لماذا يتصرف الأطفال بشكل أفضل في وجود الأب؟
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
تعاني الأمهات من تصرفات الأطفال ورفضهم اتباع القواعد أو الاستماع إلى التعليمات التي تتكرر عشرات المرات خلال اليوم. في المقابل، يلتزم الأطفال بالقواعد في حضور الأب، ويبدون اهتماما بتوجيهاته من المرة الأولى. فما السبب وراء تصرف الأطفال بشكل أفضل عندما يكون الأب حاضرا؟
تأثير الأب أقوىتلاحظ الأم أن طفلها يميل إلى إثارة الفوضى والانشغال بها طوال اليوم، متجاهلا توجيهاتها، بما في ذلك القواعد التي تضعها له مثل مواعيد النوم أو تنظيف الأسنان، حيث يتجنب الالتزام بها.
وجد العلماء أن تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم، بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ، حيث يتضح أن أسلوب التربية الذي يتبعه الأب يكون أكثر تأثيرا بشكل كبير مقارنة بأسلوب الأم.
في مقال منشور على موقع مؤسسة "فاذر ماترز"، قال رونالد رونر، مدير مركز دراسة القبول والرفض بين الأشخاص في جامعة كونيتيكت: "لقد وجدنا أن الآباء ليسوا مؤثرين فحسب، بل في بعض الأحيان لهم تأثير أكبر على نمو الأطفال مقارنة بالأمهات".
وأشار رونر إلى أسلوب التربية الذي يطلق عليه "الأبوة المتسلطة" وهو أسلوب يتميز بالدفء والحب، والمساءلة عن القواعد ولكن مع تقديم تفسيرات لسبب وجود هذه القواعد، ومنح الاستقلالية المناسبة لعمر الأطفال، لا فتا إلى أن الآباء الأكثر فعالية هم أولئك الذين يستمعون إلى أطفالهم، ويقيمون علاقات وثيقة معهم، ويضعون القواعد المناسبة، ولكنهم يمنحونهم أيضا الحريات المناسبة.
وأضاف رونر إلى أن الأطفال يميلون إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لما يفعله الأب ويقوله مقارنة بأمهاتهم، وهو ما يكون له تأثير أكبر على سلوكهم.
لماذا يتصرف الطفل بشكل أفضل مع الأب؟يظهر الأطفال مزيدا من التعاون والامتثال مع الأب مقارنة بالأم. يطرح موقع "بابي شيك" عددا من الأسباب التي تؤثر على الطفل وتجعله يستجيب بشكل أفضل وأكثر مرحا مع الأب، منها:
1- الوقت: في العديد من العائلات تقضي الأم وقتا أطول مع الأطفال مقارنة بالأب، مما يجعلها أكثر عرضة لملاحظة السلوكيات الصعبة ببساطة لأنها تمضي معهم وقتا أطول.
إضافة إلى ذلك، الحالة العاطفية تؤثر، مع قضاء الأم وقتا أطول مع الأطفال إضافة إلى المسؤوليات الأخرى فإنها تكون أكثر عرضة للشعور بالإرهاق، وقد يكون من الصعب عليها التفاعل بإيجابية، مما يؤثر على سلوك الطفل. أما الأب، الذي قد يقضي وقتا أقل، فيصبح حضوره جديدا ومثيرا للأطفال، مما يخلق تفاعلات أكثر إيجابية.
2- أسلوب التربية: يلعب أسلوب التربية دورا مهما في كيفية تصرف الأطفال مع كل من الوالدين. الأطفال قادرون على التكيف، وإذا اختلفت طريقة التربية بين الوالدين، سيختلف سلوك الأطفال تبعا لذلك.
تميل معظم الأمهات إلى وضع حدود ثابتة لكنها تتفاوض كثيرا مع الأطفال وتتراجع أحيانا، بينما معظم الآباء صارمين ولا يسمحون بالتفاوض، سيتصرف الأطفال بمزيد من المقاومة مع الأم والتزام أكثر مع الأب. وفي نمط آخر، قد تكون الأم متساهلة والأب يتعاون مع الأطفال في وضع الحدود، سيستجيب الأطفال لكل والد بطريقة مختلفة، ويستغلون تساهل الأم لإحداث فوضى أكثر بينما يلتزمون بالحدود التي وضعوها مع الأب. المهم هو ملاحظة تأثير أسلوب التربية على سلوك الطفل لتعديل الديناميكية وفقا للحاجة.
3- تأثير لغة الجسد على الطفل: يتأثر سلوك الأطفال بشكل مباشر بتفاعلاتهم مع البالغين بشكل عام والوالدين بشكل خاص، من خلال ما يعرف بالخلايا العصبية "المرآتية" وهي خلايا المخ المسؤولة عن الاستجابة.
فعندما يرى الطفل أحد والديه مبتسما، يميل للرد بنفس الحماس والراحة. وعلى العكس، إذا كان الوالد مرهقا أو منزعجا، سيستجيب الطفل غالبا بالمشاعر السلبية نفسها. بالتالي، تعبيرات الوجه ولغة الجسد للأب أو الأم تؤثر بشكل كبير على سلوك الطفل، حيث يميل الأطفال إلى تقليد ما يرونه في تفاعلاتهم اليومية. ولأن طاقة الأم تستنفد خلال اليوم مع رعاية الأطفال والبيت والعمل يكون تفاعلها وتعبيراتها مرهقة ومتوترة على عكس الأب، فيحاكي الطفل كل والد بما يراه.
4- التعلق الآمن: يعتبر الطفل الأم، تحديدا، بمثابة الملاذ الآمن، وهو ما يسهم في بناء ارتباط آمن لدى الطفل. وبينما يعد التعلق الآمن مفهوما أساسيا يؤثر في سلوك الأطفال تجاه والديهم، فإن الأم تكون حجر الزاوية في ذلك. تستطيع الأم بطبيعتها استيعاب الطفل ومشاعره أكثر، وقد تتراجع عن عقابه أو القواعد التي فرضتها، يشعر الطفل أن هناك مساحة آمنة للخطأ والتعبير عن مشاعره بأمان أكثر. لذا فإن السلوك الصعب من الطفل، أحيانا، دليل على أنه يشعر بالأمان ويمكنه أن يعبر عن نفسه دون خوف.
كيفية التعامل معههناك عدد من الإستراتيجيات والطرق التي قد تساعد في التعامل مع الطفل الذي يظهر سلوكا أفضل في وجود الأب مقارنة بالأم:
التواصل الفعال: من الضروري التحدث مع الطفل لفهم مشاعره وأفكاره حول العلاقة مع كلا الوالدين. وسؤاله عن الأشياء التي يحبها في قضاء الوقت مع الأب وكيف يشعر عندما يكون مع الأم.
خلق بيئة إيجابية عند وجود الأم: من الممكن تعزيز سلوكيات الطفل الجيدة عند التفاعل مع الأم من خلال الثناء عليه والتشجيع واللعب معه وممارسة هوايات معينة مثل التلوين أو القراءة أو الموسيقى.
تقنيات اللعب: إذا كان الأب يستخدم أسلوبا أكثر حيوية ومرحا، فمن الجيد أن تحاول الأم اتباع أسلوب جذاب ومرح للقيام ببعض الأنشطة مع الطفل. يمكن أن يسهم اللعب والأنشطة الجذابة في تعزيز العلاقة بين الأم والطفل.
التعامل مع الضغوطات: إذا كانت الأم تشعر بالتوتر أو الإرهاق، فقد يؤثر ذلك على تفاعلها مع الطفل. من المهم أن تعتني الأم بنفسها وتستقطع وقتا خاصا بها، وتبحث عن الدعم من العائلة والأصدقاء إذا كانت بحاجة إليه.
التعاون بين الوالدين: من المهم أن يتشارك الأب والأم في وضع قواعد وتوقعات واضحة للطفل. يمكن أن يساعد ذلك في توحيد أسلوب التربية وتقليل الفروق في السلوك والتعامل مع الطفل بين الوالدين.
طلب المساعدة: إذا استمر سلوك الطفل المختلف بشكل ملحوظ، قد يكون من المفيد استشارة متخصص في علم النفس أو تربوي للمساعد في فهم المشكلة بشكل أفضل وتقديم نصائح مخصصة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات سلوک الأطفال مع الأطفال سلوک الطفل بشکل أفضل على الطفل على سلوک مع الطفل مع الأب
إقرأ أيضاً:
معاملة عادلة وحب غير متساو.. متلازمة الطفل المفضل تكسر قلوب الأبناء
"أنت تحب أخي أكثر مني!" عبارة كهذه قد تهز مشاعر أي أب أو أُم، خاصة عندما تصدر عن طفل يشعر بأنه أقل أهمية. فرغم حرص معظم الآباء والأمهات على معاملة أبنائهم بعدل، واقتناعهم بأن مشاعر الحب موزعة بالتساوي بينهم، فإن الواقع قد يكشف عن فروقات عاطفية تحدث غالبًا دون قصد أو وعي.
ففي دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "أبينيو" الألمانية لقياس الرأي، بمناسبة عيد الأم، أقر 18% من المشاركين بأن لديهم طفلًا مفضلًا. هذه النتيجة لا تُدهش سوزانه دول-هينتشكر، أستاذة علم النفس الإكلينيكي والعلاج النفسي في جامعة فرانكفورت للعلوم التطبيقية، إذ تقول إن الآباء يميلون، منذ اللحظات الأولى بعد ولادة الطفل، إلى البحث عن أوجه الشبه بينهم وبين المولود الجديد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2السكر ليس السبب الوحيد.. لماذا يفرط الأطفال في الحركة قبل النوم؟list 2 of 2فقدت أمها وهربت من الموت.. الطفلة سجود تقود أسرتها بخيام غزةend of listوتوضح أنه "نوع من الإسقاط النفسي، فعندما يرى الوالدان أنفسهما في طفلهما، فإن ذلك ينعكس على طريقة تعاملهما معه".
إن أوجه التشابه أو الاختلاف في الطباع، والاهتمامات، وحتى في الأدوار الأسرية، تلعب دورا كبيرا في تشكيل علاقة خاصة بين أحد الوالدين وأحد الأبناء. تقول فابين بيكر-شتول، مديرة المعهد الحكومي لتعليم الطفولة المبكرة والكفاءة الإعلامية في أمبرغ: "بعض الأطفال يتمتعون بطباع هادئة، بينما يكون الآخرون أكثر تطلبًا. كما أن هناك مراحل عمرية يصبح فيها من الصعب على الوالدين فهم سلوك الطفل أو التعامل معه".
وتضيف أنه في مثل هذه المراحل -كأن يرفض الطفل أداء واجباته المدرسية- قد يشعر الوالدان بالنفور من المساعدة، وهو أمر طبيعي. المهم هو أن يدرك الأهل أن مسؤولية بناء علاقة متوازنة تقع على عاتقهم وليس على الطفل.
وتؤكد: "يجب أن يشعر الطفل بأنه محبوب بلا شروط"، فالعلاقة الآمنة مع الوالدين تعزز الثقة بالنفس، وتمنع شعور الطفل بأنه أقل حبًّا من شقيقه في فترات يكون فيها الأخير محطا لاهتمام خاص بسبب ظروف معينة.
إعلانمن جانبها، تشير دول-هينتشكر إلى أن "المعاملة غير المتساوية أمر لا مفر منه"، لأن لكل طفل احتياجات مختلفة. وتعطي مثالًا: "من غير المنطقي معاملة طفل يبلغ عامين كما لو كان عمره 4 سنوات"، لكنها تؤكد أن شرح أسباب هذا التفاوت للأطفال يُساعد على تقبله.
ومع ذلك، تحذر من أن التفاوت المؤقت لا يجب أن يتحول إلى تفضيل دائم، فالطفل الذي يلاحظ أن شقيقه يحظى دائمًا بالمزيد من الحنان والرعاية قد يتأذى نفسيا بشدة.
تحذر أنيا ليباخ-إنغيلهارت، أستاذة علم النفس النمائي والتربوي في جامعة "بي إف إتش" (PFH) الخاصة في غوتنغن، قائلة: "عندما يشعر الطفل بالإقصاء أو الإهمال بشكل دائم، فإن هذا يؤثر سلبًا على تقديره لذاته وصورته عن نفسه".
ولا يقتصر الضرر على الطفل المُهمش فقط، بل حتى الطفل المُفضل قد يتحمل أعباء غير متوقعة، وتوضح إنغيلهارت: "في كثير من الأحيان، يُكلف الطفل المُفضل بمسؤوليات إضافية تتعلق برعاية الوالدين".
أما عن الأسباب التي قد تجعل طفلا مفضلا، فتقول إن ترتيب الولادة يلعب دورًا في ذلك. "فغالبا ما يحظى الطفل البكر باهتمام خاص، كونه الأول، لكنه أيضا يُطالَب بمزيد من المسؤولية". كما أن الطفل الأصغر قد يحظى برعاية استثنائية، في حين يعاني أطفال الوسط من الإهمال النسبي.
ويبدو أن الجنس يلعب دورا أيضا، وفقا لتحليل شمولي نُشر عام 2024 من قِبل الجمعية الأميركية لعلم النفس، استنادا إلى بيانات من حوالي 20 ألف شخص. وخلص التحليل إلى أن الآباء قد يُظهرون ميلًا لتفضيل البنات، وكذلك الأطفال المتعاونين أو الذين يتسمون بالضمير الحي.
وتشير نتائج التحليل إلى أن الأطفال الذين يحصلون على معاملة تفضيلية يميلون إلى التمتع بصحة نفسية أفضل، ومعدلات أقل من السلوكيات المشكِلة، ونجاح دراسي أكبر، وتنظيم ذاتي أفضل، وعلاقات اجتماعية أكثر صحة. كما أن البيانات تدعم العكس تمامًا بالنسبة للأطفال الذين لم يحظوا بهذه المعاملة.
وكتب الباحثون: "المعاملة التفاضلية من قبل الوالدين لها آثار واضحة ومتميزة تتجاوز تأثيرات التربية العامة. وهذا يعني أن نتائجها -سلبية أو إيجابية- لا ترتبط بجودة الأبوة بقدر ما ترتبط بالاختلاف في أسلوب التعامل مع كل طفل على حدة".
وغالبًا لا يكون هذا التفضيل مقصودا. ومع ذلك، فإن الاعتراف بأن جودة العلاقة تختلف بين الأبناء لا يزال من المحرمات بالنسبة للعديد من الآباء، وبالتالي يتم إنكاره في الاستطلاعات العلنية، حسب ليباخ- إنغيلهارت.
لكنها توضح أن هناك دراسات عديدة تثبت أن التفضيل اللاواعي موجود فعليا، ويتجلى مثلا في منح طفل معين مزيدًا من الانتباه أو التساهل أو الثناء.
فماذا يفعل الأب أو الأم إذا لاحظ أنه أقرب عاطفيا إلى أحد أبنائه؟ إذا كان من السهل التحدث مع طفل معين، أو أنه أكثر حنانًا؟ تنصح ليباخ-إنغيلهارت بالبدء بـ"الصدق مع النفس والتأمل الذاتي".
وتقترح أن يسأل الوالدان أنفسهما: كيف أتحدث مع كل طفل؟ كم من الوقت أقضيه مع كل منهم؟ ما الذي يُزعجني أو يُقلقني أو يُخيب أملي فيهم؟ وما الذي أقدّره لديهم؟
إعلانثم تأتي الخطوة التالية، وهي: لماذا أمنح طفلا معينًا اهتمامًا أو تساهلًا أكثر؟ هل يتكرر ذلك؟ وكيف أستطيع موازنة الأمور؟ كأن أوزع الوقت والاهتمام بشكل واعٍ، أو أن يتفاعل كل والد مع كل طفل على حدة من وقت لآخر.
وتقول إن "المعاملة العادلة لا تعني بالضرورة المعاملة المتساوية، بل أن تكون منصفة وتراعي اختلاف الاحتياجات".
ولا تقتصر آثار التفضيل على الطفل نفسه، بل تمتد إلى العلاقة بين الإخوة، فالغيرة والتنافس والشعور بالذنب قد تضر بشكل كبير بروابط الأخوّة. وقد يجد الأطفال أنفسهم في أدوار مفروضة عليهم دون اختيار.
وتختتم دول-هينتشكر بالقول: "بعض علاقات الإخوة تتضرر تماما بسبب هذا التفضيل، وربما تظل متوترة مدى الحياة".
ومع ذلك، تؤمن بيكر-شتول بإمكانية الشفاء العاطفي إذا أُتيح المجال لحوار صريح بين الأهل والأبناء، وإذا اعترف الوالدان بالألم الذي تسبب فيه التفضيل، خاصة لدى الطفل الذي عانى من التهميش.
وتضيف أن تحمّل المسؤولية عن العلاقة مع كل طفل، وطرح سؤال بسيط: "ماذا يمكنني أن أفعل لتحسين هذه العلاقة؟"، يُعتبر خطوة مهمة لرؤية كل طفل وحده، واحترام مشاعره وأخذه على محمل الجد.