إخوتنا المجاهدين في قطاع غزَّة، بالرغم من الإمكانات المحدودة جدًّا على المستوى المادي، لكنَّه يحاول أن يعوِّض هزائمه بالجرائم الكبيرة، بالإبادة الجماعية، بالتجويع الشديد، بالاستهداف للمستشفيات، بالاستهداف للنازحين... وغير ذلك.

 

مستوى الصمود من قِبَلِ الإخوة المجاهدين هو صمود عظيم، كما قلنا: في مقابل (خمس فرق عسكرية) تتحرَّك بغطاء ناري (جوي، وبري، وبحري)، وهذا يدل- كما أكدنا مراراً وتكراراً- على نجاح هذا النموذج، وأنَّه جديرٌ بالدعم والمساندة من هذه الأُمَّة، ولو توفَّر له الدعم الكافي، لكان الوضع مختلفاً تماماً.

الدور الأمريكي شريكٌ في كل الإجرام الصهيوني اليهودي، ومع ما يقدِّمه الأمريكي من دعمٍ كامل بمختلف الأسلحة: قنابل، صواريخ، قذائف، أموال نقدية من تريليونات العرب... وغير ذلك، إلَّا أنَّ مع ذلك أيضاً، ومع الدعم السياسي، والدعم الإعلامي... وكل أشكال الدعم، هناك أيضاً حتى التحريض من قِبَلِ الأمريكيين، ومن ذلك ما تكرَّر من أعضاء في (الكونغرس) الأمريكي، على مدى المراحل الماضية تكرَّرت الدعوة بالإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة بالقنابل النووية! إلى هذا المستوى من الحقد، والنزعة الإجرامية، مع التباهي بالجرائم الأمريكية، وما فعلوه من هذا القبيل سابقاً، كما فعلوه في اليابان.

فيمــا يتعلَّـق بلبنـــان: في يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري كان عيد المقاومة والتحرير في لبنان، وهي ذكرى عظيمة ومهمة، مثَّلت محطةً فارقةً في الصراع مع العدو الإسرائيلي، وكان للأمين العام لحزب الله، الشيخ/ نعيم قاسم "حَفِظَهُ اللَّه"، كلمة مهمة في المناسبة، وهي كافية.

فيمــا يتعلَّـق بســوريـا: يستمر العدو الإسرائيلي حتى في الغارات الجوية، كما حصل في (اللاذقية، والسويداء)، يستمر في التوغّلات والاختطافات، في القصف الجوي، حتى في السرقة والنهب، وهذا درس، درسٌ لكل الناس، العدو الإسرائيلي قام بسرقة قطيعٍ من الأبقار أثناء رعيه في منطقة (رسم الزعرورة)، واقتاده إلى الجولان المحتل؛ لـذلك هذا العدو الدنيء يمارس كل أشكال البلطجة، والسرقة، والنهب، والاعتداءات، ليس هناك أحد بمأمن منه، حتى لو كنت بدوياً معك قطيعٌ من الأغنام أو الأبقار، فهو خطرٌ عليك، وعلى قطيع أغنامك وأبقارك.

فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة المسـانــدة للشعـب الفلسطينـي: كان هناك مظاهرات ووقفات في (ست دول) عربية وإسلامية، وكان من المفترض أن تكون في كل الدول العربية والإسلامية، وأيضاً فيما يقارب (عشرين دولة أخرى) من خارج العالم الإسلامي؛ بدافع الضمير الإنساني.

فيمــا يتعلَّـق بعمليــات الإسنــاد في (معــركة الفتــح الموعــود والجهـــاد المُقَــدَّس) في يمن الإيمان والحكمة:

في هذا الأسبوع نُفِّذِت العمليات العسكرية بـ (أربعة عشر) صاروخاً فرط صوتي، وبالِسْتِي، وطائرة مُسَيَّرة، إلى عمق فلسطين المحتلة؛ لاستهداف أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي في: (يافا، وحيفا، وعسقلان، وأم الرشاش) في فلسطين المحتلة.

فيمــا يتعلَّـق بالبحــر الأحمــر: لا يزال مغلقاً، ولا تزال الملاحة ممنوعة على العدو الإسرائيلي، ولا يوجد أي حركة للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي في مسرح العمليات (في البحر الأحمر، عبر باب المندب، إلى خليج عدن والبحر العربي).

في هذا السياق نفسه، أنا أتوجَّه من جديد بالمطالبة والمناشدة للأنظمة العربية والإسلامية، وهي قرابة (خمسة أنظمة) تقوم بالتعاون مع العدو الإسرائيلي في المجال الاقتصادي، تعاوناً خطيراً، يعني: نسبة كبيرة من حركة السفن في البحر الأبيض المتوسط، التي تحمل البضائع إلى العدو الإسرائيلي، ومن عند العدو الإسرائيلي، هي تعود لأنظمة عربية وإسلامية، لخمس أنظمة عربية وإسلامية، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا، ومحزنٌ للغاية! خيانة للأمة، خيانة للإسلام والمسلمين، ومشاركة وإسهام فيما يفعله العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولة للالتفاف على الإجراءات التي يقوم بها بلدنا نُصرةً للشعب الفلسطيني.

فيمــا يتعلَّـق بالعــدوان الإســرائيلي بالأمـس على مطــار صنعــاء: هذا العدوان لن يوقف العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني، ظروف الحرب في بلدنا لا يمكن أن تخضع اليمن (لا رسمياً، ولا شعبياً) عن أداء مهامه المقدَّسة، وأي تضحيات نقدِّمها في سبيل الله تعالى هي تضحيات مشرِّفة، ونحن في إطار موقف عملي وجهادي، نضرب العدو الإسرائيلي، نسعى إلى التصعيد في عملياتنا لاستهدافه نصرةً للشعب الفلسطيني، وبإذن الله تعالى ستكون العمليات في المرحلة القادمة أكثر فاعليةً وتأثيراً على العدو الإسرائيلي، الأخ الرئيس "حَفِظَهُ اللَّه" حضر بالأمس إلى المطار، وأكَّد المواقف المعلنة والقوية لبلدنا (رسمياً، وشعبياً).

حينما نتأمل في واقع الحال، هناك في غير بلدنا (في سوريا، وفي غير سوريا) مطارات، ومنشآت، ومناطق، ومنازل، تُستهدف وتُدَمَّر، ومعسكرات كذلك، يستهدفها العدو الإسرائيلي، يقصفها بالغارات الجوية، ومن دون أن يكون هناك موقف عملي في المقابل، ما يمكن أن يحصل لنا ونحن في إطار موقفٍ عملي، هذا شرفٌ بالنسبة لنا، لسنا في حالة تدجين، ولا استسلام، في مقابل أي اعتداء من جهة العدو، ونحن- بتوفيق الله تعالى- في الموقف المشرِّف الذي نستهدف فيه العدو، وموقف بلدنا هو فاعل ومؤثِّر، لو كان موقفاً لا فاعلية له ولا تأثير، لتجاهله العدو الإسرائيلي؛ مع انشغاله ومحاولة أن يستفرد بالشعب الفلسطيني، ولكن العدو الإسرائيلي يرى ويعيش تحت وطأة وتأثير هذا الموقف الفاعل لبلدنا، وهذه نعمةٌ كبيرة.

فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة الشعبيــة على مــدى (عشرين شهراً) لشعبنـا العـزيـز: فقد بلغت (اثنين مليون ومائة واثني عشر ألفاً وسبعمائة وواحد) من: مظاهرات، ومسيرات، ووقفات متنوعة: وقفات قبلية، وقفات طلابية، وقفات أيضاً نسائية... وقفات متنوعة، وهناك أيضاً أنشطة للتعبئة العامة، من: تدريب، ومسير عسكري، وعروض عسكرية، ومناورات، وأُمسِيَّات، ووقفات، ومظاهرات، ومسيرات، هذا العدد يُعبِّر عن الزخم الكبير على مستوى المناسبات، والفعاليات، والأنشطة، أنَّها بهذا المستوى، بهذا العدد الذي لا مثيل له تجاه أي قضية أخرى، لا في اليمن ولا في غيرها، وهذا من التوفيق الإلهي لشعبنا العزيز.

في الأسبــوع الماضــي: في المسيرات التي خرج فيها شعبنا في يوم الجمعة: (ألف وستين مسيرة ومظاهرة) في المدن والأرياف، في خروجٍ شعبيٍ واسعٍ جدًّا، وهذا من توفيق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لشعبنا العزيز.

في الثاني والعشرين من مايو، مرَّت بنا ذكرى الوحدة اليمنية، وعيد الوحدة اليمنية، وكان للأخ الرئيس كلمة كافية عن الموضوع.

مـن الأنشطــة أيضــاً في هــذا الأسبــوع: اختتام الدورات الصيفية، وهي دورات مهمة ومفيدة، ولها إسهامها الملموس والمؤثِّر في بناء هذا النشء وهذا الجيل لشعبنا العزيز، جيل المستقبل، وشباب المستقبل، الذين تساهم هذه الدورات في بنائهم ثقافياً، ومعرفياً، وتربوياً، وجهادياً، ولها أثرها العظيم؛ ولـذلك هناك انزعاج رهيب وكبير جدًّا من جهة الأعداء تجاهها، وهذا يَسُرُّنَا كثيراً.

فيمــا يتعلَّـق بالموقـف اليمنـي المتكامـل (رسمياً، وشعبياً، وعسكرياً)، وفي مختلف الأنشطة، في مختلف المجالات، في مستوى فاعليته وتأثيره، وفي قوته وتناميه، من أهم الشواهد على ذلك، هو: فشل العدوان الأمريكي في تصعيده في جولته الثانية من إسناده للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، يعتبر ما حدث نجاحاً كبيراً بتوفيق الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونصراً عظيماً من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لشعبنا العزيز، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

نحــن قلنــا كثــيراً: أنَّ الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والانطلاقة في سبيله، تبني الأُمَّة، لتكون أُمَّةً قوية، فعَّالة، وعزيزة، وحُرَّة، وثابتة، وصامدة، وقوية في مواجهة التحديات، وفي مواجهة الأخطار، الاستجابة لله هي حياةٌ لِلأُمَّة، {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24]، فعلاً الاستجابة لله والانطلاقة في سبيله هي حياة، هي قُوَّة، هي عِزَّة، هي كرامة.

ولـذلك هناك إجماع في الغرب على فشل للعدوان الأمريكي، في الجولة الثانية من التصعيد ضد بلدنا إسناداً لإسرائيل، من المحللين، والخبراء، والدراسات، ومراكز الدراسات والأبحاث، ووسائل الإعلام، وأكثر من ذلك: هناك تصريحات لمن هم في مواقع مسؤولية، لبعض المسؤولين الأمريكيين، لعسكريين في البحرية الأمريكية... ولغيرهم.

كان من هذه التعليقات في هذا الأسبوع: تصريح لنائب الرئيس الأمريكي، في هذا الموقع المعروف أهميته بالنسبة لأمريكا، في موقع المسؤولية كنائب لرئيس أمريكا، قال في هذا التصريح وهو يعلِّق على الفشل الأمريكي في العدوان على بلدنا: [عصر الهيمنة الأمريكية على البحر والجو والفضاء انتهى]، لاحظوا أهمية هذا التصريح، وماذا يعنيه، وماذا يدل عليه من نصرٍ عظيمٍ لبلدنا في مواجهة العدوان الأمريكي عليه، [عصر الهيمنة الأمريكية على البحر والجو والفضاء انتهى، وعلى الولايات المتحدة وجيشها أن يتكيفا]، يعني: عليهم أن يتقبَّلوا هذا الواقع، وأن يتعاملوا مع هذا الواقع بناءً على أنَّ الوضع أصبح بهذا المستوى، لم يعد بإمكانهم أن يهيمنوا بمثل ما كانوا عليه سابقاً: على البحار، على المحيطات، على الأجواء، وقال أيضاً: [لقد تدخلنا في اليمن بهدفٍ دبلوماسي، لا نورِّط فيه قواتنا في صراعٍ طويل الأمد]، ماذا يعني ذلك؟ يعني: أنَّ الأمريكي وصل إلى قناعة أنَّه غير قادر على حسم المعركة لصالحه؛ وإنما يتورَّط لزمنٍ طويل، يستنزفه ذلك، يعرِّض نفسه فيه للمخاطر، وللفضائح في الهزائم العسكرية، والفشل... وغير ذلك، [يجب على قواتنا التَّكَيُّف مع عالمٍ تُلحِق فيه الطائرات المسيرَّة الرخيصة، وصواريخ كروز المتاحة، الضرر بأصولنا وقواتنا]، يعني: مثل ما كان هناك من خطر على ماذا؟ على حاملات طائراتهم، وقائد حاملة الطائرات (ترومان) سَيُغَيَّر حسب ما أعلنه الأمريكيون، هذا جزء من حالات الفشل بعد انسحاب حاملة الطائرات (ترومان).

على كُلٍّ، موقف شعبنا العزيز هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، إحياءٌ لهذه الفريضة العظيمة المقدَّسة، التي هي شرفٌ وفضلٌ كبير، قال الله عنها: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54]، أداءٌ لواجب لاكتمال دينك، وفي نفس الوقت شرفٌ عظيمٌ، وسلامةٌ من الخزي، التفرُّج على اليهود الصهاينة في حربهم ضد هذه الأُمَّة، يحرقون المصاحف، يمزِّقونها، يدوسون عليها، يسيئون إلى رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، يتكلَّمون بالكلمات البذيئة في مناسبات موجَّهة ضد هذه الأُمَّة، في تحدٍ لهذه الأُمَّة، ثم تهديدٍ للمسجد الأقصى، إبادة للشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأُمَّة، احتلالٌ لفلسطين، التي هي جزءٌ من البلاد الإسلامية والعربية، تهديدٌ لكل بقية البلدان، لكل المسلمين، لكل المقدَّسات، ثم أن يقابل ذلك بصمت، بسكوت؛ خزي! عار! أمر فظيع جدًّا، لا يتقبَّله إنسان بقي لديه ذرةٌ من الإنسانية، ومؤمنٌ بقي لديه ذرةٌ من إيمان، لا يمكن أن يتقبَّل ذلك، الله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8]، والرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" قال فيما روته عنه الأُمَّة: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ))، ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))؛ ولـذلك فَعِزَّتنا كشعبٍ مجاهد هي جزءٌ من إيماننا، بل ثمرةٌ لإيماننا، من ثمرات هذا الإيمان.

الموقف ضد العدو الإسرائيلي، وفي نصرة الشعب الفلسطيني، هو يعني أننا نقف مع القرآن، مع الرسول "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، مع الإسلام، مع الحق، مع العدل، مع القيم الإنسانية، مع الأخلاق الكريمة، ضد الإجرام، ضد التَّوحُّش، ضد الطغيان، ضد الظلم، ضد الكفر، ضد الشر، ضد القوى الظلامية، الطاغوتية، المستكبرة في هذا العالم؛ أمَّا من لديهم خيارات أخرى، فعلى ماذا يراهنون:

على القرارات؟! في ذكرى القدس تذكَّروا القرارات، القرارات المتعلِّقة بالقدس الشرقية، هل التزم بها الصهاينة؟ وهل التزم بها من يدعمون الصهاينة اليهود؟ لم يلتزموا بها، قرارات مجلس الأمن، قرارات الأمم المتَّحدة، لم يُنفَّذ شيءٌ منها مما هو لصالح الفلسطينيين، في جزءٍ من الحق الذي لهم.

 

على الاتِّفاقات؟! أي اتِّفاقيات يحترمها الأعداء؟! اليهود، نطق القرآن الكريم بأنَّهم أهل الخيانة: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}[المائدة:13]، {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}[البقرة:100]، والواقع يشهد، لم يفوا بأي شيءٍ من الاتِّفاقيات معهم. على ماذا يمكن أن تراهن؟

على المبادرات؟! العرب ليل نهار يتحدَّثون عن مبادرتهم للسَّلام، دون أن يكون لها أي قيمة أو احترام لدى الإسرائيلي.

الاتِّجاه الذي له أُفق واضح في وعد الله الحق: هو الموقف الصحيح، هو الجهاد، هو التحرُّك الذي فيه استجابةٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأداءٌ للمسؤولية، وبناءٌ للأمة، بناءٌ لها؛ لكي تكون أُمَّةً قوية في مواجهة التحديات والأخطار.

الخـــروج المليــوني يــوم الغــد- إن شاء الله تعالى- هـــو:

وفاء لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ".

ونصرة لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ".

ونصرة للمسجد الأقصى، وللمقدَّسات الإسلامية.

ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم.

ولـذلك فله أهمية كبيرة جدًّا، هو جهاد في سبيل الله تعالى، هو يستحق النفير الواسع، والخروج العظيم.

ولــذلك أدعــو شعبنــا العـزيـز، أدعوكم يا أحفاد الأنصار، الذين وقفوا مع رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، يوم خذلته كل القبائل العربية، أدعوكم أنتم يا أحفاد الفاتحين، الذين حملوا راية الإسلام في صدر الإسلام، أيُّها الأوفياء الأعزَّاء، أدعوكم إلى الخروج المليوني يوم غدٍ إن شاء الله تعالى، في العاصمة صنعاء (في ميدان السبعين)، وفي بقية المحافظات والمديريات والساحات؛ نصرةً لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ووفاءً له ومعه، ونصرةً للمسجد الأقصى الشريف، وللمقدَّسات الإسلامية، ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم، جهاداً في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته.

يوم الغد هو يوم نفيرٍ ووفاء، آمل- إن شاء الله- أن يكون الخروج واسعاً، وعظيماً، وكبيراً، وأن تحتسبوا خروجكم هذا في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته.

أَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، إِنَّهُ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

مقالات مشابهة

  • أنين السلام
  • ثبات نبي الله إبراهيم عليه السلام في مواجهة الطاغوت : قراءة في المحاضرة الثالثة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ضمن سلسلة دروس القصص القرآني
  • من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • غزة تسقط القناع عن العملاء وتذكّر بـفصائل السلام.. هذا ما قامت به زمن البريطانيين؟
  • أورتاغوس قريباً في لبنان... وهذا ما ستُركّز عليه
  • في الدرس الثاني للسيدالقائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في شهر ذي الحجة:القلب السلم هو الذي لم يتلوث بالمعتقدات الباطلة والأفكار الظلامية
  • برلمانية: إنشاء 22 مستوطنة جديدة بالضفة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان
  • اتقوا الله في الأموات.. مات الإنسان.. لكن الطمع بَقي
  • حكم الإنابة في الحج لمن تعذر عليه أداء الفريضة.. يسري جبر يجيب
  • نص كلمة قائد الثورة حول آخر التطورات والمستجدات