جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-16@17:51:24 GMT

هيبة العالِم والمنطق المعوَج

تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT

هيبة العالِم والمنطق المعوَج

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

يُحكى أن أحد العلماء، شاهد أحدهم يسرق طعاماً من الباعة في السوق، وبعد ذلك يقوم هذا السارق بالتصدق بذلك الطعام على الفقراء والمحتاجين، فاستغرب العالِم من صنيع هذا الرجل واستفسر منه، فأجابه ذلك الرجل بأنَّ السيئة لا تجزى إلا بمثلها أما الحسنة فبعشر أمثالها، وبسرقته للطعام ومن ثم تصدقه به كسب تسع حسنات!

بهذا المنطق المعوج قام هذا الرجل بتبرير سرقته للطعام من الباعة، لكن ما قام به هذا الرجل، قام به العديد منّا، فظاهرة التبرير من أعقد الظواهر النفسية، فهي تختلف في دوافعها عن الكذب، ففي الكذب يعلم الإنسان أنه يكذب وأنه يكذب خوفاً من الآخرين كخوفه من أن يفقد مقاماً عندهم، لكن التبرير هو محاولة من الإنسان لإسكات ضميره وإقناعه بأن ما قام به أو يقوم به أمر لا يخالف القيم والمبادئ التي يؤمن بها، ومن هنا تجده يطرح التبريرات لعمله لا خشية من الآخرين فحسب بل حتى يسكت ضميره أيضا ويحاول أن يطرح حلا للتناقض بين سلوكه وقيمه ومبادئه التي يؤمن بها.

ومن الملاحظ أن العالِم في أي مجال كان، أكثر قدرة وتمكٌنا من التبرير من غيره، لأن المعرفة والعلم سلاحان يستخدمهما العالِم ويستغلهما لتبرير أفعاله، وإيجاد تفسيرات بديلة تبرر موقفه واعماله وآرائه التي يتبناها، فقد لاحظنا كيف أن البعض ممن حباه الله بالمعرفة والعلم برّر وبأعذار مختلفة أعمالا أدت إلى فتن وتمزيق للمجتمعات وبلغ بعضها حدا بأن كانت تدعو للمقاطعة بين الأخ وأخيه لخلاف فكري، بل أودت في أحيان أخرى الى القتل والتدمير أيضا، فالكثير من الأفكار المتشددة التي انتشرت في فترات مختلفة في عالمنا الإسلامي كان هناك من العلماء من يبررها ويدعمها بنصوص من القرآن والسنة الشريفة.

وهكذا الحال مع مبرري الحرب الغاشمة على غزة، فتجدهم يبررون لأنفسهم كل هذا الظلم الذي لحق بأهلنا في غزة، بمبررات واهية تضحك الثكالى ومع ذلك يدّعون أنهم مدافعون عن حقوق الإنسان ورافعون شعار الدفاع عن المظلوم!

ولهذا.. فإن التبرير عندما يصدر من العلماء والخبراء يكون أشد ضررا وأكثر خطورة، إذ يسري هذا التبرير لمريديهم ومتابعيهم، فيبررون مواقف العالِم أيضا، وعلى الرغم من مخالفتها للعقل والمنطق، فإن البعض منهم قد يلجؤون إلى محاولات تشكيك الآخرين بقدرتهم العقلية على التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ وأن العالِم يملك من العلم ما لا يملكونه، ولذا فلا يحق لهم محاسبته أو تقييم ما بدر منه، وبذلك فهم يهدمون الركن الركين الذي به يفرّق الإنسان بين الحق والباطل.

ريتز هابر أحد علماء الكيمياء الذين ساهموا مساهمة فاعلة في تطوير الأسمدة الكيمياوية، وذلك عبر تطويره لطريقة لإنتاج الأمونيا، ومساهمته هذه منحته جائزة نوبل في الكيمياء وذلك عام 1918؛ حيث اعتُبِر أنه ساهم وبشكل فاعل في توفير كميات ضخمة من الأسمدة المحتوية على النيتروجين وزيادة نسبة المحاصيل الزراعية في العالم بأسره.

لكن هذا العالِم الألماني ساهم أيضًا في تطوير الأسلحة الكيميائية القاتلة والتي استخدمت بشكل كبير وفاعل في الحرب العالمية الأولى، والتي عدت حربا كيميائية بامتياز نظرًا لكثرة الأسلحة الكيميائية التي تم استخدامها في تلك الحرب؛ حيث كان السلاح الكيميائي هو السلاح الأكثر فتكًا في ذلك الوقت، ولذا سعت الأطراف المتصارعة الى امتلاكه لأنها كانت تدرك بأنه سيكون عاملا حاسما في هذه الحروب.

ساهم فريتز هابر في تلك الحرب في إنتاج قنابل ومتفجرات شديدة الانفجار والتي تحوي على نترات الأمونيوم، وهي المادة التي انفجرت في العاصمة اللبنانية بيروت في أحد المخازن ونتج عنها خسائر كبيرة وذلك في أغسطس عام 2020.

كما ساهم هذا العالِم في تطوير أسلحة كيميائية تسببت في الملايين من الاصابات التي لحقت بالمقاتلين وقتلت ما يقارب من 100 ألف.

وعلى الرغم من فداحة الجرم الذي ارتكبه، إلّا أنه دافع عن نفسه وبرر جرائمه بأن سعيه لتطوير هذه الأسلحة الفتاكة كان لهدف نبيل وسامٍ وهو إنهاء الحرب بصورة سريعة، ولذا كان يعتبر نفسه من دعاة السلام، فلقد ساهم في القضاء على الخصوم بسرعة فائقة، والحمد لله فلم يصل في تبريره إلى مطالبته بحق الحصول على جائزة نوبل للسلام!

وهكذا كان الحال مع أبي القنبلة الذرية روبرت أوبنهايمر، فهذا العالِم الشهير يعد العقل المدبر والمشرف على مشروع مانهاتن لصناعة القنبلتين الذريتين التي أسقطتهما الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناجا زاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية والتي أودتا بحياة الملايين من البشر، ولكن وعلى الرغم من كل ذلك الدمّار الذي نتج عن عمله، لم يتراجع أو يظهر الندم على فعله؛ بل بررّ ما قام به بأنه وسيلة مُهمة ومؤثرة لوقف الحرب وسفك مزيد من الدماء وإزهاق الأرواح!

إنَّ هذه الأمثلة تنبهنا الى أمر في غاية الأهمية، وهي أن الإنسان يمتلك قدرة غير محدودة لتبرير ما يقوم به، فحتى الجرائم التي يرتكبها، يمكنه أن يجد لها تبريرًا، وخاصة إذا كان المتحدث يمتلك علما وقدرة على التعبير، فيقلب الحق باطلا والباطل حقا، فعلينا ألّا نغتر بالمتحدث؛ بل علينا أن نزن الحديث الذي تحدث به بميزان العقل والضمير، فهيبة العالِم ونفوذه وسلطته لا تبرر منطقه المعوَج، والهراء يظل هراء حتى وإن تحدث به عالِم من العلماء.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة! 

 

حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة! 

رشا عوض 

تعرض الشاب الخلوق المصور الصحفي ابراهيم نقد الله لاعتداء بالضرب في احد مقاهي القاهرة دخل على اثره المستشفى.

حسب مقالته المحترمة التي شرح فيها ملابسات هذا الاعتداء ( تجدونها منشورة في الموقع) فان عملية البلطجة تمت بقيادة احد الشباب الذين كانوا يعتدون على ندوات القوى المدنية ويفرقونها بالقوة وهو الان في معسكر البلابسة وسبق ان ارسل لابراهيم شتائم على اساس اتهامه بموالاة الدعم السريع ، استنفر هذا الشاب اصدقاءه بخديعة ان ابراهيم من الد.عم السريع وتسبب في قتل شقيقه فانهالوا عليه بالضرب!.

المصور الصحفي إبراهيم نقد الله

نتمنى لابراهيم عاجل الشفاء التام ، ونسأل الله ان يحفظه.

ولكن هذه القضية يجب تصعيدها قانونيا حتى محاكمة هؤلاء البلطجية ، كما يجب تصعيدها سياسيا عبر فضح الجهة التي تقف خلفها اذ ربما يكون هؤلاء الشباب جزء من شبكة منظمة لممارسة هذا العنف العشوائي لارهاب المدنيين ، كما يجب تصعيدها اعلاميا عبر التصدي لخطابات الكراهية والتضليل التي تستهدف كل اصحاب المواقف السياسية الرافضة للحرب والمنادية بالسلام والحكم المدني الديمقراطي.

 

هناك تعبئة مكثفة للرأي العام ضد القوى المدنية الديمقراطية بالغرس المستمر والمثابر لسردية ان هذه القوى هي التي اشعلت الحرب وهي سبب كل الكوارث التي يعاني منها الشعب وهي المسؤولة عن جرائم وانتهاكات الد.عم السريع مسؤولية مباشرة، ونجحت ماكينة التضليل والتزييف والكذب الفاجر في تكسير قواعد المنطق البسيط واثارة غبار ودخان كثيف حاجب للرؤية عبر الغوغائية المخدومة بغرف اعلامية وشبكات من الصحافة الرخيصة منزوعة الضمير والمصداقية

 

هذا التهييج المستمر ضد القوى المدنية هدفه غسيل المجرمين الحقيقيين من الكيزان والعسكر الذين صنعوا الد.عم السريع وسلحوه ودربوه من موارد الدولة، وبرلمانهم الكيزاني كامل الدسم هو الذي اجاز قانونه ومنحه الحصانات ، ونظامهم هو الذي كان يسجن كبار السياسيين لو فتحوا فمهم بكلمة ضد الجنجويد!

حتى قبل هذه الحرب بايام قلائل كان كبار قادة الجيش يمدحون حميدTي ويهبون واقفين لاداء التحية العسكرية له! وكان قائد الجيش الحالي الفريق عبد الفتاح البرهان يقول ان الفضل في حراسة حدودنا ونومنا امنين في بيوتنا هو قوات الد.عم السريع!

هذه الحقائق الساطعة الناصعة لا يستطيع المعسكر العسكركيزاني وتوابعه من البلابسة مواجهتها بحوار عقلاني محترم ، هذا مستحيل!

هل يصمتون؟

ابدا ، لا بد ان يكسروا عنق المنطق عبر البلطجة الاسفيرية واحتلال مواقع التواصل الاجتماعي باسراب الذباب الالكتروني ليغمروها بالاكاذيب التي يعززها صحفيو الغفلة لخدمة الهدف الاستراتيجي: غسيل المجرمين الحقيقيين والصاق جرائمهم بالقوى المدنية المناهضة للحرب والتي سعت لتفاديها قبل اندلاعها ! القوى المدنية التي بادرت باثارة قضية الجيش المهني الواحد وانهاء واقع تعدد الجيوش لتفادي الحروب وهذا معناه تفكيك الد.عم السريع كجيش موازي ودمجه في الجيش عبر عملية شاملة للاصلاح الامني والعسكري! بقدرة قادر تصبح هذه القوى هي سبب الحرب! وهي الغطاء السياسي للد.عم السريع !!

انتقلت البلطجة من الاسافير الى ارض الواقع اكثر من مرة! وبلطجية البلبسة لا يتجرؤون الا على ندوات وفعاليات ورموز القوى المدنية!

في لندن مثلا تعرضوا لندوة تقدم، ولكن عندما خرجت مسيرة هادرة للدعامة ذات نفسهم في ذات المدينة (لندن) لم نسمع لهم همسا ولم يطل اي بلطجي مأجور برأسه!

كامل التضامن مع الراكز ابراهيم نقد الله ، والاعتداء عليه هو رسالة تهديد يجب ان تؤخذ على محمل الجد ! ولا بد من عمل منظم يرسل رسالة قوية للبلطجية ومن يقف خلفهم ان الاعتداء على القوى المدنية ليس نزعة آمنة وله تبعات قانونية وسياسية.

#لا_للحرب

#لا_للحكم_العسكركيزاني

#المجد_لثورة_ديسمبر

الوسومإبراهيم نقد الله الاعتداء البلطجة القاهرة المصور الصحفي رشا عوض

مقالات مشابهة

  • حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة! 
  • صريح جدا / هذه هي الرياضة التي يفضلها الأولياء الجزائريون لأبنائهم
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • عنوان بديل: انخفاض ملحوظ بأسعار الليمون في الأردن بعد موجة غلاء
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله
  • رشا عبد العال: أطلقنا حزمة تسهيلات ضريبية لتحقيق عدالة وكفاءة وشفافية أكبر
  • اللواء سلامي: اليمن هزم أمريكا وغزة كسرت هيبة القوى العظمى
  • برلماني يطالب بوقف إطلاق النار في غزة ويدعو لتحرك دولي عاجل لإنهاء معاناة الفلسطينيين