لا وظيفة.. لا زواج .. لا مواليد
تاريخ النشر: 21st, August 2024 GMT
فايزة سويلم الكلبانية
تُعَدُّ مسألة تراجع أعداد النُّمو السكاني والمواليد قضية في غاية الأهمية، لا بُد وأن تواجهها الجهات المُختصة في سلطنة عُمان بحذر وسرعة، وأن تحسب الحكومة لها حساباً في الوقت الراهن، وهي ظاهرة تعكس عدة عوامل اقتصادية واجتماعية، لما لها من تأثيرات محتملة على التنمية المُستدامة واستدامة النمو الاقتصادي.
والحقيقة التي يجب أن يستوعبها الجميع أن تراجع النمو السكاني وأعداد المواليد يرتبط أيضًا بمسألة تكدس أعداد الباحثين عن عمل؛ حيث نجد الكثير ممن بلغت أعمارهم نهاية الثلاثين وعلى مشارف الأربعين من الجنسين الذكور والإناث، ولا زالوا يصنفون تحت فئة الباحثين عن عمل، أو أن البعض الآخر يعمل بما يتوافر لديه من سبل بالقطعة أو بدوام مُؤقت وجُزئي، ولكن في أعمال لا ترقى لأن تؤمِّن لهم ولعائلاتهم سبل العيش الكريمة، مما يُصعِّب الظروف أمامهم للارتباط والاستقرار الأسري والزواج، نتيجة لهذه الظروف الوظيفية التي تنتج عنها مشاعر نفسية لدى هؤلاء لشعور البعض بالضياع لعدم التقدم والتغيير في حياته اليومية في ظل السعي والبحث عن فرص قد لا تتكلل بالنجاح الذي يرضي الطموح.
الواضح من واقع حال البعض من الباحثين عن عمل أن فرص التوظيف في السنوات الأخيرة بدأت في التراجع بالقطاعين العام والخاص، مما يُؤدي إلى تراكم أعداد الباحثين عن عمل، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى قلة القدرة لدى الشباب على تكاليف الزواج وتأمين الحياة الأسرية والاستقرار، مما ينتج عنه زواج البعض في سن متأخرة، وهذا يُفضي إلى تراجع أعداد المواليد والنمو السكاني في السلطنة، وهذا في حد ذاته مؤشر خطير؛ حيث يمضي عمر الشباب من ذكور وإناث، دون القدرة على تكوين أسرة، لعدم توفر الوظيفة المناسبة، وهذا الوضع أشبه بحلقة مفرغة ندور فيها دون نهاية، ويجب الوقوف عليه لما له من تبعات تتراكم عبر حلقة من الظروف في ظل حاجتنا لزيادة أعداد النمو السكاني والمواليد لبناء اقتصاد قوي متين.
البعض يُعزي أسباب تراجع أعداد السكان في سلطنة عُمان إلى معدلات الخصوبة؛ إذ أصبح هناك توجه لدى عدد من الأسر العُمانية لإنجاب عدد أقل من الأبناء، بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية مثل ارتفاع تكاليف المعيشة أو تسريح البعض من وظائفهم وقلة الرواتب والدخل مقابل مُتطلبات تربية الأبناء اليومية واحتياجاتهم كأسرة، فيكتفون بالعدد القليل.
هنا لا ننكر أنه أصبحت هناك زيادة في الوعي لدى العديد من الأُسر بمسألة التخطيط الأسري، حيث أدى التحسن في مستوى التعليم وزيادة الوعي بين العائلات إلى تبني سياسات أسرية تفضل تحديد النسل والإنجاب المسؤول.
وإذا ألقينا نظرة سريعة على الآثار المترتبة على تراجع أعداد السكان، حيث يؤدي تراجع أعداد السكان إلى تحديات اقتصادية، تشمل النقص في القوى العاملة الوطنية، مما يجعل الاقتصاد العُماني أكثر اعتمادًا على العمالة الوافدة، في ظل التشديد على ضرورة "الإحلال الوظيفي والتعمين"، وقد يشكل ذلك تحديات في تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، كما يكون هناك تأثير على التخطيط الوطني؛ حيث يتطلب تراجع أعداد السكان إعادة النظر في سياسات التنمية الوطنية، بما في ذلك الاستثمار في التعليم والصحة والبنية الأساسية، وقد يؤدي هذا التراجع إلى ضرورة تعديل الخطط المستقبلية للتكيف مع التركيبة السكانية المتغيرة، إلى جانب التأثير على برامج الرعاية الاجتماعية، حيث إنه ومع تناقص عدد السكان، والقدرة الشرائية لديهم تنخفض السيولة نتيجة لتراجع الاستهلاك والشراء، وهنا قد تُواجه سلطنة عُمان تحديات في تمويل برامج الرعاية الاجتماعية التي تعتمد على الضرائب والموارد الأخرى.
اليوم.. لا بُد وأن تعمل الجهات الحكومية على تحفيز النمو السكاني، وهناك ضرورة لإنشاء صندوق لدعم الزواج ماديًا ومعنويًا واستشاريًا، وضرورة تقديم المزيد من الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتطوير القطاع الخاص ليتمكن من استيعاب أعداد الباحثين عن عمل المتزايد، علاوة على وضع خطط واستراتيجيات لتقليل هذه الأعداد وتوظيفهم؛ لأنَّ التبعات الاجتماعية الناجمة عن البطالة سلبية جدًا.
وينبغي على الحكومة تنفيذ سياسات تحفيزية لزيادة معدلات المواليد، مثل تقديم حوافز مالية للعائلات التي تُنجِب عددًا أكبر من الأطفال، وتعزيز التعليم والتوعية: يجب تعزيز برامج التوعية حول أهمية النمو السكاني وتوفير بيئة اجتماعية واقتصادية تشجع العائلات على إنجاب الأطفال.
هذا بجانب ضرورة تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، بحيث يمكن تحقيق ذلك من خلال تنمية المهارات الوطنية وزيادة فرص العمل للشباب العُماني.
همسة للجهات المعنية:
إنَّ تراجع أعداد النمو السكاني والمواليد في سلطنة عُمان يمثل تحديًا مُعقدًا يتطلب استجابة استراتيجية من الحكومة والمجتمع على حد سواء، ومن الضروري اتخاذ خطوات متوازنة لمواجهة هذا التحدي؛ بما يضمن استدامة النمو الاقتصادي والاجتماعي على المدى البعيد.
علاوة على ذلك، على المسؤولين عن ملف التوظيف في كل الهيئات والوزارات ومؤسسات القطاع الخاص، ألا يتعاطوا مع هذا الملف الحسّاس وكأنه قدر هبط علينا من السماء ولن نتمكن من تجاوزه، فالمطلوب الآن تسريع وتيرة خلق الوظائف وكفى تحججًا بأن اقتصادنا محدود أو صغير، فكم من دولة أقل منّا حجمًا وعددًا بل ولا يملكون ما نملك من مقومات اقتصادية، لكنهم استطاعوا أن يحققوا قفزات اقتصادية، ويقضوا على البطالة بإجراءات ناجعة وعملية.. أتمنى أن تصل رسالتي لمن يعنيه الأمر وأن يتقبَّلها بحُسن نية ونفس مطمئنة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التوجيهات السامية ورسم السياسات.. جهود حثيثة نحو حل أزمة الباحثين عن عمل في عُمان
هلال بن مسلم بن علي البوسعيدي
تُعد التوجيهات السامية التي أطلقها المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ولقاءات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله- بمثابة خريطة طريق واضحة لرسم السياسات الوطنية في سلطنة عمان.
فقد أكد جلالة السلطان هيثم في عدة مناسبات أهمية تعزيز الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص. ورغم أهمية هذه التوجيهات، إلا أن التأكيد على ضرورة التعاون والتنسيق يبدو أنه لم يحقق الأثر المطلوب على أرض الواقع، مما يترك العديد من المواطنين في حالة من الترقب.
وتتجلى أزمة الباحثين عن عمل كأحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العماني في الوقت الراهن، فعندما يتطلع الشباب العماني إلى الإسهام الفعال في التنمية الوطنية، يقف عائق البطالة كحجر عثرة أمام تحقيق طموحاتهم وآمالهم. لذا، يقدم الجميع كأفراد مسؤولين اقتراحات تتمنى إيجاد حلول جذرية لمواجهة هذه الأزمة.
ومن بين هذه المقرحات:
تشكيل صندوق دعم الباحثين عن عمل
سيكون الهدف من هذا الصندوق دعم الباحثين عن عمل من خلال توفير جزء من رواتبهم، وتشجيع القطاعين الحكومي والخاص على توظيف المواطنين العمانيين، وتعزيز المهارات وتأهيل الخريجين لتلبية احتياجات سوق العمل.
ومن خلال هذا المقترح، سيتم تخصيص صندوق حكومي لدعم رواتب الباحثين عن عمل، مما يوفر لهم قيمة مالية، تساعدهم في بداية مشوارهم المهني، إلى جانب بناء شراكات مع الجامعات والمعاهد التدريبية لتطوير برامج تدريبية تضمن تلبية احتياجات سوق العمل، وتقديم حوافز ضريبية للشركات التي توظف عمانيين، ودعم مشروعات الشباب من خلال منح قروض ميسرة وتوفير تدريبات في مجالات ريادة الأعمال، وتعزيز الحوار المستمر بين الحكومة والقطاع الخاص لفهم احتياجات السوق، كما يجب تقييم فعالية الصندوق بانتظام.
إن تنفيذ هذا المقترح من شأنه أن يضع الأسس لبيئة عمل مُشجِّعة تدفع بالعمانيين نحو تحقيق طموحاتهم وتقلل من أزمة البطالة، ومن خلال تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، يمكن للجميع المساهمة في بناء اقتصاد وطني يدعم جهود التنمية المستدامة.