في التصور التوراتي للصحراء ينقل لنا مؤلف كتاب "الأسطورة البدوية" دراما وصول الملكة بلقيس ملكة سبأ إلى القدس في عصر نبوة النبي سليمان، مع جناح كبير من أتباعها، ترافقهم الجمال التي تحمل الأعشاب العطرية وكميات ضخمة من الذهب والأحجار الكريمة، فالثروة مرتبطة بالصحراء، خاصة جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وخلاف ذلك تظهر الصحراء في العهد القديم كمساحة قاحلة، وكمكان ملعون يأوي المستبعدين والهاربين والحيوانات البرية والشياطين، ولذا يعاقب قابيل على قتل شقيقه بالتشرد الأبدي فيها، وقد طردت هاجر جارية إبراهيم المصرية إلى الصحراء مع ابنها إسماعيل، ولم ينقذها إلا ظهور ينبوع الماء.

يناقش كتاب "الأسطورة البدوية في كتابات رحالة القرنين الـ18 والـ19" لمدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي سارغا موسى، عددا من المسلمات التي تبنتها الصورة النمطية للبدو العرب.

ويلقي الضوء على الجهود التي أسهمت في إنصاف هذه الجماعة البشرية، عبر إبراز القيم الإنسانية الرفيعة التي تتبناها، والكتاب صدر بالفرنسية عام 2016 عن منشورات جامعة السوربون وترجمته إلى العربية أستاذة الآثار والحضارات القديمة منى زهير الشايب، من خلال إصدارات المركز القومي المصري للترجمة.

يفتتح المؤلف الكتاب باقتباس من رسالة كتبها غوستاف فلوبير إلى لويس كوليه بتاريخ 13 أغسطس/آب 1846: "أحب هؤلاء القوم الحادّي الطباع، المثابرين، الأشداء، فهم الصورة الباقية للمجتمعات البدائية، تراهم في قيظ النهار يتمددون في الظلال أسفل جمالهم، ويسخرون –وهم يدخنون غلايينهم – من التمدن الذي أشعرهم بالغضب الشديد".

ويؤكد المؤلف على أن رحالة القرن الـ19 لعبوا دورا رئيسا في بناء هذه "الأسطورة البدوية" ونشرها، والتي يمكننا تتبع رواياتها المختلفة عند كتّاب أوروبيين معروفين مثل لامارتين، وجان جاك روسو، وشاتوبريان، وغوستاف فلوبير، ومؤرخين مثل جوزيف بوغولات"، حيث تناولوا الانتقادات الداعمة للنظرة المثالية للبدو، جنبا إلى جنب مع الخطاب المعادي للإسلام في مطلع القرن الـ19، مستعينا بكتاب "رحلة إلى الشرق" لفلوبير كمحصلة نهائية لهذا التحيز.

ويشير الكتاب إلى أن "الأسطورة البدوية" لا تقوم على فكرة هيمنة "الآخر"، بل على العكس، تظهر تجرد عددٍ من الرحالة عن "الذات" وتسمح بنقد المركزية الأوروبية نفسها، التي تسمح لنفسها بالهيمنة بصورة لا تخلو من الاستبداد الذي ناهضه مفكرو عصر التنوير والرومانسية.

ويضيف المؤلف أن الأسطورة البدوية ليست أقل مركزية من الخطاب الاستشراقي الذي انتقده إدوارد سعيد، ومثالية البدو على مدى أكثر من قرن في الأدب الوصفي، بين القرنين الـ18 والـ19، تبين أن الثقافة الأوروبية، بفضل الرحالة انفتحت على الشرق -على الأقل شرق معين ـ تتغير فيه الحياة في الصحراء، عند اتصالها بصور جديدة بنتها بنفسها.

جذور الأسطورة

حظي البدو الرحل شيئا فشيئا خلال القرن الـ18 بنظرة مثالية تحوَّلت بعد كتابات روسو "لأسطورة بدائية"، ولفهم هذه النقلة النوعية التي بدأت في عصر التنوير، إذ تم تصوير البدو وتقديمهم طيلة قرون سابقة على أنهم لصوص، وكيانات همجية وشريرة، تتجذر هذه الصورة النمطية في سرد مزدوج وثني وديني، في العصور اليونانية القديمة، يبدو العرب البدو على نقيض الإنسان المتحضر المستقر، ويصور الكتاب المقدس (العهد القديم) الصحراء كمكان مخيف تسكنه الشياطين، ويستمر هذان التصوران لفترة طويلة ويتم نقلهما إلى حد كبير لحجاج الأراضي المقدسة، دون أن يختفي تماما في القرن الـ19.

وجاء حجاج الأراضي المقدسة ليبرزوا الجانب السلبي للصورة التوراتية للصحراء بشكل كبير، كانوا يصورون الصحراء كجحيم يسمح بتصورات رمزية لسكانها، وتحدث بيير بايلون عام 1553 عن "اللصوص العرب" حين حاول حماية نفسه منهم بقضاء ليلة في الظلام في نزل بالقرب من غزة، وكثر استخدام لفظ اللصوص كناية عن "عرب الصحراء"، وكأن السرقة سمة موجودة عند البدو – حسب المؤلف.

وساد حكم سلبي في كل روايات الحج في الشرق حتى القرن الـ17، وحتى من غير الحجاج، كما في كتابات الطبيب وعالم الطبيعة بايسونيل الذي يرجع تاريخ إقامته في شمال أفريقيا إلى عامي 1724 – 1725، لم يستطع منع نفسه من اتهام البدو بجميع أنواع الرذائل، على الرغم من تمتعه بكرم ضيافتهم طوال فترة إقامته، واصفا إياهم: بأنهم يحبون المال والاستقلال والكسل، هم رصينون جدا، وبليغون بشكل طبيعي، مرنون في الشدائد، ومتعجرفون في الرخاء، كذابون ولصوص بارعون، ومحلفون رائعون وبذيئون للغاية".

تحول الصورة

حلت كلمة "بدو" محل كلمة عربي شيئا فشيئا، وساد هذا المصطلح مع تغير الوعي بين بداية ونهاية عصر التنوير، الذي يعكس الانتقال من صورة العربي اللص إلى صورة البدوي الكريم.

وتعد المكتبة الشرقية (1697) لـ بارتيلمي هريلو واحدة من أفضل المقاييس لتغيير الصورة الذي صاحب نشر مصطلح البدو في الثقافة الفرنسية، وإذا كان السابق للموسوعة الإسلامية، ومن خلال هذا التحقيق المعجمي البسيط، بدا نفي الصورة السلبية للبدوي المتوحش، وذكر أيضا: "ومن الواضح أن فكرة تفوق عرب الصحراء على سكان المدن ترتبط بتاريخ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي انتشرت دعوته في شبه الجزيرة العربية.

ويعلق دو هريلو أيضا في العديد من القصص المستمدة من مصادر عربية، على أن البدوي يظهر كمستودع للحكمة الإلهية، التي يقولها بلغة شعرية طبيعية، لذا فعندما يسأل العربي أو البدوي: كيف تعرف أن الله موجود؟.. يجيب بصيغة براقة: "هل يحتاج الفجر إلى شعلة لكي يُرى؟".

ومن خلال إلقاء نظرة من الداخل عن البدو من خلال معايشة رحلات وبعثات الفارس دارفيو (1653 – 1697) الذي عاش في الشرق فترة طويلة قنصلا في صيدا وحلب وكتب كتابات مطولة عن العيش في مخيم قبيلة بدوية من سوريا، فند دارفيو النظرة السلبية التي تبناها بعض الرحالة، وقدم كتابا لما نسميه اليوم نقدا للمركزية الأوروبية، فهو يحتج على سبيل المثال على الاستنتاجات المتسرعة التي يستخلصها الأوروبيون عن ممارسة السرقة بين القبائل العربية: " نحن مخطئون بشكل فادح عندما نعتبر البدو أناسا غير مهذبين، غلاظا، وقحين، وحشيين، ظالمين، لديهم عنف، دون ولاء، دون مشاعر.

ويشير المؤلف إلى أن الرحالة يستعينون بقصص رحلات سابقة، إما للحصول على معلومات أو للاستشهاد، وقصة دارفيو أشار إليها كارستن نيبور الشهير بمشاركته عام 1671 في الرحلة الاستكشافية العلمية إلى شبه الجزيرة العربية التي نظمتها الحكومة الدانماركية، وهو الوحيد (من أصل 5 رحالة) الذي عاد حيا، ومن خلال الوصف الأنثروبولوجي العلمي الذي قال به دارفيو للبدو العرب في الصحراء.

وقال نيبور في الفصل الثامن من وصفه للجزيرة العربية بعنوان "عن مختلف قبائل البدو، أو عن العرب المتجولين": إن البدو العرب الحقيقيين الذين قدروا دوما حريتهم أكثر من تقديرهم للثروة، يعيشون في قبائل منفصلة تحت الخيام، ومازالوا يحتفظون بنفس شكل الحكم ونفس الأعراف والعادات مثلما فعل أسلافهم حتى في أبعد المناطق".

روسو والأسطورة

وكان للمفكر روسو دور حاسم، فقد كان لروايته دور حاسم في بزوغ الأسطورة البدوية خلال الأعوام 1770 – 1780 لتمييز هؤلاء البدو الذين اعتادوا العيش في الهواء الطلق عن غيرهم من العرب الذين يقطنون المدن ولوثتهم الحضارة الحديثة "البدو لديهم رائحة خفية للغاية، تعجبهم المدن قليلا ولا يفهمون، كيف يمكن للناس الذين يفتخرون بحب النظافة أن يعيشوا في هذا الهواء الملوث؟.

الفيلسوف السويسري جان جاك رورسو مؤلف "العقد الاجتماعي" (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويقول المؤلف، من العوامل التي أسهمت بشكل كبير في إلحاق الطابع الأسطوري بالقبائل البدوية في القرن الـ18 أنهم من نسل إسماعيل وهاجر، ويعتبر المستشرق سافاري الضيافة البدوية نتيجة منطقية لإحدى حالات الطبيعة التي يمكن الحفاظ عليها على مر القرون، ويشير أيضا إلى سفر التكوين لوصف الطريقة التي يستقبل بها البدو الغرباء، وكان سافاري أكثر تأثرا بروسو من تشويسول – جوفييه، فأعطى للبدو صورة متجانسة تدحض قدر الإمكان مسألة السرقة.

وفي عام 1780، في الطبعة الثالثة لـ"تاريخ الهند" أضاف فقرة في الفصل الحادي عشر "وصف الجزيرة العربية" من الكتاب الثالث، تقدم مدحا لافتا لشعر العرب البدو، و تشكل انعكاسا كاملا للصورة البدوية وموقفا معارضا للنقد الذي صاغه توربين عن تنافر اللغة العربية: "تتسم مؤلفاتهم بسمو وعذوبة وصفاء من حيث التعبير ومن حيث الإحساس، الذي لا يتماثل مع أحاسيس أي من الشعوب القديمة والمعاصرة، كأن عذوبة اللغة التي يخاطبون نساءهم بها في هذا العالم، هي نفسها التي سيخاطبون بها حورياتهم في الآخرة، إنها نوع من الموسيقى شديدة التأثير والرقة والرنين، هذه مفارقات مضحكة ومتجددة: وأود أن أقول إن شعرهم معطر بعطر بلادهم…"

وعلى المستوى البلاغي فإن الاستخدام الواسع للمقارنات من المفترض أن يقلد لغة الشعر المنمقة المحبوبة بين العرب، وفي النهاية، على مستوى تسلسل المدلول فإن تكرار الحرف "ب" عند قراءة الشفاه للحرف الساكن يعطي جمالا افتراضيا على سبيل المثال: (presque poesie – parfumée) ولكن أيضا صوت الحرف المتحرك الممدود (contree – parfumee) يكشف عن رقة هذه اللغة الشعرية وموسيقاها المتخيلة من خلال السجع والقوافي.

ولا يمكن دراسة ميلاد الأسطورة البدوية دون النظر إلى المناقشات الفلسفية التي تسببت فيها بين الموسوعيين، بعد روسو تناقش عدد من الفلاسفة والكتاب والمؤرخين من عصر التنوير وغالبيتهم لم يعبروا البحر المتوسط وتجادلوا حول صورة النموذج البدوي، لاسيما التي تظهر باعتبارها شكلا استشراقية لـ"الهمجي النبيل"، ويعتبر هذا الفصل التفافا لابد منه حول أدب الرحلات، علما بأن رحلات دارفيو ونيبور و فولني قد أنعشت مناظرة الأفكار التي تلفت الأنظار إلى صورة البدوي التي أسسها الرحالة في نهاية عصر التنوير.

فولتير

أسهمت الصورة السلبية للبدو عند فولتير إما بشكل مباشر أو غير مباشر في انتقاده للدين، حيث قدّم فولتير في كتابه "محمد" صورة سلبية عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وربطها بالصورة النمطية السائدة عن البدو في عصره. وقد استخدم هذه الصورة لتوجيه انتقادات عامة، ليس للإسلام وحده بل لليهودية أيضاً، وقام فولتير في كتابه "محمد" بتطوير سجل نقدي مزدوج، ويحمل كتابه هدفا خفيا معاديا للإسلام من خلال انتقاده لما يزعمه عن أشكال التعصب الديني، وإن كان فولتير قد وجه نفس الاتهام لليهود العبرانيين، وهو يقول "هؤلاء الإسماعيليون يشبهون اليهود بالحماس والتعطش للنهب، وكانوا متفوقين من قبل بالشجاعة وقوة الروح والرحمة".

تنسب لفيلسوف التنوير الفرنسي فولتير العديد من المواقف العنصرية المعادية للأديان والأعراق (مواقع التواصل)

وعلى العكس مما خطه فولتير، فإن العديد من النصوص التي تعد جزءا من كتاب "وصف مصر"، الذي أنجزه علماء الحملة الفرنسية، وكيف أسهمت في نقل وإعادة تشكيل الأسطورة البدوية في عهد الإمبراطورية الأولى، سواء لإعطاء صورة مثالية أو سلبية عنهم".

ومن المتناقضات الموجودة للأسطورة البدوية الصورة التي جاءت عليها في موسوعة وصف مصر، ودور الباحث الفرنسي جون – ماري – جوزيف إيميه دي بوا (1799 – 1846) وهو ضابط مهندس ومتخصص في التاريخ الطبيعي، وكان مكلفا باستكشاف وادي التيه الذي يمتد من ضواحي القاهرة إلى الشاطئ الغربي للبحر الأحمر، ودراسته حول القبائل العربية في صحاري مصر الدراسة الأكثر أهمية وصف البدو في كتاب وصف مصر، والذي تشي بعداء تجاه البدو من البداية الذي يصور البدو الرحل كخطر على السكان "فنراهم يتجولون في جميع أنحاء مصر، وكأنهم حيوانات جائعة حول فريسة دسمة".

والواقع فإن هذا العداء قد انقلب لإعجاب شعر به دي بوا إيميه فيما يخص أسلوب حياة البدو العرب، وينعكس الإعجاب في عدد من الملاحظات المتفرقة والمتكاملة، والتي تميل إلى توضيح القيم الأساسية للثورة الفرنسية.

في حين يقف على النقيض أدم فرانسوا جومار المسؤول عن البعثات الميدانية لوضع خريطة عامة للبلاد خلال الحملة الفرنسية على مصر، فهو يغالي في الصورة النمطية عن طريق تعميم وجهة نظره على قرى بأكملها "جميع السكان دون استثناء، والشيوخ أنفسهم، يمتهنون السرقة"، وأن بداوتهم هي السبب الرئيسي في عمليات السلب التي يتهمون بها.

أما ماري جوزيف كوتيل فيزيائي في الحملة الفرنسية الذي توجه إلى صعيد مصر وسيناء وأتيحت له فرصة دراسة حياة العرب الرحل عن كثب، وكشفت كتاباته عن موقف وسطي ومحايد إلى حد ما، إعجابا بشجاعتهم وكرم ضيافتهم، وصدق تعاهداتهم.

القس رافائيل دي موناكيس

مع النظر للصورة التاريخية للأسطورة البدوية، نجدها في المقام الأول أسطورة أوروبية انبثقت عن الثورة الفرنسية، وفي أعقاب الحملة الفرنسية على مصر، وجدت الأسطورة دعما جزئيا على الأقل من الشرقيين، وينطبق هذا على حال القس روفائيل دي موناكيس، واسمه الحقيقي أنطوان زخورة مؤلف العمل الرائد "البدو أو عرب الصحراء" المنشور في 3 مجلدات في باريس عام 1816، وفي الجزء الثاني من الكتاب معلومات زائفة عن البدو، مكررا على الأذهان الصورة النمطية القديمة عن البدوي اللص.

بوخارت

في مذكراته عن البدو والوهابيين 1830، استطاع السويسري جوهان لودفيج بوخارت (مكتشف آثار أبو سمبل 1812 في صعيد مصر) أن يوجه اهتماماته للبدو العرب، وتمثل كتاباته شكلا من أشكال الترحال، ويعد امتدادا للرحالة الدانماركي كارستن نيبور، وأسهم بوخارت في تغيير وجهة النظر من خلال ملاحظاته عن البدو، بتقديم البدو العرب بوصفهم أمة خرجت عن إطار التاريخ.

عالم الكتاب المقدس البروتستانتي والمستشرق صموئيل بوخارت (غيتي)

في نفس العام الذي يموت فيه بوخارت في القاهرة 1817، يرحل النبيل البولندي الكونت ووكلو روزيسكي إلى الشرق، ويبقى هناك سنين عدة، ويعنى بشكل كبير بنمط حياة البدو، ولكن على النقيض من خلفه السويسري عاش روزيسكي حقيقة حياة قبائل البدو في الصحراء، وسمي نفسه اسما عربيا، في محاولة للاندماج وسط عالم أغلبيته مسلمون مخفيا مظهره الأوروبي، وعرف بين البدو لاهتمامه بالخيول العربية الأصيلة التي اشترى منها مئة حصان عند عودته إلى أوروبا، وكتب كتابه الشهير "الخيول العربية"، ورسم للبدو الهاربين من وطأة العثمانيين شكلا من أشكال مقاومة الاحتلال الأجنبي.

شاتوبريان

مع متابعة تحولات هذه الأسطورة على مدار الفترة الزمنية المحددة، نجد أنه مع وصول شاتوبريان إلى المسرح الأدبي، حيث تطور في طبيعة سرد قصص السفر والترحال، والتي تم توجيهها بفضله نحو الصيغة الأدبية ونحو السيرة الذاتية التي أصبحت منذ ذلك الوقت فصاعدا لغة التواصل، وعندما رحل شاتوبريان إلى الشرق 1806 كتب إلى جوزيف جوبير من تونس في 13 يناير/كانون الأول 1807: "رأيت اليونان واليهود ومصر، وأنا على أنقاض قرطاجة، لكن هذا كلفني كثيرا يا صديقي، تعرضت للهجوم 3 مرات من قبل البدو، وفي المرة الأخيرة فكرت في الانتحار في نهر النيل".

فرانسوا رينيه دو شاتوبريان (1768-1848)، كاتب وسياسي فرنسي (غيتي)

وعلى الصعيد الديني، يشترك شاتوبريان مع الأب بواريه في نفس الروح المعادية للإسلام، وقبله معظم الحجاج المسيحيين إلى الأرض المقدسة، مما جعله متشككا في ضيافة البدو له، "فقد سافر شاتوبريان إلى الأرض المقدسة، التوراة والإنجيل والحروب الصليبية في يده" كما يقول لامارتين.

على عكس ما خطته يدا شاتوبريان المثيرة للدهشة، تطور تصوير العرب البدو عند جوزيف بوجولا (1808 – 1880) وأستاذه جوزيف فرانسوا ميشو (1767 – 1839) حيث قدما صورة مواربة ومثالية للبدو في بداية عام 1830، وهي الفترة التي رحل فيها المؤرخان رحلة طويلة إلى الشرق.

لامارتين.. في مدح عنترة

كانت رحلة لامارتين إلى الشرق بين (يوليو/تموز 1832 – سبتمبر/أيلول 1833) في فترة فارقة في حياته، وعلى عكس شاتوبريان، فإن مؤلف "رحلة إلى الشرق" 1835 لم يسع إلى إثبات تفوق المسيحية على الديانات الأخرى، بشكل عام يعطي لامارتين صورة إيجابية للغاية للورع التركي.

ولم يكن الأتراك وحدهم هم الذين يمثلون الصورة المثالية في "رحلة إلى الشرق" ولكن العرب أيضا بما يتعارض مع وجهة نظر شاتوبريان، ولذا كان على لامارتين أن يدفع عنه دور الفارس والراهب ليقضي وقتا أكبر في الشعر والفلسفة.

ويلتقي الرحالة لامارتين بالسيدة ستانهوب في جبال لبنان، وسجل لامارتين وقائع الزيارة في فصل أعطاه عنوانا في كتاب الرحلة "زيارة إلى السيدة ستانهوب" وفي هذا الفصل سجل حوارا طويلا بينهما، وأعلنت السيدة ستانهوب له عن موهبته الشعرية، بل لعبت دور الوسيط في الاهتمام الذي أبداه الرحالة تجاه الشعر العربي، لاسيما شعر العرب الرحل.

كما اهتم لامارتين بشكل خاص بشخصية عنترة، الشاعر العربي الذي عاش في القرن السادس، واستلهم من حياته ملحمة كتبها نحو القرن الـ15 وهي "رواية عنترة"، وأعتبر أن الجزء الرعوي متفوق على الجزء الغنائي في شعر عنترة، ومن ناحية أخرى قام لامارتين بتحوير صوت المؤذن ليعلن أنه صوت شعري، وبنظرة مغايرة، فإن الصلاة نفسها أداء شعري.

وضاعف لامارتين أوجه التشابه بين ملحمة عنترة وبين الشعراء اليونانيين، أو التوراة ليظهر بوضوح وفقا لمفهومه الكوني أن الشعر في جميع الأماكن وفي جميع الأوقات لجميع الحضارات.

فلوبير.. ونقد المركزية الأوروبية

مثل لامارتين، يصور غوستاف فلوبير نفسه كبدوي، غير أن فلوبير الذي قام مع دو كومب برحلته العظيمة في البحر المتوسط، له فكر نقدي عن الاستشراق في عصره، وعن الصيغ المبتذلة التي تعبر عن أدب الرحلات، ومن ثم كانت خطاباته ومذكراته عن الرحلة في منتصف القرن الـ19 نوعا ما، عرضا من أعراض أزمة الأسطورة البدوية.

المؤلف والمستشرق الفرنسي جوستاف فلوبير (1821-1880)  (غيتي)

قام صاحب "مدام بوفاري" برحلته إلى الشرق في الفترة من 1849 – 1851، حيث عاش فلوبير حلمه الاستشراقي التي ستصبح الصحراء أحد مكوناته الأساسية، صحراء فلوبير لم تكن اللاشيء، بل على العكس مكان مأهول بالبدو ودوابهم، وكان مفتونا بشكل الجمل.

مع تطور الإمبراطوريات (الفرنسية والبريطانية) وميلاد ما يسمى (الخطاب الاستشراقي) في الأدب، الخطاب الذي قصده الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، الذي يقوم على إضفاء شرعية على هيمنة الغرب على الشرق، كان من الضروري التركيز على شخصية البدو لا العرب ولا الأتراك، كان لابد من معالجة سؤال الاستشراق – بحسب المؤلف.

وجاء إدوارد سعيد يثير سؤال الاستشراق النظري مركزا على الجزء المهم من الأصل العرقي في العمل الأدبي الغربي، بخاصة أدب الرحلات منذ منتصف القرن الـ18 وحتى منتصف القرن الـ20.

المشرق الذي أنشأه الفكر الغربي، ليظهر كعنوان فرعي مناسب في الترجمة الفرنسية لكلمة "الاستشراق"، هو من ثم مجموعة كاملة من الصور كانت موضوعا لخطابات غير متجانسة مثلما يعتقد إدوارد سعيد.

ومع الاهتمام بصورة العرب البدو في الأدب الوصفي، يتضح أنه منذ منتصف عصر التنوير، تظهر صورة البدوي المثالي التي غالبا ما تستخدم للنقد، بشكل غير مباشر، في أوربا نفسها، وهذا ما أطلقت عليه (الأسطورة البدوية) التي دفعت كاتبا بحجم غوستاف فلوبير أن يكتب في لحظة غضب عندما احتج على شكل من أشكال السلطة في بلده (القوانين والحكومة والمجتمع): "سأعود إلى البدو الأحرار" بحسب المؤلف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحملة الفرنسیة الجزیرة العربیة الصورة النمطیة القرن الـ19 إلى الشرق عن البدو البدو فی فی کتاب من خلال على أن فی عصر

إقرأ أيضاً:

ماذا نريد لأنفسنا عندما نريد الحلول لأزماتنا؟

تنظم بين الحين والآخر، في الوطن العربي، العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات في مختلف المواضيع التي تهم الوطن وتحدياته، وفيما ينبغي التخطيط له للمستقبل، في ظل الحملات المغرضة ضد العرب والمسلمين التي يخططها اللوبي الصهيوني. وللرد على الاتهامات الجاهزة المسبقة التي تبث عبر بعض أجهزة الإعلام، في الجوانب السياسية والفكرية والاجتماعية. وكيفية الخروج من وضعنا القائم والقاتم، في بعض البلدان العربية، خاصة في هذا الظرف الصعب، حيث نواجه أيضًا أزمات عديدة وصعبة.

وكلما تنتهي أزمة تظهر أزمة أخرى، لعل أهمها التخلف العلمي والتشرذم السياسي والتراجع التقني والاقتتال الأهلي، في بعض البلدان العربية. وما تزال هذه البلاد تعاني، مثل هذه التوترات والصراعات، كما يجري الآن من الحرب الداخلية في السودان بين الفرقاء السياسيين المتنافسين على تقاسم الحكم والنفوذ، والتي تسببت بتدمير السودان الذي يعاني في الأصل من أزمات سابقة لحروب منها حرب التي تلت انفصال الجنوب عن الشمال، وأدت إلى هجرات إلى بعض الدول المجاورة، وخروج الكثير من السودانيين إلى بلدان أخرى من أجل العمل والبعد عن الحرب القائمة.

أيضًا ما تعانيه غزة المنكوبة الآن من حرب إبادة جماعية من النظام الصهيوني العنصري، وهو اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، الذي لم يكتف بما فعله في تدمير البنية التحتية لغزة وسحق كل مقومات هذه المدينة ومزارعها وممتلكاتها، ولكل مقومات الحياة فيها، وتدمير المستشفيات، ومنع دخول المواد الغذائية والطبية، لكن نتنياهو مصمم على إنهاء كل ما يمت صلة بغزة ومن فيها بصفة معدة ومخططة، من أجل التهجير إن استطاع.. لكنه لا يستطيع أن يفرض ذلك على شعب قوي الإرادة في البقاء في أرضه، لكن تحت مسمى القضاء على حركة حماس، وحماس فكرة لن تزول إلا بزوال الاحتلال.

فالأمة تعيش بالغ الصعوبة في مسائل، تحتاج منها إلى مراجعة ذاتها وظروفها وسياساتها القائمة في قضايا ومرئيات عديدة، وكيفية العمل الجاد للخروج من هذه الأزمات بمقاربات واقعية واعية بالواقع والظروف الراهنة، دون الهروب إلى آراء بعيدة عما تعانيه من مشكلات تزداد أزماتها من اختفائها، بدلًا من الحلول الإيجابية لهذه الأزمات. وهي تحتاج إلى خطوات فاعلة واتفاق الأمة على رؤى إيجابية وثاقبة، دون أن نرمي مشاكلنا على المؤامرات الخارجية ولا نراجع ما واجهناه من سياسات خاطئة، وهي الجدار القصير للهروب من المراجعة، حتى لا نحاسب أنفسنا على سلبيات نحن فعلناها، وليست نتيجة من مؤامرات من أعدائنا كما يقال.

كل هذه الأسباب تجعل واقعنا أليما إذا ما ظلت الظروف والمفاهيم التي نعيشها بعيدة عن الإسلام الذي لا نختلف على مبادئه الصافية وحقائقه الثابتة وسننه التي لا يتجاوزها الزمن. فأي وجهة نريدها نحن كعرب ومسلمين في هذا الظرف الراهن؟ لا شك أن الأمم مثلها مثل الفرد قد تصاب بالأمراض وقد يعتريها الضعف والوهن، لكن الدواء الذي يجب أن تتجرعه لإصلاح ذاتها هو مبادئها واستلهام سنن التطور من ثوابتها؛ فالإسلام يؤمن بثبات الأصول العامة والقيم العليا ويؤمن كذلك بالمتغيرات في التفاصيل والجزئيات والفروع، وهو مفهوم يقوم على التوازن وعلى الربط بين الثابت في مجال الأصول والمتغير في مجال الفروع.

وهذا هو منهج الإسلام الذي كان يجب أن تسير عليه الأمة وتستقيم على هداه.. فالبناء في الحاضر والمستقبل لا يمكن أن يقوم ويقوى إلا على أسس قوية ثابتة في الأعماق. فإذا فقدت الأمة الثقة في قيمها ومبادئها فقد أذنت بتدمير نفسها بنفسها ومن ثم التبعية لغيرها.. وهذا ما عبر عنه أصدق تعبير العالم المسلم محمد أسد في كتابه: (على مفترق الطرق): «نحن لا نحتاج إلى فرض إصلاح على الإسلام، كما يظن بعض المسلمين؛ لأن الإسلام كامل بنفسه من قبل، أما الذي نحتاج إليه فعلا فإنما هو إصلاح موقفنا من الدين، بمعالجة كسلنا وغرورنا وقصر نظرنا، وبكلمة واحدة معالجة مساوئنا نحن لا المساوئ المزعومة في الإسلام، ولكي نصل إلى إحياء إسلامي، فإننا لا نحتاج إلى إن نبحث عن مبادئ جديدة في السلوك نأتي بها من الخارج، إننا نحتاج فقط إلى أن نرجع إلى تلك المبادئ المهجورة فنطبقها من جديد».

وهذه المبادئ ليست غامضة ولا محتكرة لأية أمة من الأمم، بل لا توجد وصاية لأحد على هذا الدين القويم، لكن من يود أن يضطلع بمهمة الاجتهاد ومشروعية التجديد يجب أن يكون مؤهلا وقادرا على الاستنباط الصحيح والسليم، لا أن يجتزئ وينتقي من المبادئ والآراء، ما يوافق رغباته وميوله واتجاهاته وينسبها إلى الإسلام، وقد تكون مخالفة صريحة وتأتي بأخطاء ومخالفات ربما تجر الويلات والمشكلات مع التفريق بين تجاوز النصوص الصريحة القاطعة.

القضية الأخرى الساخنة في الظرف الراهن ما عرف على تسميتها بـقضية الإسلام والغرب و«الخوف من الإسلام» و«ظاهرة الإرهاب والتطرف والغلو» وغيرها من القضايا التي كانت مدار الحوارات والنقاشات في الندوات والمراكز البحثية من أواخر القرن الماضي وحتى الآن، فإن هذه القضية التي يروج لها الغرب نعتقد أنها مفتعلة رغم أننا نتأثر بكل ما يطرحه الغرب ويتحدث عنه تجاه ما يصدر عنا نحن المسلمين، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا وفق مفهومه وتفسيره.

فتهمة الإرهاب مثلا صفة لصيقة بالإسلام والمسلمين على الرغم أن الإرهاب ظاهرة عالمية، والشواهد والقرائن كثيرة ومتوافرة، فإذا ما صدر عن بعض المسلمين أعمال إرهابية أو عنف تأتي التهمة للإسلام مباشرة، وإذا جاءت من مسيحيين أو يهود أو غيرهم ينسب إليهم بصفتهم أفرادا ينتمون إلى دولة معينة وليس لدين أو عقيدة. وعندما جاءت محنة البوسنة والهرسك في التسعينات من القرن الماضي، والظلم الذي لحق بالبوسنيين آنذاك، لم تتهم المسيحية بهذه المذابح والمجازر، وإنما جاء الاتهام إلى «كاراديتش» وميليشياته (صرب البوسنة)، وعندما قامت الهند بتفجيراتها النووية لم تنسب التفجيرات إلى الديانة الهندوسية، لكن عندما قامت باكستان بتفجيراتها النووية، كرد دفاعي فقط على تفجيرات الهند، قامت قيامة الغرب ولم تقعد، وتحدثت المحطات الفضائية مثل (CNN) وكبريات الصحافة العالمية، عما أسمته بـالقنبلة الإسلامية» والآن بدأت نغمة المفاعل النووي الإيراني (الإسلامي) وخطره المقبل على الاعتدال والحضارة الإنسانية لكن السلاح النووي الإسرائيلي ـ كما يرون ـ لا يمس ولا يذكر مخاطره على الحقوق العربية السليبة ويرفض ذكره ومناقشته ومساواته بالمفاعل النووي الإيراني والباكستاني!

والغريب أننا نسمع بين الحين والآخر صيحات بعض الكتّاب والمثقفين العرب والمسلمين فيما يسمونه (تصحيح صورة الإسلام)، أي تصحيح للإسلام كما يطلبون منه وهم يكررون أقوال بعض اللوبي في الإعلام الغربي؟ فإذا ما قامت أفراد أو جماعات معينة بتجاوزات أو أخطاء، هل يعد هذا هو الإسلام؟ لماذا لم نسمع في الغرب سواء من كتّاب أو مفكرين بعد مظالم الصرب ومجازرهم التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، والمجازر في العراق وفلسطين من يدعو إلى «تصحيح صورة المسيحية واليهودية» أي عدل في هذه الأحكام؟ إن الإسلام بريء من تجاوزات بعض المسلمين، وهي قليلة بالمقارنة بما فعلته وتفعله الآن إسرائيل في فلسطين خاصة في غزة، وما فعله غزو العراق ؟ وما يفعل الآن بالمسلمين في كثير من بقاع العالم! صحيح أن المسيحية واليهودية بريئتان من فعلة الصرب ومجازر اليهود، ومن معايير الغرب المزدوجة ومقاييسه الظالمة، لكننا للأسف نضعف عندما يتحدث الغرب عن أخطاء بعضنا وتهمته لنا بالأصولية، ويتمنى بعضنا أن يكون في حفلة تنكرية طول حياته ‍‍حتى يتوارى عن الأنظار خجلًا ما يفعله بعض أبناء جنسه، مع أن أحداث البوسنة مرت على الغرب كأي قضية مع بشاعتها، بل إن بعض المفكرين البارزين، وهو «صمويل هنتنغتون» صاحب أطروحة (صدام الحضارات)، الشهيرة التمس الأعذار للصرب عندما قال صراحة: «إن المسلمين يدّعون أن الغرب يكيل بمكيالين (في إشارة تقاعس الغرب عن حماية البوسنيين ودعم إسرائيل ـ بيد أن من المحتم أن يكون عالم الحضارات المتصارعة هو عالم الكيل بمكيالين، فالناس ـ كما يقول ـ يكيلون بمكيالين للبلدان التي تمت إليهم بقرابة وبمكيال مختلف للآخرين». فلماذا ينسب للإسلام كل ما يفعله بعض المسلمين لا ينسب لغيره من الأديان عند أفعال أتباعهم بنفس المعايير؟

القضية إذا واضحة لا تحتاج إلى كثير من الجهد أو العناء للبحث عن مقاييس الغرب التي أصبحت ملء السمع والبصر في عالمنا المعاصر، وتزداد مع الوقت وكأنها بديهية من البديهيات. صحيح نحن لا ننتظر من الغرب أن يكون معنا عادلا ومنصفا لقضايانا، لكن من الصعب أن نتفهم هذه المجاهرة بالعداوة وفي الوقت نفسه يطالبنا أن نطبق أفكاره في مجتمعاتنا ويعتبر أن تميزنا عنه فكريا انحراف عن الجادة حسب فهمه لأنهم ـ أي المسلمين ـ لهم شخصيتهم الحضارية ولهم نظرة مغايرة للنموذج الغربي، وما دام المسلمون مستقلين فكريًا عن الغرب فإن هذه النظرة الاستقلالية في نظره خطر عليه سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 التي أعادت الأحكام السابقة للعرب والمسلمين.

النقطة الأساسية التي تشغلنا في راهننا هي: أي وجهة للإصلاح نريد؟ تلك هي القضية الأهم بغض النظر عن مفاهيم الصراع ومقولات الصدام التي يطرحها الغرب؛ لأن الأمر يحتاج إلى طرح مثل هذه التساؤلات في ظل عالم اليوم الذي ـ كما قلنا ـ أصبح متداخلًا ومتشابكًا ولا مجال للهرب أو التقوقع ومن هذه المنطلقات أصبح هذا الأمر ملحًا وضروريًا لطرحه ومناقشته.

قد يقول قائل إن الوجهة التي نريدها ليست في أيدينا ولا نملك زمام التحرّك والانطلاق في ظل ضعفنا وتراجعنا الحضاري وتأزمنا السياسي، لكن هذا القول تنقصه الكثير من الوقائع والمدركات وخصائص الأمم، فالتاريخ شأن متحرك ولا يمكن أن يتوقف عند أمة من الأمم، ولذلك فإن ضبط التاريخ عند حضارة الغرب كما قال به بعض الباحثين ضرب من الوهم، والذي يريد الإصلاح عليه أن ينطلق من الواقع الذي يعيش فيه ولا يستورد الأفكار والنظريات المعلبة ويطبقها على الواقع العربي، فهذا ليس إصلاحًا بل تخريبًا من الداخل، وزيادة في المشكلات وليس حلها، وهذه هي سنن الحضارات والثقافات عبر التاريخ، ولا يمكن أن ننجح في الإصلاح الذاتي والتفكير المستقبلي لأمتنا في الاتجاه السليم، إلا من خلال الرجوع إلى ثقافتنا وهويتنا وتاريخنا، ونستمد منهما العبر والتجارب الإصلاح المنشود والتفاعل مع العصر ومقتضياته المتفاعلة في عصرنا الراهن.

مقالات مشابهة

  • «الوطنية لحقوق الإنسان» تحمل «داخلية الدبيبة» مسؤولية الانتهاكات التي ارتكبها «العمو»
  • جدعون بين الأسطورة اليهودية وأسطورة غزة
  • كيف يخطط الغرب-3 الشائعات
  • سرقة صادمة أمام “الأسطورة مول” في عدن
  • وزير الخارجية يبحث تطورات غزة ونووي إيران مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط
  • تنبيه أمني من سفارة أمريكا بإسرائيل بعد ترتيبات مغادرة موظفين غير أساسيين للشرق الأوسط
  • رئيس هيئة الدواء: نسعى للوصول لرؤية تكاملية تدعم بناء منظومة إفريقية
  • اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ومبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط
  • ماذا نريد لأنفسنا عندما نريد الحلول لأزماتنا؟
  • الاتفاق النووي.. إيران تنتقد مسار الغرب وتلوّح بردود غير متوقعة