لمشاهدة ميسي وبيكهام والبلعوطي ودبش.. تشفير الدوري المصري بين بيع الخيال وأحلام المستقبل (تحقيق)
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
لكل فكرة أساس، وكل أساس يحتاج إلى دراسة وجهد وتفكير عميق قبل الإنخراط في التحدث عنه، ولكن هل جربت يومًا أن تبيع خيالك لأحد؟ ستقول كيف؟ هذا ما حدث عندما عرض ثروت سويلم عضو رابطة الأندية المصرية، أن سيطرح فكرة تشفير مباريات الدوري المصري للموسم الجديد 2024-2025، في مجلس النواب خلال أكتوبر المقبل.
مؤمن الجندي يكتب: كيف وصل إبراهيم فايق لقمة الإعلام الرياضي؟ السياحة الرياضية في مصر بين الروتين والاستثمار.. مقومات وتاريخ أثري غير مستغل.. محمد صلاح سفيرًا وتجربة رونالدو دليل.. ماذا ينقصنا وكيف ننفذ 15 حلًا بشكل عاجل؟ (تحقيق)
الاقتراح الذي طرحه محمد عادل المشرف على الكرة بنادي المقاولون، وسيتم مناقشته في مجلس النواب، قال عنه سويلم: "الاقتراح يتمثل في تشفير الدوري المصري بقيمة 200 جنيه سنويا من كل مشجع، وتشفير الدوري يمنح كل فريق بالدوري قرابة 30 مليون جنيه في الموس.. تكلفة تشفير الدوري على المواطن أقل من تذكرة مباراة واحدة، وقيمة تشفير الدوري ستوفر للمواطن نقل الدوري بجودة عالية.
وحول هذا الاقتراح، تحرك "الفجر الرياضي" في تحقيق صحفي يسأل أهل "المهنة" من لاعبين ونقاد وإعلاميين وجماهير، عن تشفير الدوري المصري وهل هو دربًا من الخيال أم حلم مستقبلي نستطيع أن نحققه.
أيمن يونس: التشفير تحدي ولكنشارك أيمن يونس نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق، في تحقيق "الفجر الرياضي"، مشددًا على أن تشفير الدوري المصري فكرة مميزة وطبيعية لدوري هو دوري محترفين، ولكن هل الدوري بالفعل دوري محترفين؟
وواصل بنفس الاستهجان: "هل الدوري المصري هو منتج مثير لدرجة إن الجمهور يتعاقد لمشاهدته؟".
وتابع: "كلمة تشفير عبارة عن تحدي لمعرفة حقيقة الدوري المصري وهذه مشكلة كبيرة".
وأكمل: "الدوري المصري هو الأقدم والتاريخي في إفريقيا وآسيا، ومن أقدم الدوريات في العالم، ولكن يفتقد للكثير في تركيبته سواء المتعة والإثارة والاجواء الملائمة لسعادة الجماهير".
وأردف المحلل الرياضي الشهير: "الدوري المصري عصبي.. مشدود.. مليء بالتوتر والتحديات التي لا تنم عن منافسات جميلة".
واستطرد: "التشفير حاليًا لا يصلح، عندما نصل بمستوى كرة القدم لمستوى المحترفين بشكل مميز، سواء كإدارة عليا أو أندية تدير شركات كرة القدم باحترافية، نتحرك لتشفير المنتج".
واختتم قائلًا: "لما يكون في نهضة كروية في مصر، نقدر نعمل تشفير".
حاتم بطيشة: لماذا نبدأ من النقطة الخطأ؟
شارك حاتم بطيشة المعلق الرياضي الكبير، في تحقيق "الفجر الرياضي"، مستهجنًا في فكرة التحدث عن تشفير الدوري المصري في التوقيت الحالي.
حاتم بطيشة يشدد على أن الدوري الجاذب للجمهور سهل التشفيروقال بطيشة: "لماذا نبدأ من النقطة الخطأ؟ النقطة الصح واضحة التشفير أخر شيء وليس الأول".
وتابع: "الطبيعي أن يبدأ الإنسان بالبناء على مراحل، فلا يمكن أن تذهب للدهان فجأة دون المرور على المراحل تباعًا، التشفير هو دهان الواجهة.. كيف وأنت لم تبني من الأساس؟".
وأكمل بجملة: "ابدأ صح.. ابني الأساس ثم الأدوار وفي النهاية ستصل للتشطيب".
وعلق على التصريح المتداول حول تشفير الدوري: "سمعت المداخلة أن التشفير سيدخل رغم خزعبلي غريب ولكن في نفس المداخلة قال إن الناس بتتفرج على الوصلة".
سيحقق عوائد مالية 3 مليار جنيه.. ثروت سويلم يكشف حقيقة تشفير الدوري ثروت سويلم: إلغاء كأس مصر أفضل حل للأزمة الحالية.. وسأتقدم بمقترح لتشفير الدوري المصريوأردف: "مين قالك إن الناس مش هتعمل وصلة للدوري المصري، وتروح عليك الفلوس".
وأتم تصريحاته قائلًا: "أهم شيء دوري يجذب الجمهور، دوري به منافسة وانتظام مواعيد ومباريات.. دوري به تنظيم جدول ولوائح وقوانين، العالم كله بيعمل كده ولكن نحن بعيد.. نعمل الكلام الطبيعي ثم نتحدث عن التشفير".
محمد شيحة: التشفير فكرة من 12 سنة ولم تنجحقال محمد شيحة وكيل اللاعبين، أن فكرة التشفير ليست جديدة على الدوري المصري، حيث أنها عرضت من 12 عامًا على إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء السابق.
محمد شيحة يؤكد أن التشفير الآن بعد فوات الآوانوشارك شيحة في تحقيق الفجر الرياضي: "الفكرة جيدة ولكن متأخرة للغاية، ولكن أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأت أبدًا".
وأضاف: "اجتمعنا مع رئيس الوزراء السابق وعرضنا تشفير الدوري المصري عن طريق ريسفير بمائة جنيه فقط".
وأكمل: "لو تم موضوع التشفير فلا بد أن نكون تحب عباءة مجموعة القنوات المشفرة – لو سمحوا لنا بذلك-".
وواصل: "مع احترامي للواء ثروت سويلم، ولكن الرقم الذي ذكره ضعيف للغاية، من الممكن أن يكون قصده التسهيل على الجمهور".
وأردف: "أنت جاي تشفر بعد فوات الآوان، العالم كله يتجه الآن للبودكاست والديجيتال".
وأتم النائب السابق لرئيس اللجنة المعينة لإدارة نادي الإسماعيلي، قائلًا: "التشفير فكرة جيدة لكنها متأخرة، ولو تمت أعتقد لن يكون أقل من 1200 جنيه سنويًا".
مدحت رشدي: حال الدوري المصري لا يصلح للتشفيرقال الناقد الرياضي مدحت رشدي، أن حال تشفير الدوري المصري لا يصلح في التوقيت الحالي، وليس له آليات محددة مع إمكانيات الدوري الحالية وليس لعراقته".
مدحت رشدي يؤكد أن إدارة الكرة والمنتج والجماهير في سلة واحدةوشارك رشدي في تحقيق "الفجر الرياضي" قائلًا: "حالة الدوري الحالي المتردية في المستوى، والتي تتصف بالأزمات المستمرة والمتزايدة بين فرق الدوري، لا تعطي أي مؤشر نجاح لفكرة التشفير".
وأكمل: "رسالة لمن يريد تطبيق هذه الفكرة، أنتم شخصيات ليست ذو مسؤولية وبالتالي ليس لديكم الإمكانيات لتطبيق فكرة التشفير أو حتى تطوير الكرة المصرية".
وهاجم قائلًا: "من عرض هذا الاقتراح لديه سجل حافل من الأزمات مع عدد كبير من الرياضيين خلال توليه منصب مسؤول في الكرة المصرية، إذًا فكيف سيطبق هذا الفكر المتقدم".
دعوات مؤتمرات الأهلي "ملاكي"؟ محاباة صحفيون وتجاهل آخرون يثير الجدل حول القلعة الحمراء.. ما الحقيقة؟ (تحقيق) مؤمن الجندي لـ”الحرة”: الأهلي والزمالك أعلى “كواليتي” في القارة وفجوة الأداء مع المنتخب لهذا السببوأتم تصريحاته برسالة تفاؤل: "مستقبلًا يمكن تشفير الدوري المصري لكن ليس في المستقبل القريب، سنحتاج لسنوات طويلة من الجهد والعمل، بناء على تطور المجال والجماهير والأجهزة التي يمكن إنتاجها بأسعار مناسبة للجمهور المصري، ومن خلال تغير مفهوم الدوري وعودة الوئام ووجود لجنة حكام لا تخلق مشاكل.. العوامل عديدة ولكنها تتوقف على إدارة الكرة والمنتج الجماهير في سلة واحدة".
جمال الزهيري: تشفير! هل هناك جدول منتظم؟شارك جمال الزهيري الناقد الرياضي الكبير، في تحقيق "الفجر الرياضي"، مؤكدًا أن التوقيت الحالي لا يمكن بل يستحيل تشفير الدوري المصري.
جمال الزهيري يطلب انتظام المسابقة أولًاوقال الزهيري: "لا يوجد أي شيء جاذب يدفع الجمهور لدفع أموال، لمشاهدة بطولة الدوري المصري، لكن ممكن في المستقبل".
وتابع: "لا يوجد جدول منتظم للدوري المصري من الأساس، فيكف يتم تشفير البطولة".
وواصل: "هل هناك مسؤول في الإدارة الكروية يستطيع تنفيذ جدول منتظم للبطولة؟ لنرى أولًا".
واستطرد: "متطلبات عديدة حتى نقدم على خطوة تشفير الدوري المصري، على رأسها انتظام المسابقة ونجوم جاذبة للجمهور".
وأردف متعجبًا: "اللواء ثروت سويلم قال زي الدوري السعودي ولم يقل الدوري الإنجليزي.. الدوري السعودي به نجوم عالميين، بل نجح في استقطاب كل النجوم الذين كنا نشاهدهم في الدوريات الأوروبية، فلماذا لديك هنا إذن؟".
واختتم تصريحاته قائلًا: "لا بد أن نسأل الجمهور عن طريق استطلاعات عن رغباتهم في الدوري المصري، وعندما نحققها نبدأ حينها مرحلة التشفير".
هيثم نبيل: من قال تشفير لا يمتلك خطة.. فلنبدأ بالديجيتالشارك الناقد الرياضي هيثم نبيل رئيس تحرير موقع يلا كورة السابق، في تحقيق "الفجر الرياضي"، مشددًا على أن كلمة تشفير يندرج ورائها العديد من النقاط.
هيثم نبيل يؤكد عدم التحكم في منتج كرة القدموقال: "التشفير أمر سيحدث أجلًا أو عاجلًا، لا يوجد مكان في العالم يعرض المباريات مجانًا، ولكن هل نمتلك ما يمتلكونه؟".
وتابع: "قبل خروج أي مسؤول للحديث، لا بد أن يسأل نفسه هل لدينا مؤهلات بطولة تستحق التشفير وتجذب الجمهور الذي سيدفع مقابل المشاهدة".
وأكمل: "هل لدينا ملاعب أو حضور جماهيري وانتظام للمسابقات، وغيرها من أسس تساعد في انتشار فكرة التشفير؟".
وأردف: "الدوري الألماني لخامس عام كل المباريات كامل العدد، فلننظر ماذا فعلوا ونسير على دربهم".
وواصل: "بنقول كلام دون تفكير، قبل ما نشفر فين الحقوق.. نتكلم عن الديجيتال الذي من الممكن أن نبدأ به فكرة التشفير، وهل يبقى السؤال هل لديك السيطرة الكافية لمنع الكاميرات داخل أرض الملعب؟".
واستطرد: "هل تمتلك المنتج الخاص بك حتى تشفره، الغالبية ينزلون أرض الملعب ويقوموا بتصوير كل شيء وغالبيتهم ليسوا صحفيين، فإذا كنت تريد أن تبدأ اوقف هذا الكلام فورًا وتحكم في منتجك".
وكشف نبيل عن أن كلمات مثل التشفير، التسويق، وغيرهم تستخدم ككلمات فقط، لكن لا يوجد مسؤول درس متى وكيف يحقق مكاسب.
واختتم قائلًا: "اتحدى أي شخص يكون لدية خطة لو خطوات تنفيذية لهذه الأسس، هي مجرد كلام.. قبل التشفير يبقى عندنا كورة ودوري وحقوق، اللي قال كلمة لا حاسبها ولا دارسها ولا حتى عنده خطة، هذا العمل يحتاج إلى دراسات وخطط على يد متخصصين وليس مجرد تصريحات غير محسوبة.. التشفير صعب جدًا في التوقيت الحالي".
قطاع عريض من الجمهور يتفق على شيء واحدوتواصل “الفجر الرياضي” مع عدد من الجمهور المصري المشاركة في هذا التحقيق، حيث علقت نور حسن ٢٢ عامًا: “مفيش حاجة في الدوري المصري تستاهل التشفير”، فيما قال كريم الصباغ من مشجعي نادي الزمالك: “لما نوصل لمتعة الكرة الأوروبية في الملعب والتصوير واللاعبين سندفع ونحن سعداء”، بينما قال عاطف محمد أحد مشجعي نادي الأهلي: “موضوع التشفير ده مجرد كلام، احنا بعيد”، ورد فهمي إمام من مشجعي نادي الإسماعيلي: “ننظم الدوري صح وبعدين نشفر”، وأخيرًا قال عبد اللطيف القناوي أحد المشجعين بالصعيد: “الكرة المصرية تحتاج لخطة تطوير حقيقية وليس شعارات، لما الكرة تتطور التشفير سيكون مقبول عندنا جميعًا”.
في النهاية، إن استفادة الأندية المصرية من أي فكرة شيء مهم وجيد ولكن مثلما يريد المسؤول أن يستفيد ويفيد أنديته، فمن سيفيد الجمهور -المحرك الرئيسي للعبة-؟
الجميع اتفق على ضرورة تواجد ضوابط غائبة وأسس بناء علمية مبنية على خطط وتجارب الناجحين، فهل من مستمع أم دون من طين والثانية من عجين؟!
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: تشفير الدوري المصري الدوري المصري مؤمن الجندي أيمن يونس محمد شيحة جمال الزهيري هيثم نبيل ثروت سويلم رابطة الأندية المحترفة الاتحاد المصرى لكرة القدم تشفیر الدوری المصری التوقیت الحالی الفجر الریاضی ثروت سویلم فی تحقیق لا یوجد قائل ا
إقرأ أيضاً:
الويب المظلم ومنصات التشفير ساحات الأسرار النووية لإيران وإسرائيل
رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، يبقى الصراع النووي بين هذه الأطراف محتدما، إذ يتواصل عبر مفاوضات شائكة وتهديدات عسكرية متبادلة وتصريحات سياسية متصاعدة.
غير أن ما يدور خلف الكواليس يكشف عن ساحة مواجهة أكثر تعقيدا تُدار بصمت داخل الفضاء السيبراني، حيث تسود قواعد جديدة وتتلاشى الحدود التقليدية للصراع.
ففي هذا الفضاء وتحديدا عبر منصاته، ظهرت معلومات يُعتقد أنها مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وقد طرحت للبيع بواسطة عملات مشفرة، بحسب تحقيقات استخباراتية وتقارير أمنية.
وتنسب هذه الأنشطة إلى مجموعات سيبرانية، بعضها مرتبط بجهات حكومية وأخرى تتحرك في الظل بلا تبعية واضحة، مما يجعل السوق الرقمية مساحة خصبة لتبادل معلومات حساسة، حيث تتقاطع مصالح الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في مشهد معقد من الصعب تتبعه.
في هذه التقرير نتتبع ملامح هذه المعركة غير المرئية عن طريق تقصي أنماط النشاط المرتبط بتسريب وبيع معلومات حساسة، وتحليل الأدوار التي تلعبها المجموعات والدول في توظيف الصراع داخل معادلات أوسع.
الأسرار النوويةسبق أن كشفت قناة ميدل إيست سبيكتور الموالية لإيران، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن تسرب وثيقتين استخباريتين توضحان خطط إسرائيل للهجوم على إيران، عبر قناة بمنصة تليغرام.
وأفاد تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست بأن المتسبب في هذا التسريب هو محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وقد اعترف بأنه سحب الوثائق من محطته في كمبوديا وسلمها إلى قناة تليغرام، قبل أن تنشر لاحقا في شبكات التواصل الاجتماعي.
وتشير تحليلات خبراء عسكريين إلى أن هذه الحادثة وما سبقها من تسريبات، تؤكد الواقع المزدوج للويب المظلم ومنصات تشفير مشابهة، إذ أصبحت منصات مثل تليغرام تؤدي دور منصة تسريب موازية، تتجاوز حدود الحكومة التقليدية، فلم تعد المعلومات حكرا على الدول بل تمت خصخصتها وأصبحت بيد جهات غير رسمية.
إعلانوفقًا لما يوضحه عميد كلية تكنولوجيا المعلومات محمد عطير فإن تداول البيانات النووية الحساسة على الويب المظلم يؤي إلى تهديد حقيقي على مستويات عدة، منها:
نقل المعرفة النووية إلى أطراف مشبوهة، مما يزيد من خطر الانتشار غير المشروع لهذه التكنولوجيا. تتيح هذه البيانات استخدامات خطيرة مثل الابتزاز والهجمات السيبرانية المتقدمة التي قد تستهدف منشآت حيوية، مما يرفع من مستوى التهديد الأمني.ويقول عطير في حديثه للجزيرة نت إن التداول السريع وغير الخاضع للمراقبة يضعف ثقة المؤسسات العالمية في قدرة الدول على حماية معلوماتها السيادية، مما يؤثر سلبا على العلاقات الدولية والاستقرار السياسي.
والخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في عملية التسريب نفسها، بل في سرعة تداول هذه المعلومات في فضاءات الويب المظلم المجهولة الهوية ومن الصعوبة تتبعها ومساءلتها، مما يضاعف من التحديات الأمنية، وفقا لعمير.
وتكشف بيانات وتحليلات حديثة نشرتها شركة "بوستيف تكنولوجي" المتخصصة في مجال الأمن السيبراني للعام 2024 أن الويب المظلم أصبح ساحة رئيسية لتسريب وتداول المعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن الوطني والبرامج النووية في إيران.
فقد نفذت مجموعات هاكتيفيست سياسية (الجماعات التي تستخدم تقنيات وتقنيات الاختراق كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية) مثل "آرفن كلب" "Arvin Club" و"غونجيشكي داراندي" (Gonjeshke Darande) و"وي ريد إيفلز" (WeRedEvils)، هجمات إلكترونية استهدفت مؤسسات حيوية تشمل البنوك والمنشآت الصناعية والبنية التحتية للطاقة والاتصالات والوزارات الحكومية، مع نشر قواعد بيانات مسروقة على منصات الويب المظلم، وفقا للشركة.
وأظهرت إحصائيات نشرها الموقع ذاته بين عامي 2023 و2024 أن حوالي 47% من الحالات شهدت إعلانا عن خروقات للمؤسسات، حيث عرض 24% منها بيانات مسروقة للبيع، و22% بشكل مجاني، مما يعكس تصاعدا كبيرا في نشاط المجرمين الإلكترونيين لتحقيق أرباح من خلال خصخصة هذه المعلومات.
وقد اتخذت الحرب الخفية بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى أشكالا متعددة، وفقا لما أكده الخبير والمحلل العسكري اللواء المتقاعد هلال الخوالدة في حديثه للجزيرة نت، إذ تنوعت بين الاختراق البشري، عبر اتهامات متكررة بزراعة عملاء داخل المنشآت النووية الإيرانية، والاغتيالات الممنهجة لعقول البرنامج النووي الإيراني.
ويضاف إلى ذلك، وفق الخوالدة، عمليات المراقبة الجوية والفضائية باستخدام طائرات مسيرة وأقمار اصطناعية لجمع البيانات، وعمليات التضليل الإعلامي من خلال تسريب أو نشر معلومات استخباراتية مدروسة تهدف للتأثير الدبلوماسي والسياسي.
تصاعد الحرب السيبرانيةاتخذت الحرب السيبرانية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في بعض الأحيان طابعا غير مباشر، حيث يُعتقد أن إسرائيل كانت تنفذ هجمات سيبرانية بالوكالة عن الولايات المتحدة، ضمن تنسيق أمني واستخباراتي مشترك بين الجانبين.
يظهر ذلك بوضوح في عملية "ستاكسنت"، التي كشفت تقارير استخباراتية غربية لاحقا أنها كانت نتاج تعاون بين وكالة الأمن القومي الأميركية (إن إس إيه) ووحدة الاستخبارات الإسرائيلية "8200"، ضمن عملية سرية حملت اسم "الألعاب الأولمبية" حيث ضرب فيروس "ستاكسنت" منشأة نطنز النووية الإيرانية، مخلِّفا أضرارا بالغة.
ويزعم تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "دي فولكس كرانت" الهولندية أن المهندس الهولندي إريك فان سابين الذي كان يعمل في شركة "تي تي إس" (TTS) في دبي، والتي كانت تنقل معدات ثقيلة إلى إيران، تم تجنيده من قبل المخابرات الهولندية، وكان جزءا من عملية سرية نفذتها المخابرات المركزية الأميركية والموساد الإسرائيلي استهدفت محطة نطنز.
وفي إطار هذه الحرب السيبرانية المتصاعدة، فقد شهد شهر يونيو/حزيران 2025 تصعيدا نوعيا تمثل في اختراق مجموعة القراصنة المرتبطة بإسرائيل "بريداتوري سبارو" لأنظمة بنك "سبه" الإيراني في 17 من الشهر نفسه، مما أحدث شللا شبه كامل في أنظمة الدفع والتحويلات المالية.
إعلانوفي اليوم التالي، استهدفت المجموعة منصة العملات الإيرانية "نوبيتيكس" ونجحت في سرقة ما يعادل 90 مليون دولار تم توزيعها عبر محافظ إلكترونية غير قابلة للتتبع.
ولم يقتصر الهجوم على القطاع المالي فقط، بل شملت العمليات أيضاً تعطيل مئات محطات الوقود في عدة مدن إيرانية، حيث وصفت المجموعة هذه العمليات بأنها "رد سيبراني إسرائيلي على التهديدات الإيرانية"، مما يعكس تعقيد وتنوع ساحة القتال السيبراني بين الطرفين، وتأثيره المباشر على البنية التحتية الحيوية والاقتصاد الإيراني.
ووفقا لتحليل صادر عن شركة تتبّع البلوكتشين "إليبتيك" (Elliptic)، تصف الشركة هذه الخطوة بأنها "حرق للأصول الرقمية"، مما يشير إلى أن الهجوم لم يكن بدافع الربح، بل يحمل أهدافا سياسية صريحة.
ويمكن أن نعزو ذلك إلى أن العملات الرقمية تعلب دورا مركزيا في الحروب السيبرانية الحديثة، إذ يتم استخدامها كوسيلة دفع رئيسية في الهجمات نظراً لصعوبة تتبعها، وفقا للخبير في تكنولوجيا وأمن المعلومات عبيدة أبو قويدر.
ويقول أبو قويدر في حديثه للجزيرة نت إن صعوبة التتبع تجعل منصات التداول وأنظمة الدفع هدفا إستراتيجيا للمهاجمين، فاستهداف البنى الرقمية ليس فقط لإحداث خلل اقتصادي، ولكنه أيضا يمنع الخصم من الوصول إلى موارد مالية تستخدم لاحقا لتمويل هجمات مضادة، مما يضفي بعدا اقتصاديا جديدا على الصراع السيبراني المتعدد الأطراف.
وكان مركز بحوث ودراسات الأمن القومي الإسرائيلي (آي إن إس إس) قد نشر في الثالث من يونيو/حزيران 2020 مقالا بعنوان: "مستوى جديد في الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران"، قال فيه إن هذه الهجمات السيبرانية تنفذ بسرية تامة، وغالبا ما تنكر الأطراف المتحاربة مسؤوليتها، مما يصعّب تحديد مصدر الهجوم بدقة.
وتعتبر العمليات السيبرانية "حربا بين الحروب" تتيح تنفيذ هجمات دقيقة عن بعد، مع تجنب الخسائر البشرية والتصعيد المباشر، كما توفر فرصا لجمع المعلومات، وشن حرب معلوماتية، والضغط على الأنظمة العسكرية والمدنية لتحقيق أهداف سياسية ودفاعية، وفقا للمركز.
هاكرز مجهولون.. أدوات أم لاعبون مستقلون؟في السنوات الأخيرة، برزت مجموعات اختراق غامضة تتحرك خارج الأطر الرسمية للدول، بعضها على صلة بأجهزة استخبارات، وأخرى تعمل بشكل مستقل، لتتحول إلى لاعبين مؤثرين في ميدان الأمن السيبراني النووي.
ومن أبرز الأمثلة، مجموعة بلاك ريوورد التي أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مسؤوليتها عن اختراق بريد إلكتروني تابع لإحدى الشركات المرتبطة بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وأسفر الاختراق عن تسريب معلومات حساسة تخص محطة بوشهر النووية، تضمنت جداول تشغيل، وبيانات سفر لخبراء إيرانيين وروس، وعقود تطوير نووي.
وجاءت العملية -بحسب بيان المجموعة على منصة "إكس"- دعما للاحتجاجات في إيران، ومشروطة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، موقّعة بعبارة: "باسم مهسا أميني ومن أجل المرأة، الحياة، الحرية".
وقد اعتبرها محللون عسكريون سابقة تظهر قدرة فاعلين غير حكوميين على التأثير في معادلات حساسة، خارج أطر الصراع التقليدي بين الدول.
ويعلق الباحث أبو قويدر على هذا التحول بأن المعلومات النووية لم تعد حكرا على الدول، بل باتت تتداول عبر منصات مشفّرة وسوق سوداء رقمية، مما يقلّص من فاعلية الرقابة الدولية ويضاعف من خطر تسرب بيانات إستراتيجية نتيجة تداخل المجال السيبراني بالجغرافيا السياسية.
في مقابل السوق السوداء التي تباع فيها أسرار إيرانية، تشير بعض الروايات إلى أن إيران نفسها باتت تمتلك وثائق نووية إسرائيلية، مما يعكس تداخل أدوار "المسرب" و"الضحية" في هذا الصراع الرقمي، وفق رويترز.
إعلانوكانت وسائل إعلام رسمية إيرانية قد نقلت عن مصادر لم تسمها، أن "وكالات الاستخبارات الإيرانية حصلت على كمية كبيرة من الوثائق الإسرائيلية الحساسة"، يعتقد أن بعضها يتصل بـ"الخطط النووية ومرافق إسرائيلية حساسة".
وذكرت قناة "برس تي في" الإيرانية أن العملية تمت منذ مدة، لكن حجم المواد تطلّب وقتا طويلا لمراجعتها ونقلها بشكل آمن إلى داخل إيران، مما استدعى "حالة تعتيم إعلامي مؤقت" لضمان سلامة العملية.
وتبرز مجموعة "إيه بي تي 34" أو "أويل ريغ"، بأنها واجهة تهديد متقدمة مرتبطة بالحكومة الإيرانية، وتنشط منذ 2014 في شن هجمات إلكترونية متطورة تستهدف قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والاتصالات، وتستخدم تقنيات مثل التصيد الموجه، واستغلال ثغرات يوم الصفر(استغلال نقاط الضعف في برمجيات وثغراتها الأمنية خاصة غير المعروفة منها للعامة أو حتى مطوريها في شن هجومات إلكترونية) والبرمجيات الخبيثة التي تتيح لها التسلل والبقاء داخل الشبكات لفترات طويلة، وفقا لتقارير شركات الأمن السيبراني مثل "فاير آي" و"كراود ستريك".
تشير التحليلات إلى أن هجمات "بلاك ريوورد" و"إيه بي تي 34″ ذات أدوات متقدمة وتخطيط طويل، تستهدف مؤسسات حساسة بدوافع استخباراتية أو تجارية، مع احتمالية استخدامها للضغط السياسي، وفقا لمحمد عطير الذي يؤكد أن النمط الاحترافي يصعب فصله عن أجندات أكبر رغم غياب دليل مباشر.
ويؤكد أن هناك ظهورا لما يعرف بـ"خصخصة الهجمات السيبرانية"، حيث أصبحت مجموعات قرصنة مستقلة تمتلك أدوات متطورة تُنافس ما كانت تملكه الحكومات قبل سنوات قليلة، هذا التحول يفرض تحديات رئيسية على مؤسسات الأمن القومي، من أبرزها:
صعوبة التمييز بين الفاعلين. تضاؤل قدرة الردع التقليدي، بسبب عدم وضوح الجهة المسؤولة. صعوبة تتبع التسريبات أو وقف تداولها بعد عرضها في الأسواق السوداء الرقمية. أطراف ثالثة تشعل الصراع من الخلف.لسنوات، قادت إسرائيل حربا غير معلنة ضد إيران، لكن النزاع تحول في 13 من يونيو/حزيران الجاري إلى مواجهة علنية، إذ أعلنت إسرائيل شنها ضربة "استباقية" على أهداف داخل إيران، مما اعتبر بداية التصعيد العسكري بين الطرفين.
ومع ذلك، لا يقتصر الصراع على هذين الطرفين، إذ تتحرك قوى كبرى كروسيا والصين في الظل، مستغلة التسريبات النووية لتعزيز أوراقها التفاوضية دوليا.
يتفق الخبير الأمني ضيف الله الدبوبي مع ذلك، ويقول إن الصين لعبت دور الوسيط الأساسي في محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتسعى لتثبيت نفسها كلاعب إقليمي ودولي رئيسي. ليس فقط لتحقيق السلام النووي، بل لتعزيز مصالحها الإستراتيجية الأوسع مثل توسيع نفوذها الجيوسياسي وتأمين إمدادات الطاقة، خصوصا النفط الإيراني الذي تحتاجه لتشغيل مصانعها ومحطاتها الكهربائية.
أما روسيا، فيقول الدبوبي في حديثه للجزيرة نت إنها تستخدم الملف النووي الإيراني كورقة ضغط سياسية وعسكرية في مواجهة الغرب، وتظهر موقفا موحدا مع بكين في مجلس الأمن الدولي، حيث تدعمان مواقف إيران وتعارضان الضغوط الغربية.
ووفقا لتقارير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) بواشنطن، لا يقتصر دور روسيا والصين على احتواء إيران فقط، بل يمتد إلى تقديم غطاء سياسي وتقني لطهران لتعزيز شراكة إستراتيجية تتقاطع مع الطموحات النووية الإيرانية.
فقد صوتت كل من روسيا والصين ضد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 12 يونيو/حزيران 2025، الذي خلص إلى أن إيران خرقت التزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (إن بي تي). ويُنظر إلى هذا الموقف على أنه امتداد لتحالف أوسع يضم أيضا كوريا الشمالية، يعيد رسم توازنات النظام العالمي الخاص بمنع الانتشار النووي.
وتؤكد هيذر ويليامز مديرة "مشروع قضايا التسلح النووي" في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن الدعم الروسي الصيني لإيران لا يقتصر على الجانب السياسي والدبلوماسي، بل يشمل مساعدات فنية وتقنية مباشرة، مشيرا إلى أن الصين زوّدت إيران بمفاعلات صغيرة في تسعينيات القرن الماضي، في حين استكملت روسيا بناء وتشغيل مفاعل بوشهر النووي.
ويكشف الصراع النووي الإيراني الأميركي أو الإسرائيلي بالوكالة، عن وجه جديد لا يدار بالصواريخ والدبلوماسية فحسب، بل تتحكم فيه البيانات والهاكرز والعملات المشفرة، ووسط كل هذا التعقيد تصبح الحقيقة أن الأمن لم يعد شأنا عسكريا فقط، بل معكرة داخل شبكة لا تنام يتحرك فيها اللاعبون الرسميون والظلال على حد سواء.
إعلان