بيروت "العُمانية": يناقش الناقد والأكاديمي شكري عزيز الماضي في كتابه "الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية"، العلاقات المتنوعة بين الأدب من جهة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية من جهة ثانية، متتبعًا صور التفاعلات بين الأدب وهذه العلوم، والنتائج المترتبة على ذلك، سعيًا إلى تأسيس منهج نقدي أدبي فاعل ومتفاعل في الوقت نفسه.

يتضمن الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2024)، فصولًا تناولت: العلاقة بين الأدب وكلّ من اللغة والأيديولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والسياسة والفلسفة. وانصبّ اهتمام المؤلف على بحث صور التفاعل بين الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وطبيعة هذه التفاعلات ونتائجها، وأثر هذا كله في كيفية قراءة النصوص الأدبية وكيفية فهمها وتناولها وتحليلها وتقويمها.

يسعى الكتاب إلى المساهمة في تنمية الوعي النقدي وتقدمه، والحرص على فتح الآفاق أمام "النقد الأدبي" الذي يعد نسقًا تكوينيًّا من أنساق الثقافة العربية المعاصرة، فتفاعلات الأدب مع العلوم الإنسانية والاجتماعية كثيرًا ما حوّلت عددًا كبيرًا من الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية إلى بحوث لغوية أو نفسية أو اجتماعية أو فلسفية أو سياسية.

ويوضح د.شكري الماضي أن صور التفاعلات المتنوعة بين الأدب وهذه العلوم يمكنها ترسيم حدود الأدب وتأكيد الاستقلالية النسبية له؛ فالأدب يتفاعل مع هذه العلوم ويتأثر بها ويؤثر فيها لكنّه يبقى حريصًا على تجسيد هويته الفنية الجمالية، ذلك أنَّ الأدب "كيانٌ متطورٌ ومتغيّرٌ ومتجددٌ بصورة دائمة ودؤوبة، وليس ثابتًا أو مغلقًا، وهو عصيٌّ على الاختزال في نمطٍ ما ولا يخضع لقوانين ثابتة أو مغلقة".

وفي سياق متصل، يبيّن الباحثُ أنَّ الأدب ينفر من محاولات تبعيته لأيّ علم من العلوم الإنسانية والاجتماعية، فهو يتفاعل مع التاريخ لكنه ليس تاريخًا، ويتفاعل مع السياسة لكنه ليس سياسة، وينمو في الأيديولوجيا لكنه لا يتحول إلى أيديولوجيا.. حتى في علاقته الوجودية مع اللغة، يسعى الأدب إلى تأكيد وجوده المستقل وكيانه اللغوي الخاص.

ويؤكد الماضي أن مسوّغَ وجود الأدب أو وظيفته لا ينحصر في تجسيد الفن والجمال والمتعة الأدبية، وإنما هو في جوهره يعمل على بناء بُعدٍ مهمٍّ من أبعاد الوعي الإنساني؛ أي وعي الأديب لذاته وللآخرين المعاصرين له بمن فيهم جمهور المتلقين والقراء، وللعلاقات المتشابكة بين هذه الأطراف، ولسمة المرحلة أو العصر وفهم العالم، والكشف عن جوانب المجتمع الإنساني وحاجاته وتحدياته لتغييره نحو الأفضل.

ويعزز هذا الكتاب، كما يوضح المؤلف، أهمية العلوم ودورها في دعم وترسيخ وبلورة وإيجاد اتجاهات أدبية معيّنة، تستند إلى مفاهيم وتصورات متنوعة للأدب بوصفه مصدرًا وماهيةً ومهمة، وتثير الأسئلةَ والتساؤلات حول المعرفة والوجود والعالم، لذا؛ يؤكد د.شكري الماضي أهمية هذه العلوم في تأسيس وإبداع منهجيات نقدية ذات صبغة علمية تعزز التفكير النقدي وتسهم في تنمية الوعي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلوم الإنسانیة والاجتماعیة هذه العلوم بین الأدب

إقرأ أيضاً:

الدخول إلى علم النفس عبر بوابة الأدب

بين يديّ هذا الكتاب الساخن ملمسًا ومجازًا، ملمسًا لأنه صادر منذ بضعة أيام من المطبعة، أتصفح الكتاب في سيارة صديقي، فيتقافز بين يديّ لهبه الساخن، تمامًا مثل الرغيف الشهي الذي يلسع أصابعنا ونحن نحاول انتزاع لقمة منه، ومجازًا لأن موضوعه مفاجئ ونادر في الكتابة الفلسطينية التي تدخل إلى علم النفس بكل متاهاته وانشطاراته عبر بوابة الأدب، فتصير نصوصه تأملات عميقة في أعماق الإنسان الفلسطيني الذي عصف وما زال يعصف بحياته الاحتلال الفظيع، وهو الاحتلال الذي لا يخجل من إشهار أهدافه ضد الشعب الفلسطيني، أولها: تحطيم الإنسان الفلسطيني من الداخل حتى يسهل السيطرة عليه، وعلى أرضه ومستقبله.

الطبيب النفسي الشهير الدكتور الفلسطيني المثقف محمد الخواجا هو مؤلف هذا الكتاب، ويبدو أنه خلاصات عمله الطويل كطبيب نفسي ناجح يعالج أبناء شعبه من أمراض النفس المختلفة، قد يرى الكثيرون أن الاحتلال بكل فظائعه ومؤامراته ودسائسه وسياساته الجهنمية هو المسؤول عن أمراضنا، وهذا ربما يكون صحيحًا في الإطار العام، لكن للدكتور رأيًا آخر في علاقة سياسات الاحتلال الشيطانية بالأزمات النفسية، فالفلسطيني المقاوم من خلال إيمانه بحقه، يكسر هدف الاحتلال في تحطيمه، ويحول هذا التحطم إلى فعل تسامٍ عالٍ، يهدئ النفس ويأخذها إلى اتجاهاتها الخالية من الأمراض، ويمنح الفلسطيني المقاوم لألم مقاومة الوجود تحت الاحتلال معنى نبيلاً، يحصنه من الأزمات ويمنح عذابه نوعًا تطهيريًا من الإحساس. يضرب الدكتور مثلًا: بأن الفلسطينيين لم يشهدوا حادثة انتحار واحدة قبل اتفاقية أوسلو، حيث كان النضال الفلسطيني صافيًا من المصالح وبعيدًا عن الأوهام وعقلية الصفقات، بعد أوسلو حيث تراخى النضال واتخذ مسارب واهية ووهمية، وانغمس الناس في عالم الماديات والحياة الاستهلاكية، ازدادت حالات الانتحار بشكل واضح.

يكتب الدكتور الخواجا على الغلاف الخلفي للكتاب موضحًا ماهيته وسياقه: (هو رحلة هادئة عبر الخوف والفقد والطفولة، السكينة والعلاقات التي لم تغلق أبوابها جيدًا، كتبها طبيب نفسي لا من برج عاجي، بل من مقعد بسيط على الرصيف، يحمل فيه ما بقى في قلبه بعد جلسة وبعد الحياة، إن كنت تبحث عن كلمات تشبهك، عن صديق لا يتجمل، وعن دفء يقال حين ينفع الكلام، فربما تجد بين هذه الصفحات ما يشبه أن تضع رأسك قليلًا ثم تواصل المسير).

ينقسم هذا الكتاب إلى فصول، ولاحظوا الطابع الأدبي للعناوين: (من قلب العاصفة، وحين ينطق القلب، وعن ألم التي سكنت الذاكرة، والطفل الذي لم يشف بعد، وغزة، والامتحان الذي لا يكتب على الورق، وعلى عتبة الأقصى، وعمودا الطمأنينة، نهاية يقينية وكلمة أدبية، وبقايا جلسة، وذلك الشيء الذي لا نعرف اسمه بعد، وحين لا ينفع الكلام، وصفات نفسية غير تقليدية).

يقتبس الكاتب من أقوال كتّاب عالميين وعرب ما يناسب الفصل ويعززه: في الفصل الثامن مثلًا والمعنون بـ(ذلك الشيء الذي لا نعرف اسمه) يقتبس من كافكا: (أحيانًا لا نعرف ما نشعر به حتى يضعه شخص آخر في كلمات).

لغة هذه التأملات بالغة الرهافة والشعرية، الشعرية التي لا تعطل الفكرة ولا تعرقل الرؤيا، يكاد هذا الكتاب أن يصبح قصصًا قصيرة أو رواية متشظية، وأكاد أرى الدكتور وهو يحتار في شكل كتابة هذه التأملات.

لكنه استقر في النهاية على هذه النصوص الفاتنة التي تعطينا كل شيء: حكمة الموقف، وصدق التجربة، وجذور الألم، وقوة الفكرة ووضوحها، وعمق الإحساس، وشعرية اللغة.

د. محمد الخواجا

طبيب نفسي، يعمل في مدينة رام الله، ومؤسس “عيادات جنّتي للطب والرفاه النفسي”، كما أسّس العيادة النفسية في مستشفى المقاصد بالقدس. حاصل على البورد العربي في الطب النفسي، والاختصاص العالي في الطب النفسي من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية. له سنوات من الخبرة في معالجة الناجين من التعذيب والصدمات، خاصة في سياق الحرب السورية، وعمل مع اللاجئين في مخيم الزعتري. يكتب في تقاطع الطب النفسي مع التأمل الإنساني، ويؤمن أن الطمأنينة لا تُنال بكثرة المعرفة فقط، بل بالصدق مع الذات، والاتصال بالثوابت الكبرى: الموت والقرآن.

مقالات مشابهة

  • تعيين د. إيهاب شكري وكيلاً لوزارة الطب البيطري بكفر الشيخ
  • الدخول إلى علم النفس عبر بوابة الأدب
  • مش لاقي حاجة مختلفة.. يحيى الفخراني يكشف سر غيابه عن الماراثون الرمضاني 2025
  • فضلو خوري ينضم إلى قائمة بنجامين فرانكلين وجورج واشنطن في “الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم”
  • جامعة قطر تواصل استقبال طلبات القبول الإلكترونية للفصل الدراسي خريف 2025
  • المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة تجتمع مع وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية
  • شبانة: الأهلي يتحرك رسميا لمقاضاة هاني شكري
  • شَظَفُ الطَّبْع
  • مبادرة لبنانية-فرنسية لإحياء تراث شكري وخليل غانم وإنقاذ قبريهما من الاندثار
  • دراسة تكشف عن آثار سلبية غير متوقعة بسبب النوم لساعات طويلة