جعلوه درعا بشريا على مقدمة مركبة.. الشاب عبادي يروي للجزيرة كيف نكّل الاحتلال به
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
من سريره في مستشفى ابن سينا في جنين بالضفة الغربية يروي الشاب الفلسطيني مجاهد رائد عبادي لقناة الجزيرة تفاصيل ما حدث معه عندما وضعته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مقدمة آلية عسكرية واستخدمته درعا بشريا أثناء انسحابها من جنين.
وأظهرت مقاطع فيديو الشاب الفلسطيني -وهو من سكان جنين شمال الضفة الغربية المحتلة- ممددا ومقيدا على غطاء مركبة عسكرية إسرائيلية كانت تمر في أحد شوارع المدينة.
واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن جنوده قيدوا جريحا فلسطينيا على الغطاء الأمامي لمركبة عسكرية خلال عملية دهم بمدينة جنين.
ويقول الشاب (24 عاما) إنه خرج برفقة ابن عمه لتفقد ما يجري بعد أن اقتحمت قوات إسرائيلية منطقة الجابريات في جنين، وعندما حاولا العودة إلى البيت أطلق عليهم الرصاص من كل الاتجاهات، مما أدى إلى إصابته بيده، كما أصيب ابن عمه.
ويروي أنه اختبأ وراء جيب عسكري، ولكن أحد القناصة الإسرائيليين أطلق عليه الرصاص في منطقة الفخذ، مما جعله عاجزا على التحرك وبقي على الحال نفسه طوال ساعة كاملة، وبعد نداءات وجهها جنود الاحتلال إلى الناس بالخروج من المنازل بقي هو في مكانه، لكنهم خيّروه بين الخروج أو الموت.
وعندما أخبر جنود الاحتلال أنه يعاني من الإصابة في رجله وكتفه ولا يمكنه التحرك ردوا عليه "خليك موت"، وجاؤوا بعدها إلى المكان الذي يوجد فيه وطلبوا منه الصعود على المركبة العسكرية، وفعل ذلك بصعوبة بسبب آلامه الشديدة، كما يقول الشاب.
ولم يقدم جنود الاحتلال أي إسعافات للشاب الفلسطيني الذي كان ينزف، ويقول إنهم ضربوه وعذبوه بشكل متواصل، خاصة على المناطق المصابة، مؤكدا أن جنديين اثنين حملاه وظلا يحركانه يمينا وشمالا حتى وقع على الأرض، ثم ربطاه على المركبة العسكرية كدرع بشري، وكانت الحرارة عالية جدا على غطاء المركبة.
ويؤكد أن جنود الاحتلال وبعد أن عذبوه ونكّلوا به سألوه عن اسمه وعندما تبين لهم أنه ليس مطاردا ولا مطلوبا سلموه للإسعاف الفلسطيني.
ولم يقدم جنود الاحتلال أي تفسير للشاب الفلسطيني عن سبب اعتقاله والتنكيل به، ولم يحققوا معه، وكان همهم -كما يقول ابن جنين للجزيرة- ضربه وتعذيبه والتنكيل به، وكان يفعلون ذلك وهم يضحكون.
ويعاني الشاب حاليا من تفتت في العظام في كتفه الأيمن وفي قدمه اليمنى، بالإضافة إلى تسلخات في الظهر نتيجة وضعه على غطاء مركبة عسكرية في درجة حرارة عالية جدا، كما أخبره الأطباء أن فترة علاجه ستكون طويلة.
واضاف أنه بات لا يستطيع النوم بسبب ما حصل معه، وأنه لن يشعر بالأمن كحال جميع الفلسطينيين في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جنود الاحتلال
إقرأ أيضاً:
علماء للجزيرة نت: تتبعنا نسب الشعير قبل 10 آلاف سنة
قبل أكثر من 10 آلاف عام، بدأ الإنسان رحلته مع الشعير، أحد أقدم محاصيل العالم، دون أن يدرك أن هذا النبات يحمل سرا وراثيا معقدا أشبه بفسيفساء من 5 مجموعات برية مختلفة.
ونجح العلماء مؤخرا في فك هذا اللغز من خلال دراسة دولية قادها باحثون من معهد لايبنتز الألماني، ونُشرت في دورية "نيتشر".
وقدم الباحثون في هذه الدراسة تصورا علميا لكيفية تداخل الطبيعة مع الإنسان لصناعة هذا الإرث الزراعي العظيم، وفتحوا نافذة على الماضي الزراعي العميق للبشرية، بما يمهد لفهم أفضل لأصول الزراعة وتطوير محاصيل أكثر قدرة على مواجهة التحديات المناخية والأمراض المستقبلية.
ويقول الدكتور مارتن ماشر، رئيس مجموعة أبحاث "جينوميات التدجين" بالمعهد والباحث الرئيسي في الدراسة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "الشعير من النباتات ذاتية التلقيح، أي أنه لا يحتاج إلى لقاح من نبات آخر، بل يُلقح نفسه، وهذه الخاصية تجعل التنوع الجيني بين نباتات الشعير محدودا جدا، مما يصعب على العلماء تتبع الفروق الدقيقة بين السلالات أو معرفة كيفية تغير الشعير عبر الزمن".
وللتغلب على هذه الصعوبة، استخدم ماشر وزملاؤه أداة متطورة تعرف باسم "إنتروبلوكر"، وهي أشبه ببرنامج دقيق يتتبع الأجزاء الجينية المتشابهة بين العينات القديمة والحديثة، تماما كجهاز للبصمة الوراثية.
ويشير ماشر إلى أن التعامل مع الحمض النووي المستخرج من الحبوب الأثرية القديمة تم بحذر شديد، نظرا لهشاشته العالية واحتمال تلوثه بسهولة، لذلك اتخذ الفريق إجراءات صارمة لضمان أصالة العينات وخلوها من أي مواد حديثة.
ويضيف: "بعد ذلك، قارنا تسلسل الجينات في العينات القديمة بتلك الحديثة، وكانت المفاجأة أن هناك تطابقا كبيرا، مما منحنا ثقة قوية في أن النتائج دقيقة وتعكس فعلا تاريخ تطور الشعير منذ تدجينه وحتى اليوم".
وأظهرت نتائج الدراسة أن الشعير المزروع اليوم لم ينحدر من مصدر بري واحد، بل هو مزيج وراثي من عدة أنواع برية كانت تنمو في مناطق مختلفة من غرب آسيا.
إعلانويوضح ماشر: "قمنا بمقارنة كل جزء من جينوم الشعير المزروع (أي خريطته الوراثية) مع الجينوم الخاص بخمس مجموعات من الشعير البري تنمو في مناطق مثل الهلال الخصيب، وآسيا الوسطى، والصحراء السورية، وشمال بلاد الرافدين. فكانت النتيجة أن كل منطقة ساهمت بجزء مختلف من الشفرة الوراثية للشعير الحديث، ولكن بنسب غير متساوية".
وساهمت منطقة الهلال الخصيب (من فلسطين والأردن شمالا حتى لبنان وسوريا) بأجزاء كبيرة ومؤثرة من الجينوم، مما يشير إلى أنها كانت أحد المراكز الرئيسية الأولى لتدجين الشعير، أما آسيا الوسطى، فقد ساهمت بوضوح في الأصناف المزروعة حاليا في تلك المنطقة وفي شرق آسيا، مثل الشعير المزروع في الصين وأفغانستان.
ومن بين المفاجآت البارزة التي كشفتها الدراسة أن بعض الصفات الوراثية الحاسمة في تدجين الشعير، مثل السنبلة غير الهشة التي تمنع تساقط الحبوب، ظهرت قبل ظهور الزراعة بآلاف السنين.
يقول ماشر: "كانت هذه الطفرات موجودة بنسبة ضئيلة جدا في الشعير البري، لكنها لم تلفت الأنظار إلا عندما بدأ الإنسان بجمع الحبوب وزراعتها يدويا، فالنباتات التي احتفظت بحبوبها بدلا من أن تتناثر كانت أسهل في الحصاد وأكثر إنتاجا، ففضلها المزارعون القدماء دون وعي، حتى أصبحت هذه الصفة سائدة في الشعير المزروع".
ويضيف: "بهذا المعنى، سجل الحمض النووي بداية التحول قبل أن تسجله الأدلة الأثرية، لتكشف النتائج أن الطبيعة نفسها وضعت البذرة الأولى لتدجين الشعير، قبل أن يكمل الإنسان الرحلة".
سلالات تفرعت ثم تلاقتورغم أن سلالات الشعير الثلاث المزروعة حاليا، الأوروبية، الشرقية، والإثيوبية، تباعدت وراثيا منذ آلاف السنين بعد انتشار الزراعة، فإن الفريق اكتشف أنها لم تكن معزولة تماما.
يوضح ماشر: "على مدار التاريخ، استمر التدفق الوراثي بين هذه السلالات بفعل التجارة والهجرة وتبادل البذور، فعلى سبيل المثال، أظهرت تحليلاتنا أن الشعير الأوروبي "ثنائي الصف والستة صفوف" يشتركان في بعض السمات الجينية، كما احتفظت مناطق جبلية مثل جورجيا وإيران بأدلة على تداخل محلي بين السلالات".
ويتابع: "رحلة الشعير لم تكن خطا مستقيما، بل شبكة معقدة من التلاقي والاختلاط الوراثي ساهمت في تنوعه وقدرته على التكيف مع بيئات متباينة، من سهول أوروبا الباردة إلى مرتفعات آسيا القاحلة".
ولا يزال الشعير المزروع حتى اليوم يحتفظ بصلة قوية بأصله البري، إذ تستمر الجينات البرية في الاندماج معه طبيعيا في مناطق مثل غرب ووسط آسيا، مانحة إياه قدرة أكبر على مقاومة الجفاف والأمراض والتغيرات المناخية.
من الماضي إلى المستقبلويرى ماشر أن فهم الأصول الفسيفسائية للشعير لا يقتصر على سرد قصة قديمة، بل يمثل كنزا جينيا للمستقبل، فمن خلال تحديد الأجزاء الوراثية التي جاءت من كل مجموعة برية، يستطيع العلماء التعرف على الطفرات الأصلية المسؤولة عن مقاومة الإجهاد البيئي مثل الجفاف والملوحة وارتفاع درجات الحرارة.
ويقول ماشر: "تتيح لنا هذه المعرفة تطوير أصناف جديدة من الشعير أكثر صلابة ومرونة أمام تقلبات المناخ باستخدام التهجين أو الانتقاء الجيني".
إعلانولا تقتصر أهمية النتائج على الشعير فقط، إذ تفتح الباب لإعادة النظر في تاريخ تدجين محاصيل أخرى من الهلال الخصيب مثل القمح، والعدس، والبازلاء.
فكما أن الشعير نتاج فسيفساء وراثية من 5 أسلاف برية، فإن القمح أيضا معروف بأنه يجمع جينات من عدة أسلاف مختلفة، مما يشير إلى أن كثيرا من محاصيلنا القديمة ربما نشأت من خليط جيني متنوع لا من أصل واحد كما كان يُعتقد.
ويختم ماشر بالقول: "نخطط لاستخدام المنهج نفسه، لتتبع الأصول الوراثية لمحاصيل أخرى، في خطوة تهدف إلى فهم الزراعة المبكرة وكشف موارد جينية جديدة لتحسين الإنتاج الزراعي ومقاومة تغير المناخ في المستقبل".