مسار اضطراري لجيش مأزوم.. لماذا تجند إسرائيل اليهود المتزمتين؟
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
لا يوجد معنى آخر لإقدام إسرائيل على تجنيد اليهود المتزمّتين من "الحريديم" سوى أنّ جيشها بات في أزمة شديدة، بل محنة لم يمر بها من قبل. في الوقت نفسه لا يوجد معنى لرفض هؤلاء التجنيد سوى أنهم غير معنيين بأزمة هذا الجيش، بل ليس لدى الأغلبية الكاسحة منهم أي استعداد للتنازل عن المنافع المادية، والمكانة المعنوية، التي يحوزونها في إسرائيل، حتى لو كانت "الدولة"، التي تمنحهم كلّ هذا، في خطر.
يثبُت موقف "الحريديم" الآن من التجنيد عند حالهم القديمة، حيث التمسك بالدور الذي رُسم لهم، أو طلبوه ونالوه قبل عقود من الزمن، لكن موقف الحكومة هو الذي تغيّر، فأصبحت تميل مضطرة، بعد طول تفكير، إلى الموازنة بين المنفعة السياسية المربوطة بأصوات الحريديم في الانتخابات، وبين حاجة الجيش الآن في ظلّ ما يواجهه من متاعب في قطاع غزة، وفي محاذاة أراضي لبنان، وهو أمر عبّرت عنه قيادة الجيش في وصفها تجنيد الحريديم بأنّه "ضرورة عملياتيّة".
لقد بدأت رحلة العلاقة بين المؤسسة السياسية والحريديم منذ إنشاء إسرائيل، إذ تركت حكومة أول رئيس وزراء ديفيد بن غوريون عام 1948 أربعمائة طالب يتفرغون لدراسة التوراة، وليس لهم أي عمل سوى هذا، فصار شعار كل فرد فيهم هو "توراته مهنته"، وأُطلق علي زمرتهم "مجتمع الدارسين". وتضاعف هذا العدد عام 1968، ثم فُتح الباب على مصراعيه أمام انضمام كثيرين إليهم، حين أُلغي تحديد العدد عام 1977، وأصبح كل حريدي يسارع إلى الحصول على انتماء لهذه الفئة، كي يحصد مزاياها، ومن بينها تأجيل الخدمة العسكرية.
وبينما ظلت المؤسسات السياسية الإسرائيلية تتقلب في حدين من الأيديولوجيات اليسارية واليمينية وما بينهما من ألوان طيف، ظل الحريديم يمثلون "الأصولية اليهودية" في طبيعتها المشابهة لأديان ومعتقدات أخرى، حيث التصور التقليدي المحافظ، والتفسير الحرفي للنص التوراتي، والشعور بالتميز عن سائر اليهود، المبنيّ على اعتقاد في الإخلاص للعقيدة والتفرغ لحراستها. وبات يُنظر إليهم على أنهم مجتمع يهودي تجمد في الزمن، يحافظ على شكله، كما كان في العصور الوسطى، ولا يريد أن يبرحه.
ومع تجمد صورة الحريديم الذهنية وثبات دورهم الاجتماعي، تجمدت مسألة تجنيدهم، وكان يتم التعامل معها على أنها مسألة هامشية يجب عدم التوقف طويلًا عندها، إلا أنها أخذت تتحرك، وتُثير في المجتمع أسئلةً حول التمييز والجدوى، وفي المؤسسات السياسية ميلًا إلى مراجعة الموقف، لاسيما في العقود الثلاثة الأخيرة، بعد أن تعزز وجود الحريديم في المجتمع، وصاروا يشكلون نسبة معتبرة من السكان.
فاليوم صار عدد الحريديم نحو 1.4 مليون نسمة تقريبًا، بنسبة تصل إلى 18% من القوة الديمغرافية لإسرائيل، وهو عدد مرشح للوصول إلى ثلث السكان عام 2040، نظرًا لأن نسبة تكاثر هؤلاء تبلغ 4.2% مقارنة بـ 1.4% لدى يهود إسرائيل، و1.9% لدى مجمل السكان، بمن فيهم العرب، من مسلمين ومسيحيين، ودروز. والأهم هو تعزز نسبة الشباب بين الحريديم، حتى صاروا يمثلون 16% من جملة شباب إسرائيل، كان من بينهم 12 ألف شاب في سن التجنيد، وفق إحصاءات 2023، وهذا رقم ليس بالقليل قياسًا إلى القوة العاملة في الجيش نفسه.
ورغم أن التعليم الديني في إسرائيل يستقطع جزءًا لا يُستهان به من الموازنة العامة، فإن عائده الاقتصادي ضئيل جدًا، لاسيما إن قورن بمردود التعليم المدني، فكثير من الحريديم يعتمدون في معيشتهم على إعانة ثابتة من "الضمان الاجتماعي"، ولا يعملون، بما يرهق المجتمع ماديًا، ويضاعف شعور البقية في إسرائيل بالتمييز لصالح فئة، لا تخدم المجتمع، وتستغل قوتها العددية في الابتزاز السياسي، الذي يقوم على ثلاثة اعتبارات أساسية، هي:
استغلال القوة العددية للحريديم في حسم تشكيل الحكومة، من خلال الحزبين السياسيين اللذين يمثلانهم، وهما "شاس" و"يهدوت هتوراه"، ولهما 18 نائبًا في الكنيست الحالي من بين 120 نائبًا، بنسبة 15%. رغم أن الحريديم يرفضون الديمقراطية، ولا يكفون عن انتقاد الأحزاب العلمانية التي دان لها الأمر على مدار سبعين عامًا في حكم إسرائيل، قبل أن يصعد اليمين الديني في السنوات الأخيرة، ويصير قادرًا على التأثير في القرار مثلما نرى الآن. يواجه الحريديم منتقديهم بأنهم من مؤسسي "الدولة"، ولولاهم ما كانت إسرائيل، وأن شرعية وجودهم، والمنافع التي يتحصلون عليها، إنما هي لقاء دورهم في هجرة اليهود إلى فلسطين، وإسهامهم الفكري في بلورة قوانين العودة والجنسية وقيام قومية الدولة على أساس ديني، فضلًا عن أثرهم في التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والتعليم. الدور الذي يلعبه الحريديم في ربط "اليهود المتدينين" في العالم كله بإسرائيل، وهو ما يجلب لها دعمًا ماليًا وسياسيًا من الغرب.وظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تأخذ اعتبارات الحريديم في الحسبان، إلا أن حالة "الضرورة" جعلتها تفكّر في اتخاذ ما لا بد منه، وهو تجنيد الحريديم، فصدر قرار من قبل محكمة العدل العليا (أعلى هيئة قضائية في إسرائيل) في يونيو/حزيران الماضي ينهي رسميًا إعفاء هذه الطائفة من الخدمة في الجيش، فما كان من وزير الدفاع يوآف غالانت إلا أن وافق على إرسال ما يقرب من ألف أمر تجنيد لرجال من الحريديم،، تنفيذًا لقرار المحكمة، كي ينضموا إلى فرقة جديدة سيطلق عليها الجيش اسم "فرقة دافيد"، وستضم جنودًا ومجندات بلغوا سن الإعفاء ومتطوعين وعناصر من الحريديم.
ويُعوّل الجيش على مساهمة الحريديم في تجنيد أربعين ألف مقاتل إضافي، لاسيما في ظل غلبة الشباب في هذه الطائفة مقارنة بسائر اليهود. فأعمار نصف المُستدعَين منهم للجيش تتراوح بين 18 و21 عامًا، و40% بين 22 و23 عامًا، و10% بين 24 و26 عامًا، وبذا سيعوضون جنود الاحتياط، الذين أعلنوا رفضهم العودة للقتال في قطاع غزة، حتى لو تعرّضوا للعقاب.
ولا تلقى رغبة الجيش هذه قبولًا من الحريديم، إذ حرَّض حاخاماتهم الشباب على تمزيق خطابات الاستدعاء، بل نجد بعضهم قد اقتحموا، وهم يرتدون زيهم التقليدي المكون من بذلات سوداء وقبعات، قاعدة "تل هشومير" العسكرية قرب تل أبيب يوم الثلاثاء الماضي رافضين تجنيدهم، غير عابئين بالقانون الذي يمنع اقتحام ثكنات الجيش وقواعده، ومتعللين بأن إجبار طلاب المعاهد الدينية على الخدمة إلى جانب العلمانيين، بمن في ذلك النساء، يهدد بتدمير هويتهم كيهود متديّنين. وأدى هذا الموقف إلى أن يستجيب ثلاثون فقط من بين ألف من شباب الحريديم أُرسلت إليهم خطابات استدعاء للجيش.
ومع إصرار الجيش على تنفيذ قرار المحكمة، الذي يقضي أيضًا بمنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية، من المرجح أن تثار توترات بين المتدينين والعلمانيين في المجتمع الإسرائيلي.
وفي ظل هذا يمكن القول بوضوح إنه ما كان للحكومة أن تُضحى بالتماسك الاجتماعي، أو بالقوة السياسية للحريديم، لولا تأزم الجيش، وصراخ قادته مطالبين بتعويض القتلى والجرحى والمنهارين نفسيًا والمتهربين من الخدمة العسكرية، لاسيما إن اتسع نطاق الحرب على أكثر من جبهة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من الحریدیم الحریدیم فی فی إسرائیل من بین ما کان
إقرأ أيضاً:
اليهود في روسيا من هامش التاريخ إلى قلب القرار.. قراءة في كتاب
صدر حديثاً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت كتاب بعنوان "الطائفة اليهودية في روسيا: من التهميش إلى النفوذ"، للكاتبة الدكتورة هبة جمال الدّين العزب، أستاذ مساعد بمعهد التخطيط القومي بجمهورية مصر العربية، ورئيس قسم الدراسات المستقبلية، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وجمعية الصداقة المصرية الفلسطينية واللجنة المركزية لمكافحة التطبيع والأبارتهايد، وخبيرة في الشؤون الإسرائيلية.
وجاء الكتاب في 166 صفحة من القطع المتوسط، وهو يُمثِّل إضافة نوعية للاطلاع على المراحل المفصلية التي مرّ بها يهود روسيا للتحول من أقلية مهمَّشة لنخبة مسيطرة استطاعت التحكم في مقاليد الاقتصاد والثروة في روسيا، ودورهم في بناء العلاقات بين روسيا "إسرائيل" التي كانت مقطوعة إبان الاتحاد السوفييتي، وفي الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة.
يشتمل الكتاب على مقدمة وفصلين رئيسيين وخاتمة. يحمل الفصل الأول عنوان "القوة السياسية لليهود في روسيا "من أقلية مهمشة إلى نخبة مسيطرة""، ويتناول المسار الذي سلكه يهود روسيا للتحوّل من أقلية المهمَّشة لنخبة مسيطرة مُتحكِّمة في مصادر القوة والنفوذ. وينقسم الفصل إلى ثلاثة أقسام، يستعرض القسم الأول أبرز النظريات التي فسّرت وجود اليهود في روسيا، مع الإشارة إلى اعتماد بعضها على الأساطير والروايات الشعبية المتداولة باعتبارها أدلّة كافية على صحة هذه النظريات. ويقدّم هذا القسم لمحة عامة عن تطور الحضور اليهودي في روسيا، في ظلّ غياب أرقام موحّدة حول أعدادهم، على الرغم من التراجع الملحوظ في تعدادهم على مرّ العقود. فبعد أن كان عددهم يتجاوز 5 مليون نسمة سنة 1914، بدأ يتناقص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بسبب موجات الهجرة إلى أن وصل إلى نحو 180 ألف نسمة سنة 2022.
ويتناول القسم الثاني وضع اليهود داخل روسيا القيصرية وحتى اقتراب سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث اتَّسمت هذه المرحلة في العلاقة بين اليهود والسلطات الروسية بالعنف المتبادل من الطرفين. وفي محاولة لحل المشكلة اليهودية، قام جوزيف استالين سنة 1934 بمحاولة التقريب بينهم وبين حلمهم لإقامة وطن قومي لليهود، فأنشأ لهم إقليم الحكم الذاتي بيروبيدجان جنوب شرق روسيا وشمال الحدود الصينية. وقد هدفت هذه المبادرة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أبرزها: إنشاء منطقة عازلة، وتغيير طبيعة العنصر العضوي اليهودي ليصبح عنصراً مفيداً ونافعاً عبر تحويلهم إلى فلاحين، علاوة على إنشاء أول وطن قومي لليهود مما يمثل مكسباً سياسياً للظهور بمظهر الداعم والمساند لليهود بالعالم.
في محاولة لحل المشكلة اليهودية، قام جوزيف استالين سنة 1934 بمحاولة التقريب بينهم وبين حلمهم لإقامة وطن قومي لليهود، فأنشأ لهم إقليم الحكم الذاتي بيروبيدجان جنوب شرق روسيا وشمال الحدود الصينية.ويتناول القسم الثالث من الفصل تطوّر مكانة اليهود في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي خلال التسعينيات، وهي مرحلة شهدت صعوداً غير مسبوق لهم على المستويات السياسية والاقتصادية والتنظيمية؛ فقد تمكّنوا من التحوّل من أقلية مهمّشة إلى نخبة نافذة تتحكم في العديد من مفاصل الاقتصاد الروسي، وتؤثر في مسار سياساته الداخلية. وأسهمت شبكة العلاقات الممتدة بين يهود روسيا ويهود "إسرائيل" والشتات في تعزيز نفوذهم، كما استخدموا خطاب "معاداة السامية" كأداة دفاعية وسياسية لتبرير مواقفهم وتوسيع مكاسبهم. ويُقدّر عدد الأثرياء اليهود في روسيا بـ 48 مليارديراً، 42 منهم من الأشكناز، يمثلون نحو ربع قائمة أغنى 200 شخصية في روسيا، ومن أبرزهم ليونيد ميشيلسون الذي يعمل في مجال الغاز والكيماويات بثروة تُقدَّر بـ 24.4 مليار دولار.
وناقش هذا القسم أيضاً مشاركة اليهود في النظام السياسي الروسي، حيث بلغ عدد اليهود في مجلس الدوما 20 عضواً من أصل 450 خلال الفترة 2003-2007، على الرغم من أنّ نسبتهم السكانية لا تتجاوز 1%. وقد فاق تأثيرهم هذا التمثيل العددي، نظراً لنجاحهم في تشكيل مؤسسات ومنظمات ذات طابع إثني ديني ترتبط بشبكات دولية عابرة للحدود، مما يجعلهم من الجماعات الأكثر تأثيراً، مثل مظلة المنظمات اليهودية العابرة للحدود، والبرلمان العالمي لليهود المتحدثين بالروسية، والبرلمان الأوروبي الآسيوي لليهود المتحدثين بالروسية، والمنتدى العالمي لليهود، حيث يصل عدد المنظمات اليهودية العاملة في روسيا إلى 600 منظمة. كما تقلّد بعض اليهود مناصب عليا في مجلس الدوما كمنصب نائب رئيس الدوما الذي شغله النائب فلاديمير زيرينوفسكي خلال الفترة 2000-2011. واستعرض الكتاب كذلك الأدوار التشريعية التي لعبها هذا النفوذ، من بينها الدَّفع نحو قوانين تخدم وجود اليهود في روسيا وتصبّ في صالح زيادة النفوذ اليهودي، إلى جانب تشكيل لوبي يهودي فعّال داخل البرلمان الروسي يعبّر عن مصالحهم، لم يقتصر على النواب اليهود بل شمل التأثير على نواب آخرين. كما تطرّق القسم إلى وضع إقليم الحكم الذاتي "بيروبيدجان" بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
أما الفصل الثاني من الكتاب يتناول تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على يهود روسيا، في ضوء عودة المسألة اليهودية على الساحة الدولية من جديد خلال الحرب. وينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام، يركّز القسم الأول على كيفية إثارة المسألة اليهودية خلال الحرب في الخطابات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا؛ فقد استخدم الخطاب الروسي الاتّهامات بالنّازية ضدّ الحكومة الأوكرانية ورئيسها...، بينما عبّر يهود أوكرانيا عن رفضهم للحرب، داعين نظراءهم في روسيا إلى معارضتها... . كما تصاعد الموقف الإسرائيلي ضدّ روسيا متدرِّجاً بين التنديد والانتقادات الحادة إلى التلويح بدعمٍ عسكري مباشر لأوكرانيا.
بلغ عدد اليهود في مجلس الدوما 20 عضواً من أصل 450 خلال الفترة 2003-2007، على الرغم من أنّ نسبتهم السكانية لا تتجاوز 1%. وقد فاق تأثيرهم هذا التمثيل العددي، نظراً لنجاحهم في تشكيل مؤسسات ومنظمات ذات طابع إثني ديني ترتبط بشبكات دولية عابرة للحدود، مما يجعلهم من الجماعات الأكثر تأثيراً، مثل مظلة المنظمات اليهودية العابرة للحدود، والبرلمان العالمي لليهود المتحدثين بالروسية، والبرلمان الأوروبي الآسيوي لليهود المتحدثين بالروسية، والمنتدى العالمي لليهود، حيث يصل عدد المنظمات اليهودية العاملة في روسيا إلى 600 منظمة.أما القسم الثاني، فيستعرض تباين مواقف يهود روسيا تجاه الحرب، فمنهم القريب من الرئيس الروسي بوتين ممن يدعمون الحرب علناً، ومنهم من انتقد الحرب والقرار الروسي جهراً، وآخرين تبنّوا مواقف حيادية أو لجأوا إلى الهجرة، خصوصاً إلى "إسرائيل". وتكشف البيانات عن مغادرة أكثر من 24 ألف يهودي روسي إلى "إسرائيل" منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شهر شباط/ فبراير 2022، بمساعدة الوكالة اليهودية، في موجة هجرة تعكس المخاوف من التجنيد والعقوبات وخصوصاً الاقتصادية الغربية على رجال الأعمال والأثرياء الروس. ومن بين المهاجرين رجال أعمال كبار مثل رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، والمقرب من بوتين، للتهرّب من العقوبات الاقتصادية عليه بحكم جنسيته الروسية.
ويبحث القسم الثالث في تطور الموقفَين الرسمي والشعبي الروسي من يهود روسيا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث اتّخذ الموقف الرسمي للدولة الروسية تجاه الطائفة اليهودية عدة خطوات أهمها تقييد الهجرة الخارجية، والتأكيد على الإرث التاريخي المشترك للشعب الروسي والطائفة اليهودية. أما على المستوى الشعبي، فقد تباينت التقارير حول حالات فردية لـ"معاداة السامية" في روسيا، لكنها لم تتطور إلى ظاهرة مجتمعية. ويخلص الفصل إلى أنّ "إسرائيل" تظلّ عاملاً حاكماً في توجّه اليهود وانصهارهم في أيّ مجتمعات خارج "إسرائيل"؛ فهي بمثابة حائط الصَّدِّ الذي يواجه عملية الاندماج والانصهار المجتمعي، في ضوء إيجاد مفاهيم صهيونية كمفهوم "الشعب اليهودي"، و"الأمة اليهودية"، التي تربط بين الدِّين والقومية والمصير المشترك.
يشكّل هذا الكتاب إضافة نوعية إلى الدراسات المعنية بأوضاع اليهود في العالم، وخصوصاً في روسيا، خصوصاً في ظلّ تشابكها مع السياقات الإقليمية والدولية الراهنة. ويقدّم قراءة تحليلية معمّقة للأبعاد التاريخية والسياسية والاقتصادية التي أسهمت في نشوء هذا النفوذ وتعزيزه، مستنداً إلى معطيات دقيقة ورؤية تفسيرية. ومن خلال أسلوب منهجي يجمع بين التوثيق والتحليل، تسلّط د. هبة جمال الدّين العزب الضوء على تفاعل العوامل المحلية والدولية في رسم ملامح حضور الطائفة اليهودية داخل المشهد الروسي.
ويمثّل الكتاب مرجعاً مهماً للمهتمين بالشأن الروسي والإسرائيلي، وللباحثين في قضايا الأقليات، والنّفوذ العابر للحدود.