الجزيرة:
2025-07-04@18:16:04 GMT

هل تنتهي سيطرة غوغل على الإنترنت؟

تاريخ النشر: 9th, August 2024 GMT

هل تنتهي سيطرة غوغل على الإنترنت؟

هل سيغير حكم قضية غوغل طريقة استخدامنا للإنترنت؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة بعد صدور حكم تاريخي يدين هذه الشركة بارتكاب ممارسات احتكارية.

فبعد سنوات من الهيمنة على سوق البحث، تواجه غوغل الآن تحديات قانونية قد تعيد تشكيل مشهد التقنية كما نعرفه. فهل سنشهد ظهور منافسين جدد قادرين على تحدي عملاق البحث؟ وكيف سيؤثر ذلك على جودة نتائج البحث التي نحصل عليها يوميًا؟ وما التداعيات المحتملة على خصوصيتنا في عصر البيانات الضخمة؟ هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها في ظل هذا التحول الكبير الذي تشهده صناعة التكنولوجيا.

يوم الاثنين الماضي، حكم قاضٍ فدرالي أميركي بأن غوغل قد تصرفت بصورة غير قانونية للحفاظ على احتكارها لقطاع البحث على الإنترنت، وهو قرار تاريخي يستهدف سلطة شركات التقنية العملاقة وقد يغير جذريًا أسلوب عملها فيما بعد.

وتتهم الدعوى القضائية غوغل بترسيخ هيمنتها بصورة غير قانونية، وذلك جزئيًا بدفع مليارات الدولارات سنويًا لشركات أخرى مثل آبل وسامسونغ، لكي تتولى غوغل افتراضيا معالجة طلبات البحث على الهواتف الذكية ومتصفحات الإنترنت الخاصة بهذه الشركات.

ويُشبّه تقرير في نيويورك تايمز ما حدث مع غوغل بما شهده عام 2000  حيث ساهم الحكم الصادر في قضية مكافحة الاحتكار بالولايات المتحدة، ضد مايكروسوفت، في وضع قواعد المنافسة لأكبر شركة بمجال التقنية في عصرها.

وآنذاك، ذكر قاضٍ فدرالي أن مايكروسوفت استغلت القوة الاحتكارية لنظام تشغيلها ويندوز، فأصدر أمرًا بتقسيم الشركة. لكن مايكروسوفت نقضت قرار التقسيم في الاستئناف، إلا أن النتائج القانونية الأساسية حظيت بالإقرار.

وبعدها مُنعت مايكروسوفت من فرض تعاقدات تعجيزية على شركائها في الصناعة، وأُمرت بإتاحة بعض تقنياتها أمام الشركات الأخرى، مما حال دون سيطرتها منفردة على شبكة الإنترنت، كما أشارت نيويورك تايمز.

بعد قضية الاحتكار ضد غوغل كيف سيتغير الإنترنت؟ (نيويورك تايمز) تأثير واسع النطاق

ما يراه خبراء المجال أن الحكم الصادر في قضية مكافحة الاحتكار ضد غوغل قد يعيد تشكيل قواعد المنافسة من جديد في صناعة التقنية، وبهذا قد يتأثر استخدامنا لشبكة الإنترنت خلال الفترة القادمة.

وذكرت ريبيكا هاو ألينسورث، الأستاذة في كلية الحقوق جامعة فاندربيلت التي تدرس مكافحة الاحتكار "هذه أهم قضية لمكافحة الاحتكار هذا القرن، وهي الأولى من بين مجموعة كبيرة من القضايا التي ستصدر ضد شركات التقنية الكبرى. إنها نقطة تحوّل تاريخية".

وقال بيل باير، وهو مسؤول كبير سابق في مكافحة الاحتكار بوزارة العدل الأميركية، إن حكم غوغل مهم لأنه "يُطبّق على أكبر شركات التقنية مفهوم أنّه حتى إن كنت مهيمنًا فلا يحق لك إساءة استغلال تلك الهيمنة".

كما يرى مارك واينشتين، أحد خبراء مجال الخصوصية، أن هذا القرار صائبا وطال انتظاره، وأن الحكم مرشح لإعادة تشكيل صناعة التقنية للأفضل.

وهذه الدعوى القضائية واحدة من سلسلة دعاوى ترفعها الحكومة الأميركية ضد شركات التقنية الكبرى. إذ اتهمت الجهات الرقابية أيضًا شركات آبل وأمازون وميتا بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار عبر تفضيل منتجاتها الخاصة على المنصات التي يديرونها، ومن خلال الاستحواذ على منافسين أصغر حجمًا بالسوق.

ومن المرجح أن يؤثر الحكم الصادر بحق غوغل -والتعويضات المحتملة التي سيقررها القاضي- تأثيرًا عميقًا على هذه القضايا، ومنها دعوى قضائية ثانية ضد الشركة بشأن تقنيات الإعلانات على الإنترنت، التي من المقرر أن تُعرض على المحكمة الشهر المقبل، وفقا لنيويورك تايمز.

ماذا يعني القرار لغوغل وقطاع التكنولوجيا الأوسع؟

هذا أكبر سؤال يطرح بعد القضية. ويحدد قرار القاضي مرحلة قانونية أخرى يجب فيها تحديد التغييرات أو العقوبات التي يجب فرضها على غوغل لحماية المنافسة. وقد يكون لنتيجة هذا القرار تأثير كبير على قطاع التكنولوجيا، حيث يمكن أن تكون التغييرات قاسية مثل مطالبة الشركة بتفكيك أجزاء من إمبراطوريتها عبر الإنترنت، أو منعها من إنفاق مبالغ طائلة كل عام لضمان أن يكون بحث غوغل محرك البحث الافتراضي على آيفون والأجهزة الأخرى. أو قد يقرر القاضي أن التغييرات الأكثر تواضعًا فقط مطلوبة لحماية المنافسة والمستهلكين، مما يترك غوغل دون ضرر نسبيًا. وأي تغييرات مفروضة ستأتي في وقت حاسم في القطاع، حيث تنافس غوغل مع مايكروسوفت وغيرها لقيادة الصناعة مع دخولها عصر الذكاء الاصطناعي.

قبضة رقمية حديدية

في تسعينيات القرن الماضي، كانت مايكروسوفت تسيطر بقبضة رقمية حديدية على أنظمة التشغيل الأساسية، إذ سيطر نظام تشغيلها ويندوز على تجارب المستخدمين في أكثر من 90% من أجهزة الحاسوب الشخصية. واليوم، تتمتع غوغل بقبضة مماثلة على مجال البحث على الإنترنت.

لكن الأمر تغير بالنسبة لمايكروسوفت بعد أن أصدر أحد القضاة حكمًا بأنها شركة احتكارية. ورفع المشرعون الدعوى بعد أن شَنّت مايكروسوفت حملة ضد إحدى الشركات الناشئة وهي "نتسكيب" التي كانت رائدة في مجال متصفحات الإنترنت. إذ فرضت مايكروسوفت على صانعي الحواسيب الشخصية عقودًا منعتهم عمليًا من توفير "نتسكيب" على أجهزتهم.

تقرير نيويورك تايمز يشبه ما حدث مع غوغل بما واجهته مايكروسوفت عام 2000 (الجزيرة)

ونهاية المطاف، مُنعت مايكروسوفت في عقودها من فرض قيود على صانعي الحواسيب الشخصية لتوفير برمجيات أخرى. ووفقًا لبعض خبراء مكافحة الاحتكار، فإن الجهد والتكلفة والاهتمام العام الرافض جعلت مايكروسوفت أكثر حذرًا تجاه أفعالها فيما بعد.

وبخلاف مايكروسوفت، تُعد غوغل شركة إنترنت تمامًا بنموذج أعمال مختلف للغاية، إذ تعتمد أساسًا على الإعلانات بدلا من بيع تراخيص البرمجيات كما في حالة مايكروسوفت.

وقد وجدت المحكمة في قضية غوغل أيضا أن عقود الشركة تستبعد المنافسين بصورة غير قانونية. لكن على عكس مايكروسوفت، كانت عقود غوغل أقرب إلى الترغيب منها إلى الترهيب، إذ عرضت على شركاء الصناعة مبالغ سخية بدلا من ممارسة التهديد، ودفعت لشركات الهواتف الذكية ومقدمي المتصفحات أكثر من 26 مليار دولار عام 2021، وفقًا لشهادة المحكمة، مقابل تعيين محركها البحثي كمحرك افتراضي في أجهزة ومتصفحات تلك الشركات.

وتمنع هذه الاتفاقات أي منافس محتمل من تحقيق الحجم اللازم لتحدي الشركة، مما يتيح لغوغل فرض أسعار أعلى على المعلنين دون ضغوط تنافسية، كما أشار مارك واينشتين.

هيمنة غوغل

في قضية غوغل، وُصفت البيانات بأنها أصل بالغ الأهمية. وكلما زاد عدد استعلامات المستخدم التي تتدفق عبر محرك البحث، زادت البيانات التي تُجمع ثم تُسخر لتحسين نتائج البحث، مما يجذب المزيد من المستخدمين وينتج المزيد من البيانات.

ومن جهتها، أوضحت غوغل -في بيان صادر عن رئيسها للشؤون العالمية كينت ووكر- أن القرار يعترف بأن "غوغل تقدّم أفضل محرك بحث، لكنه يخلص إلى أنه لا ينبغي السماح لنا بإتاحته بسهولة". وفي المحكمة، ردت غوغل بأن محركها البحثي رائد المجال لأنه منتج متميز، وأن البيانات مهمة فعلا ولكن برمجيات الشركة الذكية هي ميزة تفوقها الحقيقية، وأن العقود التي أبرمتها كانت صفقات حرة دخل فيها شركاؤها في الصناعة.

لكن غوغل وجدت صعوبة في تفسير سبب دفعها مبلغًا ضخمًا للحصول على أفضلية الانتشار لدى هؤلاء الشركاء، إن كان من الواضح أن برمجياتها للبحث هي أفضل تقنيات موجودة.

مايكروسوفت منعت في عقودها من فرض قيود على صانعي الحواسيب الشخصية لتوفير برمجيات أخرى (وكالات)

وعام 2020، رفعت وزارة العدل والولايات الأميركية دعوى قضائية بسبب هيمنة غوغل على مجال البحث على الإنترنت الذي يدرّ عليها أرباحًا بالمليارات سنويًا. وأفادت الوزارة بأن محرك بحث غوغل يستحوذ على نحو 90% من عمليات البحث على الإنترنت، وهي نسبة اعترضت الشركة على صحتها.

وتنفق الشركة مليارات الدولارات سنويًا لتصبح محرك البحث الافتراضي على متصفحات مثل سفاري التابع لشركة آبل وفايرفوكس التابع لشركة موزيلا. وقد دفعت غوغل لآبل نحو 18 مليار دولار مقابل أن يكون محركها البحثي هو المحرك الافتراضي لأجهزة الشركة عام 2021، حسبما ذكرت نيويورك تايمز.

وتؤكد الحكومة الأميركية أن الشركة عندما تدفع مليارات الدولارات لتصبح محرك البحث الافتراضي على أجهزة المستهلكين، فإنها تحرم منافسيها من فرصة تكوين نطاق عمل واسع لمنافسة محركها البحثي. ولكن ما فعلته غوغل هو جمع المزيد من البيانات عن المستهلكين، واستخدمتها لتحسين محركها البحثي وتعزيز هيمنته أكثر.

وقد انحاز القاضي إلى جانب الحكومة، قائلا إن غوغل كانت تحتكر خدمات البحث العامة على الإنترنت. فقد أضرّت بالمنافسة اتفاقاتُ الشركة لتكون محرك البحث الافتراضي على الأجهزة ومتصفحات الويب، مما جعل من الصعب على المنافسين تحدي هيمنة غوغل.

وأخيرا، يرى مارك أن عُمر صناعة التقنية على الإنترنت يبلغ نحو 30 عاما فحسب، ومن السابق لأوانه سد الأبواب أمام السوق الحرة، والسماح لمجموعة ضئيلة من شركات التقنية بالسيطرة دون أي اعتراض.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات محرک البحث الافتراضی على البحث على الإنترنت مکافحة الاحتکار شرکات التقنیة نیویورک تایمز ت مایکروسوفت فی قضیة

إقرأ أيضاً:

نيزافيسيمايا: كيف تنتهي الحروب في الشرق الأوسط؟

فتح التصعيد العسكري الجديد بين إسرائيل وإيران والذي يهدد بانفجار إقليمي واسع الباب للتساؤل عن سيناريوهات إنهاء النزاع في ضوء تجارب الحروب السابقة.

وفي هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية يسلط المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، الضوء على أبرز النماذج التاريخية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط مقارنًا إياها بالواقع الجيوسياسي الراهن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: إسرائيل أمام مفترق طرق يتطلب قرارا سياسياlist 2 of 2مسؤول أميركي رفيع: اتفاقات الحدود الإسرائيلية مجرد أوهامend of list

ورغم إعلان دونالد ترامب "انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا"، فإن الكاتب يرى أن الأوضاع على أرض الواقع تشير إلى أن الحديث عن نهاية دائمة للصراع لا يزال سابقًا لأوانه.

ويضيف أن الخبراء يحذّرون من استمرار خطر تبادل الضربات الجوية بين الأطراف المعنية، إضافة إلى إمكانية تصعيد الوضع، بما في ذلك احتمال إغلاق مضيق هرمز.

نهاية 3 حروب كبرى

وعلى الرغم من استمرار التصعيد، فإن جميع الحروب، بما في ذلك حروب الشرق الأوسط، لها تاريخ انتهاء. فعلى مدار نصف القرن الماضي، شهد الشرق الأوسط -إلى جانب عدد كبير من المواجهات العسكرية المحدودة نسبيًا والنزاعات الأهلية المستمرة- 3 حروب كبرى على مستوى الإقليم.

تشمل هذه الحروب: الحرب الإيرانية–العراقية (1980–1988)، وعملية "عاصفة الصحراء" (1991)  وما يعرف باسم "الصدمة والترويع" (2003).

وفتح الوضع الراهن الباب للتساؤل عن مدى ارتباط تجربة خوض هذه الحروب، وخاصة طرق إنهائها، بالصراع الحالي المتصاعد في المنطقة وعن مدى إمكانية الاستفادة من دروس الماضي لفهم مسارات التسوية المحتملة في الأزمة الراهنة.

ويضيف الكاتب أن لكل حرب طابعها الخاص، وأي مقارنة تاريخية تظل نسبية وقابلة للنقد. فعلى سبيل المثال، كانت العمليات البرية هي العامل الحاسم في جميع الصراعات الثلاثة التي تم ذكرها سابقًا. أما في المواجهة الراهنة، فمن الصعب تصور وقوع اشتباك مباشر بين وحدات مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة الإيرانية على سهول سوريا أو العراق.

إعلان

وتتمثل إحدى السمات الفارقة في الوضع الحالي في غياب الخط الفاصل الواضح بين الحرب والسلم، وهو ما كان قائمًا في العديد من النزاعات الشرق أوسطية السابقة. فبينما يصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحداث الأخيرة بأنها "حرب استمرت 12 يومًا"، هناك من يرى أن دورة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران الحالية بدأت بالفعل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إلى جانب ذلك، شهدت العقود الأخيرة تطورًا كبيرًا في التقنيات العسكرية، الأمر الذي غيّر بشكل جذري طبيعة العمليات القتالية وطريقة خوض الحروب بين الأطراف المتنازعة.

وبحسب الكاتب فإن الجوانب المثيرة هنا ليست تلك المرتبطة بفنون العمليات أو حتى الإستراتيجيات العسكرية التي تتبعها الأطراف، بل النتائج التي أسفرت عنها تلك المواجهات العسكرية، بما في ذلك شروط الاتفاقات وصيغ التسويات التي تم التوصل إليها لإنهاء النزاعات.

وشكّلت الحرب التي استمرت 8 أعوام بين إيران والعراق أحد أكثر النزاعات دموية وطولًا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فقد تكبد الطرفان خسائر بشرية فادحة تُقدّر بمئات الآلاف، فيما تجاوزت التكاليف الإجمالية للحرب عتبة التريليون دولار.

جنود عراقيون خلال القتال ضد القوات الإيرانية على طول منطقة الحدود بين البلدين عام 1984 (غيتي إيميجز)

ورغم أن القوى الخارجية لم تشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية، فإنها لعبت دورًا مؤثرًا من خلال تزويد الجانبين (العراق وإيران) بالأسلحة، وغالبًا ما كانت تقدم الدعم لبغداد وطهران في الوقت نفسه. ومع ذلك، انتهى هذا الصراع دون تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين، حيث اضطُر الجانبان إلى القبول بالعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل اندلاع الحرب.

وتدور رحى حرب استنزاف بين إيران وإسرائيل منذ سنوات، لم يُبد أي من الطرفين خلالها استعدادا للتنازل عن قضاياها الأساسية. من جانبها، تعتمد إيران على تفوقها في عدد السكان والعمق الإستراتيجي وقاعدة الموارد الواسعة في حين تراهن إسرائيل على استمرار الدعم غير المحدود من واشنطن. ومع ذلك، تظل القدرة الحقيقية للطرفين على تحمل مواجهة عسكرية طويلة الأمد وشديدة الحدة محل تساؤل كبير، في ظل التعقيدات المتزايدة على الأرض والتطورات التقنية في ميدان القتال.

في المقابل، تظل قدرة إسرائيل على تحمل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لصراع طويل الأمد دون أن يؤثر ذلك على منظومة الحكم داخلها  أمرًا يشوبه الغموض ومثيرًا للجدل.

وفي حال تطبيق سيناريو حرب الاستنزاف بشكل أو بآخر، من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة دورات متكررة من "تصعيد – تهدئة – تصعيد جديد"، حيث سيُعلن كل طرف عن نصره النهائي وهزيمة الخصم، رغم عدم وجود أسباب مقنعة لهذه الادعاءات.

وفي الوقت نفسه، سيخرج كلا الطرفين من الصراع منهكين بشكل كبير، ما سيُسرّع من التحول السياسي الحتمي لكل من إيران وإسرائيل.

في مواجهة إيران اليوم، تقود إسرائيل والولايات المتحدة المبادرة الإستراتيجية، مستندتين إلى تفوق تكنولوجي حاسم على طهران. وكما في عملية "عاصفة الصحراء"، يُراهن الطرفان على سرعة الحملة العسكرية وتقليل الخسائر الأميركية والإسرائيلية إلى أدنى حد ممكن.

إعلان

ومع ذلك، هناك فروقات جوهرية مقارنة بالوضع في عام 1991. فالمجتمع الدولي اليوم منقسم حيال الحرب الحالية، مما يُفقد الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة وإسرائيل شرعيتها. على العكس من ذلك، تتزايد نسبة التأييد لإيران، التي ينظر إليها كضحية لعدوان أميركي–إسرائيلي غير مبرر.

ويؤكد الكاتب أن إنهاء الصراع يخدم مصلحة جميع الأطراف المعنية. ومن بين الشروط المحتملة لأي اتفاق مستقبلي تأكيد القيادة الإيرانية التزامها المطلق بنظام عدم انتشار الأسلحة النووية، مقابل رفع جزئي للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران. كما ينبغي تخلّى الطرفين عن الأهداف المعلنة، التي تتمثل في تغيير النظام السياسي في طهران وإنهاء دولة إسرائيل.

ومع ذلك، يمكن أن تواجِه محاولات التوصل إلى مثل هذه التسوية مقاومة شديدة من التيارات المتشددة في جميع الدول المشاركة في الصراع والتي تطالب بمواصلة الحرب حتى تحقيق نصر كامل.

ينبغي تخلّى كل من إيران وإسرائيل عن هدفيهما المعلنين في تغيير النظام السياسي في طهران وإنهاء دولة إسرائيل

ويعود الكاتب بالأذهان إلى  عملية "الحرية من أجل العراق" التي  أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في مارس/آذار 2003، معتبرًا إياها بمثابة استكمال لما بدأه والده في حرب الخليج عام 1991.

وقد تحقّق الهدف العسكري للعملية، والمتمثل في الإطاحة بنظام صدام حسين، خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز 3 أسابيع، غير أن الهدف السياسي من الحرب –إقامة عراق مستقر وليبرالي ديمقراطي وموالٍ للولايات المتحدة– لم يتحقق مطلقًا.

بل على العكس، فقد خلّفت الحرب آثارًا كارثية على العراق والمنطقة برمّتها، إذ أصبحت العملية محفزًا لأزمة عميقة في مفهوم الدولة الوطنية، وأسهمت في صعود طويل الأمد للتطرف السياسي والتشدد الديني في الشرق الأوسط.

نهج بوش الابن

ويتبنى العديد من صناع القرار في إسرائيل والولايات المتحدة نهجًا تبناه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني قبل أكثر من 20 عامًا. فبالنسبة لهم، يُعتبر تغيير النظام السياسي في طهران السبيل الوحيد الموثوق لتحقيق الاستقرار الإقليمي وفتح الباب أمام إمكانية إدماج إيران في منظومة الأمن الإقليمي.

ومن هذا المنطلق، تتبنى واشنطن وتل أبيب إستراتيجية تقوم على تكثيف الضغوط على طهران من خلال تفكيك ما يوصف بـ"أذرع الأخطبوط الإيراني" في المنطقة وفرض عقوبات اقتصادية جديدة ودعم المعارضة الداخلية المتشددة بالإضافة إلى تنشيط شبكات المعارضة الإيرانية في الشتات حول العالم وتوجيه ضربات ضد البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية وغيرها من إجراءات التصعيد.

وعلى عكس ما حدث في العراق عام 2003، لا يبدي أحد في واشنطن اليوم استعدادا للتخطيط لحرب برية واسعة النطاق ضد إيران يتبعها احتلال لأراضيها. كما لا ينبغي الاستهانة باستقرار النظام السياسي الإيراني.

وفي حال حدوث انهيار في المنظومة السياسية الإيرانية، فإن تداعيات ذلك، وفقا للكاتب، قد تكون أشد خطورة مما حدث في العراق. فتحطيم مؤسسات الدولة الإيرانية وتحولها إلى "ليبيا ثانية" أو "صومال جديد" من شأنه أن يشكل كارثة لا فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل أيضًا على مستوى المناطق المجاورة.

السيناريو الأكثر واقعية

ويرى الكاتب أن السيناريو الأكثر واقعية لإنهاء الصراع الحالي، هو السيناريو الذي أنهى عملية "عاصفة الصحراء". ففي هذا الإطار، قد تُجبر طهران على الإقرار بالتغير الجذري الذي طرأ بالفعل على ميزان القوى في المنطقة والقبول بتفكيك برنامجها النووي.

في المقابل، يتعين على خصوم إيران التخلّي عن خططهم القصوى الهادفة إلى إلحاق "هزيمة إستراتيجية" بإيران أو تدمير أسس دولتها.

ويتطلّب تنفيذ هذا السيناريو، وفقا لكورتونوف، سلوكًا مسؤولًا من جميع الأطراف المنخرطة في النزاع، وهو ما لا يزال محل شك في الوقت الراهن. فقد تنجرف القيادة الإسرائيلية خلف وهم مغرٍ يتمثل في "الحل النهائي" للمسألة الإيرانية.

إعلان

أما في طهران، فقد يقود انعدام الثقة بإسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الرغبة في الحفاظ على هامش حرية في المجال النووي، إلى مواقف تصعيدية يصعب احتواؤها.

وفي المقابل، قد تبقى إدارة الرئيس ترامب أسيرة تصوراتها المبسطة والنمطية حيال منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على صفقات ظرفية.

وفي ختام التقرير يقول الكاتب إن فرص تحقق أي من سيناريوهات التسوية مربوط بتطورات الصراع العسكري والتفاعلات السياسية الداخلية المعقدة الجارية حاليًا في كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • استدعاء مالك الشركة المصنعة للسيارة التي توفي فيها جوتا
  • العراق يحسمها: لا سلاح خارج سيطرة الدولة
  • حملات تموينية مكثفة بالأقصر تضبط 2.5 طن سماد زراعي محظور وتكافح الاحتكار
  • «بوسنينة»: الخطوط الجوية الليبية لن تكون الشركة الأخيرة التي تتعرض لأزمة مالية
  • تعرف على خطة غوغل التي استغرقت 25 عاما للوصول إلى الذكاء الاصطناعي
  • الخارجية الروسية: الغرب لا يملك أي سيطرة على عمليات تسليح أوكرانيا
  • البستاني نوه بالـMEA: كل التقدير لهذه الشركة التي تبقي الارزة مرفوعة في الأعالي
  • تعلن الشركة العربية اليمنية الليبية القابضة عن بيع بالمزاد العلني
  • نيزافيسيمايا: كيف تنتهي الحروب في الشرق الأوسط؟
  • ترامب: لا أفكر في تمديد مهلة الرسوم الجمركية التي تنتهي 9 يوليو