مدرسة (البلاد) وناظرها عبدالمجيد شبكشي 2-1
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
في كتابه الهام والموسوعي ( أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري) يقول الأستاذ محمد علي مغربي:في عام 1350هجري / 1932م أصدر الشيخ محمد صالح نصيف جريدة صوت الحجاز التي صدر العدد الأول منها في ثماني صفحات وتولى رئاسة تحريرها الأستاذ عبدالوهاب آشي.
وعند صدورها ، انتقل إليها معظم كتاب جريدة بريد الحجاز التي كان يصدرها الشيخ محمد صالح نصيف منذ عام 1343هـ ثم توقفت.
ثم عادت للصدور باسم (البلاد السعودية) في عام 1365 هجرية قبل أن تندمج مع جريدة (عرفات) لتصدر باسم البلاد ألتي صدر العدد الأول منها في 16 رجب 1378هـ ، وتولى رئاسة تحريرها الأستاذان فؤاد شاكر عن الشركة العربية للطباعة والنشر وحسن عبدالحي قزاز صاحب عرفات، وفي عام 1381هـ ، أصبح الاستاذ حسن قزاز رئيساً للتحرير، وعبدالغني قستي مديراً للتحرير، وحامد مطاوع مديراً للإدارة. وبتاريخ 29 شوال 1383هـ صدر نظام المؤسسات الصحفية، فانتقل امتياز البلاد إلى (مؤسسة البلاد للصحافة) وصدر عددها الأول في غرة ذي القعدة 1383هـ في ثماني صفحات ، وتولى الأستاذ عبدالمجيد شبكشي رئاسة تحريرها والأستاذ عبدالغني قستي مديراً للتحرير،واختير الأستاذ محمد حسن فقي مديراً عاماً للمؤسسة والأستاذ ابراهيم مسعود نائباً للمدير العام.
وُلد الأستاذ عبدالمجيد شبكشي في حارة المظلوم بمدينة جده عام 1338 هجرية، ونشأ يتيماً حيث توفي والده في السودان وهو في رحلة عمل وتولت أمه تربيته ورعايتة هو وأخاه الأكبر حسن -رحمهما الله- وما إن أتم دراسته في مدرسة الفلاح حتى التحق بوظيفة بإدارة البرق والبريد، ومنها انتقل إلى شرطة جدة التي تدرج في مناصبها حتى أصبح مديراً لها في الخمسينات، كما شغل عدد من الوظائف منها مديراً للحج بجده ومديراً للجوازات والجنسية حتى تقاعد عن العمل في عام 1376 هجرية وكان هاو للأدب ومحباً للشعرعاشقاً للكلمة المجنّحة الجميلة ورمزا من رموز المجتمع والأدب والثقافة وكان يبعث ببعض مايكتب للعديد من الصحف ومنها جريدة أم القرى وصوت الحجاز والبلاد السعودية ، كما كان يراسل عدداً من الصحف والمجلات المصرية من بينها مجلة الرسالة والكاتب .
وفي الكتاب الذي صدر بعنوان (عبدالمجيد علي شبكشي..رجل الأمن والصحافة والأدب)، تناول الأستاذ محمد المنقري سيرة الأستاذ الشبكشي وحياته الشخصية والعملية وكتاباته الصحفية على مدى نصف قرن، إلى جانب ما كُتب عنه في الصحافة بعد رحيله عام (1411هجرية).
وقد جاء في مقدمته للكتاب :(هذا الكتاب يتأمل مسيرة الشخصية الريادية والرمز الاجتماعي والأدبي الأستاذ عبدالمجيد شبكشي، والذي ظلت ذكراه باقيه في أذهان كثيرين من أبناء جيله وتلامذته الذين عملوا معه في صحيفة البلاد أو الذين أطلعوا على أدبه وعطائه الصحفي عبر سلسلة الكتابات والمشاريع الثقافية التي دعا إليها وسعى حثيثاً لإنجاحها )
وفي الكتاب وتحت عنوان: (يرحمك الله أبا فوزي ) سطر إبناه فوزي وأسامة كلمات تقطر حباً واعتزازاً ووفاءً وبراً بوالدهما -يرحمه الله- ، ذاكرين العديد من المواقف الشخصية والإنسانية والعملية التي عاشاها مع والدهما وما عرفاه عنه : (ولقد شغفت بالأدب وبالصحافة منذ ريعان شبابك وأصدرت وأنت طالب في المدرسة مجلة اسمها «تحفتي» شارك فيها مجموعة من كبار الأدباء وراسلت في شبابك صحيفة «صوت الحجاز» والبلاد وكتبت فيها وكان لك في الكتابة أسلوب رزين بعيداً عن التشنج والمهاترات وكنت حريصاً على التحقق من الأخبار ودقيقاً في اختيار المواضيع من أجل اضفاء المصداقية على ما يكتب وعلى ما ينشر، كانت كتاباتك تنمّ عن المسؤولية وتعبِّر عن صفاء النفس والبعد عن الكراهية والعلو عن الأهواء، ولقد رأيناك صبوراً متسامحاً مع الذين عادوك ومتسامياً عن أولئك الذين انتقدوا حرصك ودقة ملاحظاتك، كانت قوتك في صمتك وسرك في سكونك وكثيراً ما تعجبنا وأُعجبنا بوعيك السياسي وادراكك للأحداث وقدرتك على قراءة ما بين السطور ومتابعتك لمجريات الأمور ومثابرتك على قراءة كل ما ينشر في مجال الأدب ).. يتبع
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي فی عام
إقرأ أيضاً:
حوارات الزعيم.. وكمائن أبواب الجحيم
"كان يعرف ما يرفضه، لكنه لم يكن يعرف ما يريده".. هكذا وصف الأستاذ هيكل رحمه الله، الرئيس الأسبق عبد الناصر (ت: 1970). هذه "الجملة المفتاح" لكثير من الألغاز، وردت في سياق حوار مسجل لمدة عشرين ساعة، مع الصحفي اللبناني المعروف فؤاد مطر (88 سنة)، كان ذلك في تشرين الأول/ أكتوبر 1974م، بعدها تم إخراج الحوار في كتاب بعنوان "بصراحة عن عبد الناصر.. حوار مع محمد حسنين هيكل)، صدر أولا في بيروت في كانون الثاني/ يناير 1975م، ثم في القاهرة في شباط/ فبراير من نفس السنة، أي بعد سنة كاملة من عزل الأستاذ هيكل من الأهرام (2 شباط/ فبراير 1974م)، وسنرى أثر ذلك واضحا في الحوار، بطبيعة الحال.
الأستاذ مطر وصف الأستاذ هيكل في مقدمة الكتاب بأنه "كبير الطهاة في مطبخ السياسة المصرية في عهد الرئيس ناصر، وكان هو الذي يعد المسرح السياسي لجمال عبد الناصر؛ البطل التراجيدي للظاهرة الناصرية".
* * *
الكتاب ليس هو موضوعنا هنا، على الرغم من أنه يعد وثيقة مهمة جدا، لفهم الكثير من أحداث أخطر فترة في التاريخ الحديث لمصر والعالم العربي (الخمسينيات والستينيات)، وإن شاء الله تكون هناك فرصة لعرض الكتاب والوقوف على أهم ما فيه، خاصة موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، ليس فقط لأن أحد أطرافه (الدولة الصهيونية) اكتسب عنفوانه وطغيانه خلال هذه الفترة العصيبة، ولكن أيضا لأن موضوع الحوار كله كان "البطل التراجيدي" بوصف الأستاذ مطر، والذي كان مجيئه إلى الحكم في الخمسينيات، أحد أهم تفاعلات النظام الدولي وقتها (ما بعد الحرب العالمية الثانية)، بإنهاء حكم الأسرة العلوية (1805-1952م) وقيام نظام جمهوري برعاية الجيش.
* * *
موضوعان خطيران للغاية لم يتم التوصل فيهما لتفاهمات مع آخر رجال الأسرة العلوية في الحكم (الملك فاروق، ت: 1965م)..
الموضوع الأول: الاعتراف والصلح مع الدولة الصهيونية الوليدة (1948م) التي ستنعم برعاية كاملة من أمريكا التي تسلمت ملف الشرق الأوسط من بريطانيا.
الموضوع الثاني: فصل السودان عن مصر، وسيكون علينا العلم بأن هذا كان مطلبا بريطانيا قديما! وكان الإجماع الوطني في مصر في كل وقت على رفض هذا المطلب، شعبيا وسياسيا، يكاد يكون إجماعا تاريخيا نهائيا.
الموضوعان كان يمكن التفاهم حولهما مع أي أحد إلا حفيد إبراهيم باشا (ت: 1848م)، "نابليون الشرق" كما كانت أوروبا تطلق عليه.
الملك فاروق كان أيضا تلميذ عزيز المصري (ت: 1965م)، الأب الروحي للعسكرية المصرية، والمربي العسكري للملك، وهو بعدُ أمير صغير.
* * *
إذا كان التاريخ يحوي الكثير من الأفكار الحقائق، والكثير من الأبطال والفرسان، والكثير من الصعود والهبوط انتصارا وانكسارا، فهو أيضا يحوي الكثير من الولاءات والمشاعر ومكنونات النفوس.
فالشام، وفلسطين في القلب منه، والسودان، والنيل في القلب منه، كانا ميدانا كبيرا لبطولات الأجداد، بالدم والميراث، وأيضا وبما لا يقل أهمية، بالينابيع الأولى، والنشأة المبكرة، على يد المربي العسكري للأمير الطفل، و"الطفل أبو الرجل" كما يقولون.
ولأن الملك كان يحمل على ظهره قرنا ونصف قرن من التاريخ، فقد أدرك فورا، ما الذي يحدث أمامه حين جاءه السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري (ت: 1974م)، ليطلب منه مغادرة مصر بهدوء.. وقد كان.
التاريخ لا يعيد نفسه، ولكنه يثأثئ ويفأفئ بالنظائر والمتشابهات، والنظرة الدولية لمصر سنة 1840م (معاهدة لندن) والتي كانت مليئة بالتوجس والتحفز والانقضاض، ها هي الآن تقترب من جديد وتضع بصمتها الأخيرة على أم الدنيا. وجاءت رياح الخمسينيات والستينيات، بكل ما لا يشتهيه "البلد الطيب".. مع الاعتذار لشاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي قال يوما: ما أنت يا مصر بالبلد الطيب.
* * *
إذاعة حوارات "البطل التراجيدي" مع بعض الرؤساء، الآن وفي هذا التوقيت له علاقة قوية بكل ما ذكرناه في أول المقال، وله علاقة أقوى بما نراه الآن في غزة من المقاومة وشعب المقاومة.
* * *
العلاقة القوية والعلاقة الأقوى، وضعت لنا موقفين على قارعة التاريخ:
الموقف الأول: موقف النظام العربي الرسمي الذي دشنه "الزعيم" بامتياز، ليستمر بعده بإيقاعات متفرقة، على نفس اللحن الناصري القديم، والصمت الذي نراه الآن ليس فقط لأن "المقاومة الإسلامية" هي المبتدأ والخبر في كل ما يجرى، ولكن لأن هذا أصلا هو الخيار الاستراتيجي للنظام العربي الرسمي، من الخمسينيات.. نقطة ومن أول السطر.
ولن ننسى بالطبع أن استبعاد "الفكرة الإسلامية" من ميادين الحركة والعمل والإصلاح، كان ولا زال داخل "المكتبة الصلبة" لهذا النظام..
سنعرف أن الزعيم كان حريصا في كل وقت على تجنب الحرب تماما، وسيقول لنا إسحق رابين (ت: 1995م) في شباط/ فبراير 1968م: "عبد الناصر كان يتظاهر، وكان كلانا يعلم ذلك.. نحن وهو!!"، كما ورد في مقال السفير سيد قاسم في جريدة الشروق المصرية، في 30 تشرين/ نوفمبر 2015م.
* * *
الموقف الثاني: موقف "ملح الأرض"، الناس العاديين، أبطال الظل، والذي دشنته بطولات مدينة السويس سنة 1973م أيضا بامتياز، وقت حصار الجيش الثالث الميداني، وللمفارقة كان رمز البطولة الشعبية وقتها أحد رجال "الفكرة الإسلامية" الأشداء، الشيخ حافظ سلامة رحمه الله (ت: 2021م)..
هذا الموقف سنراه الآن مجلجلا مزلزلا في غزة، دماء وأنينا.. وصبرا ويقينا.. والأهم أنه أمام عيون العالمين صوت وصورة.
* * *
حسنا فعل من أذاع حوارات "الزعيم" الآن، وهي التي ستكون الصفحة الأخيرة في كتاب "الأوهام العتيقة" الذي طالما شنفوا أذاننا به، عن مفهومهم المريب لموضوع الصراع بين "الصهيونية" و"عالم الإسلام".. تعايشا وتطبيعا!! والذي جاء "الطوفان" ليكسحه تماما من العقول أولا، ومن الواقع ثانيا: تطهيرا، وتحريرا، وتمكينا.
x.com/helhamamy