الانحراف الخلقي والتطرف في التربية
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
نستمع فى هذه الفترة عن جرائم تقشعر لها الأبدان وتبغضها الفطرة السليمة، وترتكب تلك الجرائم بمنتهى الوحشية والتدنى، فهل يوجد سبب رئيسى لإنتشار مثل هذه النوعية من الجرائم؟
فالسبب الرئيسى فى إنحراف سلوك الإنسان يبدأ بالأسرة، فالأسرة هى التى تحدد وضع الطفل فى التربية من خلال أنماط وأساليب يتبعها الوالدين فى تربية الأبناء فى مراحل العمر المختلفة، حيث تأثر التربية عليه تأثيراً جوهرياً وأساس فى تشكيل وجدانه وأفكاره ومعتقداته والثولبت التى يتأثر بها وبالتالى يصبح إنسان له قيمة ويتمتع بالخلق الحسن أو يفقد مساره ويبتعد عن الطريق المستقيم.
تبدأ رحلة الإنسان فى الإنحراف مع عدم سيطرة الآباء على الأبناء منذ نعومة أظافرهم، بضعف الوازع الدينى والفهم الصحيح للدين، فنجد للآسف أن كثير من الأسر تترنح فى التربية مابين الإفراط أو التفريط بصور متباينة نشاهد فيها أما تشدد ومغالاة وإهتمام بالمظهر الخارجى وليس الجوهر وصحيح الدين وأما تفريط وبعد تام عن الثوابت الدينية الصحيحة التى تعمل على تنوير العقول منذ الصغر، ونكون بذلك قد أغفلنا دور الوسطية والإعتدال مع الأبناء فى التربية.
كما نجد الأنانية تلعب دور واضح فى تشكيل الطفل منذ الصغر، حيث أن الأباء يميلون بتحجيم صغارهم وقص أجنحتهم التى ترغب فى التحليق وتشعر بجمال الحرية وترغب فى التنمية الجيدة لعقولهم لكى ينعموا بقيمة أنفسهم، فيكون ذلك التحجيم للصغار تحت إدعاء ( علشان مصلحتك ) لكن ماوراء ذلك فى الحقيقة هو مشروع الآباء الخاص بهم ليتحول هذا الطفل المسكين البرئ إلى إنسان مريض مكسور مشوه لديه سواد داخلى يرغب فى الإنتقام من العالم الخارجى.
كما يلعب العنف وجمود المشاعر أو التدليل المفرط دوراً أساسياً فى الإنحراف، لينبثق من رحم هذه النشأة شخص مجرم يرتكب أبشع الجرائم التى تنفر منها الإنسانية ويهتز بسببها عرش الرحمن، وكل هذا يأتى فى الأساس من إهمالنا لوضع حجر الأساس فى تشكيل الشخصية ونشأتها إلا وهى ( التربية ) فهى الحصن الدائم والميراث الحقيقى.
فكنا نعلم أن البطالة والفقر والضغوط الإقتصادية والجهل هم الأساس فى زيادة معدلات الجريمة، ولكن يلعب أيضاً التطرف فى التربية دوراً أساسياً فى ضياع المنظومة بأكملها ليجلب لنا أنماط بشرية غير أسوياء.
فالبعض يميل فى التربية إلى الإستبدادية والسيطرة مع الأبناء فى التعامل غافلين لغة المشاعر وإظهار الود والحب والإهتمام والمشاركة الفعالة والإستماع الجيد لمشاكلهم والعمل سوياً على إيجاد الحلول لتظهر بذلك الإحتواء الذى لابد وأن يشعر به الأولاد لنغرز فيهم الثقة ونعزز الشعور بالأمان.
ونجد البعض الآخر من الآباء يقومون بالتدليل المفرط وتحقيق معظم رغبات الأبناء وعدم التوجيه والنصحة وعدم حثهم عن البعد عن ممارسة بعض السلوكيات غير المقبولة دينياً وأخلاقياً وإجتماعياً، لنساهم بذلك بنشأة طفل أنانى غير قادر على تحمل المسئولية، ناقم بشكل كبير عن حاله فيصبح معتاد النعم من حوله ويكون غير قادر على الحفاظ عليها، كل هذا من أشكال التطرف فى التربية لتظهر لنا أشكال العنف والإنحراف داخل المجتمع فى شكل وهيئة أشخاص إفتقدوا أساليب التربية الصحيحة التى تعمل على إصلاح وتهذيب الإنسان، وأصبحنا فى أشد الحاجة لضرورة تأهيل المقبلين على الزواج ليصبحوا آباء وأمهات قادرين على إنشاء جيل سوى خالى من العقد والأمراض النفسية، ويتمتع بحسن الخلق ليرفع من شأن الأمة، فإنهيار المجتمع يبدأ بإنهيار الأسرة.
وفى الختام لم أجد أبلغ من المعانى السامية التى جاءت من النائب العام المصرى تعليقاً عن أحداث قضية رأى عام فى بيان عظيم يتسم بالوعى والمسئولية التى طالب فيه الآباء بالإهتمام بالأولاد وحسن التربية والإنصات إليهم ومشاركتهم فى كل مجريات أمورهم لنتجنب الكثير من المشاكل التى ينتج عنها العديد من الجرائم التى نسمع بها.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مقالات الانحراف فى التربیة
إقرأ أيضاً:
تربية الأبناء في عصر الذكاء الاصطناعي.. الموازنة بين الفرص والمسؤوليات
د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي
في عالمٍ يتشكل فيه الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد ومتسارع، تواجه تربية الأبناء مجموعة جديدة من التحديات والفرص التي لم تكن معروفة سابقًا؛ حيث يكاد لا يمر يوما دون أن نسمع بظهور أدوات وتطبيقات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي من أدوات التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي والمساعدين الرقميين إلى المحتوى المُدار بالخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي، ينشأ أبناء اليوم منغمسين في بيئة رقمية مغرية ومختلفة تمامًا عن تلك التي عرفها آباؤهم.
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداةٍ ثانوية أو حتى اختيارية يمكن تجنبها. فهو يُنظّم ما يشاهده الأبناء على اليوتيوب، ويُخصّص تجاربهم التعليمية في الفصول الدراسية، بل ويُشغّل حتى الشخصيات الافتراضية التي يتفاعلون معها في الألعاب الإلكترونية. في حين أن هذه التقنيات تُقدّم فوائد كثيرة مُحتملة وواعدة، مثل تحسين وتسريع عملية التعليم والتعلم، وسهولة وإمكانية الوصول لمصادر المعرفة المختلفة، والراحة وتقليل الجهد المبذول للحصول على المعرفة واكتسابها، إلا أنها تُثير أيضًا مخاوف بشأن الخصوصية، والسلامة، والتطور، والتواصل الاجتماعي.
ويُعدُّ وقت استخدام الشاشة (النقال أو الجهاز اللوحي) من أكثر التحديات إلحاحًا ووضوحًا. غالبًا ما تُصمّم المنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لزيادة التفاعل إلى أقصى حد ممكن، وهو نهجٌ قد يؤدي إلى الإفراط في استخدام الشاشة. بالنسبة للعقول الشابة التي لا تزال تُطوّر مهارات التنظيم والتعلم الذاتي، قد يكون لهذا عواقب على تطور حواس الإدراك والانتباه لديهم، وجودة نومهم، وحتى صحتهم النفسية. لذا، يجب على الآباء توخي الحذر، ووضع حدود وتقنين الاستخدام، والتأكد من توازن الاستهلاك الرقمي مع اللعب البدني، والتفاعل المباشر مع اقرانهم، والاستكشاف غير المنظم. في البيئات الحقيقية.
وهناك مصدر قلق آخر يتمثل في خصوصية البيانات وانتهاكها؛ حيث تجمع العديد من الألعاب والتطبيقات والخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي البيانات لتخصيص التجارب. وبينما يدعم التخصيص التعلم والتطور، فإنه يعني أيضًا تخزين معلومات الأطفال وتحليلها، وربما مشاركتها مع أطراف أخرى بشكل غير أخلاقي. وفي هذا السياق، تُعد الموافقة المستنيرة من الوالدين والالتزام الصارم بقوانين حماية البيانات، مثل قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA)، ضمانات أساسية. يجب على الآباء معرفة البيانات التي يتم جمعها وكيفية استخدامها.
ومن الناحية الإيجابية، يُمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي حليفًا تعليميًا رائعًا ومسليا في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال تستخدم منصات التعلم التكيفي، مثل أكاديمية خان (Khan) وأكاديمية دولينجو (Duolingo)، الذكاء الاصطناعي لتخصيص الدروس التعليمية بما يتناسب مع أنماط التعلم الفردية وسرعتها. بالنسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، يُقدم الذكاء الاصطناعي مجالات أكبر - فالمساعدون الصوتيون، وتقنيات التعرف على الكلام، والتطبيقات القائمة على التعلم الآلي، قادرة على كسر حواجز التواصل وإمكانية الوصول. وبهذه الطريقة، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداةً لـ التعليم والتعلم الشامل.
ومع ذلك، من الضروري أن يظل التوجيه البشري محوريًا ولصيقًا. فلا يُمكن لأي ذكاء اصطناعي أن يُغني عن الوجود البشري، والحكم الأخلاقي، والذكاء العاطفي الذي يُقدمه الآباء والمعلمون ومقدمو الرعاية والخدمات التعليمية. وعليه يجب أن يكتسب ويتعلم الأبناء مهارات التفكير الناقد والتفكير التحليلي وممارستها على كل ما تنتجه وتقدمه لهم أدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة من معلومات ومعارف وعدم قبولها بلا تمحيص أو تفكير. في هذا السياق، ُ تًعد قيم محو الأمية الإعلامية والرقمية، والمواطنة الرقمية، والتفكير الأخلاقي أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ حيث يجب أن يُدرك الأبناء أن وراء كل اقتراح أو توصية رقمية من الذكاء الاصطناعي مجموعة من الافتراضات والخوارزميات والتحيزات المُحتملة من صنع الإنسان.
هناك أيضًا مسألة التنمية الاجتماعية. فالتفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن العلاقات الإنسانية الحقيقية والواقعية (في المسجد والمدرسة والنادي والزيارات العائلية والمناسبات المجتمعية). فبينما قد تُوفر روبوتات الدردشة ممارسةً أساسيةً ومتزايدة للمحادثة، إلا أنها تفتقر إلى دقة وعمق التفاعل البشري الحقيقي الذي يحتاجه الأطفال في هذه المرحلة العمرية لنموهم المعرفي والعاطفي الحقيقي. لذا فإن تشجيع الأطفال على التفاعل مع أقرانهم، وتنمية قيم التعاطف، وممارسة حل المشكلات الواقعية أمرٌ أساسي في عصر الذكاء الاصطناعي.
للآباء والأمهات الذين يخوضون هذه التجربة الجديدة، إليكم بعض المبادئ المفيدة في هذا الشأن:
المشاركة: فهم منصات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها أطفالكم. وضع حدود: إنشاء مناطق خالية من الشاشات والتطبيقات وتشجيع الأنشطة البدنية والعقلية غير المتصلة بالإنترنت. تعليم الأخلاق الرقمية: مساعدة الأبناء على فهم الخصوصية والموافقة والسلوك المحترم على الإنترنت. القيادة بالقدوة: أن يكونوا قدوة لأبنائهم في الاستخدام السليم للتكنولوجيا والتفكير النقدي.إنَّ تربية الأبناء في عصر الذكاء الاصطناعي لا تعني عزلهم عن التكنولوجيا فذلك أمر لا يمكن قبوله ولا يمكن تحقيقه بأي حال من الأحوال؛ بل تعني إعدادهم للتعايش معها بحكمة واستخدامها الاستخدام الأمثل. ومن خلال التوجيه الرصين والمحادثات والنقاشات التربوية معهم، يمكن لأبناء اليوم أن يكبروا ليصبحوا مواطنين رقميين مسؤولين، مُستعدين ليس فقط لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بحكمة، بل أيضًا لرسم مستقبله وتوجيه مساره نحو الأفضل.
** باحث أكاديمي