لجريدة عمان:
2025-05-28@14:42:47 GMT

التاريخ قد يحل مشكلة حروب المياه في العالم

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

رومان كرزناريك

ترجمة: أحمد شافعي

في ظهيرة كل خميس، أمام الباب الغربي لكاتدرائية فالنسيا، يقف تسعة أشخاص في عباءات سود، على رأس أحدهم قلنسوة مخططة وفي يده حربة شعائرية، مجتمعين في لقاء أسبوعي معهود منذ مئات السنين. تلك هي (محكمة المياه)، ولعلها أقدم مؤسسة للعدالة في أوروبا.

قد تبدو تلك المحكمة أثرا من ماض بعيد، لكن الحقيقة أن هذه المحكمة- في ظل أزمة المياه العالمية- أهم من ذي قبل.

ذلك أن حضارتنا معرضة لخطر إبادة مائية. فبسبب حالات الجفاف الناجمة عن تغير المناخ، والتوسع في الزراعة الصناعية، وزيادة الزحف المدني، فإن شخصا من كل أربعة سوف يتأثر بندرة المياه خلال العقود القادمة، مع تعرض المدن من لوس أنجلوس والقاهرة إلى ميلبورن وساوباولو لمواجهة حالات نقص حاد في المياه. تتصاعد صراعات المياه، سواء داخل البلاد أو فيما بينها، ويزداد القتال بيننا على المياه أكثر منه على النفط والأرض. فضلا عن ذلك، ترفع شركات المياه الخاصة في بلدان من قبيل المملكة المتحدة الأسعار وتراكم الأرباح في حين أنها تتخلص من مياه الصرف في الأنهار.

غير أنه بوسعنا العثور على أمل في تلك المحكمة الإسبانية. فكل عضو في محكمة المياه ممثل لإحدى قنوات الري المحلية التي توفر المياه للأراضي الزراعية الخصبة في المدينة، وكل عضو فيها تم انتخابه انتخابا ديمقراطيا من مزارعي المنطقة. وتضمن هذه المحكمة عدالة اقتسام المياه النادرة وتقيم جلسات استماع عامة قد تنتهي إلى تغريم الفلاحين الذين يجورون فيحصلون على أكثر من نصيبهم المخصص أو يعجزون عن رعاية قناتهم.

تحتل المحكمة مكانة ضمن أبرز أمثلة الإدارة الذاتية الديمقراطية للموارد في العالم، برغم أن نشأتها محاطة بالغموض. ومثلما قال لي أحد العاملين فيها حينما زرتها في الفترة الأخيرة فإن جذورها قد تمتد إلى أنظمة إدارة المياه المتطورة التي نشأت في فالنسيا عقب الفتح الإسلامي لإسبانيا في القرن الثامن، عندما شق المزارعون قنوات الري لزراعة الزيتون والبندق والباذنجان والفاكهة. وعندما قام المسيحيون مرة أخرى بغزوها في عام 1238، تبنوا القواعد القائمة في تسوية نزاعات المياه، وبحلول القرن الخامس عشر، كانت الاجتماعات الدورية المنعقدة أمام باب الحواريين قد ترسخت تماما.

وليس هذا بالطبع نظاما مثاليا. ثمة دعم للمحكمة من حرس مستأجرين لضمان عدم عدوان أحد على مياه جيرانه. وحينما سألت الحاجب عن السر في أن جميع أعضاء المحكمة رجال وشيوخ- لدرجة أنه صعب على البعض منهم صعود درج الكاتدرائية- أجابني بنبرة دفاعية بعض الشيء قائلا: إن أولئك المزارعين مستودعات عظيمة للمعرفة وإن امرأة انتخبت لعضوية المحكمة للمرة الأولى سنة 2011.

غير أن طول بقاء محكمة المياه علامة على نجاحها. ففي كل مرة تنعم فيها بقضم برتقالة فالنسية ريانة، عليك أن تتذكر أنك تنتفع بألف عام من الحكم المائي العرفي المخلص.

احتلت المحكمة نصيبا كبيرا من اهتمام إلينور أوستروم، الحاصلة على جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2009، إذ اعتبرتها نموذجا مثاليا لـ«المشاعات»، إذ تقوم المجتمعات الصغيرة في شتى أرجاء العالم باستنباط قواعد لتقاسم وإدارة مواردها النادرة على نحو مستدام، سواء قنوات المياه أو مناطق صيد السمك أو الغابات. فذلك نقيض مباشر لفكرة «مأساة المشاعات» الخاطئة التي ترى أن المشاعات إذا ما تركت لأهوائنا فإن المصلحة الذاتية سوف تدفعنا بالضرورة إلى إنهاك هذه الموارد. إن نماذج من قبيل فالنسيا، وكذلك لجان المياه التي تدير القنوات في هولندا ونظام السوباك الذي يعمل على تقسيم المياه على مزارعي الأرز في بالي منذ ألف عام، تكشف أن هذا الاعتقاد محض أسطورة.

وإذن ما الدروس المستفادة للحاضر؟ تقول حكومة حزب العمال في بريطانيا: إنها لن تؤمم شركات المياه الفاشلة لكنها سوف تفرض عليها فقط «إجراءات خاصة». فلماذا لا يجري النظر في حلول أكثر إبداعا من قبيل الإدارة العرفية للمياه على الطريقة الفالنسية، أو على أقل تقدير؟ لماذا لا يجري النظر في منح أصحاب المصلحة مقعدا في مجالس إدارات الشركات؟

فضلا عن أن هذه المحكمة نموذج قابل للتطبيق على نطاق واسع. وانظروا على سبيل المثال إلى اللجنة الدولية لحماية نهر الدانوب التي تعمل من أجل واحد وثمانين مليون شخص في تسعة عشر بلدا على إدارة حوض نهر الدانوب من منابعه في الغابة السوداء إلى البحر الأسود. في حين تقوم اللجنة بدور نافع في جمع المسؤولين الحكوميين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني للسيطرة على التلوث والفيضانات، فمن الممكن إعطاؤها تصميما عرفيا ديمقراطيا حقيقيا بإدخال جمعية مواطنين إقليمية لمحاسبتها.

وقد تمثل محكمة المياه الفالنسية درسا لبلاد الشرق الأوسط الجافة. فقبل أكثر من عقد من الزمن اقترح عالم المياه الفلسطيني البارز عبد الرحمن التميمي أنه «ينبغي استيراد وتعديل نموذج محكمة المياه... وليس ذلك فقط من أجل حل صراعات المزارعين، ولكن أيضا لتقليل التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين». ورأى أنه من دون هذه الآليات ما من فرصة لغرس الثقة الجذرية والحوار لإدارة ندرة المياه إدارة فعالة. وقال التميمي: «إن بوسعنا أن نتصارع على المياه أو أن نتعاون فيها، الأمر يرجع إلينا. فالخطوة الأولى هي أن يثق بعضنا في بعض». ولو أن الصراع الحالي أكد شيئا فهو الحاجة إلى تعاون مائي طويل المدى.

قد يكون 71% من كوكبنا الأزرق مغطى بالمياه، لكن هذه النسبة خادعة: فمن كل عشرة آلاف قطرة ماء على وجه الأرض، فإن أقل من نقطة واحدة هي التي تعد ماء عذبا يسير المنال يجري في أنهار أو بحيرات. والتاريخ الحي لمحكمة المياه قد يمدنا بأمل نحتاج إليه في العدالة المائية العالمية للإنصاف في توزيعها والحفاظ عليها بوصفها موردا ثمينا يمثل كنزا مشتركا لنا جميعا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة المیاه

إقرأ أيضاً:

نهيان بن مبارك: التمريض أنبل المهن وأكثرها تأثيراً في التاريخ

دبي: «الخليج»
أعلن فوز الممرضة نعومي أويو أوهيني أوتي، من غانا، أخصائية تمريض الأورام ورئيسة قسم التمريض في المركز الوطني للعلاج الإشعاعي للأورام والطب النووي، في مستشفى «كورلي بو» التعليمي بجائزة «أستر غارديانز» العالمية للتمريض لعام 2025. حيث حصلت على الجائزة وقدرها 250 ألف دولار، في حفل كبير أقيم في دبي. وقد قدم الجائزة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، بحضور الدكتور آزاد موبين، مؤسس ورئيس مجلس إدارة «أستر دي إم»، وأليشا موبين، مديرة الإدارة والرئيسة التنفيذية للمجموعة، وتي جيه ويلسون، المدير التنفيذي ورئيس مجموعة الحوكمة والشؤون المؤسسية، وغيرهم.
تهدف الجائزة التي أطلقتها «أستر دي إم» عام 2021، إلى الاعتراف بالمساهمات الاستثنائية للممرضين والممرضات في جميع أنحاء العالم والاحتفال بها في مختلف المجالات مثل القيادة والبحث والابتكار وخدمة المجتمع.
وقال الشيخ نهيان بن مبارك «الجائزة منصة متميزة تُكرّم واحدةً من أنبل المهن وأكثرها تأثيراً في تاريخ البشرية، وهي التمريض. والممرضون والممرضات خط الدفاع الأول في أي نظام رعاية صحية، فهم يُقدّمون الرعاية والراحة والأمل في أكثر اللحظات حرجاً، ويُجسّدون أسمى مُثُل الإنسانية من خلال تعاطفهم وخدمتهم المُخلصة. وفي دولة الإمارات، ننظر إلى مهنة التمريض بفخر وامتنان عميقين، مُقدّرين الجهود الدؤوبة والتفاني الذي يُبديه العاملون في هذا المجال الحيوي».
وأضاف «في هذه المناسبة، نتقدم بأحرّ التهاني للفائزة بالجائزة، ولجميع المتأهلين النهائيين المتميزين. كلٌّ منهم يُمثّل منارةً للرحمة والمرونة وخدمة الإنسانية، ويُعدّ تكريمهم شهادةً على الأثر العميق الذي يُحدثه الممرضون والممرضات في الأفراد والمجتمعات».
وقالت الممرضة نعومي أوتي «إن تكريمي بالجائزة يُشعرني بتواضع بالغ. هذا التكريم ليس لي وحدي، بل لكل ممرضة وممرض في غانا وإفريقيا والعالم. لقد شهدتُ أوجه عدم المساواة في رعاية مرضى السرطان بنفسي لأكثر من عقدين، وكرّست نفسي لسد هذه الفجوات بالتدريب والتوعية والتغيير في النظام. ستُسهم هذه الجائزة في تعظيم أثرنا - بتوسيع نطاق التدريب، وبناء الكوادر، وإلهام الجيل القادم من ممرضات وممرضي الأورام في جميع أنحاء إفريقيا. تكمن في صميم رحلتي حقيقة بسيطة: التمريض ليس مجرد مهنة، بل هو قوة للعدالة الاجتماعية والمساواة والأمل».
وقالت أليشا موبين «إن قصة نعومي أوهيني أوتي تذكير قوي بالبطولة الهادئة التي تتكشف يومياً في المستشفيات والعيادات والمجتمعات حول العالم، ونحن فخورون للغاية بالإضاءة على عملها لكل العالم. وعبرها نُكرّم ملايين الممرضين والممرضات الذين يُحافظون على استمرارية أنظمة الرعاية الصحية وازدهار البشرية».
كما كرّم بقية المتأهلين النهائيين التسعة، وهم: كاثرين ماري هوليداي، من سويسرا، وإديث نامبا، من بابوا غينيا الجديدة، وفيتز جيرالد دالينا كاماتشو، من الإمارات، والدكتور جيد راي جينجوبا مونتير، من منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، والدكتور خوسيه أرنولد تاريغا، من الولايات المتحدة، وخديجة محمد جمعة، من كينيا، وماهيسواري جاغاناثان من ماليزيا، والدكتور سوكبال كور، من الهند، وفيبهابين جونفانتباي سالاليا من الهند، لمساهمتهم في مجال التمريض.

مقالات مشابهة

  • تقرير دولي صادم.. العالم على أعتاب أخطر 5 أعوام مناخيا في التاريخ
  • العالم على موعد مع أخطر 5 أعوام مناخياً في التاريخ
  • تيم هاورد.. من الاضطرابات العصبية إلى كتابة التاريخ في كأس العالم
  • لأول مرة في التاريخ.. التصويت الإلكتروني لاختيار قضاة محكمة النقض
  • إنريكي قبل نهائي الأبطال: «إنتر فريق أكثر خبرة منا.. وعلينا حصد اللقب لدخول التاريخ»
  • نهيان بن مبارك: التمريض أنبل المهن وأكثرها تأثيراً في التاريخ
  • محكمة البليدة تنظر الأسبوع المقبل في قضية اتجار بالبشر تورّطت فيها شبكة منظمة عابرة للحدود
  • محكمة البليدة تنظر الأسبوع المقبل في قضية اتجار بالبشر تورّط فيها شبكة منظمة عابرة للحدود
  • قصر النظر.. مشكلة متنامية تستدعي تحركًا صحيًا ومجتمعيًا
  • كاتبة في الغارديان: تغير حديث العالم عن إسرائيل لن ينقذه أو يغيّر التاريخ