لجريدة عمان:
2025-06-03@02:38:09 GMT

المرأة والميثولوجيا في الثقافة الشفوية

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

تتميز الثقافة التي تفسح المجال للمنتمين إليها بالحضور في مكوناتها بالغنى والعمق؛ لأن احتفاظ أي ثقافة بعناصرها الجوهرية يُعبّر عن قيمة وجودية يمنحها فرصة التكيف مع التطور الناجم عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى إنتاج أشكال إبداعية خاصة بالثقافة ذاتها.

تُعد المرأة في المجتمعات التقليدية مدرسة وناقلة للثقافة وخاصة الميثولوجيا؛ لأن المرأة (الأم) تغرس الأسس التربوية الأولى في ذهن الطفل عبر مراحل حياته الأولى عن طريق الحكاية والأسطورة والأمثال، وبواسطة الميثولوجيا نقلت الأم معارفها إلى الأبناء جيلا بعد آخر، ونتيجة للدور المعرفي للمرأة واعترافا بها ولها بأدوارها الاجتماعية والثقافية فقد رفعت المجتمعات من شأن المرأة ورفعتها إلى مرتبة التبجيل والاحترام.

إن الميثولوجيا التي شكّلت جزءا من ثقافتنا وتربيتنا هي ميثولوجيا قدمت إلينا عبر ألسنة المرأة الحكاءة وبواسطة لغة شفوية غير مكتوبة، هي اللغة الشحرية؛ إحدى اللغات السامية الجنوبية العربية الحديثة، ونكتشف مع مرور الأيام قيمة الثقافة الشفهية وعمقها المعرفي في تشكيل الوعي ونظرة الإنسان إلى وجوده ومسؤولياته تجاه ذاته والآخرين.

وفي هذه المساحة نعرض بعض الأمثلة المتعلقة بحضور المرأة في المعتقدات والأمثال. ومن المعتقدات الرائجة التي تكشف عن علاقة الإنسان بمحيطه أنه يستطيع عقد اتفاقات المصالحة مع الكائنات المؤذية، فمثلا يقال"إن الأم إذا أرادت أن تقي أطفالها من لدغات العقارب عليها صب قطرات من حليبها على أنثى العقرب التي تحمل صغارها على ظهرها"، يكشف هذا المعتقد أيضا رمزية حليب الأم في إحداث روابط أمان مع الكائنات الضارة.

وفي المعتقدات أيضا أنه إذا أرادت الأم أن يكتسب ابنها صفات الرجال المشهورين فيتوجب عليها رمي سرة رضيعها خلف رجل مشهور مرددة عبارة "كن مثل فلان"، والسرة -حسب المعتقد- مسؤولة عن تعلّق الإنسان بالمجال الذي يحبه، فيقال "فلان سقطت سُرّته هناك" بمعنى وجوده الدائم وحضوره في النشاط الذي يمارسه.

أدركت المرأة مبكرا آثار الطاقة السلبية على الإنسان وخاصة الرضع، إذ تتفادى المرأة المُرضعة انتقال الأمراض والأوبئة إلى طفلها من أمهات الأطفال المرضى، عن طريق أخذ مادة منها مثلا، كخيط من رداء أم الطفل المريض عند زيارتها، ويسمى "شُكم" (شين شدقية)، الذي يُعتقد بمنعه انتقال الطاقة السلبية بين الأطفال.

وكذلك حين تسمع المرأة الأخبار السيئة فإنها تلتفت يمنة ويسرة وتتفل مرددة عبارة "تفو إد نعدي بإد سيري" أي بعيدا عني وخلفي، أو تتفل على الأرض وتمسح بإصبعها على رقبتها وعلى كعبها قائلة "إد قرموع بد كرموع" أي إلى القفاء وإلى الكعب.

تعاملت الشعوب والمجتمعات مع وفيات الأطفال المتكررة على أنه سحر أو اختطاف من قبل الجن، ولتجنب ذلك تقوم الأم بثقب الأذن اليمنى للطفل الذكر، ويبدو أن محاولة الحماية بواسطة تشويه الأذن قد انتقلت إلى الحيوان، إذ يحرص بعض مربي الماشية إلى قطع أو شق أذان الماشية، وقد نهى الدين الإسلامي عن ذلك، إذ ورد في السنة أنه لا يجوز التضحية بالمقابلة (مقطوعة الأذن)، ولا المدابرة (المقطوعة مؤخرة الأذن)، ولا الشرقاء (مشقوقة الأذن طولا)، إذ يُنظر إلى ذلك بأنها طقوس تعبر عن التقرب إلى الآلهة بجزء من لحم الماشية.

يتجسد الاحتفاء بالمرأة وتقديرها في الميثولوجيا في المعتقدات التي يحملها الإنسان في ذاته، وقد ورد في المعتقد أن الرجل إذا حلم بولادة بنت له، فإن ذلك يعني أنه سيُسر في حياته. يدلل ذلك على الفأل الحسن الذي تجلبه البنت إلى حياة والدها، بل ويفتخر الذكر بالانتساب إلى اسم أمه، وبناء عليه يتم الترحيب به وانتخاءه.

إن بقاء الميثولوجيا في الذاكرة فقط يُعجّل بفنائها وموتها البطيء، ولذلك نُذكّر بين المقال والآخر على ضرورة جمع المادة الثقافية الشفوية ودراستها قبل اندثارها وتعرضها للنسيان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المرأة السورية العاملة تتحدى الصعاب

دمشق-سانا

تناهت إلى مسامعنا الكثير من عبارات تمجد المرأة والأم، ولطالما أسرتنا الأشعار التي تغنّت بالمرأة حتى خلّد الزمن هذه القصائد لدرجة أننا نرى كثيراً من الشعراء حملوا أسماءً مقترنةً بامرأة، كجميل بثينة ومجنون ليلى.

واليوم في ضوء التكنولوجيا والعالم المتطوّر والانفتاح الحاصل، أصبحتْ المرأة إلى جانب كونها أماً وأختاً وزوجةً تشغل مناصب مرموقة، وتسهم في تكوين المجتمع, كلّ ذلك أضاف أعباء إلى أعبائها، وحمّلها جهداً يفوق طاقتها.

وعن التحديات التي تواجه المرأة العاملة، أفادت مي العربيد دكتوراه في الصحة النفسية لـ سانا أن المرأة العاملة تواجه تحديّات منها الصورة النمطية، فقد ينظر إليها على أنها مقصرة كأم وربة منزل، وأيضاً التمييز المهني، وربما تجد صعوبة في الحصول على مناصب.

وعن دور المرأة في سوق العمل، تقول العربيد: “نتيجة الأزمة التي عصفت بالبلاد فقد اضطرت المرأة لأن تشارك الرجل بالعمل في الكثير من القطاعات، ولعل أهمها الصحة والتعليم والزراعة والمشاريع الصغيرة، فالمرأة اليوم أثبتت أنها رمزٌ للصبر والكفاءة والمسؤولية”.

وعن رأيها حول أهمية دعم المرأة من قبل المجتمع، ترى العربيد أنّ ذلك يتحقق ربما عبر منح الأمهات إجازة أمومة أطول وإجازات أكثر، إضافة إلى دعم المبادرات الفردية، وتعزيز الوعي بأهمية مشاركة العمل.

أما هبة أبو الخير باحثة اجتماعية، فترى أن أهم معوقات العمل هي تنميط المرأة، فدورها كأم أهم من دورها الوظيفي، إضافة إلى الإرهاق الجسدي والتعب الملازم، لكنّها وخلال سنوات الحرب والتهجير وفقدان الكثير من الشباب اضطرت لأن تقوم بكل هذه الأدوار، وقد أدتها بشكل ممتاز، وهي أيضاً تسهم في ظل الأوضاع المالية المتردية بتحسين الوضع المادي، ومساعدة الزوج والوقوف إلى جانبه.

أما وفاء عبد الله مدرسة رياضيات فتقول: “توظفت بعد التخرج ثم وجدت مدى أهمية العمل للمرأة في تقوية الشخصية والحضور ومساعدة الأسرة، والأهم من ذلك أنني عشت لحظات تهجير قسري عن منزلي، وتعرضنا لإجحاف فكان عملي المتنفس بالنسبة لي، وعلى هذا المبدأ سأعلم بناتي أن العمل عبادة كما هو حق وواجب.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • الشرطة الأمريكية تقبض على أم أنهت حياة طفلها بفلوريدا
  • محافظ الجيزة يُكرِّم عددًا من الأمهات المثاليات على مستوى المحافظة
  • أمثلة مضيئة للكفاح والتضحية..محافظ الجيزة يكرم الأمهات المثاليات على مستوى المحافظة
  • أعمال الحج التي يجب أداؤها في المناسك
  • 5 مشكلات صحية في الكلى الأكثر شيوعا لدى الأمهات الحوامل
  • هل يجوز سجود المرأة على حجابها في الصلاة؟.. أمين الإفتاء يوضح
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة
  • المرأة أولًا!!
  • المرأة السورية العاملة تتحدى الصعاب
  • للمقبلات علي الحمل .. روشتة طفل بدون مشاكل صحية ونمو طبيعي