سودانايل:
2025-06-22@16:05:00 GMT

مأساة السوان وثقافة إنكار النزاع الأهلي

تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT

عند ذكر السودان يتنافس تعبيران كثيراً ما تردّدهما المنظّمات الدوليّة اليوم: «إنّه أكبر مأساة إنسانيّة في العالم» و«إنّه من أكبر المآسي الإنسانيّة في العالم». فقبل ثلاثة أشهر ونيّف، ولم تكن الأرقام الرهيبة قد بلغت ما تبلغه الآن، حذّرت الأمم المتّحدة من أنّ «السودان هو إحدى الكوارث الإنسانيّة الأسوأ في الذاكرة حديثة العهد».

وقد تكفي الإشارة، من بين الأرقام الكثيرة المشابهة، إلى أنّ مُهجّري الحرب السودانيّة باتوا يقاربون التسعة ملايين نسمة من أصل 47 مليوناً، أي قرابة خُمس مجموع السكّان. وهؤلاء كلّهم، وعلى نحو مُلحّ، يحتاجون إلى الغذاء والدواء، فضلاً عن الأمان والمسكن.

لكنْ باستثناء ما يكتبه السودانيّون أنفسهم عن أنفسهم، فإنّنا بالكاد نعثر في الكتابات العربيّة على ما يُشعر بالاكتراث أو ما يوحي به. وقد لا نبالغ إذا قلنا إنّ الاستشهاد بـ«لاءات الخرطوم» في قمّة 1967 العربيّة، حين قُرّر أنْ «لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف» بإسرائيل، لا يزال يفوق أيّ ذكر آخر للخرطوم في مأساتها الراهنة.

لكنْ ما سبب التجاهل هذا؟

ما من شكّ في أنّ بيننا عنصريّين تصدّهم عن الاهتمام بالسودان أفريقيّتُه واللون الأسمر لبشرة سكّانه. لكنْ في بيئات ثقافيّة قد لا يصحّ فيها هذا الوصف، يبدو التجاهل أعقد وأشدّ مواربة. ذاك أنّ أحوال السودان تشكّل فضيحة لوعي تلك البيئات التي غالباً ما اعتبرت أنّ النزاعات والصراعات لا تستحقّ صفتها هذه، ناهيك عن الاهتمام بها، ما لم تكن نتاج اصطدام بطرف غربيّ وأجنبيّ، وأنّ الضحايا بالتالي لا يكونون ضحايا ما لم يقتلهم هذا الطرف بعينه. أمّا المَثَل الذي يصفع المتأمّلين فيه فأنّ الذين أبيدوا في سورية يمكن لمرور الزمن أن يطويهم، علماً بأنّ القضاء عليهم حديث العهد، بل متواصل حتّى يومنا، فيما قتلى الجزائر، وهم قضوا في القرن الماضي، فيعيشون معنا على شكل ملحمة دائمة عنوانها «المليون شهيد» لمجرّد أنّ القاتل فرنسيّ.

والسودان (57 مجموعة إثنيّة) بلد فاضح إذ يدلّل على خصوبة النزاعات الأهليّة وعلى أكلافها، ولكنْ أيضاً على صعوبات اشتغال صيغة الدولة الأمّة حتّى أنّه، في 2011، قُسّم ذاك البلد الواحد إلى سودانين مستقلّين، شماليّ وجنوبيّ. هكذا، وأمام تحدّيات كهذه، بدا مُلحّاً أن نمارس الإنكار حيال الحقائق التي تستفزّ ثقافتنا السياسيّة السائدة وتبرهن بطلانها. ذاك أنّ المشكلات الكبرى، كما تكشّفَ مراراً، قد لا تنجم دائماً عن دور استعماريّ، فيما عدم التكيّف مع الصيغ السياسيّة والدستوريّة الغربيّة ليس بالضرورة تهمة باطلة يصِمُنا بها مستشرقون أشرار. والأهمّ أنّ الثقافة التي ترعرعت على اقتراح «الوحدة» حلاًّ للمشكلات وطلباً للقوّة، يصدمها السودان باعتماده الانفصال.

ونذكر كيف أنّ ثقافتنا السائدة تلك كانت كلّما واجهت مشكلة تتّصل بالأقلّيّات الكرديّة والمسيحيّة والأمازيغيّة وسواها، نفتْها عبر ردّها إلى «أصابع» غربيّة أو إسرائيليّة، واكتشفت أثراً ما لهذه «الأصابع» عليها، كما هرع مثقّفوها لتأكيد أنّ مشكلات كهذه إنّما أوجدتها الحداثة وغذّتها، أو أنّها تعبّر عن شيء آخر أعمق كالصراع الطبقيّ، أو عن طبائع خيانيّة لا سبيل إلى مداواتها عند قيادات تلك الجماعات الأقلّيّة. وعلى هذا النحو نكون نشبه أولئك الذين يقولون «ذاك المرض»، متوهّمين أنّهم بهذا يتغلّبون على السرطان.

كذلك نذكر كيف أنّ تعبير «الانفصال»، الذي وُصفت به سوريّا في 1961، حين أنجزت استقلالها الثاني، تحوّل إلى شتيمة سياسيّة تعهّر صاحبها، وهذا علماً بأنّ الانفصال الوحيد الذي لم تستهدفه الأهاجي النضاليّة، ولسبب ليس من الصعب اكتشافه، هو ذاك الذي نفّذته حركة «حماس» بفصلها غزّة، في 2007، عن الضفّة الغربيّة.

لكنْ فوق هذا، بدت التجربة السودانيّة فضائحيّة لثقافتنا من زاوية أخرى تتجاوز التجهيل وردّ المسؤوليّة إلى الأجنبيّ والغريب. ذاك أنّ نرجسيّتنا الطاغية، وبموجبها لا يصدر عن ذاتنا إلاّ الخير المحض، تصفعها ارتكابات الجنجويد في دافور، خصوصاً أنّ الجنجويد هؤلاء عرب ارتكبوا مجازرهم بحقّ الدارفوريّين غير العرب، ولا زالوا يرتكبونها حتّى اليوم.

وعوارض كهذه تتزايد، ويتزايد فتكها بنا، في ظلّ الاستنفار النفسيّ الشامل الذي أحدثته الحرب الإسرائيليّة على غزّة، بحيث أنّه حتّى بلدان كلبنان واليمن وسواهما لم يبق منها ما يثير الاهتمام سوى كونها وظائف وأدوات في الصراع الكبير، فلا تستوقفنا بالتالي حياة تلك البلدان أو اقتصادها أو تعليمها أو أيّ شيء آخر فيها، وأهميّتها كلّها تنخفض تباعاً إلاّ ما اندرج منها في الصراع الكبير مع ما يُفترض أنّه الشرّ الأوحد.

ولأنّ السودان يصعب ربطه بالصراع الكبير إيّاه فليمُت من أهله من يموت، ولتُدفن معهم الفضيحة التي تتسبّب لنا هذه التجربة بها.

حازم صاغية
مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مأساة طمرة تكشف التمييز العنصري لفلسطيني الداخل.. القبة الحديدية نظام فرز عرقي

شهدت بلدة طمرة الواقعة في منطقة الجليل السفلي داخل الأراضي المحتلة مأساة إنسانية مؤلمة، إثر سقوط صاروخ إيراني أدى إلى استشهاد أربع نساء من عائلة الكاتبة الفلسطينية منار الخطيب وشقيقتها، وإصابة نحو 40 آخرين.

ولم يكن الحدث المفجع مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل كشف بشكل صارخ عن فجوة أمنية عميقة بين الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي والمستوطنين اليهود، فظهر التمييز العنصري الذي يعاني منه الفلسطينيين في الداخل حتى في منظومات الحماية المدنية مثل "القبة الحديدية".

صاروخ طمرة كشف مأساة التمييز
رغم التطور التقني الكبير الذي تتمتع به منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، إلا أن الحماية التي توفرت للمستوطنات اليهودية تختلف اختلافًا واضحًا عن تلك المقدمة للفلسطينيين في الداخل.

وكانت بلدة طمرة، التي تعاني من نقص حاد في الملاجئ وغرف الحماية، هدفا لحادثة غير محمية بشكل كافٍ، وبحسب شهادات الناجين وعلى رأسهم الكاتبة منار الخطيب، لم يكن هناك مأوى آمن يلجأون إليه عند سقوط الصاروخ، وهو ما أدى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح.


وقالت الخطيب في تصريحات إعلامية: "رسالة إسرائيل واضحة، حياة الفلسطينيين في الداخل أقل قيمة من حياة المستوطنين، ونحن نتعرض للفصل العنصري حتى في الحماية الأمنية، وهذا ما يجعلنا نعاني أكثر من الصاروخ نفسه".



الفصل العنصري في أراضي 48: واقع متجذر
التمييز في الحماية ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد طبيعي لفصل عنصري ممنهج ضد الفلسطينيين الذين يعيشون داخل ما يُعرف بـ"الخط الأخضر" أو أراضي 1948. هذا الفصل العنصري يمتد إلى مختلف جوانب الحياة

ولا يقتصر الفصل العنصري داخل إسرائيل فقط على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بل يمتد إلى منظومات الحماية المدنية، حيث يعاني الفلسطينيون داخل الخط الأخضر من حرمان ممنهج ومستمر، حيث تُخصص أغلب الميزانيات والتقنيات المتطورة لحماية المستوطنات والمدن اليهودية.

ويكرس القانون الأساسي "دولة إسرائيل - القانون القومي" الذي أُقر عام 2018، هذا الفصل، معلنا إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي فقط، ما يقوض حقوق الفلسطينيين كمواطنين داخل الدولة، وهذه القوانين تشكل الأساس الذي تبنى عليه سياسات التمييز في مختلف المجالات، ومنها الحماية المدنية.

وفقًا لمنظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير عام 2024، فإن التمييز في توزيع الموارد الأمنية جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تهميش الفلسطينيين في الداخل وإضعاف تمسكهم بحقوقهم المدنية والسياسية.

القبة الحديدية: نظام للفرز العرقي لا الأمني
وتعمل القبة الحديدية التي تشتهر عالميا بقدرتها على اعتراض الصواريخ، عمليًا على أساس أولوية عرقية، وتقارير منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش وعدالة أكدت أن دفاعات القبة الحديدية موجهة بشكل أساسي للمستوطنات اليهودية، بينما تترك البلدات العربية عرضة للخطر.

وعلى سبيل المثال في منطقة النقب، وصفت البلدات الفلسطينية بأنها مناطق "مفتوحة"، حيث يسمح للصواريخ بالسقوط فيها، دون وجود ملاجئ أو نظام إنذار فعال، هذا التصنيف يدل على استراتيجية أمنية تعتمد على التمييز العنصري بوضوح.

في كيان العنصرية الذي كان يروج نفسه "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"

يقومون بطرد العمال الأجانب "التايلنديين" من الملاجئ تحت الأرض عند القصف لأنهم ليسوا من اليهود!! كما تحرم حكومة الاحتلال المناطق التي يعيش فيها فلسطينيي الداخل 48 من منظومة القبة الحديدية لأنهم عرب!!

وما… pic.twitter.com/aAuy6bRoX5 — صـقـر (@sqrpal105) June 16, 2025

نقص الملاجئ والحماية المدنية في البلدات العربية
وتعاني البلدات العربية داخل الاحتلال الإسرائيلي من نقص حاد في الملاجئ وغرف الحماية مقارنة بالمستوطنات اليهودية، حسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في تشرين الثاني / نوفمبر 2024 سلط الضوء على بلدة طمرة كنموذج، حيث يوجد ملجأ واحد فقط يخدم عشرات آلاف السكان، مقابل مئات الملاجئ في المدن اليهودية المجاورة.


وتشير إحصائيات مركز "مدى الكرمل" إلى أن أقل من 10 بالمئة من المنازل في البلدات العربية مزودة بغرف آمنة، في حين تبلغ النسبة في المدن اليهودية أكثر من 70بالمئة، هذا الفرق الهائل يوضح مدى الإهمال الممنهج الذي تتعرض له المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل.

كما أشار مركز بتسيلم الحقوقي الإسرائيلي في تقرير نُشر في كانون الأول /  ديسمبر 2024 إلي أن المستوطنات اليهودية تحظى بملاجئ ومرافق دفاعية متطورة، في مقابل تقصير متعمد في حماية التجمعات الفلسطينية.

نقص الميزانيات والبنية التحتية الأمنية
وتعاني البلديات العربية من نقص شديد في الميزانيات، ما يحول دون تطوير شبكة حماية مدنية متكاملة، فوفقًا لتقرير صحيفة هآرتس العبرية لعام 2024، تُخصص أكثر من 90 بالمئة من ميزانيات التحصين المدني للدفاع عن المستوطنات اليهودية، بينما تحصل البلدات العربية على نسبة ضئيلة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.

هذا التمييز المالي يزيد من هشاشة الفلسطينيين داخل أراضي 48، ويعرض حياتهم للخطر خاصة في فترات التصعيد العسكري.
⭕️ سقوط صاروخ إيراني على منزل فلسطيني في قرية ترقوميا في الخليل ????????‍♂️ pic.twitter.com/lvD7Lkfk5i — غـطــاس ???? (@Moraqeb2020) June 17, 2025
ردود فعل حقوقية وسياسية
واستنكرت منظمات حقوق الإنسان والحركات السياسية الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة هذا التمييز، معتبرين إياه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وقال النائب الفلسطيني في الكنيست، الدكتور أحمد الطيبي: "إسرائيل تفرق بوضوح بين حياة اليهود وحياة الفلسطينيين، فالأمن والحماية يقتصران على المستوطنات."


وطالبتا مؤسستى هيومن رايتس ووتش وعدالة بإنهاء هذا التمييز، محذرتين من أن استمراره يهدد السلم الأهلي ويزيد من حدة التوترات في الداخل.

صمت دولي وتجاهل رسمي
وعلى الرغم من وجود تقارير حقوقية وإعلامية موثقة، فإن المجتمع الدولي يتعامل مع هذه القضية بصمت نسبي، ولم تصدر إدانات رسمية قوية من قبل دول كبرى أو مؤسسات أممية، وهو ما يعزز حالة الإهمال التي يعاني منها فلسطينو الداخل.

من جهة أخرى، ترفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي هذه الاتهامات، مؤكدة أن توزيع منظومة القبة الحديدية يتم وفق معايير أمنية بحتة، بينما تؤكد مصادر عسكرية أن الأولوية تُعطى للمراكز الاقتصادية والسكانية الكبرى، وهو ما يعني فعليًا التمييز ضد الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • إسلام صادق: الأهلي الوحيد في مصر الذي يدفع راتب شهري لـ 2 مدربين
  • باكستان تعتقل مهربًا تورط في مأساة قارب مهاجرين قبالة سواحل ليبيا
  • ترامب: البرنامج النووي الإيراني انتهى و أمام طهران أما السلام أو مأساة
  • خسرت حياتها وزوجها بسبب السحر.. مأساة البلوجر لولا فاني تشعل السوشيال ميديا
  • مأساة .. إلغاء مراسم تتويج مولودية الجزائر بلقب الدوري لسبب صادم
  • بدر يتحدث عن مأساة تتكرر كل صيف!
  • مأساة في غرفة العمليات: وفاة مغنية مشهورة بعد عملية تجميل
  • زوجة تستعين ب ChatGpt لحسم قرار الانفصال عن شريكها
  • مأساة طمرة تكشف التمييز العنصري لفلسطيني الداخل.. القبة الحديدية نظام فرز عرقي
  • مأساة بالأسواق الأمريكية.. بكتيريا تقتل 3 وتصيب 17 بسبب «وجبات دجاج جاهزة»