لجريدة عمان:
2025-12-14@19:08:36 GMT

العاطفة ليست نقيصة، والعقل ليس كافيا

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

لأنه يجد أن المقاربات التي تُعلي شأن العقلانية غير كافية للتعاطي مع صراعات واضطرابات العالم، يسعى أويكان أديولو أولواسيي Oyekan Adeolu Oluwaseyi في ورقته «عندما لا يكفي العقل للتماسك الاجتماعي: إعادة التفكير في مكانة العاطفة والفنّ في السياسة» إلى التأسيس لمقاربة إبداعية تجمع المنطق مع العاطفة، لتعزيز التعاطف والتماسك الاجتماعي، الذي يرى أنه العلاج الأنجع في مواجهة السياسات «غير الفعَّالة والعدائيَّة».

سأبدأ من نقطة هامشية. لـ «التماسك الاجتماعي» -علي الاعتراف- وقع سلبي في نفسي، وأشك في أنني وحدي في هذا. فلطالما استُخدم هذا التعبير -في منطقتنا- لإنكار حقوق الفئات المهمشة. ويُجادل ليل نهار أن الأفكار الجديدة تُهدد «لُحمة» المجتمع، وأن الحرب ضد ما يُرى ويُقرر أنه السلوك النموذجي، يكاد يرقى ليكون واجبا أخلاقيا، ووطنيا. غالبا ما تُستخدم فكرة التماسك الاجتماعي كحجة للإقصاء، لا للتسامح والقبول كما يجدر بها أن تكون. ومن هنا يأتي واجب استعادة القيم (كما يُستعاد التاريخ عبر تقديم قراءات بديلة عن تلك الرسمية)، عبر فتح معانٍ جديدة لمصطلح شُوّه واستُغل.

شُغل الفلاسفة طويلا بمحاولة ابتكار نظام يُدير المصالح المتباينة، والقيم المتنوعة، لأفراد المجتمع. ثمة عقد اجتماعي بين الأفراد يحتوي التزامات أخلاقية وسياسية، يُتوقع من الجميع الامتثال لها. من شأن هذا العقد أن يُوفِق بين المصالح المتضاربة لأطرافه -الأطراف المتباينة ثقافيا واجتماعيا ودينيا، والتي لكل منها فكرته عما هو صائب وخيّر. وفيما يبدو أن مواءمة الاختلافات مشكلة غير قابلة للتسوية، تبزغ العقلانية كأداة تحمل إمكانية معالجة الصراعات. لكن تزايد الصراعات حول العالم، يُخبرنا عن فشل العقلانية البشرية وحدها في أن تضمن للمجتمع تناغمه. من هنا يأتي البحث عن أدوات أخرى تُتمم دور المنطق في تنظيم المجتمع وسياسته.

يقترح أويكان أديولو أولواسيي أن «اهتماماتنا وﻣﻌﺗﻘداﺗﻧﺎ وقيمنا ﻻ ﺗﺗﺷﻛّل ﻓﻘط ﻣن ﺧﻼل الطريقة العقلانية اﻟﺗﻲ نفهم بها ﺗﺟﺎرﺑﻧﺎ، وﻟﻛن أيضًا ﻣن ﺧﻼل ميلنا اﻟﻌﺎطﻔﻲ». من هنا فوضع العقل في مواجهة العاطفة (وكنقيض لها) لا يُفيدنا في إدارة التعقيدات الاجتماعية.

التفكير الشائع عن العاطفة هو كونها باطنية، ذاتية، غير واضحة، ولا يُمكن معايرتها. ما يجعلها -على عكس العقل- غير قادرة على النجاح في خلق التسويات. وحتى لو تم تقديم «التعاطف» باعتباره قادرا على فهم الأطراف الأخرى وتفهمها، إلا أنها كأداة -هكذا يذهب الجدال- منحازة لمن هم أشبه بنا، ما يُقوض مبادئ المساواة والعدالة الأساسية والضرورية. تأطير التعاطف على هذا النحو، يقف -وقد وقف طويلا- عقبة أمام استثمار إمكانياته الهائلة. وهو يُكرس -عن قصد أو غير قصد- تقديمه كشيء إن لم يكن أنانيا فهو هوائي ومتهور على أقل تقدير.

ما يُدافع أويكان أديولو أولواسيي عنه، هو إعادة تقديم العواطف على نحو إيجابي؛ باعتبارها حاضنة لمعارف معقدة، ووسيلة للتبصر والفهم الأخلاقي، ومُكملة لعملية التفكير. وينقد المنظور الذي يعتبر العاطفة نقيصة، والمغالطة الشائعة عن كون العواطف نقيض العقل، وكونها عائقا في اتخاذ القرارات السليمة وحل المشكلات.

لنتأمل أنفسنا عندما توضع قضية ما أمامنا. إننا نميل إلى محاولة تفهم الطرف الآخر عبر وضعنا أنفسنا في مكانه. من مكانه نُدرك أن مصالحه هي أيضا تستحق الدعم ما أمكن، وهذه المكنة تجعلنا منصفين أكثر، واعين بسياقية الأمور، تقدير الاختلافات، متحمّلين للمسؤولية الاجتماعية ولدورنا في المجتمع ومُدافعين أشرس عن حقوق الغير حتى ولو لم يأت علينا ذلك بمنفعة مباشرة، وذلك من خلال التماهي، الحساسية للاضطهاد وعدم المساواة. وبهذا تكون العواطف أداة تنظيم فاعلة بل وعادلة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هيئة مكافحة الفساد: الانقسامات ليست ذريعة والتحديات لن توقف العمل

مستشار هيئة مكافحة الفساد: تراجع ليبيا بالمؤشرات الدولية سببه التعدّي على الصلاحيات لا غياب الجهود

ليبيا – تحدّث مستشار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد جمال عبد الحكيم عن واقع مكافحة الفساد والدور الذي تضطلع به الهيئة في ظل تصاعد معدلات الفساد وتراجع ليبيا في المؤشرات الدولية، موضحًا أن هذا التراجع يعود إلى جملة من الظروف، من بينها التعدّي على الصلاحيات، خاصة في الجانب الدولي، إلى جانب تغوّل صلاحيات بعض المؤسسات على الاختصاصات الدولية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

اتفاقية الأمم المتحدة ورمزية الاحتفال
وخلال مشاركته في برنامج “حوارية الليلة” الذي يُبث على قناة “ليبيا الأحرار” من تركيا وتابعته صحيفة المرصد، شدد عبد الحكيم على أن ليبيا كانت من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مشيرًا إلى أن الاحتفالية التي نظمتها الهيئة بهذه المناسبة جاءت بشكل غير تقليدي، بعيدًا عن مظاهر الترف والاحتفالات الشكلية، إذ تمثلت في اختتام ورشة عمل حول معايير الشفافية في المنافذ البحرية، في خطوة تحمل دلالة واضحة على محاربة الفساد.

تصاعد غير عادي لشبهات الفساد
وأشار عبد الحكيم إلى أن المصطلحات المرتبطة بالفساد داخل المؤسسات باتت متفاوتة، وأن وتيرة شبهات وجرائم الفساد تشهد تصاعدًا غير عادي، ما يعكس تعقّد المشهد المؤسسي والرقابي.

استمرار عمل لجان المتابعة رغم الصعوبات
وأكد أنه رغم الظروف الصعبة والحرجة التي تواجه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فإن لجان المتابعة، سواء المعنية بالقطاع المالي أو بالقطاعين العام والخاص، إضافة إلى الإدارة العامة لاسترداد الأموال، تواصل عملها بمهنية عالية رغم كل التحديات.

تآكل استحقاقات ليبيا الدولية
وأوضح أن استحقاقات الدولة الليبية المرتبطة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بدأت تتلاشى نتيجة التعدّي على هذه الصلاحيات، لافتًا إلى أن فريق العمل الحكومي المكلف بتنفيذ الاتفاقية، والذي كان يضم المؤسسات الرقابية ووزارة الخارجية، تم التعدّي على كامل اختصاصاته خلال السنتين الماضيتين.

إحالة النتائج للجهات المختصة
وبيّن عبد الحكيم أن الهيئة منحت لجان المتابعة الإذن بمواصلة أعمالها داخل بعض المؤسسات رغم الظروف الحرجة، مشيرًا إلى أن هذه اللجان والإدارات المختصة تواصل عملها وتحيل نتائجها إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

تحديات لوجستية وإصرار على الاستمرار
وقال إن الصعوبات الكبيرة، لا سيما اللوجستية ونقص الكوادر، لم تمنع الهيئة من الوصول إلى العديد من الملفات المتعلقة بشبهات وجرائم الفساد في مختلف المجالات، مؤكدًا أن الانقسامات والتعدّي على الاختصاصات ليست ذريعة للتقاعس، وأن الهيئة عازمة على مواصلة عملها والمضي قدمًا رغم كل الظروف.

مقالات مشابهة

  • مجدي طلبة: بطولة كأس عاصمة مصر ليست ذات أهمية للأهلي
  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  •  خبيرة اقتصادية: 70% من قراراتنا الشرائية تعتمد على العاطفة وليس العقل
  • تحولات مفهوم الاستثمار الاجتماعي واحتياجات المجتمع
  • أشرف زكي: عبلة كامل ليست في المستشفى والصور المتداولة لها غير صحيحة
  • الفلسفة ليست ترفًا… بل مقاومة يومية ضد التفاهة
  • نهم السؤال وظمأ الذات
  • هيئة مكافحة الفساد: الانقسامات ليست ذريعة والتحديات لن توقف العمل
  • استشاري نفسي: ظاهرة التحرش بالأطفال ليست جديدة
  • أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية