تفتيش هاتف زوجك جريمة

جابر حسين العماني

عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

[email protected]

 

نعيش في زمن أصبح الناس فيه يحفظون الكثير من أسرارهم في هواتفهم الذكية، وتلك الأسرار تحتوي على شؤون حياتهم الشخصية، مما أدى إلى ظهور الكثير من القضايا الشائكة في العلاقات الزوجية، ومن تلك القضايا المؤسفة التي ينبغي التوقف عندها هو تفتيش الهاتف، فهل يحق للزوجة تفتيش هاتف زوجها؟ وهل هذا التصرف يعد غيرة من الزوجة أو تجسسا قد يؤدي إلى ضعف الثقة وغيابها من الحياة الزوجية؟

ينبغي على الشريكين في الحياة الزوجية إدراك أن العلاقة الزوجية المتينة تتحقق بالمودة والرحمة، والاهتمام البالغ في بناء جسور الثقة والاحترام المتبادل بين الشريكين، وذلك في حد ذاته يمثل ضرورة زوجية لا بد من تحققها لحفظ الحياة الزوجية وجعلها حياة هادئة مطمئنة لا خوف عليها ولا هم يحزنون، ولكن عندما تهتم الزوجة بتفتيش هاتف زوجها أو الزوج يقوم بتفتيش هاتف زوجته، فذلك سلوك غير لائق يدل على وجود خلل واضح في العلاقة، يؤدي إلى زوال الثقة بين الزوجين، ويميت الحب العظيم بينهما، ويضعف المودة التي لا يمكن الحفاظ عليها في وجود الرقابة والتجسس.

وعندما نتحدث عن تفتيش الزوجة لهاتف زوجها أو العكس، من دون أي إذن مسبق، فنحن نتحدث عن مشكلة خطيرة حرمها الله تعالى، بل وطرحها في كتابه العزيز بوضوح تام، وهي تؤدي إلى عواقب وخيمة في الحياة الزوجية، وهي مشكلة التجسس ومراقبة الغير بدون وجه حق، قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ صدق الله العلي العظيم.

وهنا نفهم من قول الله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا}: أي أن الله تعالى يأمرنا باجتناب البحث عن عيوب الآخرين وعدم تتبع أسرارهم سواء بتفتيش الهواتف أم غيرها، وذلك في حد ذاته يمثل خطرا قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل التي يصعب حلها بين الزوجين، كالوصول إلى الطلاق، الذي أصبح اليوم بسبب التجسس وتفتيش الهواتف رائجا في المجتمعات العربية والإسلامية، لأنه يكشف عن خيانة خصوصية الطرف الآخر، وذلك تحت شعار: "أنا زوجك ولا بد أن أعرف عنك كل شيء"، وهو اعتقاد خاطئ يقع فيه بعض الأزواج فليس كل شيء يعرفه الزوج يجب أن يفصح به لزوجته، فهناك قضايا قد تمر على الزوج أثناء أداء عمله وهو مستأمن عليها، فلا يصح له أن يبوح بها لزوجته وكذلك العكس.

إن تفتيش هاتف الزوج أو الزوجة حتى ولو كان بدافع الحب، فذلك يعني خرق الخصوصية وانتهاكا للحياة الشخصية، والحب هنا لا يعني السيطرة والاستحواذ والتملك، بل يعني الاطمئنان والتقدير والاحترام والتبجيل بين الأزواج وزرع الثقة الكاملة حتى في غياب الشريك عن شريكه.

نعم قد تكون هناك خيانة زوجية في بعض الأحيان، أو تصرفات مشكوك فيها بين الزوجين، ولكن لا يعني ذلك الاندفاع إلى التجسس وتفتيش الهاتف، بل لا بد من الحوار الحكيم بين الأزواج، واجتناب التجسس لأنه يقود إلى كثير من المشاكل التي قد تفتح للزوجين أبوابا هما في غنى عنها.

اليوم هناك قوانين صارمة تجرم تفتيش الزوجة لهاتف زوجها أو العكس، ومن تلك القوانين القانون العماني الذي يجرم تفتيش هاتف الزوج أو الزوجة بدون إذن، ويعد ذلك انتهاكا للخصوصية، مما يعرض المتسبب للمساءلة القانونية، كما يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ستة أشهر، وبغرامة مالية لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد عن خمسمائة ريال عماني لمجرد التفتيش بدون إذن مسبق، وذلك كما جاء في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.

أخيرًا: على المجتمع أن يكون أكثر وعيا في التعرف على القوانين والتشريعات، واحترام خصوصية الآخرين وشؤونهم الشخصية، خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعي التي كفلها القانون العماني، بهدف تنظيم علاقات الأفراد، خصوصا المتزوجين منهم وذلك لخلق بيئة طيبة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية