بعد انخفاض معدلات التضخم.. دعوات اقتصادية لتحسين إدارة السياسة المالية في العراق
تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - بغداد
دعا مختصون في الشأن المالي، اليوم الاحد، إلى ضرورة تحسين إدارة السياسة المالية في العراق بعد أن شهدت انخفاض في التضخم.
وقال الخبير المالي عبد الله البندر، إن "صندوق النقد الدولي كان متفائلاً بشأن العراق بسبب تسجيل انخفاضا واضحا في التضخم خلال الربع الأول من العام الحالي قياسا بالربع الأخير من العام 2023"، مبينا أن "السياسات الاقتصادية في العراق تسير على ما يرام وان الحكومة تراعي توجيهات الصندوق بخصوص ذلك".
وأضاف ان "مساعدة صندوق النقد للعراق بالعادة تكون مشروطة بمدى التزام العراق بتوجيهاته ونصائحه لذا وجب على الحكومة والجهات ذات العلاقة التوجه الى تحسين إدارة السياسية المالية في العراق وجعلها متناغمة مع السياسية النقدية كون سياستنا النقدية معتمدة على الإيرادات النفطية".
ودعا البندر إلى "ضرورة ان يكون هناك تركيز على تطوير القطاعات الاقتصادية غير النفطية لأنها جدا قليلة قياسا بالإيرادات النفطية؛ كتطوير المنافذ الحدودية وتطوير قانون الكمارك، فضلا عن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، وإعادة النظر بالتعرفة الكمركية بسبب ان العراق بلد مستورد".
من جانبه، أوضح الخبير المالي منار العبيدي في منشور على حسابه في فيسبوك، أن "واحدة من اهم المعايير الاقتصادية التي دائما ما تراعي الدول تحديد بياناتها، لما لها من دور مهم في رسم السياسة الاقتصادية للبلد، هي نسب التضخم الشهرية والسنوية، والذي يلعب دورا مهما في مجمل الحياة اليومية للمواطن ولمختلف القطاعات الاقتصادية"، مشيرا الى انه "وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء فأن نسب التضخم السنوية في العراق انخفضت من 4.5% في نهاية 2023 لتصل الى 1.6% في اذار 2024".
واضاف العبيدي ان "الدول تسعى الى خفض نسب التضخم حسب سياساتها الاقتصادية، حيث أن بعض الدول تحاول استهداف نسب تضخم ثابتة لا تزيد عنها او تنقص، والبعض الآخر تبحث عن نسب تضخم عالية وخصوصا البلدان المنتجة وتختلف حسب السياسة الاقتصادية لكل بلد"، لافتا إلى انه في العراق "لا يوجد استهداف واضح لنسب التضخم سوى بعبارة واحدة ذكرت في الخطة التنموية الاستراتيجية وتحدثت عن ابقاء مستوى التضخم تحت مستوى الـ 10% ".
وأوضح العبيدي انه "لم يكن الانخفاض نتيجة ارتفاع كبير في الاسعار بل يعود الى عوامل ثلاث اساسية هي من ساهمت بوصول نسب التضخم الى هذه المعدلات التي تعتبر من اقل مستويات التضخم على مستوى العالم والشرق الأوسط".
وبين ان "المستوى الأول هو تغيير في اوزان السلع حيث ان عملية تحديد التضخم تعتمد على تحديد وزن يمثل الاهمية النسبية لكل سلعة بمعنى ان اهمية الخبز للمواطن ليس كأهمية الملابس مثلا، فلذلك تتفاوت الاوزان بحسب اهمية السلعة، ففي بداية 2024 قام الجهاز المركزي للإحصاء بتغيير الاوزان الخاصة بكل سلعة، حيث تم زيادة الوزن النسبي لبعض السلع كالمواد الغذائية والمشروبات والتبغ والتعليم والصحة مقابل خفض بعض الاوزان النسبية للسلع والخدمات الاخرى، كالسكن والنقل الذي يشمل الوقود الذي تم رفع سعر الوقود المحسن في 2024، إضافة إلى التجهيزات المنزلية هذا التغيير لعب دورا مهما في خفض نسبة التضخم كون بعض السلع التي تم زيادة اوزانها لم ترتفع كثيرا مقارنة بمن قلت اوزانها".
وتابع انه "بالنسبة للمستوى الثاني فهو تغيير سنة القياس حيث كانت سنة القياس التي يتم وضع سعر قياسي لكل سلعة او منتج هي سنة 2012 تم تغيير سنة القياس الى سنة 2022 واصبحت الزيادة او النقصان في اسعار السلع والخدمات تعتمد على الاسعار القياسية في 2022 وليس 2012 وهذا التغيير يؤثر بشكل كبير على نسب التضخم بشكل يقلل من نسب التضخم"، لافتا إلى ان "المستوى الثالث يتمثل في انخفاض اسعار بعض المواد الغذائية مثل الخبز والالبان والفواكه والمشروبات والتي اصبحت تمثل بحدود 31% من مجمل حساب التضخم وبالتالي انخفاضها او ارتفاعها لعب دورا اساسيا في تحديد مستويات التضخم لذلك فأن التضخم العام انخفض ليبلغ 1.6% بينما التضخم الاساس بلغ 2.7% ".
وتساءل العبيدي "لماذا تم بالتحديد اجراء تغييرات كبيرة سواء على مستوى الاوزان او على مستوى سنة الاساس في 2024 وفي فترة حرجة حيث هنالك تغييرات جذرية في السياسة النقدية والسياسة المالية؟، ولماذا تم اعتماد سنة 2022 كسنة قياس وهل فعلا تصلح لان تكون سنة قياس وخصوصا انها سنة تأتي بعد ازمة كورونا وشهد العالم فيها تضخما عالميا لمختلف السلع ولم تكن سنة استقرار عالمي؟".
واختتم كلامه بـ"ان ما نطمح له ان تكون البيانات التي تصدر من مختلف الجهات الرسمية على درجة عالية من الموثوقية وان تتماشى مع واقع الحال من اجل رسم سياسات اقتصادية تعتمد على تحليل الفجوة بين ما هو حاليا على ارض الواقع وما بين القيمة المستهدفة فلا أحد يتصور ردة فعل اي مواطن عندما تبلغه بأن الاسعار لم ترتفع الا 1% مقارنة مع السنة السابقة".
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار نسب التضخم فی العراق
إقرأ أيضاً:
المؤسسات الجيدة لن تصلح السياسة المختلة
اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا برئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مسعى منه لإقناعه بخفض أسعار الفائدة. وهذا يذكِّر بالضغوط التي مارسها الرؤساء الأمريكيون على البنك في أعوام السبعينات.
قد يشعر بعض المستثمرين بالقلق من أن المؤسسات الاقتصادية الأمريكية تتعرض للتجريف (يجري إضعافُها). وهو ما يمكن أن يقود إلى تقلٌّب الاقتصاد الكُلِّي، لكن ربما يمكن التلطيف من تلك المخاوف بتمسك البنك الفيدرالي بموقفه تجاه أسعار الفائدة. على أية حال لا يزال هنالك ما يدعو إلى القلق ليس حول تراجع قوة المؤسسات الأمريكية ولكن نوع البيئة السياسية التي تعمل فيها.
لكي نفهم دور المؤسسات في التصوُّرات الاقتصادية الشائعة يجب علينا العودة إلى سنوات التسعينات عندما كان من اليسير تمييز السياسات الاقتصادية للبلدان الصاعدة عن تلك التي تخص البلدان الصناعية.
كانت سياسات البلدان الصاعدة «مسايرة» للدورة الاقتصادية. فهي تنفق دون قيد في أوقات اليُسر مضيفةً بذلك المزيد إلى الدَّين والتضخم. لكنها ترتدُّ إلى الواقع في أوقات العُسر عندما تسوء الأحوال وتفقد قدرتها على الاستدانة. في المقابل تبنَّت البلدان المتقدمة سياسات تثبيت الاقتصاد (من بينها خفض الإنفاق في أوقات اليسر أو الانتعاش الاقتصادي وزيادته في أوقات العسر أو الانكماش. وهذه سياسات معاكسة للدورة الاقتصادية- المترجم). فالولايات المتحدة سجلت فوائض مالية كبيرة أثناء سنوات النمو المرتفع في أواخر التسعينات.
حاجج الاقتصاديون بأن المؤسسات تفسر هذا الاختلاف. فالبنوك المركزية المستقلة في البلدان الصناعية استهدفت التضخم واتبعت برلماناتها القواعد المالية التي حدت من الإفراط في الإنفاق بل طالبت حتى بضبط الموازنة على مدار الدورة الاقتصادية. فالمؤسسات تمثل قيدا صارما يَحِدُّ من اتخاذ قرارات آنية لاعتبارات سياسية وليس من أجل المصلحة العامة.
لكن سرعان ما ظهرت التصدعات في هذا التفسير. فخلال سنوات التسعينات حثت المنظمات متعددة الأطراف كصندوق النقد الدولي البلدان الصاعدة على تبني مثل هذه المؤسسات. لكن حتى عندما استجاب الإصلاحيون للنصح استمرت سياسات هذه البلدان في مسايرة الدورة الاقتصادية وقادها ذلك إلى سلسلة من الأزمات.
لكن بداية من أوائل العشرية الأولى صارت سياسات الاقتصاد الكلي في بعض البلدان الصاعدة أكثر استقرارا مع شروع المؤسسات في اكتساب المزيد من التأثير في تشكيل السياسات. ابتدرت حكومة فيرناندو هنريك كاردوسو استهداف التضخم في البرازيل لكن البنك المركزي اتسم بالصدقية حقا عندما حافظ خَلَفُه اليساري لويز ايناسيو لولا دا سيلفا على استقلال البنك.
لم تتغير المؤسسات لكن الإجماع السياسي خلفها تغير. فالنمو المدفوع جزئيا بالازدهار السِّلعي قدم فوائض في الموازنة لمساعدة من هم أكثر احتياجا. ومكّنت برامج مثل برنامج بولصا فاميليا (بالبرتغالية يعني دعم العائلات) من تقديم تحويلات مباشرة للفقراء فيما يسرت برامج أخرى الحصول على خدمات كالتعليم والرعاية الصحية والإسكان.
تراجعت هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وضعف الحافز لدفع حزب العمال بقيادة لولا دا سيلفا إلى الانغماس في التطرف السياسي مما سمح ببروز إجماع وطني واسع حول سياسات تهدف إلى استقرار الاقتصاد الكلي.
بدأت المؤسسات تؤدي دورها، وفي حين شكلت فترات مطولة من النمو الضعيف ضغطا على الإجماع إلا إنه لا يزال صامدا في العديد من البلدان الصاعدة. وفي الواقع يعود الخطأ في حث المؤسسات بالبلدان الصاعدة (على الإصلاح) في سنوات التسعينات إلى عدم وجود إجماع سياسي وقتها.
بالمقابل يمكن القول إن البلدان المتقدمة اتخذت سياسات أكثر مُسَايرَة للدورة الاقتصادية، فالولايات المتحدة أنفقت أموالا ضخمة فيما كانت تتعافى من الجائحة، وذلك ما أضاف إلى التضخم الذي لا زال بنك الاحتياطي الفيدرالي يحاول السيطرة عليه.
ويهدد مشروع قانون موازنة ترامب «الكبير والجميل» بزيادة العجز المالي غير القابل للاستدامة في الولايات المتحدة. كما تصارع كل من فرنسا واليابان لتقليل معدل الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي يزيد عن 100%. وهذا مستوى لم يكن ليخطر على البال في سنوات التسعينات.
من المستبعد أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة ضعيفة. فقد سارع إلى إعادة تأكيد استقلاله عقب لقاء ترامب - باول.
وفي الواقع بصرف النظر عمّن سيحل محل باول في رئاسة البنك في العام القادم من المستبعد أن يُخضِع البنك سياساتِه النقدية لرغبات الحكومة الأمريكية. الى ذلك ليس من غير المعقول أن تجعل إدارة ترامب البنك كبشَ فداء (بتحميله المسئولية) إذا تدهور الاقتصاد.
على أية حال لقد تغير الإجماع السياسي في الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن البنك ليس لديه اليوم المجال السياسي الكافي لمعالجة التضخم بنفس الهمّة التي أبداها في عهد بول فولكر (1979-1987). وعلى نحو مماثل لم تتغير القواعد المالية (ضوابط السياسة المالية) في الولايات المتحدة عموما. لكن تغيرت الرغبة السياسية في احترام روح هذه القواعد. ذلك لأن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية زادت في البلدان المتقدمة وكذلك اللامساواة. والسبب الواضح لذلك اختفاء الوظائف المجزية لذوي المهارات المتوسطة من أفراد الطبقة الوسطى بسبب التغير التقني والى حد أقل التجارة.
بالعكس من ذلك، استفاد الحاصلون على مؤهلات تعليمية عالية. فقد جلبت العولمة فرصا أكبر لمن يعملون في صناعات ذوي الياقات البيضاء. ويرسل الساسة المتطرفون لمن فاتهم الركب رسالةَ مقنعة مفادها أن السياسات التي تخدم بها النخبة مصالحها الخاصة هي المسئولة عن سوء حالهم.
نتيجة لذلك ضَعُف التوافق السياسي الذي يقف وراء سياسات الاقتصاد الكلي مع تخلي الجمهوريين حتى صقور المالية (المتشددين منهم الذين ينادون بخفض الموازنة) عن معارضتهم للإنفاق.
ضبط الموازنات يتطلب تسويات. لكن عندما تصبح السياسة استقطابية إلى هذا الحد قليلون من هم على استعداد للقيام بذلك. ويصبح الإنفاق المنفلت هو السائد. وفي بعض البلدان الصناعية قد يكون التوقف الفجائي (عن الإقراض) وشيكا. ذلك حين تصبح الأسواق غير راغبة في تمويل حكوماتها.
المؤسسات لا تضمن للبلدان انتقالا إلى أوضاع «اقتصاد كلي» مثالية. وهي لا يمكنها إيجاد إجماع سياسي. فذلك يتطلب من المواطنين الإيمان بعدالة النتائج الاقتصادية (الإنصاف في توزيع ثمرات النمو). وهذا يستوجب إصلاحات هيكلية تعزز فرص أولئك الذين تخلفوا عن الركب. ربما تحتاج البلدان المتقدمة إلى الشروع في التأسِّي بما فعلته البلدان الصاعدة.
راجورام راجان رئيس البنك المركزي الهندي سابقا وأستاذ بجامعة شيكاغو
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»