د. عبدالله الأشعل *

العامل الأول هو أنَّ عقلية الصهاينة أظهرتْ أنهم يضعون أهدافا قُصوى أو إستراتيجية ثم ينفذونها بالتدريج حسب الظروف؛ فمثلا المشروع الصهيوني أساسه: تفريغ فلسطين من سكانها وإحلال اليهود محلهم، ولكنهم تستروا ونفذوا المشروع بالتدريج مع أدوات أخرى منها استنعاج الحكام العرب الذين دلسوا على شعبهم وفرضوا وصايتهم على فلسطين بذريعة القومية العربية وراح الكتاب العرب يختلفون ويتجادلون حول طبيعة الصراع مع إسرائيل هل هو وجودي أم حدودي أم ديني أم أيديولوجي؟ رغم أن القضية واضحة، وهى إغارة اليهود بمساعدة كل الغرب، وفى مقدمتهم بريطانيا العظمى التى أحسنت التخطيط وترتيب أوضاع مصر والعرب عموما، بحيث تضمن الحياة لاسرائيل ومشروعها الصهيونى.

ومن أدوات التدليس قرار التقسيم ثم اتفاقية الهدنة مع مصر، التى أرغمت مصر عليها حتى تحرِّر جيشها المحاصر فى الفلوجة، ثم قرار بريطانيا وأمريكا برحيل الملك بعد محاولات تطويعه. ثم ترتبت خلافته بالحكم العسكرى. ثم استبشر الفلسطينييون خيرًا بشعارات القومية العربية والوحدة العربية التى ستجمع الأمة وتحرِّر فلسطين وتخرج السرطان، وبالفعل كان رأي عبدالناصر أن يعود اليهود إلى بلادهم لكي تخلو فلسطين لأهلها، ولكن المشكلة أنه كان شعارًا ضمن الشعارات الصاخبة، فأباد الحكم العسكرى وقضى على إنسانية الإنسان فكان همه كيف يضيع عقل المواطن ويحكم قبضة نظامه على الشعب. وتقييم دور نظام عبدالناصر فى القضية يحتاج إلى دراسة متأنية.

وتنوَّعت أدوات إسرائيل؛ منها: استئناس الحكام العرب بمساعدة واشنطن؛ بحيث صار مصير إسرائيل مرتبطًا بمصير الحكام، وأوهمونا أن زراعة إسرائيل فى المنطقة هي خدمة للمنطقة وميلاد الشرق الأوسط الجديد برؤية شمعون بيريز؛ حيث تضفي إسرائيل الطابع الديمقراطي على النظم العربية، علما بأنَّ الاستبداد العربي هو خير ضمان لبقاء إسرائيل؛ ولذلك سارعت إسرائيل إلى قمع ثورة الشعب المصرى فى يناير 2011، وتضامنت مع قوى الثورة المضادة. واعتمدتْ إسرائيل أيضًا على الأكاذيب وسياسة الاغتيالات وإرهاب الشعوب العربية، لذلك كان الحكام العرب بصورة خفية سندًا لإسرائيل ضد المقاومة بتعليمات أمريكية، وحرصا من الحكام على كراسيهم،  ومع ذلك لا يزالون يرددون شعارًا أبله هو أن القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى.

وخلاصة هذا العامل هو أنَّ إسرائيل هدفها الاساسى إزالة المقاومة التى كسرت هيبة الجيش وبسط سلطة السلطة على غزة وتوطين الفلسطينيين فى مصر والأردت وبدء تنفيذ المشروع الصهيونى، ولكنَّ إسرائيل لن تَحِيد عن هذا الهدف، ولكن نظرًا لارتفاع ثمنه وخسائره سوف تؤجله وتنظر فى وسائل أخرى لتنفيذه.

العامل الثانى: ثبت أن إسرائيل أهم من أوكرانيا؛ لذلك ترك القرب أوكرانيا لصالح التركيز على إبادة غزة؛ لذلك قد يكون التسوية فى أوكرانيا حافزًا لروسيا لترميم الجسور مع الغرب وعدم التدخل ضد إسرائيل.

العامل الثالث: أن واشنطن متفقة تمامًا مع إسرائيل على تحقيق أهدافها إبادة الشعب وإزالة المقاومة، ولكن التصريحات الأمريكية متناقضة، وتعلم واشنطن أنَّ إسرائيل مُصِرَّة؛ لذلك تنصح رفق خوفا على المصالح الأمريكية رغم هذا الانكشاف الكبير للمواقف الغربية والعربية وقد ظهر أنَّ الشعارات العربية والأمريكية فارغة عندما يساعدون فى الإبادة.

العامل الرابع: وحدة مصير إسرائيل والحكام العرب؛ لذلك يتساندون ضد رغبات الشعوب فى المنطقة، وقد ظهر أن هؤلاء الحكام لا يملكون القرار، كما أنهم لا يمثلون شعوبهم، وإنما لا يعترفون بهم.

العامل الخامس: أنَّ إسرائيل وأمريكا تحاول تفكيك معسكر المقاومة وتمتن المعسكر الصليبى الموالى لإسرائيل وتبديد فكرة وحدة الساحات.. تلك هى العوامل.

العامل السادس: أنَّ إسرائيل تشعر دائمًا أن وجودها مهدد؛ ولذلك ليس لديها أى مُقدسات قانونية أو أخلاقية أو دينية، كما أنَّ صهاينة إسرائيل يزعمون أنهم ينتمون إلى اليهودية وفق التوراة التى ألفوها.

العامل السابع: تظاهر واشنطن بالإنسانية فى إطار المواقف الأمريكية الإجرامية المتناقضة، ومثال ذلك تعلن واشنطن أنها توافق على استمرار القصف، ولكن مع مراعاة المدنيين، رغم أن أول أهدافها إبادة الشعب، خاصة المدنيين حتى ترغم المقاومة على التسليم.

* أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ثلاث جبهات تشتعل ضد إسرائيل مجددا.. والمحور يعود من تحت الرماد

صورة تعبيرية (مواقع)

في تحوّل استراتيجي غير متوقع، عاد ما يُعرف بمحور المقاومة إلى واجهة الصراع الإقليمي، بعد أن شنّت ثلاث دول عربية هجمات مباشرة أو تبنّت مواقف تصعيدية ضد إسرائيل، في مشهد يعيد رسم ملامح المواجهة في الشرق الأوسط.

فمع إعلان إيران "النصر السياسي والعسكري" بعد الضربات الإسرائيلية والأمريكية التي طالت منشآتها النووية، تحرّكت فجأة أذرع المحور في اليمن والعراق ولبنان نحو التصعيد المنسّق.

اقرأ أيضاً إيران تهدد بالتخصيب مجددا.. وترامب يرد بتصريح ناري 25 يونيو، 2025 هل دُفن النووي الإيراني تحت الأنقاض؟: استخبارات إسرائيل تحسم الجدل 25 يونيو، 2025

الاحتلال الإسرائيلي أقرّ صباح الأربعاء بتعرّضه لهجمات بطائرات مسيّرة مصدرها اليمن والعراق، وهو تطور ميداني نوعي يعكس مدى جاهزية هذه الفصائل للدخول في جولة جديدة من الحرب بالوكالة، رغم تصاعد الضغط الدولي عليها.

اليمن، الذي يخوض معركته ضد الاحتلال منذ قراره دعم غزة في نوفمبر 2023، استمر في ضرب الممرات البحرية الإسرائيلية. الجديد كان العراق، الذي دخل رسميًا خط المواجهة من جديد، في رسالة واضحة بأن الضربة لإيران لم تفتّ في عضد المحور، بل أجّجت جذوته.

في الوقت ذاته، أصدر حزب الله اللبناني بيانًا وصف بأنه من أقوى بياناته منذ بداية حرب غزة، اعتبر فيه ما جرى في إيران بداية "عصر جديد"، ودعا الشعوب إلى الوقوف خلف خيار "المقاومة ضد الهيمنة الأمريكية والصهيونية".

هذا التناغم بين الجبهات الثلاث يعيد الاعتبار لمحور المقاومة كفاعل إقليمي رئيسي، بعدما راهنت إسرائيل على تفككه عبر ضرباته المتكررة في سوريا ولبنان، ثم إيران.

تشير التقديرات إلى أن المنطقة دخلت من جديد مرحلة "ما بعد الردع"، حيث لم تعد إسرائيل قادرة على إطفاء الجبهات دفعة واحدة، بينما يراهن المحور على الإرهاق السياسي والعسكري لتل أبيب، مستفيدًا من صمود غزة وفشل الحرب النفسية ضدها.

الرسالة التي وصلت اليوم من صنعاء وبغداد وبيروت: المعركة لم تنتهِ.. بل بدأت لتوّها.

مقالات مشابهة

  • الهجرة النبوية وطوفان الأقصى.. ملامح التعبئة وبناء الوعي في وجه الطغيان الأمريكي الصهيوني
  • محللان: إسرائيل تُستنزف والمقاومة تصعّد دون تنازلات
  • فعاليات ثقافية في صنعاء بذكرى الهجرة النبوية وتدشين الجولة الثانية لدورات طوفان الأقصى
  • ثلاث جبهات تشتعل ضد إسرائيل مجددا.. والمحور يعود من تحت الرماد
  • تدشين المرحلة الثامنة من دورات التعبئة في محافظة حجة
  • من طوفان الأقصى إلى الأسد الصاعد: دروس وعبر في مواجهة المشروع الصهيوني
  • خريجو “طوفان الأقصى” في إب يتقدمون بمسيرين عسكريين ويؤكّدون الجهوزية الكاملة
  • الرئيس المشاط يهنئ إيران قيادة وحكومة وشعباً بانتصارها على العدوين الإسرائيلي والأمريكي وإفشال مخططاتهما
  • مسيران لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في عزلتين بمديرية المشنة بإب
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لليوم الـ12 على التوالي