جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-21@17:22:55 GMT

الفقر

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

 

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

لا يُوجد إنسان لا يعرفه، وقد تعمَّدتُ هنا النفي مع اللا الثانية؛ حيث نفي النفي إثبات، فليس من الصعب إثباتُ الفقر وليس من السهل نفيه، فهو يتلخص في الحاجة وقلة المال وهو اصطلاح يُعبِّر أيضًا عن عدم وجود مصدر دخلٍ دائمٍ وثابت يوازي الحد الأدنى من الإنفاق نتيجة شُح الموارد، كما قد يشمل المجتمع من حيثُ انعدام الخدمات الأساسيةِ كالصحةِ والتعليم، وقد يُطلق الفقر أحيانًا على الأخلاق والمشاعر والأحاسيس إذا انعدمت وإن توفر المال، ولكنه مبحث طويل يتطلب الكثير من الشرح والتفصيل نصرف عنه صفحًا في مقالنا هذا، ونكتفي بالفقر المعلوم لدى عامة النَّاس في إطلاقه العام مع أنه مجهولٌ في كيانه الخاص ومجرد، إلا أنه محسوس مُشَّخص في وجودهِ وملموسة نتائجه، ويوجد دائمًا حيثما وجد الإنسان وأخص بالذكر هنا الفقر المادي وليس المعنوي.

من لم يختبِر الفقر ولم يعرفُه إلا من خلال المُشاهدة أو القراءة فهو إنسان استثنائي لن يفهم عمقهُ البعيد ولن يقتنصَ ذِهنه معانيه وإن نطق بمفهومهِ في حديثٍ أو كتابة، وشتان بين من أورده في حسنِ قولٍ وبيان خِطابة وبين من عضَّه الفقر بأنيابه وأطبق عليه إطنابه، وهما نوعان من الناس لا ولن يتفقان، لأنَّ الموضوع ليس مجرد آراء تحتمل الاختلاف والاتفاق وتستدعي تقريب وجهات النظر، ولايريد الفقير الجائع مواعظ فضائل الفقر التي يُحدثه بها الغني بعد الشِبع بقدر مايُريد أن يوفر عليه كل تلك النصائح الدنيوية والأخروية مقابل كسرة خبز يُسكت بها غائلته.

إنَّ للفقر كيانًا ثقيلًا يجوس خلال الديار عندما تتسع الهوة بين نُخبةٍ عليمةٍ تمكنت من الإطباق على صناعة القرار، وتحويل الموارد لتُشبع بها بطونها وتُتخم بها جيوبها وبين إهمال شريحةٍ عظمى هي المحرك الأصلي لتلك الموارد، ثم الاطمئنان بأن تلك الشريحة قد حُسم أمرها وأُسقط في يدها بالرضوخ للأمر الواقع ولن تكون قادرةً على إحداث أي تغيير لوهنها وضعفها، فهي ستبقى ساعيةً ما بقيت تحت وطأة الحاجة لكسبِ رزقها وتكتنِفُها الفاقة ويحدوها الخوف من القوانين التي قد تقضي على البقية الباقية من كرامة روحها المتمسكة بالرمقِ الأخير من أجسادها الواهنة، وإن الفقر ليس خطأ الفقير بل هو خطيئة السياسات في إدارة الموارد والنظام الاجتماعي.

تُعد الأمانة والنزاهة والذمة وغيرها من مبادئ القيم العليا، رموزًا صلبةً وقوية تضعها كل المجتمعات على رأس بقائها واستمرارها، ولكن سيصيبها النخر من الداخل وتصبح هشة وضعيفة مقابل آفة الفقر ولن تقوى تلك المُثل والقيم على الصمود طويلًا في وجههِ، وسوف تتهاوى تدريجيًا بعد فترة قصيرة من الزمن عندما يشعر الإنسان بعدم قدرته على توفير العيش الكريم لنفسهِ وأهله، وربما يسلُك كُل مسلكٍ مُحرمٍ وممنوع أو يتخذ أي طريقةٍ وأسلوب عند انقطاع السُبل، فقد يقبل الكذب والرشوة والغش والتزوير على نفسه وربما يذهب إلى أبعد من ذلك بالنصب والسرقة وخيانة الأمانة، ويقول رسولنا الكريم: "أيما أهل عرصةٍ أصبحوا وفيهم امرؤ جائع فقد برأت منهم ذمة الله".

للفقرِ وجهان لا يقل أحدهما عن الآخر قتامةً وكآبة، فقد يكون الوجه الأول من مُمكِّنات ثورة الشعوب والتي تنفجر في لحظةٍ ما عندما تُدرك بوعيها تأثير الفقر وبالطبع هو ليس ناتج عن الظلم نفسه وإنما عن تسلط الإحساس الدائم بالظلم وإن ثورات الفقراء في ذاكرة التاريخ الإنساني كثيرة، كما قد يكون الوجه الآخر سببًا في استقرار الشعوب بحيث تستمر استكانتهم بمقدار ضغط الأنظمة عليهم وبذلك يكونون تحت طائلة الالتهاء بالسعي وراء لقمتهم وأدنى مقومات الحياة الكريمة، وبالتالي لا يقدرون على التفكير في أمور أخرى كالرفاهية والكماليات مع مواصلة الساسة حقنهم بمسكنات الوعود طويلة الأمد، وقد كان هذا التوجه ناجحًا حتى مرحلةِ ما يُسمى بـ"الربيع العربي".

مُحاربة الفقر ومكافحته بتجفيف منابعه هو ما سيجنب الفرد والمجتمع الوقوع في وهدةِ المحرمات وهوة المخالفات، إذ إن استحكام قبضة الفقر على المرء قد يسوقه في مرحلةٍ ما إلى بيع قيمةٍ أخلاقية ثمينة لطالما كان مُتمسكًا بها لفترةٍ طويلة بدافع الصبر والأمل، أو قد تدفع به دفعًا إلى الخيانة والتمرد على خوفه مهما بلغت قوة الرقابة وقوانين الجزاء والعِقاب مع اضمحلال عمق القِيم وأخلاقياتها بمقدار تمدد الفقر في بسط ردائه، وطبعًا مع استثناء فئةٍ قليلةٍ لا تجري عليها مُجريات العامة في الصبر والقناعةِ وقوة التحمل ويقين الأمل بالتغيير وهي الفئة التي تخاف الله وتُسَّلم كُل أمرها إليه وهنا مبحث آخر في إرادة التغيير والسعي والقضاء والقدر نرجئ الحديث عنه إلى مقام آخر.

لا يُنكر أحدنا اليوم طغيان المال والمادة على مفاصل الحياة وعقول الأحياء، وبتنا نرى نماذج وفئات تُمنطق بعض طرق وأساليب الكسب المشوبة بشيءٍ من الشك في حلها أو الشُبهةِ في صحتها من حيث الشرعية والقانونية أو الامتهان الشخصي بإهمال أهمية القيم الأصيلة التي يتمسك بها المجتمع المسلم تحت هُراء الذرائع والمسميات كالعادات البالية والأساليب المتخلفة والأعراف الرجعية والعيب لا يؤكل عيش، وغيرها وهي مدخلاتٍ يُحاول المتخفف منها ومن قيمهِ وقيمته الأصيلة تبرير مسلكهِ وإقناع عقله وعقول الآخرين وإن لم يكن مقتنعًا بها في قرارة نفسه ولكن الحاجة للمال مَعقلت له تلك السلوكيات التي كانت منبوذة ومرذولة حتى وقت قريب، وقد قيل قديمًا: المال يستُر رذيلة الأغنياء والفقر يُغطي فضيلة الفقراء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟.. الأزهر يجيب

هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟ سؤال أجابت عنه الدكتورة إيمان أبوقورة، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى.

وقالت "أبوقورة" فى تصريح لها إنه في حال ادخرت المرأة مالًا بنية أداء الحج، ثم توفرت فيه شروط الزكاة – من بلوغ النصاب ومرور الحول – وجب عليها إخراج الزكاة، بشرط ألا تكون قد حصلت بعد على تأشيرة الحج أو تأكدت من إمكانية السفر.

وأوضحت أنه فى حال  حصول المرأة على تأشيرة الحج وتيقنت من إمكانية السفر لأداء الفريضة، فإن المال المدخر يصبح محبوسًا لهذا الغرض، وبالتالي لا تجب فيه الزكاة، لأنه خرج عن كونه مالًا مدخرًا قابلًا للتصرف الحر.

وشدّدت على أن المال المدخر لغير حاجة أصلية، إذا بلغ النصاب ومرّ عليه الحول، وجبت فيه الزكاة شرعًا.

هل الأخذ من الشعر أو الأظافر بالعشر الأوائل من ذى الحجة يبطل الأضحية؟أعمال العشر من ذي الحجة.. ماذا تفعل في هذه الأيام؟حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. دار الإفتاء تجيبأمين دار الإفتاء: يجوز للمرأة الحج بدون محرم ولكن بشرط

وبينت أن النصاب الشرعي المعمول به حاليًا يعادل قيمة خمسة وثمانين جرامًا من الذهب عيار 21.

هل يجوز إعطاء الزكاة على شكل هدية

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول صاحبه "هل يجوز إخراج زكاة المال على هيئة هدية بمناسبة النجاح.

وأجاب الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، قائلا: إن الزكاة لها مصارف شرعية ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ".

وأشار إلى أنه لابد من صرف الزكاة في مصارفها الشرعية، منوها بأن الزكاة ما جعلت للهدية وإنما جعلت لسد الحاجة والهدية لا تسد الحاجة.

وأوضح، أن الفقير يحتاج إلى غذاء أو كساء أو دواء، منوها بأن الزكاة إذا حان وقت خروجها أصبحت ملكا لله مع الفقير وليست ملكا لصاحبها.

وذكر أنه يجوز للسائل أن يخرج هذه الهدية من قبيل الصدقة وليست من الزكاة.

طباعة شارك هل توجد زكاة على المال المدخر للحج الزكاة هل يجوز إعطاء الزكاة على شكل هدية نصاب الزكاة

مقالات مشابهة

  • الخليج مركز الثقل العربي!
  • حقوق الإنسان في البصرة: أكثر من (40%) نسبة الفقر في المحافظة
  • يوميات مافيا سودانية (١)
  • الكاميروني أونانا.. من الفقر والحظر إلى المجد الكروي
  • حكم تحديد الربح في عقد الشراكة.. دار الإفتاء توضح
  • 1 من كل 5 عائلات في تركيا تعاني الفقر
  • أخنوش يؤكد استمرار الحكومة في معركتها ضد الفقر والبطالة والتفاوتات الاجتماعية
  • هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟.. الأزهر يجيب
  • المبشر: ليس من دور الأعيان والوجهاء البحث عن المال والسلطة
  • هل الأكل على جنابة يورث الفقر؟.. الإفتاء تحسم الجدل