زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأسئلة الصعبة التي دائما تطرح في ظل الأزمات الكبيرة و الحروب، و التي يراد بها استشراف المستقبل، لا تجاوب بشعارات و هتافات، أو عبر عواطف الانتماءات الحزبية و المناطقية و الإثنية الضيقة، و التي تحد من عملية التفكير السليم، و الإجابة يجب أن تؤسس على عملية الرصد و البحث العلمي للمجتمع، و معرفة الميكانيزمات المحركة للقوى الفاعلة في المجتمع، و معرفة توازن القوى فيه و دراسة التحالفات التي تؤسس داخله، إذا كان بين الأحزاب و المكونات الاجتماعية التقليدية، أو بين القوى الحديثة و القوى الشبابية في المجتمع.
قبل الحرب و بعد الحرب؛ كان الخطاب السياسي يتغير باستمرار وفقا لعمليات الاستقطاب الجارية في البلاد، حيث كان الاصطفاف واضحا و معلوما، و أيضا كانت تتغير الأجندة وفقا للموقف العملياتي.. في اليوم الأول للحرب كانت الميليشيا تطالب بإعتقال أو قتل البرهان.. و عندما فشلت في ذلك، و تم تدمير مراكزها الرئيسية للسيطرة، عندها تغيرت أجندتها إلي الدعوة إلي تصفية " الكيزان و الفلول" و عندما ضربت أغلبية قياداتها المؤثرة في الميدان، بدأ خطابها ينادي بالتفاوض.. هذه المتغيرات في أجندة الميليشيا حدثت وفقا للتغييرات الحادثة في ميدان القتال.. و حتى الجيش في البداية كان لا يرفض عملية التفاوض عبر منبر جدة، و لا دعوات لإيغاد و الاتحادي الأفريقي، باعتبار أن المؤامرة على البلاد كانت كبيرة، و من أغلبية دول الجوار ماعدا دولتين، و حتى وصلت المؤامرة إلي المنظمان مثل الاتحاد الأفريقي و الإيغاد، و كانت البعثة الأممية و أمريكا و الاتحاد الأوروبي يريدون رفع قوى " الإتفاق الإطاري" للسلطة عبر التفاوض و تسوية تعيد أجندة ما قبل 15 إبريل.. لكن الاستقبال الذي كان يجده قائد الجيش ثم القيادات الأخرى من عامة الناس في العديد من الولايات، و هي التي غيرت أجندة الجيش الذي جمد عضويته في الإيغاد و بدأ يعلو صوت الرفض للتفاوض إلا وفق شروط..
طول فترة الحرب كشف عن ضعف أداء قيادات الأحزاب في إدارة الأزمة، و اسرعت الدول التي كانت في الرباعية و الثلاثية إلي جانب الاتحاد الأوروبي أن تحدث تغييرا في القيادات و جاءت بفكرة " تقدم" من الخارجية الأمريكية الأمر الذي جعل القيادات السياسية تفسح مواقع القيادات لعناصر مستقلة هي التي تقود العملية السياسية، و كانت ترفض توسيع قاعدتها و تضع شروطا كأنها هي التي تشرف لوحدها على العملية السياسية، و عندما رفض الجيش كل الدعوات للذهاب للتفاوض، كان لابد أن تغير " تقدم" إستراتيجيتها و تسمح لنفسها الجلوس مع الكتلة الديمقراطية و عدد من المكونات السياسية الأخرى و الذي حدث في مؤتمر القاهرة.. و حاولت تقدم أن تضع شروطا لحوار أديس أبابا الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي لكنه لم يقبل الشروط و تم عقد الحوار.. و حتى السفير نور الدين ساتي الذي كان أحد العناصر المؤسسة لتقدم و قدم استقالته حضر مؤتمر أديس أبابا بتوصية من وزارة الخارجية الأمريكية.. و معلوم أن بيان إعلان مباديء القوى المدنية الذي بموجبه كونت " تقدم" كان أيضا تحت رعاية وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولة عنه " مولي في" أن إدارة الفعل السياسي الذي تقوده " تقدم" هو أدى إلي تغيير القيادات السياسية و أيضا تغيرت فيه الأجندة،
أن الخطاب السياسي للميليشيا بدأت تخفت حدته، و حتى إعلام الميليشيا الذي كان يصدر عشرات البوسترات و الفيديوهات في اليوم الواحد بدأ الإنتاج يضعف بسبب ما يحدث في مسرح العمليات.. و الغريب أن القيادات السياسية و المدنية خارج السودان تعتقد أنها وحدها يجب أن تدير العملية السياسية، و نسيت أن الحرب داخل السودان سوف تؤدي إلي بروز قيادات من المستنفرين و المقاومة الشعبية في القرى و المدن، و هؤلاء سوف بتظهر وسطهم قيادات فاعلة و مؤثرة بقوة في محيطها، الاجتماعي، و هم الذين سوف يشكلون ملامح المستقبل في البلاد.. و القوات المسلحة لن تكون بعيدة عن مفاصل الحكم العشرة سنوات القادمة.. أن القيادات السياسية الجديدة التي سوف تبرز بعد وقف الحرب، أغلبيتها سوف تكون من الشباب الذين حملوا السلاح و قاتلوا مع القوات المسلحة و القوات النظامية الأخرى، و هؤلاء سوف يشكلون تناغما تفرضه روح الرفقة القتالية في الحرب بينهم، و الثقة التي نتج داخل ميادين القتال.. أن بندقية الحرب ضد المرتزقة و العملاء سوف تصنع أعلى درجات الوعي السياسي عند هؤلاء الشباب..
أن الشباب الذين ذهبوا طوعا لتقديم أرواحهم فداء من أجل الوطن سوف يكونوا أحرص الناس على سلامته، و سلامة شعبه، و بعيدا عن الوقوع في مستنقع العمالة للخارج أو خدمة جندته، أن هؤلاء الشباب سوف يجسدون الوحدة الوطنية في أرقي مراتبها، و طلقات البنادق و دانات المدافع و رائحة الدم سوف تسقط عن كاهلهم كل الثقافات المعيقة و البالية " العنصرية و المناطقية و الأثنية و العروبية و الأفريقانية" هؤلاء قاتلوا كل بجانب الأخر يحميه ببندقيته و يفتديه بروحه، هذه هي الثقافة التي كانت غائبة في السودان، و هؤلاء هم الذين سوف يحكمون السودان، و يشكلون ملامح مستقبله، و لن يكون لهم منازعة مع المؤسسة العسكرية بل عمل كامل في تناغم من أجل رفعة السودان.. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القیادات السیاسیة
إقرأ أيضاً:
صحف عالمية: ترامب ونتنياهو يخفيان خلافات كبيرة
#سواليف
تحدثت صحف عالمية عن #تباينات_كبيرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– والرئيس الأميركي دونالد #ترامب، يحاولان إخفاءها خلف مظاهر الوحدة، في حين تحدثت أخرى عن تعمد قادة إسرائيل العسكريين تجاهل الحديث عن الثمن الباهظ لمواصلة #الحرب في قطاع #غزة.
فقد أكدت “يديعوت أحرونوت” أن هناك #اختلافات واضحة بين ترامب ونتنياهو بشأن #إيران و #غزة والشرق الأوسط تختفي وراء مظاهر الوحدة التي برزت عند لقائهما في واشنطن.
ففي حين يتمسك ترامب بالخيار الدبلوماسي في التعامل مع إيران ويسعى لوقف الحرب في غزة، يدفع نتنياهو باتجاه الخيار العسكري مع طهران ويتوعد في كل تصريحاته بالقضاء النهائي على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع إظهار دعمه لمحادثات وقف إطلاق النار.
مقالات ذات صلة Geely EX5أول سيارة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأردن، الآن بسعر جديد يبدأ من 24,900 دينار فقط 2025/07/10وفي سياق متصل، قال مقال بصحيفة “هآرتس” إن كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي يتعهدون بمواصلة العمل بحزم ضد مقاتلي حماس في مدينة خان يونس جنوبي القطاع.
لكن هؤلاء القادة -كما يقول المقال- يدركون حقيقة الثمن الباهظ الذي يجب دفعه كما هي الحال في مناطق أخرى من القطاع قررت الحكومة توسيع العمليات العسكرية فيها، فضلا عن أنه “لا أحد في الجيش يذكر كم دخلت القوات الإسرائيلية إلى خان يونس وأعلنت السيطرة عليها”.
مشاهد مأساوية
وفي صحيفة “الغارديان”، تحدث أطباء وعاملون في مجال الإغاثة عن مشاهد مأساوية لوصول عشرات الضحايا والمصابين من الساعين للحصول على المساعدات.
ونقلت الصحيفة عن طبيب أنه شهد وصول نحو 150 حالة تتوزع بين الإصابات الخطرة والوفيات، خلال نصف ساعة فقط، و95% منها كانت قادمة من محيط مراكز المساعدات. وقال التقرير إن الحوادث الجماعية تتكرر بشكل يومي وتجد الأطقم الطبية صعوبة بالغة في التعامل معها.
كما نبه تقرير في “واشنطن بوست” إلى أن مستشفيات غزة التي ما زالت تعمل أصبحت على وشك وقف خدماتها ما لم يسمح بدخول الوقود. وأشار التقرير إلى تحذيرات منظمات الإغاثة المطلعة على واقع قطاع الصحة في غزة من أن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على إدخال الوقود “يفاقم الأزمة الإنسانية التي يعانيها الفلسطينيون بسبب الحرب”.
مأساة في السودان
وختاما، سلطت صحيفة “لوموند” الفرنسية الضوء على تدهور الوضع الإنساني في السودان، وقالت إن النازحين في إقليم دارفور يمثلون أحد أوجه المأساة التي نتجت عن الحرب.
ووفقا للصحيفة، فإن أكثر ما يفاقم الأزمة الإنسانية في السودان هو نقص المساعدات الناجم عن تراجع التمويل بعد خفض العديد من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة مساهماتها، فضلا عن الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها عمال الإغاثة.