الجزيرة:
2025-06-26@09:30:44 GMT

إيران وسياسة التراجع البطولي

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

إيران وسياسة التراجع البطولي

لُوحظت اختلافات كبيرة بين ردود الفعل الإيرانية فور اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وتلك التي ظهرت بعد مرور أكثر من أسبوعين على اغتياله. عقب الاغتيال، أعلنت قيادات إيرانية، بمن في ذلك المرشد الأعلى آية الله خامنئي، والرئيس مسعود بزشكيان، وقادة الحرس الثوري، أنهم سينتقمون من إسرائيل، التي حمّلوها مسؤولية الاغتيال، سواء على استشهاد هنية أو على انتهاك أمن إيران.

في مدينة قم الإيرانية، رفع العلم الأحمر الذي يرمز إلى الانتقام على قبة مسجد جمكران، الذي يُعتقد أن الإيرانيين بنوه بأمر من الإمام المهدي. كما شاركت وسائل الإعلام الإيرانية ومئات الحسابات المؤيدة لإيران على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو تشير إلى الانتقام من إسرائيل.

وفي بيان خطّي بعد اغتيال إسماعيل هنية، قال آية الله خامنئي: "النظام الصهيوني المجرم والإرهابي أغضبنا باستشهاد ضيفنا الكريم في بيتنا، لكنه في نفس الوقت قد أعدّ لنفسه عقوبة شديدة"، مما يشير إلى عزم إيران على الرد.

كان الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة الذي شنته إيران على إسرائيل، في 13 أبريل/نيسان 2024، بعد استهداف السفارة الإيرانية في دمشق، غير كافٍ بالنسبة للشعب الإيراني

رسائل إيران الواضحة بشأن نيتها الهجوم على إسرائيل، والرسائل التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى طهران عبر الوسطاء، والتصريحات الثلاثية التي صدرت عن قطر ومصر والولايات المتحدة التي دعت إلى استئناف محادثات وقف إطلاق النار، والتحديات الداخلية التي تواجهها إيران، أدّت إلى تخفيف حدة تصريحات الأخيرة بشأن الهجوم على إسرائيل.

لا شكّ أن قرار الهجوم على إسرائيل ليس قرارًا سهلًا على إيران. كما أن إيران مهتمة بالتداعيات الداخلية للهجوم، أو التخلي عنه أكثر من اهتمامها بالتداعيات الخارجية.

محاولة لإقناع الشعب الإيراني

أمام القيادة الإيرانية خياران: إما الهجوم على إسرائيل، أو تبرير الامتناع عن الهجوم. وبالنسبة للقيادة الإيرانية، فإن شعوب المنطقة والعالم قد تعتبر الهجوم غير كافٍ إذا حدث، كما أنهم سيتّهمون إيران بالجبن إذا لم يتم الهجوم. ولهذا السبب، تهتم القيادة الإيرانية بتقييم الشعب الإيراني للقرار أكثر من تقييم العالم الخارجي.

سياسة الصبر الإستراتيجي التي اتّبعتها إيران بعد مقتل قاسم سليماني في هجوم أميركي بالعراق، واغتيال محسن فخري زاده في طهران، ومقتل العديد من الجنود الإيرانيين في سوريا، واستهداف مقر إيران والجماعات التي تدعمها في سوريا بشكل أسبوعي تقريبًا، أثرت على ثقة الشعب الإيراني في قوة البلاد وفي تصريحات قيادتها.

وقد كان الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة الذي شنته إيران على إسرائيل، في 13 أبريل/نيسان 2024، بعد استهداف السفارة الإيرانية في دمشق، غير كافٍ بالنسبة للشعب الإيراني.

بعد مرور 21 عامًا على غزو الولايات المتحدة للعراق، تزعزعت الثقة في سياسة "الصبر الإستراتيجي" التي اتبعتها إيران أثناء الهجمات. وفي هذا السياق، يخشى الإيرانيون من أن يؤدي القرار المتعلق باغتيال إسماعيل هنية إلى تأثير سلبي على النسيج الاجتماعي الهشّ في البلاد.

خلال محادثاتي مع دبلوماسيين إيرانيين، قالوا: "نحن مهتمون بكيفية تقييم الشعب الإيراني للقرار أكثر من تقييم الخارج". لذلك، يمكن القول إن التصريحات والمواد الإعلامية التي تنشرها وسائل الإعلام الإيرانية والقيادات حول الهجوم المحتمل على إسرائيل تهدف إلى تهيئة الشعب الإيراني للقرار الذي سيتمّ اتخاذه.

مخاوف من فشل خطة الفترة الانتقالية

منذ عام 2021، يبدو أنّ إيران تتبع سياسة "التحضير لفترة انتقالية" لمواجهة الصعوبات التي ستنشأ بعد وفاة آية الله خامنئي. وكان يعتبر انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيسًا للجمهورية في يونيو/حزيران 2021 خطوة مهمة في هذه السياسة. وفي فترة رئاسة رئيسي، شهدت المحافظات، والقيادات العسكرية، والوزارات، والمؤسسات الإستراتيجية تغييرات كبيرة في إطار هذه السياسة.

وتهدف سياسة "التحضير لفترة انتقالية"، التي تنفذ تحت إشراف خامنئي، إلى تقليل الهشاشة والتغلب على الصعوبات المتوقعة بعد وفاته، وتجنب الاضطرابات الاجتماعية المحتملة. بعد الوفاة المفاجئة لإبراهيم رئيسي، يبدو أن القائمة الوزارية التي قدمها الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان إلى البرلمان الإيراني تتماشى مع روح سياسة "التحضير لفترة انتقالية".

بالإضافة إلى الضغط الاجتماعي الذي فرضته الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد، تتبع إيران طريقًا لمواصلة المفاوضات مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وتهدف في النهاية إلى التوصل إلى اتفاق يرفع العقوبات الاقتصادية كجزء من عملية انتقال سليمة وسلسة بعد خامنئي. وعليه، تمر إيران بمرحلة صعبة، تهدف من خلالها إلى نقل مكاسب الثورة الإسلامية عام 1979 لما بعد خامنئي بطريقة صحية وسليمة.

خلال هذه الفترة الحرجة، تواجه إيران قرارًا حاسمًا حول الهجوم على إسرائيل أو الامتناع عن الهجوم. فإيران لا ترغب في أن يؤثر هذا القرار سلبًا على سياسة "التحضير للفترة الانتقالية" التي تتبعها. بناء على ذلك، يخلق هذا الوضع جوًا من عدم اليقين، ويجعل اتخاذ القرار صعبًا. وبالتالي، تحتاج إيران إلى مسار للخروج من هذه العملية دون خسائر، أو بأقلّ خسائر ممكنة.

فرصة محادثات الدوحة

وفي هذا السياق، قدمت محادثات وقف إطلاق النار – التي جرت في الدوحة، والتي بدأت بناء على بيان مشترك بين قطر وأميركا ومصر- لإيران خيارًا ثالثًا؛ بين الهجوم على إسرائيل، ومتابعة سياسة الصبر الإستراتيجي.

من الممكن القول إن إيران، التي تسعى لحماية نفسها من التحديات الأمنية التي قد تنتج عن مهاجمة إسرائيل، وتجنّب خيبة الأمل التي قد تثيرها سياسة "الصبر الإستراتيجي" لدى الشعب الإيراني، قد تتبنى "سياسة التراجع البطولي". تشير تصريحات آية الله خامنئي والمسؤولين الإيرانيين والخبراء إلى أن إيران قد تعتمد سياسة تُعرف بـ "التراجع البطولي".

فآية الله خامنئي، الذي أكد أن "إسرائيل ستعاقب" في تصريحاته بعد اغتيال إسماعيل هنية، تطرق إلى "التراجع التكتيكي" في خطابه الأخير. فقد قال خامنئي: "إن هدف العدو من الحرب النفسية في المجال العسكري هو خلق الخوف والتراجع. وفقًا لتفسير القرآن الكريم، فإن التراجع غير التكتيكي في أي مجال، سواء في المجال العسكري أو في المجالات السياسية والدعائية والاقتصادية، يؤدي إلى غضب الله. لكن في بعض الأحيان، يكون التراجع تكتيكيًا، وقد يكون التراجع بهدف تطوير الإستراتيجية. ولا حرج في ذلك".

وتشير هذه التصريحات إلى أن إيران قد تتبنى سياسة "التراجع البطولي". إشارة أخرى لهذه السياسة جاءت من البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة. حيث أكدت البعثة في بيان لها أن "إيران تولي أهمية لكل من الانتقام، وتحقيق وقف إطلاق النار في غزة في نفس الوقت".

بدوره، قال البروفيسور سيد هادي بورحاني، الخبير الإيراني في الشؤون الإسرائيلية، إن إيران قد تتخلى عن حقها في الانتقام مقابل وقف إطلاق النار في غزة. وأشار إلى أن بعض الأطراف الغربية، وكذلك بعض الأطراف العربية بمن في ذلك حماس نفسها، طلبوا من إيران الامتناع عن القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل كوسيلة للانتقام لمقتل إسماعيل هنية في طهران، مقابل تحقيق وقف إطلاق النار في غزة.

ويعتبر قول البروفيسور هادي بورحاني- "تجنب إيران الانتقام من إسرائيل مقابل وقف إطلاق النار في غزة سيزيد من مكانتها وشعبيتها في فلسطين وجميع الدول الإسلامية"- دليلًا واضحًا على أن إيران قد تتبنى سياسة التراجع البطولي.

ختامًا، تواجه القيادة الإيرانية قرارًا مهمًا في مرحلة حرجة بالنسبة لمستقبل النظام. وتدرك القيادة صعوبة الهجوم على إسرائيل أو تطبيق سياسة الصبر الإستراتيجي. ولذا، تعتبر سياسة "التراجع البطولي" أقوى وسيلة للخروج من هذا المأزِق المحوري.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وقف إطلاق النار فی غزة الهجوم على إسرائیل الصبر الإستراتیجی الشعب الإیرانی إسماعیل هنیة إیران على أن إیران إیران قد أکثر من قرار ا

إقرأ أيضاً:

إسرائيل بين نشوة الهجوم الأميركي وصدمة الرد الإيراني

بعد الهجوم الذي شنته الطائرات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية الثلاثة: فوردو ونطنز وأصفهان، سيطرت حالة من النشوة على الوضع الداخلي في إسرائيل، وسط دعوات من مسؤولين عسكريين وسياسيين ومحللين إلى التريث في انتظار ما سيسفر عنه الرد الإيراني الذي جاء سريعا.

وكتب المحلل السياسي جدعون ليفي مقالا في صحيفة هآرتس "يعشق الإسرائيليون الحروب، لا سيما عند بدايتها، لم تكن هناك حرب قط إلا وهتفت لها إسرائيل، ولم تكن هناك حرب قط إلا وانتهت بالدموع".

وتابع أن مناحيم بيغن دخل حرب لبنان في حالة من النشوة، وخرج منها مكتئبا سريريا "وهناك احتمال كبير أن يكون الأمر نفسه نهاية الحرب مع إيران، لدينا بالفعل بداية مبهجة لكن قد تتحول إلى اكتئاب مع إطلاق صفارات الإنذار التي دفعت الملايين إلى الملاجئ، ومع الدمار والقتلى".

وأطلق المعلقون والمحللون مجموعة من التساؤلات حول جدوى الحرب على إيران حتى بمشاركة أميركية.

ضابط بالجيش الإسرائيلي يتحدث مع وزير الدفاع شارون (وسط) ورئيس الوزراء بيغن بعد معركة جنوب لبنان (غيتي) تساؤلات وشكوك

أشار رئيس الوزراء السابق إيهود باراك -في مقال نشرته هآرتس أمس- لحالة النشوة التي سيطرت على الفضاء العام وما تبعها من حالة ارتباك بسبب الضربات الإيرانية، واعتبرها أنها سابقة لأوانها، وقال إن "جو النشوة السائد في الشوارع سابق لأوانه وبعيد عن الواقع".

وتابع باراك أنه كما أشار رئيس الأركان إيال زامير "يجب أن نحافظ على التواضع والتواصل الدقيق مع الواقع، إننا نواجه بالفعل اختبارا صعبا وطويلا ومؤلما".

وفي صحيفة يديعوت أحرونوت، اعتبر المحلل السياسي ناداف إيال أن الحروب لا تقاس بالبدايات بل النتائج، ودعا مجلس الوزراء إلى التفكير في كيفية إنهاء الحرب. كما طرح المحلل السياسي أري شافيت تساؤلات وشكوكا أخرى، عبر فيها عن مخاوفه من الرد الإيراني محذرا من أن تقدم طهران على "انتحار خطير" وقال "نحن في واقع غير مسبوق، ونسير على أرض لم يمشِ عليها أحد".

وكتب المحلل العسكري رون يشاي في نفس الصحيفة "إلى أن تتضح نتائج الهجمات الأميركية، فالأهم هو طبيعة الرد العسكري والسياسي الإيراني" متسائلا: هل سينفذ الإيرانيون تهديداتهم المتعلقة بمضيق هرمز والقواعد والمنشآت النفطية الأميركية، وهل سيبذلون جهدا لإطلاق صواريخ على إسرائيل، أم سيفضلون الجلوس على طاولة المفاوضات؟ هل سيؤدي هذا إلى إطالة أمد الحرب أم تقصيرها؟

إعلان

ومن جهتها، قالت آنا بارسكي المراسلة السياسية لصحيفة معاريف إنه بعد الضربة الأميركية تبدأ الأسئلة الجوهرية: هل تم تعطيل المنشآت التي تم استهدافها بشكل كامل؟ كما تبرز تساؤلات أعمق ذات طابع إستراتيجي عن كيفية الرد الإيراني، وهل نحن على أعتاب حرب متصاعدة طويلة الأمد قد تخرج عن السيطرة؟

وطرح عدد من الكتاب والمحللين العسكريين أسئلة عديدة تُمكن إجاباتها من فهم مدى مساهمة الهجوم الأميركي في تحقيق أهداف الحرب في تعطيل البرنامج النووي الإيراني.

إستراتيجية الخروج؟

ومن الأسئلة المركزية -التي سيطرت على كتابات وتعليقات المحللين والمختصين- تساؤلات عن إستراتيجية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للخروج من الحرب مع إيران.

وبحسب ناحوم برنيع المحلل السياسي بصحيفة يديعوت أحرونوت، فإن نتنياهو ثابت على أمر واحد أنه "ليس لديه إستراتيجية للخروج، لا في غزة، ولا في تجنيد الحريديم، ولا في إيران، طوال مسيرته المهنية، طلب أغلى الأطباق، ظانًا أن شخصًا آخر سيدفع الفاتورة".

ووصف البروفيسور أساف ميداني الباحث في السياسات والقانون بجامعة أكسفورد حالة القلق داخل المجتمع الإسرائيلي، بقوله "تحت السطح، بدأ القلق يتصاعد، يتزايد عدد الإسرائيليين الذين يتساءلون: ما أهداف الحرب؟ هل من إستراتيجية لليوم التالي؟"

ولم تتوقف الشكوك بجدوى الحرب أو أهدافها الخيالية، بل كان بعضها موجها لحكومة نتنياهو وأهدافها من الحرب، وتساءلت الكاتبة دانييلا لندن ديكل في صحيفة يديعوت أحرونوت "هل يمكننا الوثوق بمجلس وزراء مكون من فاسدين ومجرمين ومديرين فاشلين أثبتوا بالفعل عدم كفاءتهم في القضايا الموكلة إليهم؟

وتناول الكاتب أوري مسغاف في صحيفة هآرتس أبعاد الحرب ضد إيران من وجهة نظر نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرف، فقال "تخوض الدول والشعوب حربًا شاملة حديثة، بهتافات الفرح وشعور بالراحة والتحرر، ولا يختلف الإسرائيليون في هذا عن دول العالم، ربما باستثناء مزيج فريدٍ مُصطنع هنا بين التضحية والمسيحانية، وجنون العظمة والجنون".

برنيع: نتنياهو ليس لديه إستراتيجية للخروج لا في غزة ولا في تجنيد الحريديم ولا في إيران (الفرنسية) حرب استنزاف

ويأتي الهجوم الأميركي في ظل استنزاف واضح للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقد حذّرت واشنطن في وقت سابق من هذا الأسبوع من أن مخزون صواريخ "حيتس" الإسرائيلية الاعتراضية يوشك على النفاد.

وفي الساعات الأخيرة، حذّر مسؤول أميركي -في حديث مع صحيفة وول ستريت جورنال- من أن صواريخ "حيتس-3″ قد تنفد خلال أسابيع، إذا لم تنتهِ الحرب، فهناك خطر من نفاد المخزون".

ونقل يؤاف زيتون المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت قلق الأميركيين أنفسهم بشأن مخزوناتهم من الصواريخ الاعتراضية، فالإمدادات المُحوّلة إلى الحرب مع إيران والشرق الأوسط عمومًا تأتي على حساب تلك التي ستكون متاحة لواشنطن في حال نشوب صراع أوسع، ربما مع الصين.

وصرح ضابط أميركي عمل في الشرق الأوسط بقوله "نحن قلقون بشأن عدد الصواريخ المتبقية لمعركة متقدمة، ستبدأ صواريخ "إس إم-3″ (SM-3) بالنفاد بهذا المعدل، مما يُقلل من احتياطاتها للمعركة الحركية القادمة".

إعلان منجزات الحرب

ويكشف استطلاع للرأي -نشره معهد دراسات الأمن القومي في 17 يونيو/حزيران- تأييد نحو 73% من المشاركين بالاستطلاع الهجوم الإسرائيلي على إيران مقارنة بـ18% يعارضونه، إلا أن نحو 47% يرون أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك خطة لإنهاء الحملة ضد إيران مقارنة بنحو 41% يعتقدون أن لديها خطة.

ورغم المشاركة الأميركية، لا يزال الإسرائيليون يشككون في الحصول على المنجزات النهائية للحرب، والتي أعلن عنها نتنياهو وعلى رأسها إسقاط النظام الإيراني وتدمير البرنامج النووي.

ومما يزيد من مخاوفهم مشاهد الخسائر والدمار التي رآها في المواقع الحيوية والعسكرية بالمدن التي استهدفتها الهجمات الصاروخية الإيرانية، بعد نجاحها في تجاوز طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي.

ووفقًا للإعلان الإيراني، فقد استهدفت الهجمات مطار بن غوريون، ومركز الأبحاث البيولوجية، بالإضافة إلى قواعد الدعم والقيادة والسيطرة التابعة للجيش الإسرائيلي على مختلف المستويات.

وتعكس هذه المخاوف تغير في الرسائل التي ينقلها المستوى السياسي والأمني للجمهور الإسرائيلي من بداية العدوان بأنها ستكون أياما، وتحولت لأسبوع أو عدة أسابيع لتصبح -حسب بيان للجيش الإسرائيلي السبت- فترة طويلة مطالبا الجبهة الداخلية بالاستعداد.

وألقى رئيس الأركان إيال زامير كلمةً أمام الجمهور الإسرائيلي -الجمعة- مؤكدًا ضرورة "الاستعداد لحملة متواصلة" في إيران.

وشدد الدكتور ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز ديان في جامعة تل أبيب -في مقال في يديعوت أحرونوت- على ضرورة تجنب الأوهام التي لا تُعقّد الوضع فحسب، بل تُحيد أيضًا عن الأهداف الرئيسية للحرب، مثل الانشغال المتزايد بإسقاط النظام الإيراني، بينما يجب أن تبقى الأنظار مُنصبّة على القضية النووية.

ونشر معهد دراسات الأمن القومي "آي إن إس إس" (INSS) تحليلًا للخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور راز زيمت، أشار فيه إلى أن القيادة الإيرانية حققت عددًا من الإنجازات المؤكدة حتى الآن، ولخصها بالنقاط التالية:

لقد تضرر البرنامج النووي بالفعل، لكن الضرر ليس حرجا، خاصة طالما لم تتضرر منشأة التخصيب في فوردو. أشار إلى أنه لا يوجد في الوقت الحالي تهديد حقيقي ومباشر للاستقرار الداخلي للنظام، الذي لا يزال يُظهر تماسكًا وعزيمة وحيوية، بل ويصطف في وجه التهديد الخارجي ولا يُظهر معارضة للنظام، ويبدو أن موقف الجمهور متأثر إلى حد كبير بصور الدمار في الأحياء السكنية التي تضررت من الهجمات الإسرائيلية، مما يُسهم في الواقع في التماسك الداخلي وتعزيز الشعور بالتضامن الوطني. نجح النظام الإيراني في إلحاق بعض الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتستثمر الحكومة الإيرانية توثيق الأضرار في إسرائيل للتأكيد على الرواية العامة بشأن قدرتها على التعامل بنجاح مع إسرائيل بمرور الوقت وإلحاق أضرار جسيمة بها.

وشكك المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر في قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على إسقاط نظام الحكم في إيران بدون وجود قوات برية على الأراضي الإيرانية.

وقارن أبو عامر الحالة الإيرانية بغزو العراق من قبل أميركا وحلفائها عام 2003، وقال إن النظام الإيراني سيبقى متماسكا والمحاولات لاستهداف قدرات الحكم الإيراني واستغلال الأقليات الإثنية والقومية فشلت في الثورة ضد الحكومة لأن الهجوم الإسرائيلي عزز الوحدة الداخلية والشعور الوطني أمام التهديد الخارجي.

ويتفق معه مختار حداد (رئيس تحرير صحيفة الوفاق الإيرانية) من ضعف قدرة إسرائيل وأميركا على إسقاط النظام الإيراني، فالعدوان الإسرائيلي دفع جميع ألوان الطيف السياسي الإيراني للوقوف صفا واحدا وراء الحكومة، وأفشلت مخططات لإثارة القلاقل الداخلية، وتسببت الهجمات العدائية حالة كبيرة جدا من الوحدة الوطنية.

إعلان

القنبلة النووية

وحذر المعلقون الإسرائيليون من أن الحرب والمشاركة الأميركية لن تنهي البرنامج النوي الإيراني، بل قد تدفع طهران لبناء حالة من الردع عبر الإعلان عن امتلاك قنبلة نووية.

وقال باراك في صحيفة هآرتس "عام 2018، عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي، بتحريض إسرائيلي، كانت إيران على بُعد 18 شهرا تقريبا من القنبلة النووية. أما الآن، فهي في حالة حرجة. ضربنا منشآت مادية للبرنامج النووي لكننا لم ولن نؤجل قدرتها على امتلاك أسلحة نووية لأكثر من بضعة أسابيع. وهذا لأن لديهم مواد انشطارية تكفي لنحو 10 قنابل، ولديهم المعرفة اللازمة لبنائها، وقد بُني الجيل التالي من المنشآت بالفعل على عمق 800 متر، والحقيقة أنه حتى الأميركيون لا يستطيعون تأجيل وصول الإيرانيين إلى الأسلحة النووية لأكثر من بضعة أشهر".

في حين تساءل البروفيسور أساف ميداني: ماذا لو لم ننجح في القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟ ماذا لو تجاوز الإيرانيون العتبة؟ ماذا لو امتلكوا أسلحة نووية -ليست نظرية وليست قيد التطوير- بل جاهزة للإطلاق؟ وإذا كان هذا هو الواقع بالفعل، فما احتمالات استغلالهم له؟ إنه سؤال يصعب طرحه بل وأصعب من ذلك الإجابة عنه.

وبين الدكتور راز زيمت بأن القيادة الإيرانية تسعى جاهدة للحفاظ على العديد من الإنجازات الرئيسية حتى بعد انتهاء الحرب، فبقاء النظام والرغبة في حمايته من التهديدات الداخلية والخارجية كان ولا يزال الهدف الأساسي لإيران، وينظر لبقاء البرنامج النووي على أنه "بوليصة تأمين" للحفاظ على وجود النظام، وبقاء الأصول الإستراتيجية الحيوية، بما في ذلك الصواريخ، والمعلومات الاستخباراتية، والقيادة والتحكم، بطريقة تُمكنها من مواجهة التحديات الأمنية المستقبلية.

ولا يعرف ما هي نقطة انطلاق نتنياهو، الذي قال في أحد تصريحاته بحسب برنيع "لقد أزلنا التهديد النووي الإيراني" وهذا التصريح لا أساس له من الصحة حتى الآن، بل على العكس، قد تستغل إيران الهجوم الإسرائيلي لكسر جدار الغموض رسميا والإعلان عن امتلاكها للقنبلة.

واستبعد رئيس تحرير صحيفة الوفاق نجاح الهجمات الإسرائيلية والأميركية على مقدرات إيران النووية في تدمير البرنامج النووي الذي يعتمد على قدرات الشباب الإيراني من علماء ومختصين، وقد فكرت طهران قبل الحرب في مواجهة هذه السيناريوهات ووضعت خطط طوارئ.

ولا يستبعد أبو عامر أن تلجأ إيران لخيار شمشوم (عليّ وعلى أعدائي) إذا وصلت لقناعة عدم مقدرتها على حماية شعبها ونظام حكمها ومقدراتها بسبب كثافة العدوان الأميركي الإسرائيلي حيث ستفتح النار على جميع الجبهات، وعلى إسرائيل وعلى المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ترامب: إسرائيل أرسلت عملاء إلى المواقع النووية الإيرانية التي تعرضت للقصف للتأكد من تدميرها
  • عبد المسيح التقى الرئيس عون: لضرورة الاستمرار في سياسة الحياد التي حمت لبنان
  • العرابي: إيران اكتسبت قوة ليست فى نفس الوضع التي كانت إسرائيل تستهين به من قبل العمليات العسكرية
  • الرئيس الإيراني لأمير قطر: نأسف للأضرار التي سببها الهجوم على قطر
  • مجلس الأمن القومي الإيراني: انتصارنا أجبر العدو على التراجع والقبول بالهزيمة
  • تضارب الروايات حول الصواريخ التي أطلقتها إيران على قطر.. كم عددها وهل أصابت قاعدة العديد؟
  • إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع
  • إسرائيل بين نشوة الهجوم الأميركي وصدمة الرد الإيراني
  • ‏الطائرات الإسرائيلية تقصف "ساعة فلسطين" التي كانت تؤشر إلى "العد العكسي لتدمير إسرائيل" عام 2040 وفقا للسلطات الإيرانية
  • بين التكتيك والاستراتيجية... أين تقف إسرائيل بعد الضربات التي تلقتها إيران؟