الابتكارات التكنولوجية والمسؤولية المجتمعية.. هل تجتمعان؟
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
في عام 1781، بدأ الأطباء اليابانيون في منطقة أوساكا بتأسيس عيادة للعلاج بالمستحضرات العشبية المستمدة من الطب التقليدي، وسرعان ما اكتسبت هذه العيادة التي أُطلق عليها اسم «تاكيدا» قبولا مجتمعيا؛ فقد أسهمت في علاج عدد من الأمراض المستعصية آنذاك، ومع الوقت تطورت «تاكيدا» حتى أصبحت بشكلها الحالي كمؤسسة علمية وابتكارية رائدة في إحداث الفرق الإيجابي في المجتمع بفضل التكنولوجيا التخصصية في العلاجات المشتقة من البلازما وعلوم الأورام، وعلم الأعصاب، وكذلك اللقاحات، وفي الوقت ذاته اشتهرت مؤسسة «تاكيدا» للبحث والتطوير الطبي بالحس العالي للمسؤولية المجتمعية من حيث تعزيز قيم الشراكة، ونقل المعرفة، ونشر التوعية، وذلك عبر برامج المسؤولية الاجتماعية داخل اليابان، وكذلك على المستوى العالمي وبالتعاون مع المنظمات الدولية كأحد أفضل النماذج العالمية في تسخير العلوم والتكنولوجيا لأجل معالجة المتطلبات المجتمعية بشكل مستدام ومبتكر، إذ تكمن المعادلة الصعبة دائما في المواءمة بين الابتكارات التكنولوجية والاستثمار في المسؤولية المجتمعية، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ما هي الأبعاد الحقيقية للمسؤولية المجتمعية لشركات التكنولوجيا ومؤسسات البحث والتطوير؟
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن شركات ومؤسسات القطاعات الاقتصادية الكبرى في جميع دول العالم قد قطعت شوطا كبيرا في الالتزام بالمسؤولية المجتمعية، والتي تشمل قطاعات النفط والطاقة، والاتصالات، والإنتاج الغذائي، والصيدلة والعقاقير، وفي المقابل هناك العديد من الأمثلة على مشروعات التطوير التكنولوجي الممولة من القطاعات الإنتاجية من بند المسؤولية المجتمعية، والتي حققت نجاحات كبيرة، ونتجت عنها ابتكارات تكنولوجية ذات تطبيقات تجارية واسعة، وهنا منشأ التحدي، فوحدات البحث والتطوير والابتكار في الأصل هي جهات مستفيدة من المسؤولية المجتمعية، وفي الوقت ذاته هي مطالبة بتحقيق الكفاءة في تطوير وتكامل المعرفة المتعلقة بالبحث والتطوير مع المسؤولية الاجتماعية، وبذلك تواجه شركات التكنولوجيا خيارات صعبة فيما يتصل بتخصيص مواردها لهذين المجالين معا بسبب تحديات التمويل، فعملية التطوير التكنولوجي تتطلب وجود الموارد المستدامة لدعم كافة المراحل التطويرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المسؤولية الاجتماعية لشركات التكنولوجيا ووحدات البحث والتطوير هو مفهوم جديد كليا على القطاعات العلمية والمعرفية، وهو كذلك مختلف عن الفهم المتعارف للمسؤولية الاجتماعية للشركات الإنتاجية التي غالبا ما تتخصص في جوانب بيئية، أو في التنمية الاجتماعية للمجتمعات المحلية التي تقوم فيها منشآت المشروعات التابعة لها، ولا يمكن استنساخ هذه التجارب وتكراراها مع الشركات الابتكارية.
تعالوا نعود إلى منشأ المسؤولية المجتمعية، نجدها تتعلق بشكل أساسي بمحور إبراز التكامل والشراكة مع جميع أصحاب المصلحة، مما يعني بأن الاستثمار في المسؤولية الاجتماعية هو التزام طويل الأمد يحقق للمؤسسات المانحة للدعم الكثير من العوائد المعنوية مثل قيم الثقة والشراكة التكاملية، وفي الواقع تحتاج شركات الابتكار لهذه القيم لتعزز سعيها في تطوير المعرفة الجديدة، وتنفيذ الابتكارات التكنولوجية، وعلى سبيل المثال، غالبا ما تحتاج شركات الأدوية والعقاقير إلى إظهار هذه المسؤولية لكسب الثقة والتقبل المجتمعي على غرار ما تقوم به مؤسسة «تاكيدا» للبحث والتطوير الطبي، وإذا أخذنا في الحسبان بأن متطلبات التمويل لدعم البحث والتطوير المكثف هي التي تتصدر الأولويات فإن هذه المؤسسات ليست مضطرة إلى خفض مسؤوليتها الاجتماعية بسبب الحاجة لتركيز إنفاقها إلى تطوير المنتجات والخدمات الابتكارية، فكل ما عليها فعله هو البحث عن مسارات ابتكارية للالتزام بالمسؤولية المجتمعية بشكل غير مادي وغير ملموس، وذلك من خلال إتاحة التدريب، وتبادل الخبرة والمعرفة والتقنيات الموجهة لتحقيق أهداف اقتصادية ومجتمعية معا، وبذلك يمكن تخطي التحدي الأساسي المتمثل في العلاقة المعقدة بين التطوير التكنولوجي والمسؤولية المجتمعية، وبأن كلا النشاطين يتنافسان أيضا على الموارد، والاهتمام من قبل الشركاء وأصحاب المصلحة.
وهذا يقودنا إلى المسألة الجوهرية في المسؤولية المجتمعية لشركات التكنولوجيا ووحدات البحث والتطوير وغيرها من المؤسسات المنتجة للمعرفة، فهل تُعد هذه المؤسسات مطالبة بالالتزام بالمسؤولية المجتمعية في الوقت الذي تقوم فيه بإنتاج المعرفة والابتكارات التي تعالج التحديات المجتمعية؟ وإذا تعمقنا في الأبعاد الإيجابية للابتكارات نجد بأن الجهات المنتجة للمعرفة في الواقع تقدم مدخلات للقطاعات الإنتاجية والصناعية الكبرى، وبذلك فإن المؤسسات المعرفية تسهم في المسؤولية الاجتماعية عبر مسارات عديدة وغير تقليدية، مما يستوجب التركيز على استكشاف التآزر والتكامل بين إنتاج المعرفة، وأنشطة البحث والتطوير، والمسؤولية الاجتماعية، فبيئات الصناعة في أمس الحاجة للمعرفة المتجددة لضمان مواكبة المستجدات العلمية والتكنولوجية، وكذلك لتعزيز الميزة التنافسية واستدامة أنشطتها الإنتاجية، وبقائها في عالم الأعمال، والذي بدوره يعزز استمرارها في المسؤولية المجتمعية، وبمعنى أدق فإن أنشطة البحث والتطوير والابتكار هي عوامل مساهمة وليست عائقا أمام المسؤولية الاجتماعية.
إن الديناميكيات المعقدة بين المؤسسات المنتجة للمعرفة والابتكارات التكنولوجية ومدى التزامها بالمسؤولية الاجتماعية بمفهومها التقليدي تستدعيان إعادة التفكير في الافتراض السائد بأن المسؤولية الاجتماعية هي ممارسة عامة وموحدة، وبأن المؤسسات إما أن تكون مسؤولة أو غير مسؤولة، فالصورة النمطية تضيق نطاق المسؤولية على التمويل المالي في حين يمكن خلق التآزر عبر ابتكار مسارات أخرى للإسهام الإيجابي، فالقيمة المعرفية والضمنية للابتكارات هي بمثابة مدخلات للقطاعات الإنتاجية والصناعية، وبالتالي يمكنها خلق القيمة الإستراتيجية للعمليات الأساسية في هذه القطاعات الحيوية، ولا يقتصر الأمر في إنتاج المعرفة أو التقنيات الداعمة للإنتاج، ولكنه يشمل كذلك الموارد المعرفية الحاسمة وغير القابلة للتداول المباشر مثل الخبرات التقنية التخصصية، والتي يمكنها أن تعزز العمليات ذات الأهمية مثل اتخاذ القرارات الكبرى المصيرية أو ذات المخاطر العالية، ولذلك أصبح لزاما الخروج من الفهم المحدود للمسؤولية المجتمعية، والسعي نحو فتح آفاق رحبة لإسهامات نوعية من شركات التكنولوجيا ووحدات البحث والتطوير، والمبادرة إلى تعزيز التخصصية في المسؤولية المجتمعية، وتعظيم الاستفادة من القيمة المعرفية من خلال منظور إستراتيجي متعدد الأبعاد وطويل الأمد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المسؤولیة المجتمعیة المسؤولیة الاجتماعیة شرکات التکنولوجیا البحث والتطویر
إقرأ أيضاً:
السكة الحديد تُكثّف التوعية المجتمعية بأخلاقيات التعامل مع المرفق الحيوي
تواصل الهيئة القومية لسكك حديد مصر، تنفيذ سلسلة من الندوات التوعوية التي تستهدف طلاب المدارس والعاملين بالمنظومة التعليمية، بهدف ترسيخ قيم المسؤولية المجتمعية ونشر ثقافة الوعي السلوكي لدى النشء في مختلف محافظات الجمهورية.
وفي هذا السياق، نظمت الهيئة القومية لسكك حديد مصر، بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم بمحافظة الإسكندرية ندوة توعوية بمدرسة محمد زهران التجريبية المتميزة، بحضور نخبة من قيادات التربية والتعليم بالمحافظة، وأعضاء هيئة التدريس، وأحد دعاة الأزهر الشريف، وعدد كبير من الطلاب والطالبات.
تناولت الندوة أهمية مرفق السكك الحديدية باعتباره شريانًا حيويًا يخدم ملايين المواطنين يوميًا، واستعرضت من خلال مجموعة من المواد والأفلام التوثيقية حجم الإنجازات غير المسبوقة التي حققتها الدولة المصرية في تطوير قطاع النقل والمواصلات خلال السنوات الأخيرة.
كما ركزت الندوة على السلوكيات السلبية التي تهدد سلامة هذا المرفق الحيوي، من خلال عرض أفلام توعوية تناولت مظاهر السلوك الخاطئ مثل اقتحام المزلقانات أثناء الإغلاق، وإقامة معابر غير قانونية، وإلقاء المخلفات على القضبان، وركوب القطارات في أماكن غير آمنة، وقذف القطارات بالحجارة، موضحة ما تسببه هذه التصرفات من مخاطر جسيمة على الأرواح والممتلكات العامة، وتأثيرها السلبي على كفاءة واستدامة الخدمة المقدمة لجمهور الركاب.
وشهدت الندوة تفاعلًا كبيرًا من الحضور الذين أكدوا دعمهم لجهود التوعية المجتمعية، وأبدوا التزامهم بنشر السلوك الإيجابي في التعامل مع المرافق العامة، مشيدين بما يبذله العاملون والمهندسون والفنيون بهيئة السكك الحديدية من جهود متواصلة لتطوير وتحديث المنظومة بما يتماشى مع متطلبات العصر ويضمن توفير خدمات نقل آمنة ومريحة للمواطنين.
وتأتي هذه الندوات ضمن سلسلة من المبادرات التي تنفذها الهيئة القومية لسكك حديد مصر بالتعاون مع عدد من مؤسسات الدولة، من بينها وزارة الأوقاف، والأزهر الشريف، والهيئة العامة للاستعلامات، بهدف بناء جيل واعٍ بأهمية المشاركة في حماية المرافق العامة باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
اقرأ أيضًا:
أجواء خريفية وشبورة تمتد حتى القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة طقس في ال6 أيام المقبلة
مصدر يكشف موعد تشغيل المرحلة الأولى من الربط الكهربائي "المصري السعودي"
اليوم.. الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل في الأدب
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
سكك حديد مصر الندوات التوعوية طلاب المدارس العاملين بالمنظومة التعليمية أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك:
إعلان
أخبار
المزيدإعلان
السكة الحديد تُكثّف التوعية المجتمعية بأخلاقيات التعامل مع المرفق الحيوي
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
29 22 الرطوبة: 31% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك