مفوض شؤون اللاجئين: امسالوضع في السودان يائس .. والمجتمع الدولي لا يهتم
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
حذّر المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في مقابلة مع وكالة فرانس برس من أنّ الوضع في السودان "يائس" والمجتمع الدولي "لا يلاحظ ذلك"، مشيرا بالخصوص إلى أوضاع النازحين الذين يحاولون الفرار من البلد الغارق في الحرب.
وقال غراندي إنّ "هذه الأزمة الخطيرة للغاية - أزمة حقوق الإنسان وأزمة الاحتياجات الإنسانية - تمرّ دون أن يلاحظها أحد تقريبا في مجتمعنا الدولي" المنشغل بأزمات أخرى، من أوكرانيا إلى غزة.
وأوضح أنّه منذ بدء الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023 "نزح أكثر من 10 ملايين شخص من ديارهم"، بينهم أكثر من مليوني سوداني لجأوا إلى دول أخرى.
لكنّ "ما يثير القلق" بالنسبة للمسؤول الأممي هو أنّ "الناس بدؤوا ينتقلون إلى ما هو أبعد من الجوار المباشر في محاولة منهم للعثور على المساعدة في مكان أبعد".
أوغندا ومصر
وأضاف "على سبيل المثال، شهدنا زيادة كبيرة في عدد اللاجئين الذين يصلون إلى أوغندا"، مشيرا إلى أنّ 40 ألف شخص وصلوا إلى هذه الدولة التي لا تربطها حدود مشتركة مع السودان.
وتقع أوغندا جنوبي دولة جنوب السودان الغارقة بدورها في أزمة متعددة الأبعاد.
وأعرب غراندي عن خشيته من إمكانية أن يذهب هؤلاء اللاجئون "أبعد حتى" من هذا البلد.
وأوضح أنّ "أكثر من 100 ألف سوداني" وصلوا أيضا إلى ليبيا، "ولسوء الحظ، بسبب وجود شبكات تهريب والقرب من أوروبا، يحاول كثيرون منهم ركوب قوارب للذهاب إلى إيطاليا أو دول أوروبية أخرى".
وتابع "لقد حذّرنا الأوروبيين"، مشدّدا على أنّه إذا ظلّت المساعدات الإنسانية للسودان غير كافية فإنّ السودانيين "سيواصلون المضي قدما" على طريق الهجرة.
وحذّر المفوّض السامي من أنّه "للأسف، بدأت هذه الأزمة تؤثّر على المنطقة بأكملها بطريقة خطرة للغاية".
وتستقبل كلّ من تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى عشرات آلاف اللاجئين السودانيين، وكذلك تفعل مصر الحدودية مع السودان.
ولفت غراندي إلى أنّ "وصول أعداد كبيرة من اللاجئين من بلد غير مستقرّ مثل السودان أخاف الحكومة المصرية" التي فرضت قيوداً على وصولهم، مشيراً إلى أنّ القاهرة أبقت على قسم كبير من هذه القيود على الرغم من الدعوات التي وجّهت إليها لتخفيفها.
ومنذ أبريل 2023، تدور حرب طاحنة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق الفريق محمد حمدان دقلو.
وخلّفت هذه الحرب عشرات آلاف القتلى، في حين يواجه حوالي 26 مليون سوداني انعداما حادا في الأمن الغذائي.
وأُعلنت حالة المجاعة في مخيّم زمزم الواقع في إقليم دارفور قرب مدينة الفاشر حيث شنّت قوات الدعم السريع في نهاية الأسبوع الماضي هجوما "واسع النطاق" بعد حصار استمرّ أشهرا عدّة.
الفاشر
وقال غراندي "ليست لدينا سوى معلومات متناثرة حول ما يحدث داخل" الفاشر.
وبحسب خبراء أمميين فإنّ هجمات قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها تسبّبت في 2023 بمقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص في مدينة الجنينة وحدها، عاصمة ولاية غرب دارفور.
وأعرب المفوّض السامي عن أسفه لأنّ المجتمع الدولي لم يعر الأزمة في السودان الاهتمام الكافي، حتى قبل اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر.
وقال إنّ الحرب في السودان كانت "مهمّشة إلى حدّ بعيد" على الرغم من آثارها الهائلة، معربا عن أسفه "لحالة نقص الاهتمام المخيفة والصادمة" بالأزمات التي تعصف بإفريقيا، من منطقة الساحل إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية.
وتساءل غراندي "ما هو مستقبل بلد مثل السودان الذي دمّرته الحرب حتى لو حلّ السلام فيه؟"، مشيرا إلى أنّ الطبقة المتوسطة التي أبقت هذا البلد "صامدا" طيلة عقود من الاضطرابات والحروب "تمّ تدميرها" الآن.
وقال "هم يعلمون أنّ الأمر انتهى: لقد فقدوا أعمالهم، ودُمرت منازلهم، وقُتل العديد من أحبائهم. إنّه أمر فظيع"، وبالتالي "ما هو مستقبل الشعب السوداني؟".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان إلى أن
إقرأ أيضاً:
بين تهنئة محمد كاكا ودعم حفتر … ماذا يحدث في خاصرة السودان الغربية؟
بدت بعض التهاني المتبادلة في عيد الأضحى هذا العام، كستار كثيف يُخفي وراءه دخان المعارك وترحال المتحركات.
ففي ذات الوقت الذي وجه فيه الرئيس التشادي محمد ديبي (كاكا) برقية تهنئة للرئيس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ، بمناسبة عيد الأضحى، كانت الرمال الليبية تهتز تحت عجلات عربات عسكرية في طريقها شرقًا، تعبر عبر المثلث الحدودي بين ليبيا وتشاد والسودان، متجهة نحو أقصى شمال دارفور، في محاولة جديدة لإعادة تموضع ميليشيا الدعم السريع الإرهابية.
وبين التحية والعبور، تتكشّف أبعاد تحالفات غير مرئية، تحاول ترسيخ واقع جديد على حدود السودان الغربية، باستخدام وكلاء بلا قضية، وإسناد عابر للسيادة.
*حفتر: جيش نظامي وخيوط مليشياوية متشابكة*
لا يمكن قراءة تحركات المشير خليفة حفتر دون استحضار تركيبة جيشه العسكرية ومشروعه السياسي. فالرجل الذي يسيطر على شرق ليبيا يدير قوة تتجاوز 70 ألف عنصر، تضم وحدات نظامية إلى جانب مليشيات قبلية ومقاتلين مأجورين. يتوزع نفوذه بين بنغازي وطبرق وسبها، مع تمدد واضح نحو الجنوب الليبي، خاصة في مناطق الكفرة ومرزق.
يعتمد حفتر في تسليحه على خليط من المدرعات الروسية والصينية، والطيران السوفيتي القديم، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، إلى جانب دعم استخباراتي ولوجستي من جهات إقليمية متعددة.
لكن القوة الحقيقية لحفتر لا تقف عند قواته الرسمية، بل تمتد إلى مليشيات مثل:
• لواء الصحراء (الذي يضم مقاتلين من الطوارق والتبو)
• كتيبة طارق بن زياد المعروفة ببطشها في المناطق النائية
• ومجموعات من المرتزقة القادمين من تشاد والنيجر ومالي، يستخدمهم للعمليات غير النظامية، والتنقل في مناطق النفوذ المتداخلة.
*الدعم الحفتري للميليشيا: مناورات استراتيجية أم توريط غير مباشر؟*
مليشيا الدعم السريع الإرهابية، التي تخوض حرباً شرسة ضد الدولة السودانية، تسعى منذ أشهر للحصول على دعم عسكري خارجي يعوّض خسائرها المتلاحقة، بعد أن تلقت ضربات موجعة في العاصمة الخرطوم وأطرافها، من بعد أن تمّ طردها من ولايتي سنار والجزيرة، وبعد أن تلقت كذلك ضربات موجعة في معاقلها في دارفور.
وجدت المليشيا في خليفة حفتر ضالتها، إذ منحها ممرًا بريًا عبر الجنوب الليبي، لتجميع المرتزقة، وتمرير السلاح، وإعادة تموضع مقاتليها المنهكين، ومن الواضح أن حفتر تلقى طلباً، أو إمراً، من داعميه الإقليميين ليفعل ذلك.
تقدر المصادر التي تحدثت إلى “المحقق”، الحضور الميداني للميليشيا داخل ليبيا، ما بين 800 و1200 عنصر، نسبة كبيرة منهم من المرتزقة (تشاديين، نيجريين، وفلول الطوارق من شمال مالي)، مقابل عناصر سودانية قليلة ومنهكة.
تسليحهم لا يتجاوز البنادق الروسية (كلاشنكوف)، ومدافع PKM، وعدد محدود من العربات “التاتشر” المزودة بدوشكا، مع غياب تام للغطاء الجوي أو القدرات الدفاعية المتقدمة. وتنتشر هذه العناصر في محيط الكفرة وسبها، في بيئة قبلية لا توفر غطاءً مستقرًا، ولا شرعية ميدانية.
*نقاط الضعف التي يمكن استثمارها عسكرياً*
رغم هذا التحشيد، إلا أن مكامن الضعف فيه أكبر من مظاهر القوة الظاهرة:
• فالمرتزقة بلا عقيدة، وبلا دافعية للقتال.
• طرق الإمداد الصحراوية مكشوفة، يسهل رصدها واستهدافها جوًا.
• غياب الحاضنة الاجتماعية في شمال دارفور يحرمهم من أي امتداد حقيقي.
• انعدام السيطرة المركزية يجعل كل وحدة في الميدان جزيرة معزولة.
الجيش السوداني، بقوته المنظّمة ومعرفته الدقيقة بطبيعة الأرض والمجتمع، قادر على استثمار هذه الثغرات لتوجيه ضربات مركزة تقطع الإمداد، وتفكك التمركز، وتُفشل المخطط بأقل كلفة.
*الوجهة المحتملة: دارفور لا الشمالية*
رغم انتشار الشائعات حول توجه هذه القوات إلى الولاية الشمالية، إلا أن المعطيات الجغرافية والعسكرية تشير بوضوح إلى أن الهدف الحقيقي يبقى دارفور، خصوصًا محاور كبكابية، كتم، وزالنجي، في محاولة يائسة من الميليشيا لإعادة النفوذ المفقود.
فالولاية الشمالية بطبيعتها الجغرافية وبيئتها السكانية لا توفر أي حاضنة أو خطوط إمداد لوجستية لهذه الجماعات، ما يجعل مهاجمتها عملاً مكلفًا لا طائل منه.
*ميليشيا الدعم السريع: ارتباك القيادة وتآكل البنية*
منذ هزيمتها في أم درمان والخرطوم، تعيش ميليشيا الدعم السريع الإرهابية حالة من التخبط والفقدان الكامل للبوصلة. انقطعت خطوطها الرئيسية، وتفككت وحداتها، وتراجعت معنوياتها، وبدأت دائرة التمرد الداخلي في التوسع.
فشلت قيادتها في تعويض النقص البشري، فلجأت إلى المرتزقة، وهو ما زاد من الهشاشة الميدانية. ولم تعد تملك مشروعًا سياسيًا ولا قدرة على التحكم في مشهد معقد، وهو ما يجعلها اليوم عبئًا حتى على الجهات التي تساندها.
*الرد لا يكون بالسلاح وحده… بل بالضغط المتعدد المحاور*
المعركة الحالية تتجاوز جغرافيا الرصاص. بل المطلوب الآن عمل سياسي استخباراتي موازي يشمل:
• استهداف المليشيات الداعمة لحفتر داخل ليبيا بقصد تغيير مواقفها مما يحدث في السودان.
• فتح جبهة إعلامية ودبلوماسية تكشف ضلوع حفتر في زعزعة استقرار السودان.
• تحييد المرتزقة عبر التواصل مع دولهم الأم أو بوسائل التأثير الميداني.
بهذا التكامل بين الميدان والسياسة والمجتمع، يمكن بناء جدار منيع، لا تصمد أمامه تحالفات المرتزقة، ولا أوهام أمراء الحروب.
في الختام، فإن ما يجري في خاصرة السودان الغربية ليس مجرد تحرك عسكري، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على حماية حدودها، وردع من تسوّل له نفسه استخدام ترابها كأرض عبور لمشاريع تخريبية.
الجيش السوداني اليوم لا يدافع فقط عن الجغرافيا، بل عن هوية وطن، ومستقبل أمة، وإرادة شعب يرفض أن يكون رهينة لوكلاء الخارج.
الخرطوم – المحقق
إنضم لقناة النيلين على واتساب