أطباء نفسيون: ضرورة التواصل مع الطفل لتأهيله في عامه الدراسي الأول
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
بين أربعة جدران تتشكل حياته التى يعيشها فى كنف أبويه، يظل برفقتهما طيلة الوقت لا يفارقهما، حياته داخل المنزل هى عالمه الأصغر، ومع بداية انتقاله إلى عامه الدراسى الأول، يتطلب من الوالدين تأهيل طفلهما نفسياً ليتأقلم مع أقرانه ويكون قادراً على التعامل والتواصل معهم.
نصائح عديدة وجهها أطباء وعلماء النفس للوالدين، من شأنها تأهيل الطفل نفسياً وتربوياً، ليتعامل مع أقرانه دون خوف أو قلق فى أول عام دراسى، والذى ينعكس بلا شك على مستواه الدراسى، ووجّه الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية بعض النصائح لتأهيل الطفل نفسياً فى عامه الدراسى الأول، مشدداً على اهتمام الأسرة به منذ ولادته وهى فترة التأهيل قبل الدراسة، ويكون لها عامل كبير فى استيعاب الطفل وإدراكه لما ينتظره فى عامه الدراسى الأول: «نحاول نقوله يعنى إيه مدرسة ودراسة وكأننا بنحكيله قصة علشان يكون مستمتع بيها، ونقول له مميزات المدرسة علشان يكون حاببها» بحسب حديثه لـ«الوطن».
لا تقتصر محاولة تأهيل الطفل نفسياً لعامه الدراسى الأول على ما سبق، ويجب على الوالدين تهيئة أنفسهما لذلك الأمر أيضاً لكونهم جميعاً فى منظومة واحدة، وذلك عبر تنظيم ساعتهم البيولوجية والنوم ليلاً والاستيقاظ فى نفس موعده والحرص على تناول وجبة الإفطار، الأمر الذى يراه الطفل أمامه ويسعد به ويساعده على التأهل نفسياً، بالإضافة إلى ضرورة التركيز على الانسجام مع الطفل وذلك عبر التحدث أو ممارسة الرياضة، فذلك كله يساعده على التأهل نفسياً والاستعداد للدخول إلى عامه الدراسى الأول، وفقاً لـ«هندى».
ويجب على الوالدين وضع نظام للنوم وتحديده، ومساعدة الطفل على خلق طقوس خاصة به فى كل مرة يستيقظ فيها للذهاب إلى المدرسة لكى لا يشعر بالملل: «لازم فى الوقت اللى هيناموا فيه نكون إحنا رايحين ننام، ما ينفعش أقول لهم كفاية تصفح على الإنترنت، وإحنا ماسكينه طول الليل والنهار وده بيساعدهم أنهم يتأهلوا نفسياً لأول سنة ليهم فى المدرسة».
مساعدة الطفل على التأقلم مع أقرانه واستيعاب المواد جيداً من خلال الحديث المتواصلالابتعاد تماماً عن أسلوب العنف عند التعامل مع الأطفال، وذلك لأنه غير مُجدٍ بالمرة، وينعكس سلباً على نفسيتهم ومستواهم الدراسى، ويجعل الطفل ضعيفاً وغير قادر على التحصيل، وفقاً لنصيحة الدكتور على شوشان استشارى الطب النفسى، مشيراً إلى أن هناك بعض الأمور التى تؤثر سلباً على التحصيل الدراسى للطفل، فوجب معرفة المستوى الفعلى للطالب، لأنه ربما يكون ليس ضعيفاً، وهذا يتوقف على ميله لبعض المواد دون الأخرى، وذلك عن طريق التقارب الذى يحدثه ولى الأمر مع طفله، ويجعله قادراً على التأقلم مع أقرانه واستيعاب المواد الدراسية جيداً دون الحاجة إلى أى عنف للتعامل معه: «يتوجب على الآباء فى هذه الحالة الاقتراب من الطفل، ومحاولة معرفة مدى ضعفه وفهم المشكلة والعمل على حلها، ربما تكون المشكلة فى عدم قدرته على التواصل مع أقرانه أو المدرسين وهذا هو السبب وراء ضعفه الدراسى».
ولتأهيل الطفل نفسياً قبل الالتحاق بالمدرسة من الأفضل له أن يلتحق بحضانة قبل عامين على الأقل، لأنها تمهد له الكثير من الخطوات فتصبح هى الفيصل بين حياته الأسرية داخل المنزل وحياته الخارجية مع المجتمع، وهنا تبدأ تهيئته نفسياً ليعرف أن التعليم يشمل الترفيه والتعلم، حسب الدكتور مجدى حمزة، الخبير التربوى، كما يتعين على الأب والأم أيضاً البدء فى تشكيل وعى الطفل بشأن المدرسة قبل مدة كافية من بدء الدراسة -بأسبوعين أو ثلاثة على الأقل- والحديث معه عن إيجابياتها، فضلاً عن تكوينه صداقات جيدة مع أطفال فى نفس مرحلته العمرية، وكذلك تعامله مع مدرسين يحبونه.
فيما ينصح الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، الآباء والأمهات بالذهاب مع الطفل فى أول يوم للدراسة، لأن هذا يمنحه شعوراً بالأمان والثقة بالنفس، لكن فى الوقت ذاته يجب على الأمهات تجنب البكاء والتأثر أمام صغارهن حتى لا يتم تعويدهم على البكاء وبث شعور الخوف داخلهم فى كل يوم يذهبون فيه للمدرسة، وبجانب بث شعور الطمأنينة فى نفس الطفل بشأن المدرسة ومُعلميه يجب إنماء بعض القيم والنصح داخله بشأن كيفية الحفاظ على أدواته الشخصية وحب التعاون مع زملائه داخل الفصل الدراسى، فضلاً عن مساعدته على التركيز داخل الفصل بسؤاله عما درس خلال يومه، وماذا استفاد داخل فصله من المدرسين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العام الدراسى الجديد كثافة الفصول عجز المعلمين عودة الطلاب الطفل نفسیا
إقرأ أيضاً:
مدرسة الأمانة في مسقط.. من التبشير إلى التعايش
أنور الخنجري
حينما بدأت البعثة التبشيرية الأمريكية عملها في مسقط أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن التعليم سوى وسيلة من وسائلها لتثبيت النفوذ وبسط التأثير الثقافي والديني، وبذلك، يُنسب إليها إنشاء أول مدرسة "حديثة" في البلاد عام 1893 على يد القس بيتر زويمر، أول راعٍ للكنيسة في مسقط، والمسؤول الأول عن البعثة هناك، وهو شقيق المبشّر المعروف صموئيل زويمر. لقد جاء هذا الجهد التعليمي متزامنًا مع سعي البعثة لترسيخ حضورها الديني والمجتمعي، من خلال الدخول في نقاشات عقائدية في الأسواق والقرى، وبيع نسخ "الإنجيل" عبر مكتبة عُرفت باسم "مكتبة الكتاب المقدس"، وكانت في السوق الداخلي بمسقط. شكّلت هذه المكتبة آنذاك، بالإضافة إلى مستشفيات البعثة في مسقط ومطرح لاحقًا، منبرًا للحوار بين السكان المحليين والمبشرين الأجانب الذين تعاقبوا على إدارة البعثة في مسقط، وعلى رأسهم القس زويمر وآخرين مثل جيمس كانتين، وديكاسترا، وكابنجا وغيرهم.
ومع مرور الزمن، تحوّلت هذه الجهود إلى إنشاء مدرسة داخلية لإيواء أبناء العبيد المحررين والتي تحولت لاحقًا إلى صرحٍ تعليمي معروف باسم "مدرسة الأمانة"، قبل أن تأخذ منعطفًا جديدًا في الثمانينيات، لتتحوّل إلى مؤسسة معنية بحوار الأديان. في هذا المقال، نسلط الضوء على هذه الرحلة الطويلة التي تتقاطع فيها السياسة والدين والتعليم والمجتمع، في قلب العاصمة العمانية – مسقط.
حملت المدرسة في بداياتها اسم "مدرسة أولاد الرقيق المحررين"، إذ استُقبل فيها ثمانية عشر طفلًا تم تحريرهم من مركبين شراعيين قبالة سواحل صور بواسطة فرقاطة بريطانية تابعة للبحرية الملكية. تراوحت أعمار هؤلاء الصبية بين السابعة والثالثة عشرة، ووُضعوا مؤقتًا تحت رعاية القنصل البريطاني والوكيل السياسي في مسقط الكابتن ف. و. بيفيل، الذي سرعان ما اعتبر الأمر عبئًا على القنصلية. وهكذا توصّل إلى اتفاق مع القس بيتر زويمر لإيوائهم وإعدادهم للحياة حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة.
طلب زويمر موافقة مجلس أمناء البعثة في نيويورك، الذي وافق على تأسيس المدرسة بشرط أن تبقى مؤقتة وألا تستقبل مزيدًا من الأطفال المحررين، الأمر الذي أثار حفيظة القس زويمر الذي عبر عن خيبة أمله من قرار المجلس الرافض لإيواء خمسين صبيًا إضافيًا تم تحريرهم في نفس العام، وبسبب ذلك، نُقل هؤلاء الأطفال إلى مؤسسات في مومباي، وهو ما وصفه زويمر لاحقًا بخطوة غير موفقة عرقلت جهود البعثة وخططها، إلا أن هذا الشرط عُدّل لاحقًا قبيل وفاة زويمر عام 1898، وبالتالي سمح للمدرسة الاستمرار في جهودها التعليمية.
عُرفت المدرسة آنذاك باسم "مدرسة بيتر زويمر"، وسعى مؤسسها إلى تزويد طلابه بالمهارات التي تتيح لهم حياة مستقلة وكريمة بعد التخرج. ورغم أن التعليم بدأ باللغة الإنجليزية، إلا أن افتقار الطلبة إلى المهارات الأساسية، بما في ذلك اللغة العربية، شكّل تحديًا كبيرًا، إذ كان يُفترض بهم التفاعل مع البيئة العربية المحيطة. ومع ذلك، تشير بعض تقارير البعثة إلى تهميش واضح للغة العربية لصالح الإنجليزية، التي اختيرت لغةً للتدريس بهدف عزل الطلاب عن الثقافة والمعتقدات الإسلامية السائدة.
بعد وفاة زويمر بثلاث سنوات، أُغلقت المدرسة، ووزّع معظم طلابها على منازل محلية أو التحقوا بمحطات البعثة المختلفة. وفي عام 1904، أُعيد افتتاحها كمدرسة نهارية بعد أن كانت داخلية. ثم أُغلقت مجددًا عام 1931 بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، قبل أن يُعاد افتتاحها عام 1939 باسم "مدرسة بيتر زويمر التذكارية"، والتي عُرفت محليًا أيضًا باسم "مدرسة البادري" (أي القس بالإنجليزية الأمريكية)، ثم لاحقًا باسم "مدرسة الأمانة"، وهو الاسم الذي احتفظت به حتى إغلاقها النهائي عام 1984.
إلى جانب هذه المدرسة، كانت هناك مدارس قرآنية تقليدية، ومدارس أهلية محدودة، أبرزها مدرسة الزواوي ومدرسة المعلم التونسي محمد علي بوذينة التي افتتحت في حي ولجات في مسقط عام 1914، ثم المدرسة السلطانية الأولى عام 1928، إلى أن جاء افتتاح المدرسة السعيدية عام 1940 في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وأثّرت هذه المدارس بدورها على جهود البعثة في نشر التعليم المسيحي المنهجي. ورغم ذلك، استمرت "مدرسة الأمانة" في جذب عدد من أبناء مسقط ومطرح، معظمهم من أبناء العاملين في مستشفيات البعثة، وبعض أبناء الأعيان والجاليات. ومع أن المدرسة حافظت على حضورها، إلا أنها لم تنجح في تحقيق تأثير مجتمعي واسع مقارنة بما حققته المرافق الطبية أو مكتبة "الكتاب المقدس"، التي تغيّر اسمها لاحقًا إلى "مكتبة العائلة". ومع انطلاق النهضة العمانية عام 1970، وتأسيس المدارس الحكومية المجانية، فقدت المدرسة تدريجيًا جاذبيتها، إلى أن توقفت تمامًا في منتصف الثمانينيات.
بعد أكثر من 130 عامًا من التفاعل بين المجتمع العماني والبعثة التبشيرية في مدينتي مسقط ومطرح، وفي ضوء المتغيرات الثقافية والاجتماعية، تغيّر الدور التقليدي للمدرسة ليصبح أكثر تفاعلا وعالمية وأخذ يعمل منذ عام ١٩٨٧، تحت مسماه الجديد "مركز الأمانة" كمؤسسة معنية بنشر ثقافة التسامح والتآلف بين الأديان، وفي عام ٢٠٠١ تم تسجيله رسميًا كمؤسسة غير ربحية تعمل تحت إشراف رسمي لتعزيز الحوار والتعايش بين الأديان، وبناء جسور التواصل بين المسلمين والمسيحيين. يتخذ "مركز الأمانة" من المنزل القديم لطبيب مستشفى مطرح مقرًا له، في دلالة رمزية على انتقال المؤسسة من التبشير إلى التعايش.
وهكذا، تبقى قصة "مدرسة الأمانة" شاهدة على تحولات عميقة عاشتها مسقط، حيث تداخلت مشاريع التبشير مع حاجات التعليم والصحة، وتفاعل المجتمع المحلي معها بمزيج من القبول الحذر والمشاركة العملية. وبينما تغيّرت الأهداف وتبدّلت الأسماء عبر العقود، ظل الإرث الإنساني والتعليمي للمكان حاضرًا، لا بوصفه مجرد ذكرى تاريخية، بل كدرس حيّ في كيفية تحوّل المؤسسات من أدوات نفوذ إلى جسور للحوار والتفاهم في عالم يتّسع للجميع.