مسؤولة أممية: السودانيون ينشدون السلام ويتعين علينا مساعدتهم .. رسالتي للطرفين هي: أوقفوا الحرب، ودعوا الناس يعودون إلى منازلهم
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
إيديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(أوتشا).
رسالتي للطرفين هي: أوقفوا الحرب، ودعوا الناس يعودون إلى منازلهم
إيديم وسورنو , مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
UN News إيديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(أوتشا).
13 آب/أغسطس 2023المساعدات الإنسانية
دعت مسؤولة أممية رفيعة طرفي النزاع في السودان إلى وقف القتال وتغليب المصلحة العليا للشعب السوداني المتجذرة في السلام والاستقرار، مشيرة إلى أن النازحين واللاجئين يرغبون في العودة إلى منازلهم لممارسة حياتهم الطبيعية.
إديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تحدثت في حوار مطول مع أخبار الأمم المتحدة عن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لمساعدة ملايين السودانيين الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل.
وتسبب الصراع حتى الآن في فرار نحو أربعة ملايين شخص من ديارهم، فيما يواجه أكثر من 20 مليون شخص في البلاد خطر الجوع الشديد.
زارت السيدة إيديم وسورنو السودان وتشاد مؤخرا، حيث التقت بالنازحين واللاجئين في البلدين ووقفت بنفسها على المعاناة الكبيرة التي يعيشونها. طلبنا منها في بداية الحوار أن ترسم لنا صورة عن الوضع على الأرض، فقالت:
إيديم وسورنو: أنا عملت في السودان من قبل- أي قبل هذه الحرب. كنت في السودان في الفترة من 2004 إلى 2005 مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وقبل ذلك مع مفوضية شؤون اللاجئين في مناطق مختلفة. السودان هو بمثابة وطن بالنسبة لي. السودان بلد أهله طيبون ويتحلون بثقافة الدفء والمشاركة. عندما كنت في السودان منذ ما يقرب من 20 عاما، كان الصراع في أماكن محددة. كان الصراع محتدما في دارفور. وكنت أول مسؤولة حماية في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يتم إرسالها للتعامل مع قضايا الحماية القانونية، والتفاوض بشأن الوصول إلى مواقع في جنوب دارفور، في مدينة نيالا على سبيل المثال.
في ذلك الوقت، كان أحدنا يأتي إلى الخرطوم كنوع من الاستجمام. بعد 20 عاما، ذهبت إلى بورتسودان. طبعا، لم أتمكن من الوصول إلى الخرطوم لأنها منطقة حرب. لا يمكن للأمم المتحدة الوصول الآن. نحاول العودة، ولكن لا يمكننا بسبب الوضع الأمني. وبقيت في مدينة بورتسودان التي زرتها آخر مرة عام 2003 عندما ذهبت للغوص في البحر الأحمر.
بعد 20 عاما، أصبحت مدينة بورتسودان مكانا يستضيف المئات من النازحين داخليا، وتصل درجة الحرارة في المدينة إلى 48 درجة مئوية خلال فترة الذروة في اليوم مع الكثير من الرطوبة. يوجد في مواقع التجمع المختلفة مئات الأشخاص الذين فروا من أجزاء مختلفة من السودان للنجاة بحياتهم، بما في ذلك العاصمة، التي كانت مكانا للاستجمام والراحة في آخر مرة كنت فيها في السودان.
الصورة ليست منصفة بالنسبة للحياة اليومية لشعب السودان بشكل عام. لكن دعني أرسم صورة لامرأة تحدثت إليها اسمها حواء، وهي أم وجدة وتاجرة كانت تعيش حياتها اليومية في ضواحي الخرطوم في أم درمان. وهربت مع بداية الحرب. كانت قادرة على الحصول على راتبها الشهري المعتاد لتشتري به حقن الأنسولين، لأنها مصابة بداء السكري. أما اليوم فإن حواء لا تستطيع شراء حقن الأنسولين.
فايزة، أم لأربعة أطفال، نزحت من الخرطوم في بورتسودان.
كانت تلك هي الصورة التي رأيتها عندما كنت في بورتسودان لمدة خمسة أيام، أتحدث إلى الشخص العادي الذي لا يريد أن يطلب المساعدة الإنسانية. كانت الخرطوم مكانا للراحة نذهب إليه للاستجمام فيه. ولكن مع ذلك، يطلب الناس من الخرطوم الآن المساعدة. تحدثت أيضا إلى المستجيبين للطوارئ، الأشخاص الذين يتعاملون مع المياه والصرف الصحي والمرافق الصحية والغذاء في الخرطوم. وسألتهم كيف يبدو يوم في حياة إنسان في الخرطوم؟ فقالوا إنه بمثابة كابوس مستمر، لأنك لا تعرف ما إذا كنت ستحتجز بواسطة أي من الجانبين. أنت لا تعرف ما إذا كنت ستختفي. لكنهم يواصلون المضي قدما لأنهم مصممون أكثر من أي وقت مضى- في مواجهة كل ذلك- على تقديم المساعدة الإنسانية.
أخبار الأمم المتحدة: بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الوضع الصحي في السودان قد وصل إلى مستويات خطيرة للغاية. لا يزال أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة وسط تقارير متزايدة عن الهجمات على المرافق الصحية. أخبرينا عن جهود الأمم المتحدة لمعالجة هذه المشكلة؟
إيديم وسورنو: الأمم المتحدة، حسب فهمي، من منظور إنساني، لا يمكنها إصلاح مشكلة قصف المدن على سبيل المثال. ما يمكننا القيام به، وقد ظللنا نفعله، هو حث الأطراف المتحاربة في السودان على تجنب استهداف الأصول المدنية وفقا لاتفاقيات جنيف.
حسبما فهمته من منظمة الصحة العالمية عندما كنت على الأرض هو أن معظم المنشآت الصحية بالخرطوم لا تعمل.
ومرة أخرى- رجاء سامحني- لأنني أستمر في التركيز على الخرطوم لأن الخرطوم كانت المكان الذي يلجأ إليه الناس عندما يكون هناك صراع في أجزاء أخرى من البلاد.
الخرطوم هي المركز الحضري وهي عاصمة هذا البلد وقد كانت الأمور فيها تسير بخير. الخرطوم كانت المكان الذي لا يحتاج فيه 6 ملايين نسمة إلى مساعدة منا. وفجأة أصبحت تحت الحصار.
مثلا، عندما تكون في ود مدني وترغب في السفر إلى العلاج، فإنك تذهب إلى الخرطوم، أو عندما تكون في دارفور، تذهب إلى الخرطوم، وكذلك من بورتسودان وكذلك الأماكن الأخرى. لذلك، فإن المرافق التي دمرت بالكامل بسبب الحرب كانت لها أهمية كبيرة.
تقدم الأمم المتحدة مع شركائها في منظمة أطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر الخدمات الأساسية بالحد الأدنى الذي يمكنهم القيام به على أساس يومي.
يخاطر المستجيبون للطوارئ من السودانيين بحياتهم أيضا كل يوم لضمان مساعدة المحتاجين وهم يتمتعون بالكثير من الإبداع. السودانيون لديهم قدرة عالية على الصمود. العائلات في الشتات ترسل الأموال لمساعدة أهاليهم الفارين داخل البلاد لضمان حصول الأمهات والبنات والأبناء والأطفال على بعض المساعدة المطلوبة.
نريد السلام في بلدنا. نريد أن يتوقف القتال. نريد أن نعود إلى منازلنا
اسمح لي أن أتوقف عند قصة واحدة محزنة سمعتها. فقدت آمنة خالتها لأنها كانت تخضع لغسيل الكلى في المستشفى بالخرطوم عندما بدأت الحرب. لقد فقدت حياتها لأنه لم يكن بوسعها تلقي هذه الخدمة. لذلك، فإن هذه الحرب تؤثر على الحياة اليومية للناس. أنا لا أقول إن النازحين داخليا في جميع أنحاء البلاد لا يحتاجون إلى مرافق صحية، ولكننا هنا نتحدث عن الخرطوم عاصمة البلاد.
أما فيما يتعلق بالمرافق الصحية في بورتسودان حاليا، ذهبت إلى مدينة سنكات وهي ليست في حالة حرب حاليا. ولم تشهد أي حالة من حيث النزوح الحاد. لكن سنكات ستشهد قدوم السكان الذين ينتقلون من بورتسودان.
سنكات لديها الحد الأدنى من الخدمات الصحية. ستتأثر هذه الخدمات الصحية بشكل أكبر بحركة الناس مع استمرار الحرب. سنرى المزيد والمزيد من الوفيات بناءً على حقيقة أن الناس لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الأساسية. عندما أسأل السودانيين فإن الإجابة التي أسمعها من معظمهم- المعلمون الذين نزحوا، والمزارعون الذين نزحوا، والعاملون الصحيون الذين نزحوا- فإنهم يقولون: نريد السلام في بلدنا. نريد أن يتوقف القتال. نريد أن نعود إلى منازلنا ونعيش حياتنا الطبيعية.
أخبار الأمم المتحدة: شارك مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في إعلان جدة، الذي يهدف، من بين أمور أخرى، إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بأمان إلى المحتاجين. ومع ذلك، فمن الواضح أن الأطراف المعنية لم تف بالتزاماتها. كيف تقدم الأمم المتحدة حاليا المساعدة للسكان المتضررين في خضم هذه الحرب المستمرة؟ هل هناك تنسيق مع الأطراف المتحاربة على الأرض؟
إيديم وسورنو: حسنا أنك ميّزت بين المحادثات السياسية في جدة وما كان يفعله مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جدة. كنا نجلس في طاولة المفاوضات للتحدث فقط عما نسميه بفض الاشتباك.
قبل 24 أيار/مايو لم نكن نتمكن من توفير الخدمات التي كانت قد توقفت بين 15 نيسان/أبريل وأيار/مايو.
بسبب وجودنا على طاولة المفاوضات، ومن خلال التحدث مع الطرفين خلال محادثات جدة، تمكنا من ضمان ما نسميه بفض الاشتباك، والاتصال بالأطراف للسماح بحركة الشاحنات. بناء على ذلك، تمكنا من التنقل داخل البلاد من بورتسودان إلى دارفور ومواقع أخرى. وقد أوصلنا 780 شاحنة محملة بأنواع مختلفة من المساعدات- من المساعدات الصحية إلى الغذاء إلى البذور.
البذور هذه مهمة لأن المزارعين في دارفور وأماكن أخرى يحتاجون إلى الزراعة. وإذا لم يتمكنوا من الزراعة، فإن الناس سيعانون من انعدام الأمن الغذائي. الناس يريدون زراعة المحاصيل، يريدون زراعة مزارعهم. إنهم لا يريدون تلقي المساعدة الغذائية.
بصفتنا عاملين في المجال الإنساني، فإننا نطبق المبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والاستقلال وعدم التحيز والإنسانية
لذلك سمحت لنا هذه المفاوضات بالعمل مع الأطراف المختلفة لضمان نقل المساعدات وهذه عملية تتسم بمخاطر عالية جدا. كل يوم نخرج فيه - مثلما نفعل في مناطق الحروب المختلفة - هناك احتمال أن يفقد شخص ما حياته.
حدثت الكثير من الخسائر في أرواح المدنيين العاديين في السودان، بالإضافة إلى ذلك، فقد 18 من عمال الإغاثة حياتهم منذ بدء هذا الصراع. 18 عامل إغاثة، جميعهم سودانيون، كانوا يؤدون واجبهم ويحاولون مساعدة الناس.
الأمر الثاني الذي أود أن أقوله حول موضوع محادثات جدة والحوارات مع أطراف النزاع هو بصفتنا عاملين في المجال الإنساني، فإننا نطبق ونلتزم باتفاقيات جنيف والمبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والاستقلال وعدم التحيز، وكذلك الإنسانية.
لذلك نذهب إلى أي مكان نستطيع لمساعدة من نستطيع. نحن نلتزم أيضا بإرشادات التنسيق المدني العسكري حيث نتفاوض مع أي طرف لنتمكن من العبور إلى مناطق معينة. نحن نفعل الشيء نفسه مع الحركة عبر الحدود بين السودان وتشاد. نتواصل مع السلطات التشادية والسلطات السودانية على كلا الجانبين لطلب للعبور إلى دارفور من تشاد.
لذلك، فداخل البلاد، نحن نتفاوض مع الجماعات المسلحة، خارج البلاد، يجري التفاوض عبر الحدود مع وجود مخاطر عالية للغاية تواجه موظفي الأمم المتحدة السودانيين والدوليين.
أخبار الأمم المتحدة: هل هناك محاولات لإحياء محادثات جدة أم أن هناك مبادرات مماثلة أخرى؟
إيديم وسورنو: هناك العديد من المبادرات التي تحدث في المنطقة. هناك ومحادثات برعاية الاتحاد الأفريقي وأخرى برعاية الهيئة الحكومية للتنمية الدولية (إيقاد). كانت هناك مذكرة انبثقت من اجتماع اللجنة الرباعية وكان وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيثس حاضرا وتمكن من وضع شروط معينة على الطاولة حتى نتمكن من القيام بعملنا كعاملين في المجال الإنساني.
هناك أيضا طلب من بضرورة حضور الطرفين على الطاولة - مثلما حدث خلال محادثات جدة- كي نتمكن من التفاوض بشأن الوصول بسرعة وعلى نطاق واسع.
24.7 مليون شخص- أي ما يقرب من نصف سكان السودان- بحاجة إلى مساعدة إنسانية أو بعض الخدمات الأساسية. 18.1 مليون شخص مستهدفون من قبل الأمم المتحدة وشركائها. ومن جملة ذلك، وصلنا بالكاد إلى 3 ملايين شخص بشكل من أشكال المساعدة. وأنا أتحدث عن المساعدة كل يوم، كل دقيقة.
نحن مفاوضون إنسانيون نتفاوض بشأن وصول الأشخاص الذين نحاول الوصول إليهم. إذا لم يتوقف القتال، فلن تكون قادرا على زيادة المساعدة بالسرعة والنطاق المطلوبين.
أخبار الأمم المتحدة: وفقا لبعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس)، فإن القتال في دارفور أثّر بشكل خطير على المدنيين. ما الذي تفعله الأمم المتحدة لمساعدة الناس هناك؟
إيديم وسورنو: اسمح لي أن أتحدث من منظور إنساني، لأن الأمم المتحدة لديها كيانات مختلفة. هناك ذراع سياسي للأمم المتحدة، وهناك قسم إنساني وآخر تنموي وحقوقي وأمني...إلخ. أنا أتحدث عن المساعدة الإنسانية. تمكن العاملون في المجال الإنساني من خلال المبادرات التي تحدثنا عنها من الوصول إلى الناس. وكيل الأمين العام مارتن غريفيثس منخرط بصورة شخصية في محاولة لدفع أجندة المساعدة الإنسانية الأمر الذي نتج عنه إرسال 780 شاحنة بواسطة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
الناس يموتون. الناس يعانون. ونحن بحاجة إلى تقديم المساعدة لهم
هناك كيانات مختلفة في الأمم المتحدة، لذلك نحاول بالطبع التركيز على الولاية المحايدة التي يتمتع بها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فالأمم المتحدة لها عناصر تكاملية. نحن نحافظ على دورنا مع وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها في الجانب الإنساني على هذا الحياد. لأننا يجب أن نتحدث إلى كلا الطرفين. علينا التأكد من أن تقديم المساعدة لا يحمل أي دلالات سياسية.
أخبار الأمم المتحدة: هل لديكِ أي رسالة لأطراف النزاع؟
إيديم وسورنو: الناس يموتون. الناس يعانون. رأيت المعاناة التي في بورتسودان، المكان الذي يذهب إليه الناس للغطس في البحر الأحمر والتمتع بجمال البحر الأحمر. سكان بورتسودان هم موظفون مدنيون يحتاجون إلى رواتبهم ليتمكنوا من مساعدة الأطفال والأمهات والنازحين.
إنهم ينشدون فقط السلام. رسالتي للطرفين هي ذاتها الرسالة التي قالها لي السودانيون عندما كنت في السودان: أوقفو الحرب. أوقفوا القتال ودعونا نعود إلى بيوتنا ونعيش حياتنا. الشعب السوداني يريد السلام. من الجانب الإنساني، نحن بحاجة إلى تقديم المساعدة. الأطفال يموتون. الأمهات يمتن. الأمهات يمتن أثناء العبور. الأطفال يموتون أثناء العبور.
رأيت أمهات وصلن عبر الحدود إلى أدري في تشاد. رأيت أماً كان طفلها على كتفها يميل إلى الخلف يعاني من العطش بسبب الرحلة الشاقة التي قطعاها للمرور من نقطة تفتيش إلى أخرى، من قريتها في دارفور. الناس في السودان يريدون فقط العودة إلى حياتهم اليومية. هذه هي رسالتي للأطراف.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أخبار الأمم المتحدة تقدیم المساعدة فی بورتسودان إلى الخرطوم محادثات جدة فی السودان الوصول إلى فی دارفور عندما کنت نرید أن کنت فی
إقرأ أيضاً:
اقتصاد السودان: الانهيار الشامل والمأساة الإنسانية في ظل الحرب المنسية
عمر سيد احمد
[email protected]
مايو 2025
مقدمة
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، دخلت البلاد مرحلة من الانهيار الاقتصادي الكامل. شلّ النزاع المسلح معظم الأنشطة الإنتاجية، وتراجعت المؤشرات الكلية، وتفككت مؤسسات الدولة، فيما باتت الأزمات المعيشية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. امتدت التأثيرات إلى الزراعة، الصناعة، التجارة الخارجية، والقطاع المصرفي، بينما ظل الذهب موردًا استراتيجيًا يراوح بين دعم الاقتصاد وتهديده بفعل التهريب. هذا المقال يعرض المشهد الكامل لما واجهه الاقتصاد السوداني خلال تلك الفترة الحرجة، بلغة تحليلية متماسكة تستند إلى الأرقام والوقائع.
الاقتصاد الكلي: تضخم منفلت، عملة منهارة، ودين خارجي خانق في ظل استمرار الحرب
ظل الاقتصاد السوداني يعاني تحديات كبيرة قبل اندلاع الحرب، مثل ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة، وانتشار الفقر وشهد العامبن الأول والثاني للحرب تدهوراً حاداً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، شمل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والتضخم وسعر العملة الوطنية. والدين الخارجي وتأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير نتيجة تعطّل القطاعات الحيوية، خروج الاستثمارات، وتدمير البنية التحتية في المدن الكبرى، خاصة الخرطوم ودارفور
تسببت المواجهات في شلل نشاطات اقتصادية واسعة النطاق، ونزوح الاستثمارات، وتوقف التجارة عبر ميناء بورتسودان جزئياً، وانهيار سوق العمل في المدن المتأثرة. أشار تقرير البنك الدولي في ديسمبر 2023 إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان انخفض بأكثر من 12% خلال عام 2023 مقارنة بالعام السابق، جراء التدمير الواسع للبنية التحتية وتراجع الإنتاج والاستثمار وفقدان الوظائف. كما توقع استمرار الانكماش في النصف الأول من 2024 ما لم تتوقف الأعمال القتالية وتتحقق تسوية سياسية.
التضخم: قبل الحرب كان السودان من بين الدول الأعلى في معدلات التضخم عالمياً، ، متجاوزاً 60% في نهاية عام 2022 بحسب بيانات صندوق النقد الدولي وتجاوز المعدل السنوي 100% في بعض أشهر 2022، نتيجة ضعف الإنتاج والاعتماد الكبير على الاستيراد. وبعد اندلاع الحرب تسارع التضخم بصورة كبيرة، حيث تجاوز 200% منتصف 2023 حسب تقارير صندوق النقد الدولي، بسبب توقف سلاسل الإمداد، وصعوبة الحصول على السلع الأساسية، والانهيار المستمر في قيمة الجنيه السوداني. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود وزيادة حدة الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي. التضخم
مع دخول البلاد في دوامة الحرب، انزلقت المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات مقلقة. سجّل معدل التضخم السنوي 218% في أغسطس 2024، مرتفعًا من 193% في يوليو، وتجاوزت نسب التضخم في بعض السلع الأساسية مثل الدواء والخبز والوقود 400%. تفاقم التضخم بفعل طباعة النقود دون غطاء، انهيار الإنتاج، وغياب أي سيطرة حقيقية من البنك المركزي على السياسة النقدية. بعدان تفجرت الأسعار بدرجة أكبر نتيجة لانهيار سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف النقل، بالإضافة إلى ندرة السلع الغذائية والأدوية. ووفق بيانات البنك الدولي، تجاوز معدل التضخم السنوي 180% بحلول نهاية 2023، مع تحذيرات من مخاطر تضخم جامح (Hyperinflation) إذا تفاقمت الأوضاع الأمنية والاقتصادية [^2][^4].
سعر الصرف والعملة الوطنية قبل الحرب: كان قيمة الجنيه السوداني يتعرض للضغط باستمرار بسبب نقص العملات الأجنبية وخروج الاستثمارات، لكن السوق ظل تحت السيطرة النسبية للدولة عبر بعض التدابير. وبعد اندلاع الحرب فقد الجنيه السوداني حوالي 70% من قيمته أمام الدولار في السوق الموازي في الأشهر الأولى من الحرب، نتيجة توقف الصادرات وحجب المساعدات الدولية، وتزايد تعاملات السوق الموازي، مع فقدان السيطرة على النظام المصرفي وتراجع توفر النقد الأجنبي من القنوات الرسمية. وشهد عامي الحرب انهيار الجنيه السوداني. ففي أبريل 2023، كان الدولار يعادل نحو 560 جنيها في السوق الموازي، لكنه تجاوز 2,500 جنيه بنهاية 2024، والربع الأول من عام 2025. هذا التدهور أثر مباشرة على كلفة الواردات، وأدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين، وارتفاع أسعار كل السلع المستوردة بشكل غير مسبوق.
يمثل استمرار النزاع المسلح أكبر التحديات، حيث يتوقع الخبراء تفاقم التدهور الاقتصادي في حال غياب الاستقرار. وتشمل التوقعات: انكماش إضافي في الناتج المحلي: ** مع تعطل الصناعة والزراعة، واستمرار النزيف في البنية التحتية. تصاعد البطالة والفقر: ** نتيجة النزوح وضعف القطاعين العام والخاص وفقدان ملايين الوظائف. تفاقم عجز الميزانية: ** مع تراجع الإيرادات وتنامي الإنفاق العسكري والإغاثي. صعوبات في سلاسل التوريد: ** مما يعمق الأزمات المعيشية والصحية. ضعف الاستثمارات: ** نتيجة فقدان ثقة المستثمرين المحليين والدوليين وتوقف المشاريع التنموية الكبرى.
شهد السودان، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، تدهوراً حاداً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، شمل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) والتضخم وسعر العملة الوطنية. تأثر الاقتصاد السوداني بشكل كبير نتيجة تعطّل القطاعات الحيوية، خروج الاستثمارات، وتدمير البنية التحتية في المدن الكبرى، خاصة الخرطوم ودارفور.
الناتج المحلي الإجمالي (GDP)انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 12-15% خلال عام 2023، متأثراً بالدمار الواسع، وتوقف الأنشطة التجارية والصناعية، مع انخفاض الصادرات بشكل حاد [^2]. نهاية 2024: ** محلياً: ** تعمقت الأزمة الاقتصادية مع استمرار توقف المصانع والأنشطة التجارية، وتواصل تضرر القطاع الزراعي خاصة في مناطق النزاع. تشير تقديرات البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة إلى مزيد من الانكماش ليصل معدل التقلص السنوي لمنظومة الاقتصاد الكلي حوالي 7-8% بالنسبة للعام 2024.**قوميًا:** تراجع إجمالي الناتج السوداني إلى مستوى تاريخي متدنٍ، مع زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية وضعف الإيرادات من صادرات الذهب والزراعة نتيجة تدهور الأمن وانعدام الشفافية في الصادرات.مايو 2025 (الوقت الراهن):** التقارير الأممية تشير إلى شلل اقتصادي واسع ما زال مستمراً، مع انهيار أكثر من نصف المؤسسات الإنتاجية الكبرى، وزيادة هجرة الكفاءات والعاملين إلى الخارج. من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي للفرد قد تراجع إلى ما دون 2,700 دولار (تعادل القوة الشرائية PPP)، أي خسارة لأكثر من ثلث المستويات التي سبقت الحرب [^3][^4].
ما هو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) GDP** (Gross Domestic Product) هو القيمة الإجمالية لجميع السلع والخدمات النهائية التي يتم إنتاجها ضمن حدود دولة ما خلال فترة زمنية محددة (عادةً سنة واحدة). يعد الناتج المحلي الإجمالي أحد أهم المؤشرات لقياس أداء الاقتصاد الوطني ومقارنته عبر الزمن أو بين الدول.
آلية حساب الناتج المحلي الإجمالي هناك ثلاث طرق رئيسية لحسابه:
**طريقة الإنتاج: ** جمع القيمة المضافة لكل القطاعات الإنتاجية (الزراعة، الصناعة، الخدمات). **طريقة الدخل: ** جمع كافة الدخول الناتجة عن الإنتاج كالأجور، والأرباح، والفوائد والإيجارات. **طريقة الإنفاق: ** جمع الإنفاق الاستهلاكي الخاص، الإنفاق الحكومي، الاستثمارات، وصافي الصادرات (الصادرات ناقص الواردات).تؤدي هذه الطرق غالبًا إلى نتائج متقاربة، وتستخدم الحكومات والمنظمات الدولية تلك البيانات لرصد التغيرات الاقتصادية واتخاذ القرارات المناسبة.
الدين العام، تضاعف أربع مرات في عام واحد، من 61.5 مليار دولار في 2022 إلى 256 مليار دولار في 2023، حسب صندوق النقد العربي. جاء هذا التزايد نتيجة تراكم المتأخرات، تجميد الدعم الخارجي، وتوقف خطط الإصلاح. وبات الدين غير قابل للسداد، في ظل اقتصاد شبه مشلول واحتياطات نقد أجنبي شحيحة.
البطالة: الركود الاقتصادي دفع إلى مستويات قياسية. ففي 2023، وصلت نسبة البطالة إلى 20.8%، مع تسريح عشرات الآلاف من العاملين في قطاعات الصناعة، الزراعة، والخدمات. توقفت آلاف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وانسحبت معظم الاستثمارات، تاركة سوق العمل في حالة شلل شبه كامل.
الزراعة: الأمن الغذائي في مهب الانهيار
رغم امتلاك السودان لأراضٍ زراعية شاسعة تقدّر بـ84 مليون هكتار، فإن الإنتاج الزراعي تراجع بشكل حاد خلال الحرب. قبل النزاع، كانت المساحات المزروعة فعليًا تتراوح بين 18 إلى 22 مليون هكتار سنويًا. أما في موسم 2023–2024، فقد تراجعت المساحات المحصودة بأكثر من 40% بسبب النزوح، انعدام الأمن، وانهيار الإمدادات.
في عام 2024، فشل نحو 60% من المزارعين في زراعة أراضيهم، وانخفضت المساحات المزروعة إلى أقل من 17 مليون فدان، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من 30 عامًا. هذه الانهيارات تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء بأكثر من 100% في بعض المناطق، ودفع البلاد إلى حافة مجاعة، وفق تحذيرات من FAO وWFP.
أبرز عوامل الانهيار شملت النزوح، نقص الوقود، انعدام البذور والأسمدة، انعدام التمويل، الجفاف في بعض المناطق، والفيضانات في أخرى. توقف شبه كامل لمشروع الجزيرة ألحق أضرارًا مباشرة بإنتاج القطن والقمح والفول السوداني، وتُقدّر الخسائر الزراعية المباشرة بنحو 20 مليار دولار.
حتى مارس 2025، لا توجد مؤشرات جدية للتعافي. أكثر من 60% من المزارعين لم يزرعوا موسم 2024. الإمدادات الزراعية لم تصل، والأسواق مشلولة. في بعض المناطق، تلفت المحاصيل في الحقول بسبب انقطاع الطرق وغياب التخزين والتبريد
الصناعة: توقف الإنتاج وتفكك القطاع
قبل الحرب، كانت الصناعة تمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفّر وظائف لما بين 15 و20% من القوة العاملة الرسمية. تركزت الصناعات في العاصمة الخرطوم، خاصة في مجالات الأغذية، النسيج، الأدوية، والمنتجات المعدنية.
لكن الحرب دمّرت هذا التوزيع بالكامل. أكثر من 40% من المنشآت الصناعية دُمرت كليًا أو جزئيًا، وانخفض الإنتاج بنسبة 50% مقارنة بمستويات 2022. الصناعات الدوائية توقفت بنسبة تفوق 60%، في حين تراجعت الصناعات الغذائية بسبب نقص الوقود والكهرباء، وهربت الكوادر الفنية من مواقع الإنتاج.
ورغم ذلك، يرى بعض المحللين إمكانية استعادة جزء من القدرة الصناعية، تقدر بـ 30 إلى 40%، بحلول عام 2026، إذا توفرت بيئة آمنة، وتم استقطاب دعم مالي وفني خارجي، خاصة في الولايات الأقل تضررًا من النزاع.
النظام المصرفي والمالي: فقدان الثقة وشلل المؤسسات
تدهور النظام المصرفي بشكل غير مسبوق، حيث أُغلقت البنوك في معظم مناطق النزاع، خاصة الخرطوم ودارفور. تراجعت نسبة الشمول المالي إلى أقل من 8%، بعد أن كانت نحو 15% قبل الحرب. واعتمد السكان بشكل شبه كامل على النقد خارج النظام البنكي، بعد سحب مدخراتهم وتحويلها إلى عملات صعبة أو ذهب.
شهدت البنوك أزمة سيولة حادة، وارتفعت القروض المتعثرة إلى نحو 40%، ما أفقد النظام المصرفي قدرته على الإقراض أو التمويل. أُضعف وجود سعرين للعملة – رسمي وموازي – دور البنك المركزي، وفتح الباب أمام المضاربات وتهريب العملات، بينما فقد المواطنون الثقة في المؤسسات المالية كليًا.
**الصحة: انهيار القطاع الصحي وعودة الأوبئة** أكثر من 70% من المنشآت الصحية تضررت أو خرجت من الخدمة، وتدهورت ظروف العاملين الصحيين وندرت الإمدادات الطبية. عادت الأمراض الوبائية مثل الكوليرا والملاريا وارتفاع سوء التغذية، خصوصاً في معسكرات النازحين، مع توقف حملات التطعيم التي تهدد الأطفال على مستوى واسع.
التعليم: جيل ضائع في ظل تدمير المدارس حوالي 19 مليون طفل وشاب حُرموا من التعليم، بعد تدمير آلاف المدارس أو تحويلها إلى ملاجئ، وجيل بأكمله يواجه خطر الفقدان الأكاديمي وما يصاحبه من فقدان الفرص المستقبلية.
المأساة الإنسانية: أرقام تكشف حجم الكارثة**
تبلغ أعداد النازحين واللاجئين داخل وخارج البلاد نحو 12.8 مليون شخص، بينما يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية العاجلة. يعاني 16 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، مما يعكس انهيار الخدمات الأساسية والوصول الضيق إلى الغذاء والمياه والدواء، وهو ما يمثل كارثة إنسانية حقيقية بكل المقاييس.
الذهب: بين تمويل الحرب والفساد والتهريب وتمويل التعافي بعد الحرب
كان الذهب المورد الأبرز للاقتصاد السوداني، حيث شكّل أكثر من 70% من صادرات البلاد عام 2022، بإيرادات بلغت نحو 4.7 مليار دولار. أنتج السودان حينها أكثر من 100 طن من الذهب، من مناطق غنية مثل جبل عامر والنيل الأزرق وولايات كردفان ودارفور.
لكن مع الحرب، تقلص الإنتاج الرسمي إلى نحو 40–50 طنًا سنويًا في 2023، مع سيطرة مجموعات مسلحة على مناطق التعدين، وتعطيل الإمدادات. في المقابل، ارتفعت نسب التهريب إلى 60% من إجمالي الإنتاج، وفق تقارير مستقلة، ما أفقد الدولة عائدات تتجاوز 1.5 مليار دولار سنويًا.
بحلول 2024، ارتفع الإنتاج تدريجيًا إلى نحو 70 طنًا، بينما تراجعت نسبة التهريب إلى 30–40%، مع تطبيق الحكومة سياسات رقابية، منها تسجيل إلكتروني للمنتجين، وإطلاق حملات ميدانية للحد من التهريب، والتعاون مع دول الجوار مثل تشاد والنيجر.
حتى مايو 2025، تجاوزت صادرات الذهب الرسمية حاجز 3.8 مليار دولار، لكنها لا تزال متقلبة بسبب غياب بورصة وطنية للذهب، واعتماد السودان على تصدير الخام دون تصنيع أو تكرير محلي. نحو 90% من الذهب السوداني يُصدَّر خامًا، ما يحرم الاقتصاد من فرص القيمة المضافة.
الحلول المقترحة تشمل تأسيس بورصة سودانية للذهب، إنشاء مصافي وطنية بمعايير دولية، وتحفيز الاستثمار الصناعي في قطاع الذهب، إلى جانب تطوير أنظمة تتبع رقمية وتوحيد سعر البيع داخل السوق المحلي.
التجارة الخارجية: اقتصاد قائم على الذهب ومعزول عن التنوع
تأثرت التجارة الخارجية بشدة خلال الحرب. في عام 2022، بلغت الصادرات 6.8 مليار دولار، منها 4.7 مليار من الذهب. بعد اندلاع الحرب، تراجعت الصادرات إلى 3.5 مليار دولار في 2023، ثم تعافت إلى 5 مليارات بحلول منتصف 2025 مع تحسن في تصدير الذهب.
أما الواردات، فقد تراجعت من 8.5 مليار دولار في 2022 إلى أقل من 5 مليارات في 2023، بسبب شح الدولار وصعوبات النقل والتأمين. وبحلول 2025، استقرت عند 6.5 مليار دولار.
سجل الميزان التجاري عجزًا مستمرًا، لكنه تراجع إلى نحو 1.2 مليار دولار، مقابل 1.7 مليار في 2022، بفعل انخفاض الاستيراد وتحسن جزئي في صادرات الذهب والسمسم والقطن.
—مسارات الحل والإنعاش الاقتصادي
لا شك أن الاقتصاد السوداني يمر بمرحلة هي الأصعب في تاريخه الحديث مع استمرار الحرب منذ أبريل 2023، إذ خسرت البلاد في غضون أشهر معدودة المكاسب القليلة التي تحققت في السنوات السابقة، وتدهورت كافة مؤشرات التنمية والرفاه الاجتماعي.
الطريق للتعافي، رغم صعوبته، يبقى ممكناً إذا تم اتخاذ خطوات جادة نحو تسوية سياسية شاملة، تليها إصلاحات اقتصادية هيكلية بدعم المجتمع الدولي وبمشاركة فاعلة من كافة مكونات المجتمع السوداني.
فبدون سلام حقيقي وسياسات فعالة، ستظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، فيما يدفع ملايين السودانيين ثمن استمرار النزاع من أمنهم وحياتهم ومستقبلهم.
التوصل إلى تسوية سياسية شاملة:** إن إنهاء النزاع وإحلال السلام هو الشرط الأساسي لأي تعافٍ اقتصادي في السودان. فاستعادة الأمن واستقرار مؤسسات الدولة يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات، واستئناف المساعدات الدولية، وإعادة حركة التجارة والإنتاج.**2. إعادة هيكلة الاقتصاد:** يمكن للحكومة الانتقالية أو حكومة ما بعد النزاع تنفيذ سياسات إصلاحية شاملة للمالية العامة، وإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي، ومحاربة الفساد، إلى جانب تنشيط القطاعات الإنتاجية التقليدية ولا سيما الزراعة والصناعة التحويلية، والتي تعتبر من ركائز الاقتصاد السوداني.
**3. دعم دولي وإقليمي:** سيحتاج السودان إلى دعم عاجل من المجتمع الدولي، سواء عبر مساعدات إنسانيةأو برامج إعادة الإعمار، إلى جانب دعم مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما يمكن أن تساهم الشراكات الإقليمية مع الدول الإفريقية والعربية في إعادة تأهيل البنية التحتية ودعم الاستثمار.
**4. تنشيط القطاع الخاص والمبادرات المحلية:** يلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في عملية الانتعاش، من خلال تحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص العمل، والاستفادة من الجاليات السودانية بالخارج لجذب رؤوس الأموال والتقنيات الحديثة
بورتسودان: المسيرات تغلق المطار والميناء ومستودعات الوقود وتصيب الشريان الأخير للاقتصاد السوداني
بورتسودان، التي كانت تمثل آخر مركز إداري فاعل، دخلت دائرة الاستهداف. طائرات مسيّرة هاجمت الميناء، المطار، ومستودعات الوقود، ما أدى إلى شلل في الواردات والصادرات [^7].
بورتسودان، التي صمدت مؤقتًا كمركز إداري لحكومة الأمر الواقع، دخلت هي الأخرى دائرة النار. هاجمت طائرات مسيّرة المطار، الميناء، ومستودعات الوقود، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الواردات والصادرات. لكن حجم الأثر تجاوز مجرد التعطيل المؤقت، إذ استهدفت الهجمات مستودعات ترانزيت القديمة والمستودعات الجديدة في كلانييب، وهي منشآت تمثل الشريان الرئيسي لإمداد البلاد بالوقود. تحتوي هذه المواقع على المرسى الوحيد القادر على استقبال سفن الوقود الكبيرة، وتضم سعة تخزينية تقارب 200 ألف طن من المحروقات. الهجمات استهدفت مرافق حيوية لتخزين الوقود، ما أوقف عمليات تفريغ الشحنات، ورفع أسعار الوقود. كما تسبب القصف في تدمير البنية التحتية وتعطيل الاستيراد والطيران. الأضرار التي لحقت بها أدت إلى توقف عمليات تفريغ شحنات النفط، ودفعت بأسعار الوقود إلى مستويات قياسية، وهددت بإخراج البارجة التركية التي تمد المدينة بالكهرباء عن الخدمة بسبب انعدام الفيرنس. كما أن استهداف الميناء الجنوبي والمطار ألحق أضرارًا بالبنية التحتية الحيوية، ما أدى إلى تعطيل الاستيراد، وقف الرحلات الجوية، وتزايد العزلة الدولية للبلاد.
ورغم صعوبة إجراء حصر دقيق في ظل تصاعد القتال، فإن المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن الخسائر المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن استهداف منشآت الطاقة والموانئ في بورتسودان تُقدّر بمليارات الدولارات، نتيجة تعطل سلاسل التوريد، انهيار سعة التخزين، وارتفاع تكاليف النقل والتأمين والاستيراد. توقف هذه المنشآت يعني تدمير آخر شريان حيوي للاقتصاد السوداني، وتحويل الأزمة من كارثة داخلية إلى عزلة خارجية خانقةو يجعل هذه الهجمات تهديدًا مباشرًا لبقاء الاقتصاد السوداني.
تشير التقديرات إلى أن الخسائر الناتجة عن استهداف منشآت الطاقة والموانئ تُقدّر بمليارات الدولارات، ما
المأساة الإنسانية: أرقام تُجمد الدم
8 مليون نازح ولاجئ. أكثر من 30 مليون شخص بحاجة للمساعدة. 16 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. [^3] اكثر من 150,000 قتيل واضعاف الجرحي الخدمات الأساسية منهارة، والوصول للغذاء والماء والدواء أصبح مسألة حياة أو موت.هذه الأرقام ليست إحصاءات، بل مرآة لانهيار مجتمع.
خاتمة: قبل فوات الأوان
خلال عامين من الحرب، سقط الاقتصاد السوداني في حالة من الانهيار المتسارع. تفككت القطاعات الإنتاجية، وتلاشت المؤسسات التنظيمية، وتحول الذهب إلى مورد مضطرب بين التهريب والتصدير. في ظل التضخم، البطالة، والانهيار البنكي، لم يعد أمام البلاد سوى خيار واحد: وقف الحرب، ثم الشروع فورًا في إعادة بناء اقتصادي شامل.
وحده الاستقرار السياسي يمكن أن يمهّد الطريق لإصلاح مالي، وزراعي، وصناعي حقيقي. كما أن إدارة الذهب بعقلانية، وتقييد التهريب، واستغلال الموارد الطبيعية في ظل بنية إنتاجية شفافة، قد تحوّل هذا المورد من وسيلة نهب إلى أداة إنقاذ حقيقي.
لا يملك السودان ترف الوقت ولا مساحة لمزيد من التجريب. الحرب دمّرت الدولة ومزّقت المجتمع. لا تعافٍ ممكن ما لم تتوقف الحرب فورًا. استمرار القتال يعني نهاية دولة . والمأساة الكبرى أن كل هذا يحدث والعالم صامت. لكن الشعب السوداني لن ينسى، والتاريخ سيسجل من صمت ومن حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
السودان ينهار أمام أعين العالم. الحرب لم تترك قطاعًا إلا دمّرته، ولا مدينة إلا أصابتها. لا توجد خطة إنقاذ يمكن أن تنجح ما لم يتوقف النزاع فورًا. كل يوم تأخير يعني خسائر مضاعفة، ليس فقط في الاقتصاد، بل في الأرواح .
المراجع
Sudan Horizon. (2025). Two Years of War and the Possibility of Reconstruction. https://sudanhorizon.com WASD. (2025). Rebuilding the Industrial Sector in Sudan. World Association for Sustainable Development. https://wasdlibrary.org WHO. (2025, March 10). Public Health Situation Analysis – Sudan Conflict. World Health Organization. https://www.who.int UNESCO. (2025). Sudan conflict: One year on – The long-term impact on education. https://www.unesco.org Bastille Post. (2024). Sudan’s conflict pushes banking sector to brink of collapse. https://www.bastillepost.com SudanEvents. (2025). Collapse of Sudan’s Trade Routes Amid Conflict. https://www.sudanevents.sd World Bank. (2024). Sudan Food Security Crisis Report. https://www.worldbank.org
الوسومعمر سيد احمد