تمسكوا بسلميتكم: و اطفئوا نار الحرب
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
د. عبد الله عابدين
إنكم أيها الشباب بسلميتكم هذه التي أدهشتم العالم بها، تمثلون بجدارة عالية العنوان الأسمى لتمديننا المأمول و التجسيد الحقيقي لقيمنا الحضارية الضاربة في جذور التاريخ البشري. لقد أضاءت أجرامكم الصائمة ساحة ميدان الإعتصام، و روى دمكم الذكي أرضها مهرا غاليا لحريتنا و لكرامتنا الإنسانية المضاعة على أيدي أوباش لا يفقهون شيئا من هذا الروح العالي و السمت الرفيع.
رغم كل المحاولات الدائبة من قبل هذه الجيوش المجيشة من فلول الظلاميين و مليشياتهم الإرهابية و من جنجاويدهم تمترستم خلف سلميتكم القوية، المبرأة من أوضار الجهالات و العنف. و تمكنتم بذلك من “تمييز الخبيث من الطيب”، و انحزتم الى الأخير بدون أدنى لبس، فجعل الله “الرجس على الذين لا يعقلون”. هكذا، إذن، هزمتموهم في مضمار لا يكون النصر الحقيقي الا فيه !! ..
أنسجوا على هذا المنوال، فقد تنبهتم يا ثوار ديسمبر الى أن هذا الفصيل الإرهابي الذي يحاول جاهدا جركم الى العنف: ميدانه الأثير، و حلبة الصراع الوحيدة التي يبرع فيها، فتمترسوا خلف سلميتكم و لا يجرنكم أحد الى الخروج عنها مهما كانت الدواعي و المسوغات، فالسلمية روح ثورتكم و قيمتها العليا. هذه القيمة التي بدأت تحضر في مسرح التاريخ البشري إيذانا بنزع فتيل العنف و “نسخ” و إنهاء سنة الحرب التي عكفت البشرية على إشعال نيرانها طوال الحقب السوالف من تاريخها الطويل، المكتوب منه و غير المكتوب ..
و قد ظلت قيمة السلمية و اللاعنف التي تجسدونها الآن تحاول البروز الى الواجهة، و تبدأ في التكلم الينا من خلال تنمية و تطوير أدواتها الخاصة المتمثلة في شتى أشكال القوى الجديدة، سمة صميمة من سمات عصر الشعوب الذي بدأت تظلنا غيومه. و إن هي الا تضحيات من كل شعوب الأرض في تحمل تبعات هذا الأمر و دفع ثمن ذلك التحول في تجويد إستعمال أدوات النضال السلمية ضد الظلم و القهر حتى تنهمر غيوم السلام الحبلى على أرض هذا الكوكب التواق اليها، و من ثم ولوج عصر جديد من اللا عنف و السلام. عصر تتبرأ فيه القوة من العنف و تغادر فيه الأنياب الحمر و المخالب الزرق مسيرة الأنسان مرة واحدة و الى الأبد. رشحوا أنفسكم أيها الشباب روادا لهذا العصر الجديد و حداة لطريقه اللاحب ..
أجيبوا بنعم على السؤال: هل يتقدم السودان، ممثلا في جموعكم الثائرة المصرة على السلمية، و القابضة على جمرها في وجه العنف العنيف من قبيل ما جسدته مجزرة التاسع و العشرين من رمضان ؟!. أجيبوا بنعم قوية على هذا السؤال. ذلك بأن السلمية هي لغة العصر، و السلام هو مرمى حركة التطور. خطواتكم الحثيثة و الواعية تلهمنا بصيرة نافذة بالإتجاه المتقدم للتاريخ البشري لدخول مرحلة إنسانية جديدة بالخروج من “عصر النار” و ولوج “عصر الماء”!! ..
يجب أن تصروا على هذه الإجابة الواضحة بنعم، على سؤال السلمية، و هذا يعني أن يكون إصراركم أوعى كل يوم جديد بهذه القيمة العليا، مقدرين أهميتها القصوى ومدركين لمعناها العميق و لقرب تباليج فجرها الكوكبي. ذلك أمر لا مناص منه، اليوم أو غدا !! ..
و الأمر أن جميع سكان هذا الكوكب الآن يمثلون شهودا على فشل الحروب و شتى أساليب العنف في الوصول الى حل للمشاكل و الخلافات .. و الإنسان المعاصر ليس في حاجة الى من يعظه كثيرا في هذا الصدد. ذلك بأنه يرى بأم عينيه الحروب و الدمار و هي تتطاول في الآماد، و تتطور في أساليبها و أسلحتها الفتاكة التي لا تكاد تميز بين مهزوم و منتصر، هذا إن عاد فيها مهزوم و منتصر أصلا !! ..
و من الجلي أن يوما كانت فيه الحروب و سيلة لحل المشاكل يولي الأدبار بسرعة شديدة، فهذه ظاهرة أضحت في متناول يد الإنسان المعاصر في شتى أنحاء هذا الكوكب الحزين. فالحروب ذاتها صارت تشكل دروسا يومية ضد نفسها بما تضعه أمامنا من صور الدمار الشامل و الآسي، و من تراجيديا جثث الأطفال التي يخرجونها من تحت ركام غابات الإسمنت المتهدمة جراء القصف بالبراميل على رؤوس المدنيين العزل، و من مشاهد الجموع و هي تحمل متاعها الضئيل هائمة على وجهها و فارة من أتون الحروب العبثية دون أي وجهة معلومة !! ..
هذه السيناريوهات المتطاولة، سيناريوهات الحروب والنزاعات، التي تتحول بصورة ما الى شكل من أشكال إدارة المشاكل و الأزمات بدون أي أفق منظور في إيقاف نزيفها تقول لنا بلسان فصحيح: ألا فاعملوا جاهدين على إلقاء ملفات الحروب و شتى أشكال العنف خلفكم يا بني الإنسان، ثم أقبلوا بنفوس مبرأة من أوضار جهالاتها الى بناء عالم إنساني جديد تسوده العدالة و الحرية و السلام: ذات شعارتكم الأثيرة أيها الثوار ..
الحرب بهذا المفهوم الحديث متطور التقنية و الأساليب لا تمثل سوى نفايات يتم تدويرها لمصلحة القوى الكبرى و لصالح تجار السلاح و أمراء الحروب و تايكوناتها، و لأجل المستثمرين في إذكاء نار الخلافات بين بني البشر في شتى أنحاء كوكبنا الذي يقف الآن حائرا في مفترق الطرق بين الهمجية و الإنسانية. الحرب، و من ورائها شتى أشكال العنف الأخرى يجب أن تولي الأدبار، و أن تذهب الى مذبلة التاريخ، فقد خدمت أغراضها، حين كانت تخدم غرضا، و استنفدت كل ذلك، و يجب أن تكونوا أيها الشباب الماء الذي يطفئ نيران آخر الحروب وويلات الفوج الأخير من الدعاية للعنف وممارسته في آخر معاقله..
الوسومعبدالله عابدينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
النساء في السودان .. ضحايا العنف الجنسي والاقتصادي
كشف تقرير حقوقي حديث عن تعرض النساء في السودان لانتهاكات واسعة خلال الفترة من 15 أبريل 2023 وحتى أبريل 2024 في ظل الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
التغيير _ كمبالا
ويوثق التقرير الصادر عن الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية «YCON» وحملة «آمنات» أشكالاً متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي بما في ذلك الاغتصاب الفردي والجماعي، والتحرش الجنسي، والابتزاز، والإكراه الجنسي خاصة في مناطق النزوح.
وأشار التقرير إلى أن العنف الجنسي اتخذ طابعاً ممنهجاً وارتكب في بعض الحالات أثناء سعي النساء للحصول على الغذاء أو التنقل بين المناطق، ما يربط بين غياب الأمن الغذائي واستخدام الجسد كساحة للصراع. وأفادت الشهادات أن بعض الانتهاكات ترافقت مع عنف لفظي مهين يحمل طابعا عنصرياً أو جندرياً.
وعلى الصعيد الاقتصادي أوضح التقرير أن الحرب تسببت في فقدان آلاف النساء لوظائفهن في القطاعين الحكومي والخاص وتوقف مصادر دخلهن في السوق غير الرسمي مثل بيع الشاي والخياطة والزراعة، ولفت إلى أن الغالبية الساحقة من النساء النازحات لم تتلق أي دعم حكومي أو دولي ملموس.
كما تطرق التقرير إلى أشكال من العنف النفسي والمعنوي تمثلت في الوصم الاجتماعي والشعور بالعزلة وانعدام الأمان خاصة داخل مراكز الإيواء التي وصفت بأنها غير آمنة وتفتقر للخصوصية مما أدى إلى تفاقم حالات الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة.
ورغم هذه التحديات أبرز التقرير مبادرات نسائية ذاتية قاومت ظروف الحرب عبر تقديم الدعم النفسي وتوثيق الانتهاكات وتأسيس مشاريع صغيرة بديلة .
وفي ختام التقرير دعت الشبكة الشبابية و حملة آمنات المنظمات الدولية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية النساء وتقديم الدعم القانوني والنفسي وتفعيل آليات العدالة والمساءلة عن الجرائم المرتكبة بحقهن خلال النزاع.
و تعمل الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية «YCON» كمنصة مستقلة تجمع منظمات شبابية ولجان مقاومة وكيانات مدنية سودانية تعنى برصد وتوثيق الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في السودان من منظور شبابي.
وتهدف الشبكة إلى تعزيز الشفافية وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والدعوة إلى السلام والعدالة والتحول الديمقراطي من خلال توحيد جهود الشباب وتمكينهم من مناصرة قضاياهم الحيوية.
في المقابل تعد حملة «آمنات» مبادرة نسوية نشطة في سياق الحرب السودانية تركز على تسليط الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء وتعمل على تمكين أصوات الناجيات والمدافعات عن حقوق الإنسان.
وتسعى الحملة إلى توفير مساحة آمنة لسرد التجارب الشخصية، ومناصرة قضايا النساء في أوضاع النزاع واللجوء بما في ذلك تقديم الدعم النفسي والتوثيقي والمجتمعي.
الوسومالإكراه الجنسي الابتزاز الاغتصاب الفردي والجماعي الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية «YCON» العنف القائم على النوع الاجتماعي تقرير حملة «آمنات» مناطق النزوح والتحرش