أخطر تقرير عن معالجين روحانيين يساومون النساء في السودان وقصة شيخ حاول الاعتداء على صحفية – صورة شيخ إبراهيم
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
نشرت بي بي سي العربية تقريراً خطيراً عن انتهاكات في السودان يقوم بها معالجين روحانيين باسم “الرقية الشرعية” وتعرض نساء للاعتداءات الجنسية بشكل خادع وقصة شيخ اسمه “ابراهيم”. جانب من التقرير فيما يخص السودان:
في العاصمة السودانية الخرطوم، أخبرتني ربة منزل تُدعى سوسن أنه عندما تزوج زوجها بأخرى، وغادر منزل الأسرة للعيش مع زوجته الثانية، وجدت سوسن نفسها وحيدة مع خمسة أطفال بلا دخل مادي.
لجأت سوسن إلى أحد المعالجين في حيها، وقالت إنها كانت تأمل في أن يعطيها نوعاً من “الوصفات الشعبية” أو طريقة تجعل زوجها يعاملها بشكل أفضل. لكنها لم تكن تتوقع علاجه المقترح، “قال إنه سيمارس معي وسوف يستخدم سوائل الجسم الناتجة عن الممارسة لتحضير جرعة من أجل أن أطعمها لزوجي”، أخبرتنا سوسن. وقالت سوسن إن الطريقة التي تحدّث بها “الشيخ” كانت توحي أنه “معتاد على ذلك وأنه لا يخاف”. “كان واثقاً من أنني لن أبلغ الشرطة عنه أو المحاكم أو حتى زوجي”. وتقول سوسن إنها غادرت الجلسة على الفور ولم تعد أبداً. لم تبلغ سوسن الشرطة أو أي شخص عن سلوك “المعالج”. و 3 من بين 50 امرأة تحدثنا إليهن في السودان ذكرن نفس الرجل – “الشيخ إبراهيم”.
قالت إحدى النساء، التي لن نذكر هويتها، إنه تلاعب بها للمارسة معها. وقالت لنا أخرى، عفاف (اسم مستعار)، إنها اضطرت إلى دفعه بعيداً عن جسدها عندما حاول معها. قالت إنها شعرت بالعجز ولم تبلغ أحداً.
“لا يصدق الناس أن الشيوخ يفعلون مثل هذه الأشياء. وكيف يمكنني العثور على شهود من أجل الذهاب للمحكمة؟ لم يرني أحد في الغرفة معه”، قالت عفاف. وكان علينا أن نجمع الأدلة بأنفسنا. ووافقت صحافية سودانية أن تعمل مع فريقنا وأن تزور الشيخ إبراهيم مدعية أنها تريد العلاج وتصوير اللقاء بشكل سري. وتظاهرت الصحافية، التي نطلق عليها اسم ريم، بأنها تعاني من العقم.
قال الشيخ إبراهيم إنه سيصلي من أجلها، وأعد لها قنينة من “الماء الشافي” – المعروف باسم “المحايه” – لتأخذها إلى البيت وتشرب. وقام الشيخ من مقعده وجلس بالقرب من ريم، ووضع يده على بطنها. عندما طلبت منه أن يرفع يده، قالت إنه استمر في تحريك يده على جسدها، فوق ملابسها، وصولاً إلى أعضائها التناسلية. قفزت ريم من مقعدها وركضت إلى خارج الغرفة. قالت لنا بعد ذلك: “لقد صدمني حقاً. كان لديه نظرة مخيفة”. وتقول إنها شعرت أن أسلوبه يشير إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتصرف فيها بهذه الطريقة.
التقيت الشيخ إبراهيم من أجل مواجهته بشأن ما حدث لريم ومواجهته بالأدلة التي جمعناها. ونفى أنّه تحرش أو اعتدى جنسياً على نساء طلبن مساعدته، وأنهى المقابلة فجأة.
“النساء يصدقن أن الشيخ يخرج الشيطان من خلال لمس أجسادهن”:
بالقرب من الخرطوم، زرنا مركز الشيخة فاطمة للرقية والعلاج المخصص للنساء فقط. الشيخة فاطمة هي إحدى النساء القليلات اللواتي يقدمن بديلاً للراغبات في الشفاء الروحي من دون التعرض لخطر الاستغلال الجنسي. على مدار 30 عاماً، كان مركزها أحد الأماكن القليلة التي يمكن للمرأة أن تخضع فيها للرقية على يد نساء.
سمحت لنا الشيخة فاطمة بحضور إحدى جلسات الرقية والتي تكون جماعية وتحضرها عشرات النساء. مع انطلاق جلسة الرقية، بدأت النساء من حولي بفقدان الوعي بما يحيط بهن. أخبرتني الشيخة فاطمة كيف يمكن أن تكون النساء مستضعفات وعرضة للخطر في هذه الحالة، ما يسمح لبعض مدعي العلاج باستغلال تلك الحالة.
“أخبرتنا العديد من النساء أنهن يعتقدن أن الشيخ يستخرج الشيطان من خلال لمسهن. لقد اعتقدن أن ذلك كان جزءًا من العلاج “، وأضافت: “ما نسمعه من تجارب النساء صادم”.
في السودان، التقينا الدكتور علاء أبو زيد، رئيس قسم الأسرة والمجتمع في وزارة الأوقاف. بداية، كان متردداً في تصديق أن الكثير من النساء أبلغننا عن تعرضهن للإيذاء الجنسي. لكنه اعترف بأن الافتقار إلى التنظيم فيما يخص العلاج الروحاني يسبب “الفوضى”، وأن “الراقي” أو “المعالج بالقرآن” أصبحت “مهنة من لا مهنة له”.
على الرغم من كل الأدلة التي جمعناها، تظل السلطات المغربية والسودانية محجمة عن الاعتراف بحجم المشكلة والإقرار بأن النساء ممن يلجأن للمعالجين قد يحتجن لحماية أكبر. ولذلك يبقى العبء على عاتق النساء لكشف أولئك الذين يتسترون خلف العلاج الروحاني.
الشيخ ابراهيم تحرّش بصحافية مبعوثة سراً من بي بي سي للتقصي عن حقيقة ممارساته
تقرير: حنان عبد الرازق – بي بي سي عربية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشیخ إبراهیم الشیخة فاطمة فی السودان
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: لجنة وطنية لمواجهة الضغوط الأمريكية
عادت العلاقات السودانية الأمريكية إلى واجهة التوتر، بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على السودان، استنادًا إلى اتهامات باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد مليشيا الدعم السريع. غير أن التوقيت والسياق السياسي يفرضان قراءة مغايرة، تكشف عن تحوّل نوعي في طريقة تعامل السودان مع الضغوط الأمريكية، بالنظر لتجارب سابقة.
في خطوة وصفها مراقبون بـ”الذكية”، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قرارًا بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية، تضم وزارات الخارجية والدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذه الخطوة تعكس جدية الدولة في تناول الملف، وتحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية مهمة، حيث تؤكد التزام السودان بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. كما أنها تبعث برسالة واضحة: السودان دولة مؤسسات، ترفض الإملاءات والتجريم المسبق.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وتشمل قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية. ورغم أن الأثر الاقتصادي لهذه العقوبات يبدو محدودًا بسبب ضعف العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن توقيتها السياسي يثير التساؤلات. فقد تزامن إعلان العقوبات مع تقدم ميداني كبير أحرزه الجيش السوداني، ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين القرار الأمريكي والواقع العسكري، واعتبار العقوبات محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى وفرض بيئة تفاوضية لا تعكس الوقائع على الأرض، بل تعبر عن رغبات خارجية تمثل مصالح داعمي المليشيا الإقليميين.
في هذا السياق، تبدو السياسة الأمريكية تجاه السودان وكأنها لا تزال رهينة لكتاب قديم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُعيد قرأته كلما تعثرت رهاناتها على التحولات المحلية. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، انخرطت واشنطن في محاولات متعددة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، بدءً بدعم البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس، ومرورًا بمحاولات فرض “دستور المحامين” بصيغته المستوردة، وانتهاءً بالاتفاق الإطاري الذي وُلد ميتًا بعد أن اصطدم بواقع سوداني معقد ومتشابك. ومع فشل هذه الأدوات “الناعمة”، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى أدوات أكثر خشونة، من خلال دعم غير مباشر لتحركات مليشيا الدعم السريع التي انقلبت على السلطة في أبريل 2023 وأدخلت البلاد في أتون الحرب.
هذه القراءة تكشف عن محاولة لإعادة هندسة موازين القوى، وفرض مناخ تفاوضي جديد يستند إلى ضغوط خارجية تُستخدم فيها قضايا الحقوق كسلاح سياسي. تدرك الولايات المتحدة أن انتصار الجيش سيُضعف من نفوذها في البلاد، ويوسّع هامش مناورة الخرطوم، ما قد يدفع السودان نحو تقارب أكبر مع شركاء دوليين كروسيا أو الصين، وهو ما لا يخدم مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة.
وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض قيود على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، في محاولة لضبط المسار السياسي مجددًا، بعد فشل الرهان على المليشيا. اللافت أن هذا الدعم غير المباشر للمليشيا ينسجم أيضًا مع أجندات بعض الحلفاء الإقليميين، خصوصًا الإمارات، التي ترى في هذه القوات أداة تخدم مشروعها في السودان و القرن الإفريقي، وهي سياسات أثارت انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، كما عبّرت عن ذلك السيناتور سارة جاكوبس التي حذّرت من تواطؤ واشنطن مع أبوظبي، مؤكدة أن السياسات الأمريكية تُضلّل الرأي العام ولا تعكس قيمًا أخلاقية حقيقية (رويترز).
العقوبات الأمريكية على السودان ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة بدأت منذ عام 1993، وأدت إلى عزله اقتصاديًا وتكنولوجيًا، دون أن تحقق أهدافها السياسية. بل إنها أضرت بالمواطن ودفعته للتعامل مع دول بديلة كالصين. وفي هذا الإطار، وصفت الحكومة السودانية عبر الناطق الرسمي خالد الإعيسر الاتهامات الأمريكية بحسب “سونا” بأنها “ابتزاز سياسي” و”تزييف للحقائق”، مشيرة إلى تشابه هذه المزاعم مع سيناريوهات قديمة، كقصف مصنع الشفاء في عام 1998.
وفي سياق تعزيز موقفها الأخلاقي والقانوني ، عمدت الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة منضبطة في سلوكها العسكري، إذ قامت الفرقة الثالثة شندي، قبل يومين، بتسليم 66 طفلًا جندتهم مليشيا الدعم السريع إلى أسرهم، عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة، بحضور ممثلين من مؤسسات حكومية وعدلية. وقد مثّل هذا الحدث ردًّا عمليًا على الاتهامات، وفارقًا جوهريًا في طبيعة السلوك القتالي بين الجيش و المليشيا المتمردة.
ومن منظور # وجه_ الحقيقة ، فإن تعامل السودان مع الأزمة الراهنة يُظهر تحوّلًا تدريجيًا من الاستجابة الانفعالية إلى إدارة متأنية للأزمات، في توازن بين الدفاع السياسي والاحتواء الدبلوماسي، دون التفريط في السيادة أو السقوط في فخ العزلة. ومع أن الولايات المتحدة ما تزال تملك أوراق ضغط، فإن السودان اليوم أكثر وعيًا بتاريخ هذه الضغوط، وأكثر استعدادًا لصياغة مسارات بديلة تحترم قراره الوطني. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح الخرطوم في تجاوز هذه العقوبات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في السودان.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
السبت 31 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com