اتجاهات التعامل.. ماذا ينتظر النيجر بعد الانقلاب؟ (دراسة)
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
في ٢٦ يوليو ٢٠٢٣ أُطيح برئيس النيجر محمد ببازوم في انقلاب قاده الجنرال عبدالرحمن تشياني، المعروف باسم عمر تشياني، رئيس وحدة الحرس الرئاسي في النيجر، وقد بدأت الرؤية تتضح أكثر للأحداث الدائرة في النيجر بعدما ظهر الجنرال عبد الرحمن تشياني على التلفزيون الرسمي، وأعلن بيانًا بصفته رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن، وكان تشياني، البالغ من العمر ٦٢ عامًا، قد تولى مهمة قيادة وحدة الحرس الرئاسي في النيجر في عام ٢٠١١، ثم رقّاه الرئيس السابق يوسفو إلى رتبة جنرال في عام ٢٠١٨.
وفي خطاب متلفز، قال تشياني إن رجاله العسكريين استولوا على السلطة بسبب مشكلات عديدة في النيجر، تشمل غياب الأمن وصعوبات اقتصادية وفساد. وحاول تشياني طمأنة حلفاء النيجر حول العالم، قائلًا إن قيادته ستفي بكل التزامات بلاده الدولية، بما في ذلك حقوق الإنسان.
وعلى الصعيد الداخلي، حذّر المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد الانقلاب معارضيه بقوة، متّهما أعضاء من الحكومة المعزولة- الذين لجأوا إلى سفارات دول أجنبية- بالتآمر عليه.
وقال المجلس إن تلك المحاولات قد تؤدي إلى إراقة الدماء، وهو ما تم تفاديه حتى الآن. ومنذ استقلالها عن فرنسا في عام ١٩٦٠، شهدت النيجر أربعة انقلابات عسكرية ناجحة، فضلًا عن عدد كبير من محاولات انقلابية فاشلة.
وقد زاد انقلاب النيجر من ضبابية المشهد في منطقة الساحل الأفريقي، لا سيما وأنه يأتي بعد انقلابين شبيهين في بوركينا فاسو ومالي إذ إن النيجر هي ثالث دولة تشهد انقلابًا منذ العام ٢٠٢٠.
مواقف متعددة
شجب شركاء نيامي الغربيون بقوة الانقلاب، فضلًا عن دول أفريقية عدة والأمم المتحدة، مع المطالبة بالإفراج عن محمد بازوم؛ حيث ندد رئيس نيجيريا بولا تينوبو الذي ترأس بلاده الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بالانقلاب ووعد بأن الجماعة والأسرة الدولية ستبذلان كل الجهود دفاعًا عن الديموقراطية وتجذرها في المنطقة.
وفي تصعيد من جانب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" تم فرض حظر سفر وتجميد أصول على المسئولين العسكريين الضالعين في محاولة الانقلاب بالنيجر وتجميد أصول جمهورية النيجر في البنوك المركزية للدول الأعضاء بها وإيقاف جميع المعاملات التجارية والمالية بين النيجر وجميع الدول الأعضاء فيها.
أما الاتحاد الأفريقي فقد أمهل العسكريين الانقلابيين ١٥ يومًا لإعادة السلطة الدستورية، فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لبازوم دعم واشنطن "الثابت، مشددًا على أن الانقلاب يهدد الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر.
وتحدث بلينكن إلى نيتوبو معربًا عن قلقه العميق ومشيدًا بجهود رئيس نيجيريا لإعادة النظام الدستوري في النيجر وفق ما أفاد به الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر. كما قرر الاتحاد الأوروبي وقف دعمه المالي للنيجر، ومن جانبها هددت الولايات المتحدة بفعل الشيء ذاته.
في الختام: تمتد تداعيات الانقلاب الذي شهدته النيجر على مستويات عديدة سواء فيما يتعلق بالاستقرار في منطقة الساحل والصحراء أو فيما يتعلق بانتشار جماعات التطرف والإرهاب، ومن المرجح أن تجلب محاولة الانقلاب في النيجر المزيد من انعدام الأمن إلى المنطقة ككل. إضافة لما ستجلبه من تحديات إضافية لواحدة من أفقر دول العالم فيما يتعلق ببناء الدولة وتنميتها، ولعل الزخم الإقليمي والدولي الذي ظهر لمواجهة تداعيات هذا الانقلاب تؤشر على حجم الضغوط التي يواجها قادرة الانقلاب للعدول عن موقفهم، بالإضافة إلى جهود الوساطة؛ حيث التقى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، بعد وصوله إلى العاصمة نيامي في إطار وساطة لحل الأزمة في النيجر، والإفراج عن بازوم وعودته إلى منصبه.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: النيجر انقلاب النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني فی النیجر فی عام
إقرأ أيضاً:
فيما الجوع يفتك بغزة.. أنظمة خليجية تغدق المليارات على ترامب وتُدير ظهرها لفلسطين
الثورة / متابعات
في وقت يشتد الحصار الخانق على قطاع غزة، ويُقاسي أبناؤه الجوع والمرض والمجازر المتواصلة، حط المجرم دونالد ترامب رحاله في العاصمة السعودية الرياض، متباهياً بوصوله ومستعرضاً انتصاراته الوهمية، وسط استقبال رسمي لافت من ولي العهد محمد بن سلمان، متناسياً وصف ترامب سابقاً لمملكة آل سعود بـ”البقرة الحلوب”.
وبينما كان ترامب في طريقه للرياض، استبقت قطر وصوله بالإعلان عن شراء طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار كهدية شخصية له، في مشهد يعكس حالة الانسلاخ الأخلاقي والتبعية العمياء لقوى الاستكبار العالمي، فمبلغ كهذا كان كفيلاً بإغاثة آلاف العائلات الفلسطينية المحاصرة في غزة، أو علاج الجرحى، أو إعادة إعمار ما دمره العدو الصهيوني، لكن المال السعودي والقطري والإماراتي اختار طريق الخضوع وشراء الولاءات.
وفي امتدادٍ لهذا الانحدار السياسي، لم تكتف تلك الأنظمة بإغداق أموالها على ترامب وأمثاله، بل ترافق ذلك مع أداء إعلامي مأجور يعمل على تزييف الوعي وتلميع صورة التطبيع مع الكيان الصهيوني، متجاهلًا الجرائم اليومية التي ترتكب بحق النساء والأطفال تحت الحصار والقصف، ما يجعله شريكاً أساسياً في المؤامرة لا مجرد متفرج صامت.
طفل يُحمّل جثمانه في كيس بلاستيكي، وأم تنادي أبناءها تحت الركام، ومشفى بلا وقود أو دواء، هكذا يبدو المشهد في غزة اليوم، في ظل صمت عالمي، وتخاذل أممي وخيانة عربية، وإغلاق كامل لكل المنافذ، فيما تغدق عدد من العواصم الخليجية أموالها على قاتل الشعوب ومدمر الأوطان.
وفي وقت كان ترامب يجري صفقات الابتزاز مع ولي عهد السعودية، كان المجرم بنيامين نتنياهو يطلق تهديدات جديدة باجتياح غزة، ويكشف عن تحركات تفاوضية مع دول أجنبية لترحيل سكان القطاع، في مؤشر واضح على نية الاحتلال المجرم تنفيذ مخطط التهجير القسري، باستخدام الحصار والتجويع كأدوات ضغط لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية.
وفي ظل التواطؤ المكشوف وتكامل الأدوار بين العدو الصهيوني والداعمين له من بعض الأنظمة الخليجية، جاءت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، كرد فلسطيني وطني جامع على غطرسة الكيان الغاصب، غير أن الأنظمة العربية العميلة أظهرت انحيازها السافر ضد المقاومة، متهمة إياها بالتمرد، ومتناسية أن هذه العملية انطلقت من منطلق وطني لا يختزل في فصيل أو جهة.
لقد أثبتت الأحداث أن من يعادي المقاومة، إنما يقف في صف العدو الصهيوني، حتى وإن ارتدى عباءة العروبة، فالمقاومة اليوم، بما تمتلكه من إرادة وشعبية وامتداد، لم تعد بحاجة لتصاريح الأنظمة، بل هي صوت الشعوب الرافضة للوصاية والهيمنة.
على النقيض من ذلك، كانت الجمهورية اليمنية قيادة وشعباً في طليعة الداعمين للمقاومة، منذ اللحظة الأولى، عبر الدعم السياسي والإعلامي والعسكري، بما في ذلك فرض حظر بحري شامل على السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، وخليج عدن، ما أدى إلى شلل ميناء “أم الرشراش” الصهيوني وتسجيل خسائر فادحة للعدو وصلت حد إعلان إفلاسه.
لم يتوقف الدور اليمني عند ذلك الحد، إنما واصلت القوات المسلحة اليمنية توجيه ضربات صاروخية وجوية نوعية على أهداف عسكرية إسرائيلية داخل الأراضي المحتلة، ما أجبر العدو على القبول باتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته قوى المقاومة، واشترط اليمن فيه تنفيذ كامل البنود دون خداع أو مراوغة.
ومع تنصل العدو من بنود الاتفاق وعودته لتصعيد عدوانه، انتقلت القوات المسلحة اليمنية إلى المرحلة الثانية من الردع، التي شملت إعلان حظر الملاحة الجوية في مطار “بن غوريون”، وهو ما مثل صدمة اقتصادية وأمنية كبرى لكيان الاحتلال.
التداعيات السريعة لإعلان الحظر الجوي طالت شركات الطيران والسياحة والاستثمار، وأربكت الداخل الإسرائيلي، وأثبتت للعالم أن المقاومة لم تعد محصورة داخل حدود فلسطين، بل بات لها عمق استراتيجي يمتد من اليمن إلى كل نقطة مقاومة حرة في الأمة.
تأتي زيارة ترامب إلى المنطقة – بحسب محللين سياسيين – في إطار استجداء المال الخليجي، لتعويض الفشل الأمريكي في إخضاع اليمن، وتراجع الهيمنة في البحر الأحمر، وفقدان القدرة على حماية حلفائه، وليست هذه الزيارة كما يُروج الإعلام الغربي والعربي بأنها جولة دبلوماسية، بل هي حملة ابتزاز علني، تمارسها واشنطن على أنظمة فقدت قرارها السيادي.
ويؤكد المحللون، أن هذه الزيارة، ليست مدفوعة برغبة في حل القضايا العالقة أو البحث عن مخرج للقضية الفلسطينية، وإنما جاءت في سياق سعيه للحصول على مليارات الدولارات من السعودية وقطر والإمارات، لترميم صورة أمريكا المتداعية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والحفاظ على ما تبقى من نفوذها في المنطقة.
فترامب لا يزور الخليج لحل نزاعات، بل لصب الزيت على النار، وضمان استمرار التوترات التي تبقي سوق السلاح مفتوحاً، والمليارات الخليجية تحت الطلب، في ظل غياب مشروع وطني لدى تلك الأنظمة سوى البقاء تحت حماية البيت الأبيض.
في مقابل هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي، يبرز موقف اليمن كصوت حر شجاع ونموذج صادق في دعم القضية الفلسطينية، ليؤكد أن زمن الخضوع والارتهان قد ولّى، وأن الكلمة العليا ستكون للشعوب الحرة لا للأنظمة المأجورة.
ما يجري اليوم هي معركة كرامة وهوية وقرار، تتكشف فيها المواقف وتصاغ فيها المعادلات، واليمن في قلب هذه المواجهة يتحرك بثبات من منطلق إيماني وشعبي أصيل، يرى في فلسطين القضية المركزية للأمة، ويجسد بخياراته وفعله الواعي موقفاً راسخاً لا تحكمه الحسابات المؤقتة، بينما تمضي السعودية وقطر والإمارات في تسخير ثرواتها لصالح أعداء الأمة وتحويلها إلى صناديق تمويل للعدوان، غافلة عن أن الشعوب تُدرك وتُسجّل، وأن المرحلة المقبلة تُبنى فيها المواقف بالانحياز الصادق لقضايا الأمة وفي مقدمتها فلسطين.
المصدر / سبأ