غزة- عندما سمعت هديل شحادة بخروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة، قالت: "شعرت باختناق، وتملكتني مشاعر سيئة وكأن الموت يوشك أن يخطفني"، هكذا لخصت الحال المريضة التي تعاني سرطان الغدة الليمفاوية منذ 8 أعوام.
ويجافي النوم عيني هديل (35 عاما) بعد الاستهداف العنيف الذي شنته طائرات حربية إسرائيلية على هذا المستشفى الواقع جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، الذي ضربته بحزام ناري يوم 13 مايو/أيار الجاري، وهو المشفى الوحيد الذي يقدم خدمات طبية لمرضى السرطان بعد تدمير الاحتلال "مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي" في مدينة غزة وخروجه عن الخدمة كليا.
وعقب هذا الاستهداف، أعلنت وزارة الصحة خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن ذلك تسبب في "توقف خدمات حيوية، من بينها جراحة الأعصاب والرعاية القلبية وعلاج السرطان، وهي خدمات غير متوفرة بأنحاء أخرى في قطاع غزة".
"إنه حكم بالإعدام على آلاف المرضى"، تقول هديل للجزيرة نت، وهي تطل من هوة أحدثتها غارات جوية إسرائيلية على مركز شرطة مدمر في حي النصر شمال مدينة غزة، حيث لجأت مع والديها المسنين، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، إثر النزوح الأخير من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع.
اكتشفت هديل إصابتها السرطان عام 2017 ، ومنذ ذلك الحين دأبت على المراجعة الدورية في مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي، الذي نسفته قوات الاحتلال قبل بضعة أسابيع، إذ كان الوحيد الذي يقدم خدمات طبية لزهاء 10 آلاف مريض بالأورام والسرطان في القطاع.
إعلانوإثر اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اضطرت هديل وأسرتها للنزوح من شمال القطاع لجنوبه، وتنقلت مرارا من مكان إلى آخر، وبات الوصول إلى مستشفى الصداقة مهمة شبه مستحيلة ومحفوفة بمخاطر جمة.
وتقول إن "الحرب أشد وقعا علينا، نحن المرضى، إذ نواجه الموت بالأشكال والألوان"، ولم تدم الرعاية الطبية في مستشفى غزة الأوروبي ليكون بديلا عن الصداقة طويلا، وبات المرضى بخروجه معن الخدمة يواجهون مصيرا يحفه خطر الموت.
وتمتلك هديل تحويلة طبية للعلاج بالخارج منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غير أنها لم تتمكن من السفر بسبب القيود الإسرائيلية على معبر كرم أبو سالم التجاري، الذي يستخدمه الاحتلال استثنائيا لسفر حالات قليلة من المرضى، ليصبح بديلا عن معبر رفح البري المغلق منذ اجتياح مدينة رفح في السادس من مايو/أيار 2024.
وهديل واحدة من بين زهاء 25 ألفا من المرضى والجرحى الذين ينتظرون فرصة السفر على قوائم العلاج بالخارج، وتقول إن علاجها لا يتوفر في القطاع، فقد كانت تعيش على مسكنات تحصل عليها من مستشفى غزة الأوروبي، لكنها لا تعلم ما الذي ستفعله بعد توقفه عن العمل، وسط عدم توفر العلاج في الصيدليات القليلة التي لا تزال تعمل في القطاع، فضلا عن عدم قدرتها المادية على شرائه وإن توفر.
كان المشفى "الأوروبي" آخر أمل يربط المريضة منى الآغا بالحياة، وهي تنتظر أن تتاح لها الفرصة للسفر والعلاج بالخارج من مرض سرطان المعدة، الذي اكتشفته قبل 5 شهور، واستشرى في أنحاء جسدها.
وعلى سرير في قسم الباطنة بمجمع ناصر الطبي تلقي منى (30 عاما) بجسدها المنهك، منذ أن نقلتها سيارات الإسعاف ومرضى آخرين من مستشفى غزة الأوروبي، حيث قررت إدارته إخلاءه من المرضى، إثر تعرضه للاستهداف المباشر.
إعلانوبلسان مثقل بالألم، وبكلمات قليلة تكابد من أجل نطقها وهي تلهث كمن ركض لمسافة طويلة، تقول الآغا للجزيرة نت إن "الوضع هنا سيئ جدا، وبالأمس شعرت بالموت وأنا بانتظار مسكن من آلام شديدة".
ومع عدم توفر مركز خاص بالأورام في مجمع ناصر، يتملك علي حامد (37 عاما) القلق على زوجته منى لعدم توفر العلاج والرعاية، ويقول للجزيرة نت: "في الأوروبي، يوجد مركز مختص بالأورام، ورغم الحرب والحصار، فإن الرعاية والخدمة الطبية أفضل بكثير بالنسبة لمرضى السرطان".
وهذه المريضة أم لـ4 أطفال، وتقيم في خيمة مقامة على أنقاض منزلها المدمر في بلدة بني سهيلا شرق مدينة خان يونس، وبألم شديد تقول إنها تشعر بقلق شديد على نفسها وأطفالها إذا طالت مدة خروج المستشفى الأوروبي عن الخدمة، وتوقفت الرعاية الطبية التي كانت تتلقاها هناك في مركز الأورام.
وعلى سرير مجاور، تجلس تهاني أبو مصطفى (38 عاما)، في حالة إعياء شديدة، جراء معاناتها من مرض السرطان في البطن، الذي اكتشفته بعد استشهاد زوجها في العام الأول للحرب.
تحاملت تهاني أبو مصطفى على آلامها، وبكلمات قليلة تحدثت بها للجزيرة نت وكأنها تنتزعها انتزاعا، قالت إنها تشعر بقلق شديد على أبنائها الستة إن فارقت الحياة، وتضيف أن قلقها ازداد بعد خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة، وعدم توفر العلاج الخاص بها في أي مكان آخر بالقطاع.
موت متربصيجزم مدير تمريض مركز غزة للسرطان التابع لوزارة الصحة طارق المحروق أن "خطرا حقيقيا يحدق بآلاف مرضى السرطان والأورام"، بعد استهداف الاحتلال مستشفى غزة الأوروبي وإلحاق أضرار جسمية ببنيته التحية وأقسامه الداخلية، وخروجه عن الخدمة.
ويقول المحروق -للجزيرة نت- إن نقل هؤلاء المرضى اضطراريا لمجمع ناصر الطبي ينطوي على مخاطر حقيقية على حياتهم، إذ إن هذا المجمع غير مؤهل للتعامل مع الأمراض السرطانية والأورام.
ويشير هذا المسؤول الصحي إلى أن الفترة الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في وفيات مرضى السرطان، بسبب القيود الإسرائيلية على إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، علاوة على القيود المفروضة على السفر للعلاج بالخارج.
وحتى قبل خروج "الأوروبي" عن الخدمة، يقدر المحروق أن 90% من مرضى السرطان والأورام من سكان شمال القطاع كانوا محرومين من تلقي الخدمة الطبية بانتظام، بسبب مخاطر الطريق للوصول إلى المستشفى، في ظل سيطرة الاحتلال على شارع صلاح الدين، وتعقيدات التنقل عبر شارع الرشيد الساحلي.
إعلانوقال إن 10 آلاف مريض سرطان كانوا يتابعون في مستشفى الصداقة قبل تدميره وتوقفه عن العمل تماما، وهؤلاء يواجهون مصيرا مجهولا، حيث لا وجهة طبية تتوفر فيها الخدمة والرعاية اللازمتين لهم في عموم القطاع في الوقت الحالي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مستشفى غزة الأوروبی الأوروبی عن الخدمة مستشفى الصداقة مرضى السرطان للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
“صحة بني سويف تستأجر المودة الخيري لتشغيل ببا المركزي حتى انتهاء المستشفى الجديد بتكلفة مليار جنيه
في خطوة تستهدف ضمان استمرار الخدمة الصحية المقدمة لأهالي مركز ببا دون أي انقطاع، وقّع الدكتور هاني جميعة، وكيل وزارة الصحة ببني سويف، عقد تجديد استئجار مستشفى المودة الخيري ليكون المقر المؤقت لـ مستشفى ببا المركزي، وذلك بعد موافقة المحافظ الدكتور محمد هاني غنيم، ووفقًا لقانون تنظيم التعاقدات والعقد النموذجي الصادر عن الهيئة العامة للخدمات الحكومية.
لقطة من التوقيع تجديد التعاقد بين الصحة والجمعية الخيرية ببباتم توقيع التعاقد بين مديرية الشؤون الصحية ببني سويف ممثلة في وكيل الوزارة، والجمعية الخيرية الإسلامية بمركز ببا ممثلة في رئيس مجلس إدارتها السيد رجب أبو زيد محمد، بهدف استمرار تقديم خدمات طبية شاملة للمواطنين وضمان تشغيل المستشفى المركزي خلال فترة الإنشاء.
لقطة من التوقيعاستمرار الخدمات الطبية دون انقطاع
أكد الدكتور هاني جميعة أن تجديد التعاقد يأتي استجابة مباشرة لاحتياجات المواطنين، وضمانًا لعدم توقف الخدمة الطبية، مع تقديم رعاية صحية متكاملة وبأعلى مستوى من الجودة والكفاءة.
لقطة من اىتوقيعالمودة.. مقر مؤقت حتى الانتهاء من المستشفى الجديد
وأوضح وكيل الوزارة أن مستشفى المودة سيعمل كمقر بديل ومؤقت حتى الانتهاء من إنشاء مستشفى ببا المركزي الجديد، وذلك لضمان استمرارية العمل وتلبية احتياجات الأهالي دون تأثر بفترة التطوير.
مستشفى ببا المركزي الجديد.. مشروع بتكلفة تتجاوز مليار جنيهوأشار جمعة إلى أن المستشفى الجديد من المتوقع الانتهاء منه في يونيو 2026، بتكلفة تتجاوز مليار جنيه، في إطار خطة الدولة ووزارة الصحة لتطوير المنظومة الصحية ورفع جودة الخدمات المقدمة للمواطنين في جميع مراكز المحافظة.
دعم الدولة للبنية التحتية الصحية بالمحافظة
ويأتي هذا المشروع ضمن رؤية شاملة لتطوير البنية التحتية الطبية بمحافظة بني سويف، وبناء مستشفيات أكثر حداثة وتجهيزًا، بما يعزز القدرة على تقديم خدمات طبية متقدمة تلبي المعايير الحديثة وترفع مستوى الرعاية الصحية.
ثقة تتجدد بين المواطن والمنظومة الصحية
ويجسد هذا التعاقد حرص الدولة على أن تظل صحة المواطن في المقام الأول، وأن تستمر الخدمة الطبية دون أي انقطاع خلال مراحل التطوير. فبينما يرتفع صرح مستشفى ببا المركزي الجديد بتكلفة تتجاوز المليار جنيه، ترتفع معه ثقة الأهالي في منظومة صحية تعمل من أجلهم، وتخطو بثبات نحو مستقبل أكثر تطورًا وإنسانية، ليبقى المريض مطمئنًا بأن هناك من يسعى لتقديم الأفضل له في كل وقت.