سرقات القرن في العراق تتوالى ومسرحها الجديد سكك الحديد
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
بغداد- لا تلبث فضيحة فساد أن تكشف في العراق حتى تلحق بها أخرى، فبعد "سرقة القرن" وما تلاها من قضية شبكة تنصت محمد جوحي، فجر عضو مجلس النواب ياسر الحسيني قنبلة إعلامية جديدة، وبطلها هذه المرة وزارة النقل، بالشراكة مع نور زهير أبرز المتهمين بقضية سرقة القرن.
وأُعلن عما يعرف بسرقة القرن في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي عام 2022، على خلفية اشتراك تحالف مؤلف من 5 شركات وهمية في سرقة وسحب مبلغ 3 تريليونات و750 مليار دينار عراقي (نحو 2.
وتتعلق القضية الجديدة بشبهة فساد في منح عقد إعادة تأهيل خطوط السكك الحديد، حيث كشف النائب الحسيني في تصريحات صحفية تفاصيل العقد الذي "يرهن النفط العراقي مقابل إعادة صيانة شبكات السكك الحديد التي هي بالأصل متهالكة".
وبحسب الحسيني، يتضمن العقد إلزام قانوني للحكومية بتسديد 22 مليار دولار ونصف المليار، متوقعا أن "تنتهي الدورة النيابية وينتهي دور هذه الحكومة وتتم مقاضاة العراق بالمحافل الدولية وتغريمه مبلغ العقد".
وقد أثار رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون الرأي العام بإعلانه اكتشاف هدر للأموال ضمن سرقة القرن في عقد تطوير السكك الحديد بقيمة 18 مليار دولار.
وبيّن حنون، خلال مؤتمر صحافي عقده بمحافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان -في الرابع من الشهر الحالي- أن ملف عقد السكك الحديد سلم إلى القاضي ضياء جعفر المختص بقضايا النزاهة منذ شهرين، دون أي تقدم في الإجراءات التحقيقية.
وأضاف أن سكك العراق جرى بيعها بالكامل من خلال قضية سرقة القرن التي لم يتم النظر بها من قبل مجلس القضاء الأعلى والقاضي المخول بملفات النزاهة ضياء جعفر، منذ شهرين، مطالبا السلطات القضائية باستبدال قضاة هيئة النزاهة سنوياً.
من جهتها، ردت وزارة النقل العراقية على الاتهامات الموجهة إليها على لسان المتحدث باسمها ميثم الصافي الذي نفى وجود هدر للمال العام أو عمليات فساد في وزارته، ضمن ما يسمى سرقة القرن أو غيرها من الصفقات المشبوهة وغير القانونية.
ولمزيد من التفاصيل بشأن العقد وآثاره السياسية والقانونية، تواصلت الجزيرة نت عبر الهاتف مع النائب ياسر الحسيني الذي أكد بدوره المضي بجمع تواقيع لاستجواب وزير النقل رزاق محيبس السعداوي بشأن ملف عقد صيانة وتأهيل السكك الحديدية في العراق.
وقال الحسيني في حديثه للجزيرة نت إن "ملف الفساد المتعلق بتأهيل سكك الحديد يمثل أضعاف سرقة القرن" مبينا أن الملف يرتبط بتعاقد الشركة العامة للسكك الحديدية مع 3 شركات تضامنية، وهي دايو الكورية، والنحالة، والمها لصيانة وتأهيل السكك الحديدية القديمة، وليست سككا كهربائية أو حديثة.
وأوضح أن العقد لا زال قانونيا وملزما للدولة، وأنه، أي العقد، يعتبر من عقود الإذعان للشركات ولم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية وفاعلة لإنهاء الفساد فيه "بعكس ما يصرح به مستشارو رئيس الوزراء بنفي هذا الملف".
وأضاف الحسيني أن العقد لا يقتصر على بيع سكك الحديد وحسب وإنما بيع النفط معها "بالتالي هو ملف خطير وسنعمل على رفد الإعلام بوثائقه وبشكل واضح بما يدحض محاولات نفيه".
وشدد على أن القضاء -في حال ذهب إلى فسخ العقد- فإن "العراق سيكون ملزما بدفع قيمة العقد وفوائده والتي تتجاوز 22 مليار ونصف المليار دولار، مما يعني أن هذا الملف بحاجة إلى وقفة جادة ولا نرى أي جدية من الحكومة في مواجهة ملفات فساد كهذه".
عقود رخوة
المحلل السياسي الدكتور محمد حارث المطلبي أكد أن سرقة السكك الحديد تأتي ضمن إطار منح استثمارات بعقود رخوة لا تتضمن حفظ حقوق الدولة ولا برامج محددة للاستثمار والبناء.
وقال المطلبي خلال حديثه للجزيرة نت إن "سرقة السكك الحديد تأتي ضمن الخيمة القانونية التي وفرها ما يعرف بالاستثمار، وهي لا تبتعد كثيرا عن السرقات التي تجري فيما يعرف بالاستثمارات في السكن العمودي والمولات وغيرها من المشاريع التي ظاهرها استثمار وباطنها توزيع موارد الدولة بشكل غير مدروس وبأثمان لا تساوي حقيقتها ثم يتبين لاحقا أن هناك سرقات في هذا المشروع أو ذاك".
واتهم المحلل السياسي هيئة النزاهة بـ"الانتقائية الواضحة في ملاحقة المخالفين او السارقين، حيث تعطي للبعض مرونة في التهرب من تبعات سرقاتهم وقدرة على الإفلات بتلك الأموال" معبرا عن أمله في أن تكون السلطات القضائية أسرع باكتشاف هذه الحالات ورصدها قبل أن تصبح واقع حال يفلت مرتكبوها من قبضة العدالة.
من جانبه، فقد أكد الناشط في مجال مكافحة الفساد حسن درباش العامري أن عقد السكك الحديد بالعراق هو سرقة القرن الأكبر من سابقاتها.
وقال العامري خلال حديثه للجزيرة نت إن "ما يحصل في العراق من تفش للكثير من السرقات الكبيرة وغير المسبوقة تتأتى من ضعف الرقابة على المال العام وعدم مطالبة المسؤول بحسابات ختامية، أو ربما بسبب توغل عصابات الجريمة المنظمة".
وأضاف أن سرقة القرن يمكن اعتبارها واقعة كبيرة لم يعهدها العراقيون سابقا، وكانت المعالجات حينها أكثر وقعا من الجريمة نفسها حينما تم إطلاق سراح المتهم بالسرقة وتمكينه من الهرب إلى خارج العراق في سابقة لم يعهدها العراقيون من قبل "ليفاجئنا بإخراج مشاهد تمثيلية عن إصابته بحادث مفتعل للتملص من المحاكمة".
وتابع "ما كان مفاجئا جدا أن المتهم كان مطلوبا بجرائم كبيرة وعديدة أخرى وآخرها بيع السكك الحديد من البصرة حتى بغداد بما يعادل 18 مليار دولار لتكون سرقة قرن أكبر من سابقتها" مستدركا بالقول "وربما هنالك سرقات قرن لم يسلط الضوء عليها بعد".
وأكد العامري أن نور زهير ما زال متحكما بموانئ البصرة ومواقع أخرى رغم هروبه خارج البلد مما يمثل توغلا عميقا من منظومة الفساد بالعراق رغم توجه الحكومة للقضاء عليها، على حد قوله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السکک الحدید ملیار دولار سرقة القرن سکک الحدید فی العراق
إقرأ أيضاً:
ترامب يعيد صفقة القرن إلى الحياة من شرم الشيخ .. ومصر تمسك بخيوط السلام في غزة.. خبير يعلق
تتجه أنظار العالم نحو مدينة شرم الشيخ، التي تحولت إلى مسرحٍ دبلوماسي ساخن تُنسج فيه خيوط واحدة من أعقد المفاوضات في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الحدث لم يعد محصورًا في الأطراف التقليدية، فالمشهد شهد عودة جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، يرافقه المبعوث الجديد ستيف ويتكوف، في إشارة واضحة إلى أن الإدارة الأمريكية أعادت فتح ملف التسوية بوجه جديد ولكن بفكر قديم.
ويصف المراقبون هذا التطور بأنه محاولة من واشنطن لإعادة تدوير صفقة القرن في ثوبٍ جديد، مستغلةً حالة الانهاك الميداني والسياسي التي تمر بها المنطقة لتفرض معادلة “سلام أمريكي بطابع ترامب”.
كوشنر يعود إلى المسرح... وترامب يُعيد إحياء مشروعه المؤجليؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد أن عودة كوشنر إلى واجهة المشهد ليست خطوة عابرة، بل رسالة مدروسة من إدارة ترامب، مفادها أن واشنطن لا تزال تعتبر نفسها الوسيط المركزي وصاحبة القرار الأول في الشرق الأوسط.
ويضيف أن كوشنر، أحد مهندسي ما عُرف إعلاميًا بـ"صفقة القرن"، يجسد الرؤية الترامبية التي تسعى إلى فرض السلام عبر القوة والتأثير الاقتصادي والسياسي، وليس عبر التوازنات التقليدية.
ويرى اللواء نبيل أن ترامب يسعى اليوم، من خلال هذه الخطوة، إلى تحقيق اختراق دبلوماسي يُضاف إلى سجله الرئاسي، وربما يمهّد للحصول على جائزة نوبل للسلام كإنجاز رمزي يرسّخ صورته كـ“رجل الصفقات الكبرى”.
يُشدد اللواء نبيل السيد على أن اختيار شرم الشيخ كمقر للمفاوضات يعكس إدراكًا دوليًا بأن مصر ما زالت رمانة الميزان في إدارة الأزمات الإقليمية، وخاصة الملف الفلسطيني.
ويضيف أن القاهرة تتحرك بمنطق الراعي المسؤول لا الوسيط العابر، فهي تنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أمن قومي مصري وعربي في آنٍ واحد.
ويتابع: "مصر ترفض أي تسوية مؤقتة أو جزئية، لأنها تدرك أن الحلول المؤقتة تعني عودة الحرب مجددًا، وأن الاستقرار لا يتحقق إلا بوقف دائم لإطلاق النار، وضمانات دولية، وآلية عربية لإعادة الإعمار."
ويرى اللواء نبيل أن مصر تمسك بخيوط اللعبة بدقة، موازنةً بين ضغوط واشنطن وطموحات الفلسطينيين، مع الحفاظ على موقعها كـ"صاحبة الكلمة الأخيرة" في مسار التسوية.
خطة ترامب المعدّلة... وعود براقة تخفي ألغامًا سياسيةيُحلّل اللواء نبيل السيد تفاصيل ما يُعرف بـ"خطة ترامب المعدّلة"، قائلاً إنها تبدو على السطح إنسانية ومنطقية، إذ تتحدث عن وقف لإطلاق النار ومنع التهجير وضمان وصول المساعدات الإنسانية، لكنها تحمل في جوهرها أبعادًا مقلقة تتعلق بخريطة الانسحاب الإسرائيلي وآلية إدارة غزة بعد الحرب.
ويؤكد أن البنود الخاصة بالانسحاب الإسرائيلي "غامضة وفضفاضة"، مما يمنح تل أبيب مساحة للاحتفاظ بنقاط نفوذ داخل القطاع بحجة “الأمن الميداني”.
ويصف اللواء تلك البنود بأنها انسحاب وهمي، أشبه بإعادة انتشار تُبقي غزة تحت السيطرة غير المباشرة لإسرائيل، وتؤجل الانفجار المقبل بدلًا من منعه.
يقول اللواء نبيل السيد إن الوفد الفلسطيني يتحرك في أجواء من الشك والحذر الشديدين، لا سيما وفد حركة حماس، الذي يستحضر تاريخًا طويلًا من التجارب التي تراجعت فيها إسرائيل عن التزاماتها بعد توقيع الاتفاقيات.
ويرى أن نتنياهو يواجه ضغوطًا داخلية عنيفة من اليمين المتطرف، تجعله أكثر ميلًا للمراوغة والتأجيل في تنفيذ البنود الحساسة، مثل تبادل الأسرى ورفع الحصار التدريجي عن غزة.
ويضيف أن حماس، رغم الضغوط، ترفض التسرع في التوقيع على أي اتفاق هش دون ضمانات دولية حقيقية، وتسعى عبر مشاوراتها مع القاهرة والدوحة وطهران إلى تأمين الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية قبل أي خطوة سياسية.
واشنطن تبحث عن "مشهد نصر".. أكثر من بحثها عن سلامبحسب تحليل اللواء نبيل السيد، فإن واشنطن لا تتحرك بدافع إنساني بقدر ما تتحرك بدافع صورة سياسية يريدها ترامب لنفسه.
فالبيت الأبيض يسعى إلى تسويق مشهد "الرئيس الأمريكي الذي أنهى حرب غزة" قبل الانتخابات المقبلة، في وقتٍ يتزايد فيه الانتقاد الدولي لتراجع الدور الأمريكي في المنطقة أمام تمدد موسكو وبكين.
ويضيف: "تحاول إدارة ترامب أن تُظهر للعالم أنها ما زالت تمسك بخيوط اللعبة، لكنها في الحقيقة تبحث عن انتصار إعلامي، لا عن سلام حقيقي."
مصر.. الثابت الوحيد وسط عواصف الشرق الأوسطيختتم اللواء نبيل السيد تحليله بالتأكيد على أن مصر تبقى الثابت الوحيد في معادلة الشرق الأوسط المتغيرة.
ففي الوقت الذي تتبدل فيه الإدارات الأمريكية وتتناوب العواصم على لعب أدوار الوساطة، تبقى القاهرة وحدها قادرة على الجمع بين المتناقضات، وتحويل الملفات المستعصية إلى اتفاقات قابلة للحياة.
ويقول اللواء نبيل:
"انضمام ويتكوف وكوشنر إلى مفاوضات شرم الشيخ هو اعتراف أمريكي ضمني بأن مفتاح الحل في الشرق الأوسط لا يزال في يد مصر، وأن أي تسوية لا تمر عبرها ستظل ناقصة وغير قابلة للاستمرار."
في مشهدٍ تتقاطع فيه المصالح وتتصادم فيه الإرادات، تبقى شرم الشيخ اليوم أكثر من مجرد مدينة سياحية؛ إنها مركز الأعصاب السياسية للعالم العربي.
فبينما يسعى ترامب إلى تسجيل “انتصار للسلام” يحمل بصمته الشخصية، تواصل مصر دورها الثابت كحارسٍ للتوازن، ودرعٍ للعروبة، وصوتٍ للعقل وسط فوضى النار والدخان.
ووسط كل هذه التحركات، تبقى الحقيقة الأوضح أن القاهرة لا تفاوض فقط من أجل غزة.. بل من أجل استقرار المنطقة بأسرها.