رحلة سليمان البحري.. بناء حلم في جبال قرية «العلياء»
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
مشروع «بيت الضيافة» يقترب من الجاهزية.. ويستقبل الزوار العام المقبل
تأهيل مسار جبلي للتنقل إلى ولاية الجبل الأخضر.. وصيانة مشروع عين المليل
إصدار كتاب عن القرية بعنوان "جمال الطبيعة وعراقة التاريخ"
في قرية العلياء بولاية العوابي، وُلد سليمان بن محمد البحري في عام 1949م. تربى سليمان في هذه القرية التي كانت بالنسبة له الأم التي رعته وأطلقت له العنان ليجتهد ويعمل جاهدًا طوال سنوات عمره التي بلغت 75 عامًا؛ ليُحقق حُبه للقرية من خلال تنفيذ مشروعات ملموسة تجعلها وجهة سياحية محببة للزوار والسياح.
وأُحيط سليمان برعاية خاله سعيد بن حمد الحراصي بعد وفاة والده عندما كان سليمان في سن الثالثة، وتم تسجيله في مدرسة القرآن الكريم بالقرية. هناك بدأ العم سليمان بتعلم حروف اللغة العربية وقواعدها الهجائية، وبدأ أيضًا في حفظ سور جزء عمّ من القرآن الكريم. وكان لدى معظم الأهالي في القرية اعتقادًا أنه يجب على الطلاب تعلم سور الصلاة وختم القرآن، ولكن كان لدى سليمان طموح أكبر من ذلك.
في عام 1964م قرر سليمان ترك قريته والسفر إلى مملكة البحرين لمواصلة تعليمه. وعندما كان في سن الرابعة عشر، عاد للانضمام إلى القوات المسلحة العمانية كجندي مشاة في عام 1966م.
وكان لسليمان شغف بالعمل العسكري، ونجح في التدريب واجتاز جميع الدورات التعليمية والعسكرية المطلوبة. وفي عام 1981م حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية من جامعة مؤتة بالمملكة الأردنية الهاشمية.
تدرّج سليمان في المناصب والرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة مقدم ركن، وشارك في العديد من المحافل الوطنية والدولية خلال فترة حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيّب الله ثراه ـ.
وفي عام 1988م قرر سليمان التقاعد عن الخدمة العسكرية وبدأ مرحلة جديدة من الجد والاجتهاد من أجل الحصول على حياة طيبة وسعيدة.
وبعد خروجه من الخدمة العسكرية، انضمّ سليمان إلى القطاع المدني بوزارة الداخلية، حيث عُيّن كنائب لوالي صور بنيابة رأس الحد، وشغل هذا المنصب مُدة تجاوزت السنة. وبعدها قرر سليمان الاستقالة والانتقال إلى القطاع الخاص؛ فقد كانت لديه الرغبة في خدمة وطنه في مجالات متعددة من القطاع الخاص.
وطلب منه أهالي قريته الانضمام معهم لتأسيس فريق رياضي وترأسه، فاستجاب لطلبهم، وبدأ سليمان العمل مع مجتمعه في تأهيل مكان للفريق وتحقيق أهدافهم؛ وبفضل تلاحم الجميع وتعاونهم، تمكنوا من تحقيق نجاحات كبيرة وأسسوا فريق نجوم العلياء الرياضي.
لقد قاد سليمان فريقه للأمام وتمتّع بالنجاح لفترة من الزمن، وبعد أن أدرك قدرة الشباب في القرية على قيادة الفريق بنجاح؛ قرر أن يستقيل ويعطي الشباب الفرصة لتحمل المسؤولية وقيادة الفريق.
في عام 2010م أقرّت قرية العلياء لتكون القرية البيئية السياحية في ولاية العوابي، وعلى إثر ذلك قام سليمان مع مجموعة من الأهالي بتأسيس شركة العلياء الأهلية للخدمات في القرية بهدف إدارة جميع الأنشطة السياحية في القرية وتوفير الخدمات التي يحتاجها السائحون عند زيارتهم لها، لكن الأهالي لم يقبلوا على الانضمام إلى هذه الشركة.
ومن أجل ألا تتوقف مسيرة السياحية في القرية، ومن أجل تحقيق أهدافها الواسعة؛ رأى سليمان أن يبادر بنفسه في المضي قُدمًا في العمل على عدد من المشروعات، وهي: مشروع بوابة العلياء، ويشمل المشروع مركز المعلومات والإرشاد السياحي؛ لتوفير المعلومات والتوجيهات اللازمة للسائحين، كما تضمّن مقهى ومحلًا لبيع المستلزمات السياحية للتخييم وتسلّق الجبال، ومحل لبيع المواد الغذائية، وآخر لبيع المنتجات المحلية، مثل: الفواكه والخضروات والسعفيات والتراثيات، ومكانًا مُخصصًا للأطفال لتوفير وجهة ترفيهية لهم، كما ضمّ المشروع جلسات خارجية ودورات مياه ومرافق ضرورية لتوفير الراحة للزوار.
أما المشروع الثاني فهو مشروع بيت الضيافة، الذي يعتبر من المشروعات الأولى التي بدأ التفكير بها حيث منذ فترة طويلة بحكم أنه أحد مطالب السائح أو الزائر للقرية، ومع امتلاك سليمان بيتًا واسعًا يحتوي على عدد من الغرف، سعى جاهدًا في الحصول على التصاريح من الجهات الحكومية ذات العلاقة ليكون هذا النُزل جاهزا لاستقبال الزوار، ويتميز البيت بإطلالة جميلة على ضفاف الوادي ومزارع النخيل إلى جانب توفّر المساحة الكافية لمواقف الزوار.
في حين جاء المشروع الثالث كمسار جبلي يتكون من 3 مراحل، يمر من خلال الجبال والشعاب حيث كان هذا المسار في السابق يستخدمه الأهالي في التنقل والترحال إلى ولاية الجبل الأخضر، ورعي المواشي وجلب الحطب، وخوفا من أن يندثر ويغيب عن الوجود ولا تعرفه الأجيال القادمة؛ جاءت فكرة إعادة تأهيله وإظهاره للوجود بحيث يصبح مسارًا صحيًّا؛ لذا أطلقت عليه اسم «مسار السعادة الصحي».
وقال سليمان البحري: إن هذا المشروع يتكون من 3 مراحل عمل، وقد يصل إلى قرى ولاية الجبل الأخضر في المرحلة الثالثة، حيث يبلغ طول المرحلة الأولى 3 كيلومترات وبه أكثر من 1250 رفصة، يمرّ الزائر من خلاله على ضفاف الجبال والشعاب، وهذا المسار مهيأ لجميع الفئات وخاصة كبار السن الذين تصل أعمارهم 60 سنة، وأضاف سليمان: هذا المشروع من المشروعات التي أسعدتني كثيرًا وأنا أرى جميع فئات المجتمع من كبار السن والنساء والشباب يمارسون رياضة المشي على الرغم من انتقادات البعض بأنه غير مجدٍ اقتصاديًا، وعلى الرغم من أن المسار لا ينتهي إلا أن الناس يمارسون المشي عبر هذا المسار الجبلي، على أمل أن يُباشر العمل في المرحلتين الثانية والثالثة تباعًا في السنوات القادمة بإذن الله تعالى، حيث إن كل مرحلة من هذه المرحل أشدُّ وأصعب وتحتاج إلى لياقة بدنية عالية، وأكبر جهدًا في العمل ومال.
أما المشروع الرابع فكان «منتجع عين المليل» وهو عبارة عن مزرعة ذات مدرجات زراعية جميلة، وفيها كهف العين التراثي، وأوضح سليمان إن عملية تأهيل عين المليل كمنتجع سياحي مهم جدًا للمشروع السياحي المتكامل في قرية العلياء، خاصة أن بها كهف العين التراثي، وسوف يزيد ذلك تشويقًا؛ فعين المليل لا تصلها السيارة، بل تقع عبر وادي عميق، وسوف يتم العبور إليها من خلال 3 طرق، وهي: المشي على الأقدام، أو العربة المعلقة، أوالجسور المعلقة، وسيكون مشروعًا سياحيًّا صغيرًا متكاملًا، ومن المشروعات التي ستساهم في زيادة حركة السياح، وخاصة الأجانب الذين سيعيشون تجربة فريدة من نوعها، وسوف يتضمن المشروع تطوير الكهف وإجراء بعض التحسينات، وتأهيله بحيث يراعي المحافظة على طابعه وأصالته، وستتوفر في هذا المكان معظم وسائل الراحة والاستجمام، مثل عدد من الغرف ومطعم وبرك للسباحة، وملاعب للأطفال وأمور ترفيهية أخرى توفر للسياح قضاء يوم جميل بعيد عن الإزعاج إلى جانب إقامة بعض التجارب التي يمكن أن يؤديها السياح كالمشي وغيرها.
وتوجد الكثير من البرامج التي تكمن في مخيلة سليمان، ومنها الاستراحات الوقتية على ضفاف الوادي وتحت الأشجار المتنوعة، وفي مقدمتها شجرة الأمبا التي تشتهر بها القرية، ووسط القرية كثير من البرامج، كالسّير في المسارات خلال المزارع وداخل الحلل للتعرّف على الأماكن التاريخية وغيرها، أو الركوب على الجمال والخيول والحمير، كل ذلك يأتي تباعًا بعد تدشين بوابة العلياء التي ستكون انطلاقًا إلى ما تم ذكره.
وهناك مشروع لإصدار كتاب عن القرية بعنوان (جمال الطبيعة وعراقة التاريخ)، أخذ إعداده قرابة عام من الزمن من أجل التوثيق الشفوي، من خلال عمل لقاءات مع المختصين والشباب وكبار السن في القرية. ويشمل الكتاب 12 فصلًا عن الموقع الجغرافي والمعالم الأثرية والتاريخية والكهوف والأفلاج ونظام الري، إلى جانب النشاط الزراعي والحيواني.
كما أنه يوثق الحياة الاجتماعية للقرية كالتقاليد والعادات والطقوس التي تتميز بها القرية والمشروعات التنموية وغيرها. وقد تُرجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية ليكون مرجعًا للمهتمين والزوار من جنسيات مختلفة.
وتُعد قرية العلياء من القرى العمانية الواقعة في ولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة، وتحيط بها الجبال الشاهقة لتضفي جمالًا إلى جمالها الداخلي في أحيائها السكنية المتنوعة بمعالمها الطبيعية من العيون المائية والأفلاج الممتدة بمائها العذب ومساحاتها الزراعية التي تُغطيها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من المشروعات قریة العلیاء فی القریة من خلال مشروع ا من أجل فی عام
إقرأ أيضاً:
هل يثير السيسي مخاوف أوروبا بهدف تمويل مشروع منخفض القطارة؟
عاد الحديث مجددًا عن مشروع ربط البحر المتوسط بـ"منخفض القطارة" بصحراء مصر الغربية الذي يثير جدلا علميًا واقتصاديًا وسياسيًا، بعد إعلان رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، قبل أسبوع أن "العام القادم سيشهد ضم 4.5 مليون فدان لمساحة مصر المزروعة والبالغة 9 ملايين فدان".
وإثر حديث السيسي، عن زراعة هذه المساحة الكبيرة، دعا كتاب موالون إلى استعادة الزخم حول مشروع "القطارة" بمحافظة مطروح (شمال غرب)، واستغلال محطة "الضبعة النووية"-تبنيها روسيا غرب مدينة العلمين- في تحلية مياه البحر المتدفقة عبر منحدر نحو المنخفض الشديد، لزراعة تلك المساحة من الأراضي.
فرصة لمصر وإنقاذ لأوروبا
والأحد الماضي، دعا الكاتب محمد سلامة عبر موقع "الوطن"، إلى استغلال فرصة مخاوف دول حوض البحر المتوسط من غرق شواطئها، وخاصة (إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، وتركيا)، للحصول على دعم وتمويل للمشروع الذي يخفض منسوب المياه بالبحر المتوسط، بينما تشير التوقعات لغرق 20 بالمئة من شواطئ إيطاليا عام 2050.
ولفت سلامة إلى أن "هناك خبراء يرون بالمشروع الحل السحري لتوفير مياه الري التي تغطى طموحات الرئيس"، وزراعة 4.5 مليون فدان، والاكتفاء الذاتي، مشيرًا إلى أن "المشروع من الممكن ألا يكلف مصر جنيها واحدًا مع الترويج له عالميًا، خاصة لدى دول البحر المتوسط التي في طريقها لغرق مدنها الساحلية"، داعيا لإنشاء شركة مصرية لإقامة، الخدمات، والمرافق، وميناء بحرى، ومطار دولي، واستصلاح الأراضي، وزراعتها، تدشين مدن، وقرى جديدة.
فائدة عالمية
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تحدث موقع "Big think"، الأمريكي، عن الفائدة العالمية لمشروع القطارة، مؤكدًا أن "المنخفض سيحتوي على كمية كبيرة من المياه (1200 كم مكعب)، وملئه يخفض مستوى المحيطات العالمية بمقدار 3 ملليمترات، وتبخره المستمر يبطئ ارتفاع مستوى المحيطات بنسبة 6 بالمئة"، ونشر خريطة لمشروع منخفض القطارة، توضح الطرق المقترحة والمدن والارتفاعات وحقول النفط وحقول الألغام والمتنزهات الوطنية والآبار الحرارية.
وتساءل الموقع الأمريكي: لماذا لم تقم الحكومة المصرية بإغراق منخفض القطارة؟، موضحًا أن الجبال الواقعة بين البحر المتوسط والمنخفض تحتاج إلى حفر في تحد هندسي هائل لدرجة أن الباحثين بعد الحرب العالمية الثانية اقترحوا استخدام القنابل النووية، ملمحًا إلى أن دراسة أجريت عام 2012، قدرت التكلفة بملياري دولار، ولفت إلى أن شركة "بورينغ" التابعة لـ"إيلون ماسك "تستهدف خفض تكلفة نفق النقل الدائري أقل من 8 ملايين دولار للميل"، موضحًا أن "مسافة نفق القطارة 80 ميلا، ما يعني إمكانية حفره مقابل 400 مليون دولار فقط".
وفي السياق، أكد الخبير المصري في المياه والسدود الدكتور محمد حافظ، الثلاثاء، نقلا عن مصادر خاصة به أن "الجيش المصري قام بإخلاء مسافة على البحر المتوسط بطول نحو 10 كيلومترا لبدء مشروع القطارة"، المنخفض الذي تقع غربه واحات "سيوة" المصرية، وجغبوب الليبية على بُعد 20 كم.
بداية الفكرة وطرق تنفيذها
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه الحكومة المصرية عن قرار رسمي، بتنفيذ المشروع، الذي يهدف لتوليد "الطاقة الكهرومائية" يظل تطوير أكبر المنخفضات الصحراوية بالعالم وتحويل المنخفض لبحيرة صناعية محط خلاف خبراء بين مروج لفوائده ورافض له بسبب تكلفته ومخاطره البيئية.
وتعود الفكرة إلى عام 1916، عندما اقترحها الجغرافي الألماني ألبرخت بينك، فيما جرت دراسات للمشروع خلال عشرينات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بينها للمهندس الألماني هانز غونتر هورنيغ، دون الوصول لنتائج مقنعة لحكومات القاهرة.
ويضم منخفض القطارة ثاني أدنى نقطة في أفريقيا، بعمق 133 مترا تحت مستوى سطح البحر، بعد أدنى نقطة قارية "بحيرة عسل" في جيبوتي، فيما يغطي المنخفض مساحة تبلغ حوالي 19.605 كم، ما يُضاهي بحيرة أونتاريو بكندا، وضعف مساحة لبنان.
الفكرة الأساسية تقوم على الاستفادة من تدرج الارتفاع بين سطح البحر المتوسط ومنخفض القطارة، وحفر بينهما، قناة أو نفق (غرب مدينتي العلمين ورأس الحكمة) لمسافة 55 إلى 80 كيلومترا، وتقوم الفكرة على تدفق الماء بقوة من البحر عبر توربينات كهرومائية (شلالات اصطناعية) مثبتة عند حافة المنخفض تولد الكهرباء، كما يؤدي التدفق المستمر لإنشاء بحيرة مالحة ضخمة بالمنخفض، ليتوقف التدفق عندما يتعادل معدل التبخر الهائل من البحيرة مع معدل تدفق مياه البحر إليها.
خطوات مصر
قامت مصر بإجراء دراسات جدوى مع خبراء وشركات هندسية ألمانية، فيما أسس الرئيس أنور السادات، "هيئة مشروع منخفض القطارة" عام 1975، قبل تجميد الفكرة لما أظهرته الدراسات من عقبات اقتصادية وفنية، في وقت ظهرت فيه بدائل للطاقة أكثر جدوى اقتصاديا (كالغاز وطاقة الشمس والرياح).
وفي 17 آذار/ مارس 2025، لفتت مجلة "la brujula verde"، الفرنسية، إلى محاولات أمريكية في ستينيات القرن الماضي لإقناع الرئيس جمال عبدالناصر بالمشروع بحفر قناة 100 كم، على تتبنى المشروع مقابل ابتعاد القاهرة عن الاتحاد السوفيتي.
ولأغراض التنقيب، اقترحت أمريكا استخدام 213 قنبلة نووية، وزن كل منها 1.5 ميغا طن، كجزء من برنامجها "الذرة من أجل السلام"، والقضاء على آلاف الألغام الأرضية بمدينة العلمين –يمر الأنبوب غربها- منذ الحرب العالمية الثانية، لكن تحسبت مصر لوجود آلاف السكان، وحدوث زلزال.
وفي نيسان/ أبريل 2023، أعلنت شركة "إليت كابيتال" الإنجليزية عن اتفاق مع شركة "إيجيت كونسلتينج" –منفذة الدراسة-، لإجراء دراسة جدوى جديدة بمشاركة شركتي "DynaFin" البلجيكية و"CBF" الأمريكية، حول منخفض القطارة ترتكز على تجنب عقبات عقود، واستخدام أحدث المفاهيم والتكنولوجيا، ووضع خطة شاملة لتنفيذ المشروع.
الرئيس التنفيذي لـ"إليت كابيتال" جورج ماثارو، قال إن الدراسة تقوم على أكبر مشروع أخضر بالعالم، بالاعتماد على (طاقة الهيدروجين، والزراعة، والصناعة، والتعدين الحديث)، موضحًا أنها على نفقة شركتهم بالكامل دون شروط والتزامات على مصر، لكنه ومع مرور عامين و 8 أشهر على ذلك الإعلان لم تخرج الدراسة للنور، رغم وعود الشركة الإنجليزية بإنجازها خلال شهور.
الفوائد والعوائق
ونظريًا تتمثل فوائد المشروع في توليد طاقة كهرومائية نظيفة ومستمرة، بقدرة متوقعة بين 600 إلى 1000 ميغاوات، مع تنمية المناطق المحيطة بالبحيرة العملاقة، بإنشاء مزارع سمكية، مع توقعات بأن تؤدي كتلة المياه الضخمة لهطول الأمطار وزراعة مساحات بالصحراء الغربية، واستخلاص الأملاح والمعادن من البحيرة، إلى جانب تحقيق تنمية سياحية، وصناعية.
وعمليًا تشير نقاط اعتراض البعض، إلى معوقات فنية وتكلفة هائلة لحفر كميات هائلة من الصخور والرمال بمنطقة العلمين حيث الألغام الأرضية منذ الحرب العالمية الثانية، مع مخاوف تسرب المياه المالحة ورفع منسوب المياه الجوفية، ما يهدد واحات الصحراء الغربية، ويؤثر على البيئة.
وبلغ التقدير الأقدم لتكلفة المشروع عبر الدراسة الألمانية عام 1978حوالي 2 مليار دولار، لكن التكلفة المحتملة حاليا؛ تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات نظرا للجهد الهندسي الهائل لإزاحة أكثر من 600 مليون متر مكعب رمال وصخور.
وتُظهر دراسات الجدوى أن التكلفة الرأسمالية الأولية الضخمة للمشروع تفوق العوائد المتوقعة من توليد الطاقة، خاصة مع انخفاض تكلفة توليد الكهرباء من مصادر بديلة حاليا (مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) بالصحراء الغربية؛ وهو السبب المباشر لاستبعاد المشروع من أولويات التنفيذ حتى الآن، وفق خبراء.
دراسات تدعم المشروع
الكثير من التقارير الصحفية والدراسات العلمية تناولت الفكرة وبينها أفكار لمشروعات مماثلة في بلدان مجاورة لمصر، منها إمداد البحر الميت بمياه البحر الأحمر عبر أنابيب بتكلفة 10 مليارات دولار، بتعاون إسرائيلي أردني، في مشروع أوقفته عمان عام 2021، لتفكر تل أبيب بنقل مياه البحر المتوسط للبحر الميت، مرورا بأراضي الضفة الغربية، وفق تقرير لموقع "big think"، تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من بين التقارير العالمية، لفت موقع "جلف انسايدر"، لإمكانية تحول منخفض القطارة إلى بيئة صالحة للعيش في بلد أقل من 4 بالمئة من أراضيه صالحة للسكن، ويعيش عليها أكثر من 108 ملايين نسمة بالداخل.
وفي تقرير له عام 2023، وصف المشروع بالإعجاز الهندسي، وبـ"قناة السويس المصغرة"، مقدرًا التكلفة بـ1.6 مليار دولار، متوقعًا أن يؤدي تبخر مياه البحيرة لزيادة الرطوبة وهطول الأمطار وزراعة الأراضي القاحلة، وتوليد الطاقة الكهرومائية، وإنشاء مستوطنات جديدة حول البحيرة.
وأكدت دراسة قُدمت بالمؤتمر الدولي التاسع لـ "RETBE'12"، بجامعة الإسكندرية، كانون الأول/ ديسمبر 2012، أنه "نظرا للوفرة الطبيعية لطاقتي الرياح والشمس، يجب بناء وحدات تخزين واسعة النطاق، وأن تخزين الطاقة الكهرومائية بالضخ في منخفض القطارة أحد أفضل الخيارات".
وقالت إنه يُمكن للمشروع دمج مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، والشمسية، والكهرومائية)"، مقترحة عبر "طريقة آمنة واقتصادية استغلال تضاريس منخفض القطارة، عبر محركات تعمل بطاقة الرياح تضخ مياه البحر لخزان دير كريم الأعلى، ثم تُطلق المياه المُخزّنة بالمنخفض"، وخلصت الدراسة، إلى أنه "يُمكن استخدام الطاقة الناتجة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وتحويل البحيرة لوجهة سياحية، ونظرا لارتفاع معدل التبخر الشمسي، يُمكن استخراج الملح ومعادن أخرى، مثل البوتاس، كسماد، ما يُتيح آلاف الوظائف الجديدة".
أحلام تنقصها الدراسات
أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، أكد أن "الداعين لمشروع منخفض القطارة يعرضون لفكرتين: أن يُملأ بمياه البحر المتوسط أو بمياه عذبة من نهر النيل".
وفي حديثه لـ"عربي21"، استبعد تنفيذ ذلك المشروع الآن سواء بمياه البحر أو النهر؛ لأنه مكلف للغاية"، مبينا أن "دراساته لم تكتمل، وليس لدينا دراسة جدوى حقيقية، كما أن الظروف الحالية لا تسمح بالصرف على دراسة جدوى ولا على تنفيذ الفكرة".
وتساءل: "لمن يقول بضخ مياه النيل لمنخفض القطارة؛ أين مياه النيل التي تكفي لجلبها من السد العالي حتى المنخفض، بينما ليس لدينا ما يكفي زراعة الأراضي الجديدة، بل والآن التحدي الأكبر؛ كيف أوفر مياه لضخها في المنخفض ولزراعة 4.5 مليون فدان".
وتابع: "من يقولون بملأ المنخفض بمياه البحر قبل تحليتها عبر محطة مفاعل الضبعة النووية واستخدام المياه في ري 4.5 مليون فدان، الأمر صعب؛ لأن محطة توليد الكهرباء بمفاعل الضبعة قدرتها 4.5 جيجا، بما يعادل إحدى محطات سيمنز الثلاثة، ولذا ليست الساحر الذي يوفر الكهرباء لتحلية مياه البحر وضخها للقطارة".
ولفت إلى التكلفة العالية لتحلية مياه البحر، مبينا أن "الطاقة تشكل منها 50 بالمئة، وهناك 50 بالمئة تكاليف أخرى، كما أنه لا يمكن تحلية مياه البحر وتخزينها بمنخفض القطارة المعرضة للبخر بكميات كبيرة، وعمليا صعب استخدامها للزراعة لأنها مكلفة، وكيف نملأ منخفض بهذه المساحة؟، كلها أفكار وأحلام من غير أهل التخصص"، وخلص للقول: "ليس لدينا كميات مياه عذبة لملء منخفض القطارة سواء من النيل أو من المياه المحلاة من البحر، كما أن ضخ مياه البحر مباشرة يضر بخزان المياه الجوفية بالصحراء الغربية".
ويتخوف مصريون من مثل تلك المشروعات الكبرى، لما علق في ذاكرتهم الجمعية من إخفاقات سابقة بمشروعات مماثلة بينها مشروعات الصالحية في عهد السادات، وتوشكى بعهد حسني مبارك، ومشروع شق قناة جونجلي بجنوب السودان، لتوفير 2 مليار متر مكعب من المياه، وغيرها.