البيوت التراثية في مطرح
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
أنور الخنجري
alkhanjarianwar@gmail.com
تُشكَل البيوت التراثية جزءًا مهمًا من فنون العمارة وتعبَر عن حقب زمنية مختلفة، يمكن للمرء متابعة تفاصيلها من خلال دراسة هذه البيوت التي تعكس الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لسكانها على مر الأزمنة، كما إنها تمثل الذاكرة الثقافية والسياسية للمدن التي احتوتها، وتؤرخ لمراحل مختلفة شهدت تحولات جذرية في تاريخها، كما هو الحال في مدينة مطرح العريقة التي احتضنت أسوارًا ومنازل تاريخية متميزة تمثل أنماطًا مختلفة من الإعمار المستلهم من تعدد الثقافات والحضارات التي مرت على المدينة، من حيث توافد أجناس مختلفة من البشر عليها من وجهات عمانية متعددة، ومن مناطق أخرى ما وراء البحار.
أغلب هذه البيوت، خاصة تلك الواقعة على الواجهة البحرية، يغلب عليها طابعها المعماري المستلهم من التراث العمراني الهندو- أوروبي الذي كان سائدًا في المناطق الساحلية لشبه القارة الهندية، خاصة في عهد السيطرة الأوروبية على المنطقة، فكثير من هذه المباني تتميز بتقسيمات غير مألوفة في البيوت العمانية التقليدية، من حيث عدد الطوابق وتوزيع الغرف والمرافق الخاصة بغرف الاستقبال والمعيشة ومرافق الخدمة وسكن عاملي المنزل، لكن أكثر ما يميزها هي الشرفات الكبيرة المفتوحة التي تطل على الواجهة البحرية، كما هو الحال مع "بيت البرندة"، وأقرانه في الشبه والتصميم مثل؛ "بيت اللبان"، و"بيت العود" للحاج علي بن عبداللطيف، وبيوت الواجهة البحرية في سور اللواتيا، وبيت التاجر "توبراني"، وغيرها من المباني المجاورة التي كانت قائمة على ساحل حارة الشمال أو البندر عموماً، ناهيك عن البيوت الواقعة في الحديقة الخلفية لمدينة مطرح القديمة، مثل بيوت التجار اللواتيا في نازي موية، وبيوت الخنجي والخوري والشرفي في حلة العرين، و"البيت الشرقي" الذي يقع تحت قلعة مطرح في وادي خلفان، والبيت الآخر الرديف للتاجر طالب بن محمد الزكواني في حلة جيدان، والبيوت الخاصة بالميامنة في حلة الهناء أو تلك البيوت الواقعة في حارة الشمال كبيت الشيخ سعود بن عبدالله الخنجري، والشيخ سالم بن عبدالله الخنجري، وبيت الربان سالم بن عبدالله المنذري، قبطان سفينة السلطان تيمور بن فيصل، (تم إزالته بعد أن كان حتى عام 1977 مقرًا للنادي الأهلي)، وبيت التاجر النوخذة الحاج عبدالفتاح بن محمد صالح المعيني، وربما غيرها من البيوت لم تسعفنا الذاكرة لذكرها الآن، وأغلبها- إن لم يكن جميعها- اصبحت في عالم النسيان، بعد تعرَض أغلبها للإهمال والخراب، وأصبحت مأوى للعمالة الوافدة أو مرتعًا للكلاب والقطط المهملة. إن أغلب هذه البيوت التاريخية مع الأسف استأثر بها من لا يعرف قيمتها التاريخة والفنية، مما مهدّ إلى زوالها كليًا، الّا ما ندر؛ حيث آثر أصحابها بعد شرائها من ملاكها الأصليين استغلالها وتحويلها كمشاريع استثمارية ومحلات ومخازن تجارية نشاز أفقدت المدينة رونقها الجميل وإرثها المعماري الفريد.
ومن بين تلك المباني الجميلة نستذكر عددًا منها، رغم أن أغلبها أصبح أثرا بعد عين في حين مازال بعضها واقفا صامدا في وجه الزمن شامخًا بشموخ من امتلكها، كبيت الحاج عبدالفتاح بن محمد المعيني "بيت النوخذة"، الذي ما زال حفيده يونس المعيني يصارع جاهدًا، باذلًا الغالي والنفيس للاحتفاظ بهذا الإرث التاريخي التراثي المتميز، من خلال الإقامة الدائمة فيه كبيت للأسرة، مع المحافظة على صيانته وترميمه بصورة دورية، ونأمل أن يواصل الأولاد والأحفاد هذا التوجه والاستمرار في الحفاظ على "بيت النوخذة" حيًا شامخًا يُستذكر من خلاله مناقب الآباء والأجداد وتاريخهم الحافل بالعديد من حكايات الزمن البعيد.
نستذكر كذلك منزل السيد ناصر بن حمود البوسعيدي، وكان يقع بجوار جامع الشيخ سالم بن عبدالله الخنجري على ساحل حارة الشمال، وقد بُني هذا البيت على النمط المعماري العماني التقليدي، من حيث مدخل البيت وتوزيع الغرف وتصاميم الأبواب والنوافذ وغيرها من التقسيمات الداخلية، وبالجوار كان هناك أيضا بيت الفاضل سليمان بن عبدالرحيم البلوشي، الذي استخدم لفترة بسيطة في أواخر الخمسينيات كـ "مرآب" لسيارتين كانتا من أملاك إحدى الوجيهات في المنطقة، وفي وقت لاحق خلال فترة الستينيات استخدم هذا البيت كمخزن لحفظ الأخشاب التي كان يأتى بها من بلاد الهند والسند الأخوان الوجيهان محمد وأحمد الخنجي، وما زالت ذاكرتنا تختزل مشاهدة هذا البيت بأم أعيينا ونحن نمر عليه غدوا ورواحا عند التحاقنا للدراسة بالمدرسة السعيدية بمطرح.
كما نتذكر جيدًا حارس مخزن الأخشاب، الوالد- المغفور له بإذن الله- عبدالله بن الحاج شنون، الذي حفظ الأمانة وحافظ على العهدة بكل اقتدار حتى وفاته في منتصف السبعينيات، ثم كان هناك أيضًا بيت الوجيه شهاب بن أحمد بن علي الشيخ المدني، وكان أيضًا متميزًا عن غيره من البيوت بجمالية منفردة من حيث التخطيط والتقسيمات الداخلية، وكان يتكون من جزأين، أحدهما يطل على الواجهة البحرية في حين يطل الجزء الخلفي على الحارة، وكان هذا البيت يتميز بفن العمارة الإسلامية العمانية، وبعد بيعه جزئيًا، تم هدمه واستغلال مساحته كمشروع تجاري، في حين أعيد بناء الجزء الآخر من البيت على النمط التقليدي العماني، ومازال قائمًا حتى يومنا هذا في عهدة أحد الأفاضل الأجلاء الذين يعرفون جيدا القيمة المعنوية والتاريخية لمثل هذه البيوت التراثية.
مما يبشر بالخير أننا نشاهد الآن صحوة، وإن كانت متأخرة نوعًا ما، إلّا أنها صحوة مرحب بها ويشكر عليها هذا الجيل الواعي من وارثي هذه البيوت التراثية واهتمامهم المتنامي بإحيائها وإعادة تعميرها أو صيانتها بما يتناسب لاستغلالها بما تسمح به الظروف كنُزل أو مطاعم أو منافذ تجارية سياحية أو حتى منزل للأسرة، ونأمل أن يكون هناك انفتاح موازٍ من قبل الجهات الرسمية المعنية حول هذا الموضوع والتوسع في تسهيل الإجراءات حيال منح أصحابها الموافقات اللازمة لإعادة إنعاش هذه البيوت وإعادتها للحياة مثل، ما نشاهده حاليًا من تحرك ملموس في هذا الجانب بالنسبة لبيوت الخوري والخنجي والشرفي وكذلك في البيت الشرقي في وادي خلفان، ونأمل أن تطول القائمة لتشمل كافة البيوت التراثية القديمة في كافة حارات مدينة مطرح الشامخة.
كلمة أخيرة.. مؤلم حقًا أن نرى منازل السلف يكتنفها الإهمال من قبل الأبناء الذين من أجلهم اجتهد الأب في بنائها حجرًا على حجر. منازلكم أيها الأبناء هي موضع مهدكم ومرتع صباكم وفيها ذكريات طفولتكم وشبابكم، فأحسنوا إليها واحفظوها من الضياع.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
منها «الكوكايين» في البيت الأبيض.. مكتب التحقيقات الفيدرالي يعيد فتح قضايا مثيرة للجدل
أعلن نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، دان بونجينو، إعادة فتح التحقيق في ثلاث قضايا أثارت جدلاً واسعاً في الرأي العام الأميركي، أبرزها العثور على مادة الكوكايين داخل البيت الأبيض، إلى جانب زرع قنابل أنبوبية في واشنطن عام 2021، وتسريب مسوّدة قرار قضائي من المحكمة العليا.
وفي بيان عبر منصة “إكس”، قال بونجينو إنه أعاد تقييم عدة ملفات “مرتبطة بفساد محتمل في القطاع العام” فور توليه مهامه، مشيراً إلى أن هذه القضايا “أثارت اهتماماً عاماً لأسباب وجيهة”، وأنه يتم حالياً تخصيص موارد إضافية لها وتلقّي تقارير أسبوعية عن سير التحقيقات.
ودعا بونجينو الجمهور إلى مشاركة أي معلومات قد تساعد في التقدّم بالتحقيقات، في وقت تواجه فيه بعض هذه القضايا اتهامات بتقصير أمني وتستّر، خصوصاً من قبل نواب الحزب الجمهوري.
تعود قضية “الكوكايين في البيت الأبيض” إلى يوليو 2023، حين عُثر على مادة الكوكايين داخل أحد الأروقة المسموح بدخول مئات الأشخاص إليه، خلال عطلة يوم الاستقلال في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
رغم التحقيقات الأولية، أعلنت الخدمة السرية في 12 يوليو من العام ذاته إغلاق الملف بسبب “عدم كفاية الأدلة”، وهو ما قوبل بانتقادات حادة من الجمهوريين الذين تساءلوا عن فشل الأجهزة الأمنية في تحديد هوية المشتبه به داخل أحد أكثر المباني تحصيناً في العالم.
أما القضية الثانية فتتعلق بتسريب مسوّدة قرار المحكمة العليا في قضية “دوبس ضد منظمة جاكسون لصحة المرأة”، والتي كانت أساساً لإلغاء حكم “رو ضد ويد” التاريخي بشأن الحق في الإجهاض.
ورغم تحقيق داخلي سابق أجرته المحكمة، لم يتم الكشف عن هوية من سرّب المسودة، ما أثار الشكوك حول أمن المعلومات في أعلى سلطة قضائية في البلاد، وعزز المطالب بإجراء مراجعات أمنية موسّعة.
القضية الثالثة تتعلّق بزرع قنبلتين أنبوبيتين قرب مقري الحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن، عشية اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، ورغم تسجيلات الفيديو المتوفرة، لم تتمكن السلطات حتى الآن من تحديد هوية الفاعل، وهو ما وصفه مراقبون بأنه إخفاق أمني مقلق.
وكانت القضية محل اهتمام مبكر من مدير الـFBI الحالي، كاش باتيل، قبل تسلّمه منصبه رسمياً، كما شكّلت محوراً للعديد من جلسات الاستماع في الكونغرس.
إعادة فتح هذه الملفات الحساسة يأتي في وقت يشهد تصعيداً سياسياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة مع اقتراب الانتخابات، وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتقصير أو التسييس، مما دفع مكتب التحقيقات إلى محاولة استعادة الثقة من خلال مراجعة هذه القضايا التي لا تزال دون إجابات حاسمة.