لجريدة عمان:
2025-08-03@17:53:32 GMT

قراءة في قضايا العمل وقوانينه

تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT

تتشابك قضايا العمل في مجرياتها وتأثيراتها المجتمعية والاقتصادية؛ فتُحدث في داخلنا متاهات من التساؤلات تدفعنا إلى البحث عن الحلول لمشكلات أهمها أزمة الباحثين عن العمل، ومنظومة تقويم الأداء الوظيفي، وجدل التقاعد وقانونه الجديد. قبل الولوج إلى هذه القراءة وتشعباتها نحتاج إلى القول: إنه لا وجود لتقدم وتطور حضاري دون وجود تحديات مصاحبة؛ فنجد المشكلات مع كل تقدم وتنمية تواجه المجتمعات، منها مشكلات العمل التي لا ينحصر وجودها في دولة دون أخرى، إلا أن التفاوت في حجم هذه المشكلات هو ما يمكن أن يكون معيارا وقياسا لقدرة المجتمعات والحكومات على إيجاد الحلول المناسبة التي يمكن أن تخفف من وطأة الأزمات الناتجة.

تعتبر أزمة العمل وخصوصا أزمة الباحثين عن العمل أحد أكبر المعضلات التي تواجه دول العالم دون استثناء ومنها سلطنة عُمان التي تبذل الحكومة بمؤسساتها المعنيّة الجهود الممكنة للوصول إلى أقل معدلات للبطالة؛ فاستنادا إلى الواقع من زاويته المجتمعية بشموليّتها الاجتماعية والاقتصادية، وعبر ما نلتقطه من فئة الشباب الباحثين عن عمل يمكننا المحاولة في طرح قراءة لبعض مفاصل هذه المشكلة، وتحديد بعض مسبباتها مثل ضعف وجود الكوادر الوطنية في سوق العمل الذي يمكنه أن يشغلها بتعليمه الجامعي الذي تنفق الحكومة الأموال الطائلة عليه أو عبر إكسابه الخبرة المطلوبة بواسطة التدريب، وهنا الإشارة إلى سوق العمل في القطاع الخاص الذي يملك فرصا وافرة لكثير من المهن والتخصصات، وكذلك يرجع البعضُ تدني نسبة التعمين في القطاع الخاص لأسباب أهمها ضعف الحد الأدنى للرواتب وعدم توافقه مع غلاء المعيشة، والذي يمكن لبعض مؤسسات القطاع الخاص استغلاله بشكل قانوني يضمن تنفيذها لشرط نسبة التعمين، وفي المقابل تقليل التكلفة المالية الناتجة من التوظيف، وتحقيق مكاسب ربحية تضع الباحث عن العمل أمام خيارات صعبة منها عدم الاستمرارية في العمل نتيجة الإحساس بالضَّيْم وعدم المساواة، وهنا تتجلى الظاهرة النفسية التي نحتاج إلى الالتفات إليها المتولّدة عند الباحث عن العمل، أو الفاقد للحقوق المالية العادلة والمكافِئة للوظيفة ومهامها، أو عند الاضطرار لترك الوظيفة أوالفصل التعسفي، وهذه الظاهرة النفسية لها تأثيرها من جميع النواحي منها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن ترتبط بزيادة معدلات الجريمة والتفكك الأسري والاجتماعي، والأمراض النفسية التي تعوق مسيرة التنمية نظير تراجع معدلات الأداء والإبداع عند فئات الشباب الذي يعدّ عمادَ المجتمعات وأركانها.

لا يمكن أن نوجّه أصابع الاتهام إلى جهة معيّنة ونحمّلها المسؤولية بمجملها؛ إذ يتحتم أن ندرك أن مسؤولية أزمة الباحثين عن العمل يتشارك جميع عناصر المجتمع في مواجهتها وتقليل معدلاتها؛ فيأتي الوعي المجتمعي -المتعلق بفهم حركة العمل وأدواته وفلسفته- وتأسيسه على عاتق جميع عناصر المجتمع نفسه أفرادا ومؤسسات، ومن السهل أن نقرّب مغزى الوعي المجتمعي وأهميته في واقع حركة العمل الحر والمؤسسي التي يمكن لأيّ مجتمع أن يتبنى وجودها، ولنا في مدن وولايات عُمانية الأمثلة الناجحة على ذلك منها مدينة نزوى التي تعطي نموذجا واقعيا لوجود الوعي المجتمعي الخاص بفلسفة العمل الذي ليس بالضرورة أن يُحدَّ بأيّ ظرف خارجي يتعلق بتحديات القطاع الخاص أو القطاع العام؛ فانتهجت مدينة نزوى وغيرها من المدن والولايات العمانية توجها غيّر من قواعد العمل المألوفة؛ إذ نجد نشاطا في سوق العمل بمختلف مجالاته يدب في هذه الولايات ويتحرك بسواعد أبنائها الذين يقتنصون الفرص التي يمكن تسخيرها في تحقيق التنمية الاقتصادية واستدامتها؛ فنجد نموا صاعدا في قطاع السياحة الذي لم يعد حكرا على القوى العاملة الأجنبية بل نرى لهذا القطاع شركات أهلية تُعنى بجذب الشباب العُماني الباحث عن العمل؛ فتجعل منه شريكا يساهم بخبرته وعلمه ويستفيد من الناتج بشكل مجزٍ؛ فيعيد تشكيل خبراته التي يمكن أن تلهمه إلى توسيع دائرة العمل وتطويره، وكذلك يمكن لهذه الشركات الأهلية المساهمة في التنمية المجتمعية التي يمكنها أن تمنح الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للجميع.

في جانب آخر فإن تعويلنا على دور الوعي المجتمعي لفلسفة العمل -الذي أمكن أن نرى نتائجه في بعض الولايات العمانية ومدنها- لا ينبغي أن نجعله بديلا يمنع حق مشاركة الكوادر العمانية في سوق العمل العام والخاص الذي سقنا بعض مسببات ركوده التي يمكن أن تعالج بقرارات تعيد النظر في قوانين العمل منها رفع الحد الأدنى للأجور، ورفع نسبة التعمين للوظائف بجميع مستوياتها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة -وفي هذا المفصل لا ننكر الحراك الذي تبذله الحكومة عبر تحديثها المستمر لنسب التعمين ورفعها وفقا للتخصصات التي يمكن للكوادر العمانية أن تتولى تنفيذها-، ورفع معدلات الأمان الوظيفي -الذي أيضا نرى تحسّنه وفقا لمستجدات قانون العمل والحماية الاجتماعية-، وينبغي أن يصاحب أيّ مستجدات في هذه القوانين متابعة حثيثة ودقيقة يمكن بواسطتها تحقيق أقصى تنفيذ ممكن لهذه القوانين.

من منظور آخر يخص حركة العمل واستدامته لابد أن نلتفت في قراءتنا الحالية إلى منظومة التقويم الوظيفي وأدواتها المستعملة التي تتفاوت في آليتها وقياساتها وأدواتها من قطاع إلى آخر، إلا أننا في هذا المقال المعني بقضايا العمل نركّز على المنظومة الحالية المعتمدة في القطاع العام المدني التي يراها كثيرٌ من العاملين في القطاع العام بأنها منظومة بحاجة إلى مراجعة شاملة تعيد آلية تقويم الأداء الوظيفي بشكل مرضٍ وعادل للجميع مما يقلل من ظاهرة الإحباط وعدم المبالاة وضعف الأداء، وفي هذا الشأن من الممكن أن ندخل الذكاء الاصطناعي ونماذجه للمساعدة سواء في تحليل كفاءة هذه المنظومة وتحديد نقاط ضعفها أو في إعادة بنائها وتشغيلها. كذلك قانون العمل الذي ارتبط به نظام التقاعد الجديد بحاجة إلى إعادة النظر في مفاصله الكثيرة التي تخص الحاضر والمستقبل وتخص الزوايا المتعلقة بالأداء الوظيفي والاجتماعي والأسري والنفسي؛ فهذه زوايا من السهل أن تجتمع في تشكيل مجتمع منهك لا يرى وضوحا لمستقبله الذي يستحق أن يكون في صورة أكثر مرونة من حيثُ الميولات الشخصيّة ورغباتها، وتمنح فرص استئناف الحياة بصور أخرى؛ فتسمح لكوادر وطنية أخرى أن تكمل مسيرة العمل دون تأخير يسرق سنوات العمر من الجيلين السابق والجديد.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوعی المجتمعی القطاع الخاص التی یمکن أن الباحثین عن سوق العمل فی القطاع عن العمل

إقرأ أيضاً:

وزارة المالية: قمنا بشكل مؤقت واحترازي بنقل أرصدة الأموال المخصصة لرواتب العاملين في القطاع العام من أبناء محافظة السويداء إلى فروع البنوك في مدينة إزرع، وذلك في سياق حرص الدولة على الوفاء بالتزامات تسديد الرواتب، وفي ضوء الاعتداءات المؤسفة التي تمت من قب

2025-08-02mohamadسابق الدفاع المدني السوري يؤمن خروج عائلات من السويداء، وإيصالهم إلى محافظة حلب انظر ايضاً الدفاع المدني السوري يؤمن خروج عائلات من السويداء، وإيصالهم إلى محافظة حلب



آخر الأخبار 2025-08-02وزارة المالية: قمنا بشكل مؤقت واحترازي بنقل أرصدة الأموال المخصصة لرواتب العاملين في القطاع العام من أبناء محافظة السويداء إلى فروع البنوك في مدينة إزرع، وذلك في سياق حرص الدولة على الوفاء بالتزامات تسديد الرواتب، وفي ضوء الاعتداءات المؤسفة التي تمت من قبل جماعات خارجة عن القانون على فروع المصارف والمديريات العامة، وحرصنا على سلامة العاملين في فروع البنوك والحفاظ على المال العام وصون حقوق العاملين 2025-08-02الأمن الداخلي في اللاذقية يلقي القبض على المجرم نبيل دريوسي 2025-08-02إجلاء 386 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال من السويداء 2025-08-02“البوصلة الأسرية”… ندوة تثقيفية توعوية في قصر الثقافة بحمص 2025-08-02لجنة التحقيق في أحداث السويداء تعقد اجتماعها الأول 2025-08-02رئيس هيئة المفقودين: نتعاون مع المنظمات الحقوقية والجهات المعنية لكشف مصير المفقودين 2025-08-02مياه الشرب في حماة تدعو إلى ترشيد الاستهلاك 2025-08-02حرائق أوروبا… خسائر وتلوث على مستوى قياسي 2025-08-02دخول قافلة مساعدات إنسانية جديدة إلى السويداء عن طريق بصرى الشام 2025-08-02التعليم العالي: سيتم تحديد موعد آخر لامتحان مقرر التشريح الخاص بالسنة التحضيرية لطلاب السويداء

صور من سورية منوعات بحيرة في البرازيل تتحوّل إلى اللون الأزرق في مشهد غريب 2025-07-31 اكتشاف فصيلة دم غير معروفة عالمياً لدى امرأة هندية 2025-07-31
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • محافظ دمياط و مدير مديرية الصحة الجديد يناقشان عدد من ملفات القطاع الصحى
  • ما هى الرسوم التي يتحملها صاحب العمل عن العامل الوافد؟.. توضيح من الموارد البشرية
  • وزارة المالية: قمنا بشكل مؤقت واحترازي بنقل أرصدة الأموال المخصصة لرواتب العاملين في القطاع العام من أبناء محافظة السويداء إلى فروع البنوك في مدينة إزرع، وذلك في سياق حرص الدولة على الوفاء بالتزامات تسديد الرواتب، وفي ضوء الاعتداءات المؤسفة التي تمت من قب
  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • الاتفاق على توفير 600 وظيفة في ظفار خلال جولات وزير العمل بمؤسسات القطاع الخاص
  • لأول مرة في القطاع الخاص: مستشفى المواساة يُجري عملية إصلاح فتق فيمورالي بالروبوت لسيدة ثلاثينية"
  • توجه حكومي لتعظيم الاستفادة من الأصول السياحية المملوكة للدولة..نواب: استغلالها يعزز موارد الدولة من الحصيلة الدولارية..والشراكة مع القطاع الخاص ضرورة ملحة
  • %4.9 نمو عدد الأعضاء بغرفة أبوظبي متجاوزة 158 ألف شركة
  • وزارةُ العمل تعلن عن 600 فرصة عمل جديدة في ظفار ضمن تعزيز شراكتها مع القطاع الخاص
  • ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟