اكتوبر الوردي.. حرب السودان تحرم مريضات السرطان العلاج والأمل
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
كان اكتوبر من كل عام يشهد احتفالات وقصص شفاء ملهمة من سرطان الثدي في أنحاء السودان، لكن الحرب أضاعت العلاج والشفاء وحتى الأمل!
التغيير: كمبالا
(نون)، سيدة سودانية في العقد الخامس من عمرها، تعد من الناجيات من سرطان الثدي، لكنها لا تزال عالقة في دوامة المعاناة.
بعد تشخيص إصابتها بالمرض قبل عشر سنوات وخضوعها لجراحة استئصال الثدي، شعرت بالراحة لفترة وجيزة، ولكن سرعان ما عاد المرض ليضعها في مواجهة جديدة، أشد وأقسى من سابقتها، إذ عانت بشدة من توقف العلاج بعد اندلاع حرب 15 ابريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ليأتي (اكتوبر الوردي) مختلفاً للعام الثاني توالياً في ظل أوضاع صحية غاية في السوء.
الحرب حرمت 2122 سيدة من حقوقهن في عيادات الفحص والكشف عن سرطان الثدي
نداء اكتوبر الوردي“لا تتأخري، لا تهملي، ولا تنسي” هو نداء سنوي للنساء في أكتوبر، شهر التوعية بسرطان الثدي، لتشجيعهن على الفحص المبكر والمشاركة في فعاليات اليوم الوردي.
لكن هذا العام، ومع مرور 18 شهراً على الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل العام الماضي، أصبحت الأوضاع الصحية أكثر قتامة.
ووفقاً للاختصاصية بمركز الخرطوم للعناية بالثدي دكتورة مرام محمد حامد، حُرمت 2122 سيدة من حقوقهن في عيادات الفحص والكشف عن سرطان الثدي، ولم تتمكن 1618 سيدة من إجراء فحص الماموقرام المبكر، بينما لم تؤخذ عينات من حوالي 300 سيدة لتأكيد أو نفي الإصابة.
إضافة إلى ذلك، فقدت 2024 سيدة متابعة علاجها مع أخصائي الأورام، وتواجه 3500 سيدة صعوبة في الحصول على جلسات العلاج الكيميائي، و200 سيدة لم تتمكن من إجراء العمليات الجراحية اللازمة، بينما لم تُجرِ 6000 سيدة الفحوصات المعملية الضرورية وذلك بعد 6 اشهر من بداية الصراع.
تأثير مدمرتسببت الحرب في حرمان النساء السودانيات من حقوقهن الصحية الأساسية. وتوضح دكتورة مرام أن هذا الوقت من كل أكتوبر كان يشهد احتفالات وقصص شفاء ملهمة، إلا أنه في هذا العام، كانت أصوات المدافع أعلى من أي شئ آخر.
وأشارت إلى أن مركز الخرطوم للعناية بالثدي كان على مدى 12 عاماً ملاذاً آمناً للنساء، ليس فقط لتلقي العلاج، بل لتبادل القصص وتقديم الدعم النفسي والمجتمعي.
هذا الدعم أصبح الآن شبه معدوم، حيث توقفت المستشفيات والمراكز الرئيسية في الخرطوم والجزيرة عن العمل، مما أضطر الناجيات للبحث عن علاج في مستشفيات بعيدة مثل كوستي أو مروي، أو حتى اللجوء إلى خارج البلاد.
سقوط ود مدني في ديسمبر من العام الماضي كان نقطة تحول مؤلمة في رحلة علاج (نون)
رحلة علاج مضنية(نون) كانت من بين النساء اللاتي عانين من توقف العلاج. “بعد اندلاع الحرب في الخرطوم، توجهت إلى ولاية الجزيرة، ود مدني، لتلقي الجرعات والجلسات العلاجية. في البداية، تعثرت الجلسات ولم تكن منتظمة، ولكن مع مرور الوقت، بدأت الأوضاع في المركز تتحسن”.
أوضحت (نون) أن نتائج التحاليل كانت مشجعة، وأظهرت تقدماً في محاصرة المرض، حيث قرر الأطباء أن تصبح الجلسات متباعدة، بحيث تكون كل ثلاثة أسابيع بدلاً عن أسبوعياً.
لكن سقوط ود مدني في ديسمبر من العام الماضي كان نقطة تحول مؤلمة في رحلتها، حيث انقطعت عن العلاج لثلاثة أشهر بسبب النزوح من مدني إلى سنار، ثم استقرت في ربك بولاية النيل الأبيض. وواصلت العلاج من هناك.
تكلفة الجلسات العلاجية أصبحت عبئاً كبيراً، كما أكدت (نون)، وأوضحت أن الأدوية التي تحتاجها الجلسة الواحدة تتجاوز ستمائة ألف جنيه.
ولفتت إلى أن هذه المعاناة ليست قاصرة على مدني فقط، بل تمتد إلى مستشفى مروي في الولاية الشمالية، حيث يواجه المرضى نفس التحديات في الحصول على العلاج المناسب.
(عايدة) تلقت جرعة منتهية الصلاحية ما أدى لانتشار المرض والعودة لنقطة البداية
من الأمل إلى الانتكاسةحكاية (عايدة)- وهو اسم مستعار، تعكس جانباً آخر من المعاناة. فقد واجهت لمدة خمسة أعوام سرطان الثدي، وكانت تستعد لإنهاء جلساتها العلاجية في مستشفى الذرة ولم يتبقَّ لها سوى جلستان.
قالت في مقابلتها مع (التغيير): “قبل أن تكتمل فرحتي بقرب نهاية العلاج، احتدم الصراع في الخرطوم”.
توجهت إلى الجزيرة، حيث قابلت طبيبين لاستكمال الجلسات، لكنهما لم يتمكنا من تحديد نوع الجرعة وحجمها بدقة. وبعد محاولات عديدة، توصلوا أخيرًا إلى وصفة الجرعة المطلوبة، ولكن قبل أن تتمكن من أخذها، دخلت قوات الدعم السريع ود مدني.
لذلك اضطرت (عايدة) للعودة إلى ولايتها شمال كردفان بحثًا عن الجرعة، وبعد جهد كبير، تمكنت من الحصول على جرعة واحدة فقط، ثم قررت التوجه إلى مصر بحثاً عن علاج أكثر فعالية، لتكتشف بعد مقابلتها الأطباء هناك أن الجرعة التي تلقتها كانت منتهية الصلاحية، ما أدى إلى انتشار المرض في ثديها الآخر والدم، لتعود إلى نقطة البداية من جديد.
اختصاصي الأورام د. عمر عباس: تأخير الجرعات يمكن أن يؤدي لانتكاسة وانتشار المرض وقد يتسبب في الوفاة
خطورة الانقطاعاختصاصي الأورام د. عمر عباس، تحدث عن خطورة توقف العلاج، وأشار إلى أن انتظام الجرعات العلاجية أمر حاسم في السيطرة على السرطان.
وذكر في مقابلة مع (التغيير)، أن الجرعات العلاجية تتطلب انتظاماً دقيقاً في تناولها، وأي تأخير يمكن أن يترك آثاراً سلبية.
وأوضح أن التأخير في أخذ الجرعات، سواء كان بسبب عدم توفر الجرعة، أو لظروف مادية، أو نتيجة للوضع الأمني المتردي في البلاد، يمكن أن يؤدي إلى انتكاسة، وتحول الحالة السرطانية من عضو واحد إلى انتشار المرض في أنحاء الجسم، وقد يتسبب في الوفاة.
وأكمل حديثه قائلاً: “الاستمرار في العلاج هو المفتاح لتحقيق التأثير الطبي الإيجابي، والانقطاع يضعف فعالية الجرعات”.
وأوضح اختصاصي الأورام أن العودة للعلاج بعد انقطاع طويل قد تفقد العلاج فعاليته إلى حد كبير، مما يعقد الحالة ويزيد من احتمالات الوفاة.
نصحوها بـ”شيخ” يعالج السرطان ويسئت بعد شهرين من تلقي العلاج دون تقدم
علاج بديلليلى حمد النيل، مصابة بسرطان الثدي، هاجمت طرفي الحرب في السودان، متهمة إياهما بتدمير البنية التحتية والمرافق الصحية.
وقالت لـ(التغيير): “حتى قبل الحرب، لم تكن مستشفى الذرة أو المراكز المختصة بعلاج السرطان على قدر عالٍ من الكفاءة. ولكن خلال الحرب، ازدادت الأوضاع سوءًا”.
وأشارت إلى أن توقف مستشفيات الخرطوم وود مدني أدخل المصابات بسرطان الثدي في أوضاع صحية غاية في التعقيد، حيث توفيت العديد من المريضات اللاتي تعرفت عليهن خلال فترة علاجها بسبب عدم استمرارية.
وأضافت ليلى: “بعض المريضات لجأن إلى دول الجوار لمواصلة علاجهن، أما أنا ومن فضلن البقاء في السودان، فقدنا الأمل في استقرار البلاد أو مواصلة العلاج بفعالية.
ومع تزايد تكاليف الجلسات، لجأت إلى العلاج البديل. واتبعت نصيحة أقاربها بالذهاب إلى أحد “المشايخ” الذي يشتهر بعلاج السرطان باستخدام القرآن والأعشاب الطبيعية. لكنها اعترفت بعد مرور شهرين من العلاج أنها لم تلاحظ أي تقدم، ما جعلها تشعر باليأس، في ظل تفاقم معاناتها الصحية.
الحرب الدائرة في السودان لم تؤثر فقط على البنية التحتية والمرافق الحيوية، بل أضافت عبئًا هائلًا على المرضى، وخاصة المصابات بالسرطان، فبينما كانت آمالهن في الشفاء تلوح في الأفق من خلال العلاجات والجرعات المنتظمة، جاءت الحرب لتقوض كل تلك الآمال، تاركة العديد منهن في مواجهة معاناة مضاعفة.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: سرطان الثدی ود مدنی إلى أن
إقرأ أيضاً:
تفاصيل تقرير رسمي عن حجم انتهاكات الحرب بالسودان
الخرطوم – حصلت الجزيرة نت على أحدث تقرير رسمي يكشف حجم انتهاكات الحرب في السودان قدمه في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف الفاتح طيفور النائب العام لجمهورية السودان رئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق في جرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني.
التقرير، الذي تم تقديمه الثلاثاء الماضي في جلسة الإحاطة للجنة تقصي الحقائق بشأن السودان خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان، كشف عن قتل وجرح واغتصاب وإخفاء واحتجاز قسري لمئات الآلاف من السودانيين منذ اندلاع الحرب يوم 15 أبريل/نيسان 2023.
وأشار إلى أن "مليشيا قوات الدعم السريع المتمردة ارتكبت الإبادة الجماعية والقتل خارج نطاق القانون في ولاية الجزيرة ومناطق الجنينة، وأردمتا، والجموعية، والصالحة، والأبيض، والنهود، والخوي، ومعسكري زمزم وأبوشوك".
انتهاكات موثقةوبلغ العدد الإجمالي لضحايا الانتهاكات 28 ألفا و613 قتيلا، و43 ألفا و575 جريحا، وفق التقرير نفسه.
وجاء فيه أن "المليشيا المتمردة" استخدمت العنف الجنسي الواسع النطاق من اغتصاب فردي وجماعي واسترقاق جنسي كسلاح وأداة للإذلال بهدف تشريد المجتمعات والتغيير الديمغرافي.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات وثقتها تقارير الأمم المتحدة، كما سجلت اللجنة الوطنية 98 دعوى تتعلق بالاغتصاب، ووثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة 1392 اغتصابا بينهن قاصرات، وهي تمثل أقل من 2% من الحالات المعلنة بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية.
ووفق التقرير ذاته، انتهكت "المليشيا المتمردة" حقوق الأطفال بتجنيد 9 آلاف منهم قسريا ودفعت بهم إلى ساحات القتال. واستعانت بعصابات من المرتزقة الأجانب من أكثر من 12 دولة.
وبلغت حالات الإخفاء والاحتجاز القسري 14 ألفا و506 حالات وفقا للتحقيقات التي أجرتها اللجنة الوطنية، فضلا عن تصفية الأسرى. وتحدث التقرير عن اكتشاف 965 مقبرة جماعية يُرجح أنها ضمت أعدادا كبيرة من حالات الإخفاء والاحتجاز القسري والأسرى الذين تمت تصفيتهم.
إعلان تدمير ممنهجوأضاف التقرير أن من سماها "المليشيا المتمردة" عمدت إلى استهداف الأعيان المدنية ودمرتها بطريقة ممنهجة باستخدام المسيّرات، بما في ذلك دور إيواء النازحين والمطارات والسدود ومحطات توليد الكهرباء، وميناء بورتسودان، ومستودعات الوقود، والمستشفيات، والسجون.
وحسب المصدر نفسه، سبق أن قدمت اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني تقريرين عن أعمالها، مؤكدة على استقلالية التحقيقات التي تجريها والتزامها بكافة اشتراطات المحاكمة العادلة والمعايير المهنية، واتبعت نهجا يقوم على تسهيل الوصول إلى العدالة عبر الزيارات الميدانية لمقابلة الشهود والضحايا وعدم التقيد بالاختصاص المكاني.
وتوزعت الدعاوى المسجلة كالتالي:
120 ألفا و594 دعوى شملت جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإرهاب ارتكبتها "المليشيا المتمردة". 257 دعوى ضد منسوبين للقوات النظامية في حالات فردية غير ممنهجة. شطب 570 دعوى في مرحلة التحريات. اكتمال التحريات في 3997 دعوى أحيلت إلـى المحاكم الوطنية، وتم الفصل في 1093 منها، وإعلان هروب 619 متهما لتسليم أنفسهم للعدالة. خاطبت اللجنة 6 دول لتسليم 17 متهما يُعتقد بوجودهم فيها. توصياتوأشار التقرير ذاته إلى "نزاهة الأجهزة العدلية الوطنية وكفاءتها ورغبتها وقدرتها على تحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب". وأكد أنه "لا مجال للفوضى والإفلات من العقاب"، وأن "السودان يمضي نحو الاستقرار بانحسار التمرد وهزيمته وعودة المواطنين".
واختتم بجملة من التوصيات منها:
إدانة سلوك "المليشيا المتمردة" (الدعم السريع). اعتبارها جماعة "إرهابية". حظر أنشطتها وتحركاتها. تصنيف قادتها عناصر "إرهابية".كما أوصى بإنهاء تفويض بعثة تقصي الحقائق الأممية، ودعم اللجنة الوطنية لإكمال مهامها، واستبعاد أي آلية خارجية بديلة، وتعزيز التكاملية بين المجلس واللجنة الوطنية. وحث أيضا دول الإقليم على التعاون مع اللجنة الوطنية في الوصول إلى الضحايا والشهود واسترداد المنهوبات.