هيئة الموثقين المغاربة تقتسم الخبرة مع الموثقين بدول الساحل
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
زنقة 20 ا مراكش | محمد المفرك
تم يوم أمس بمراكش، التوقيع على اتفاقية تعاون بين المجلس الوطني لهيئة الموثقين بالمغرب وهيآت التوثيق بدول الساحل ( النيجر ومالي وتشاد وغينيا)، تهدف إلى استفادة هذه المؤسسات من الخبرة المغربية في مجال التوثيق.
وتروم هذه الاتفاقية الموقعة على هامش أشغال المؤتمر الإفريقي الثالث والثلاثين للموثقين المنظم على مدى ثلاثة أيام تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس حول موضوع “التوثيق الرقمي”، دعم القدرات العلمية والعملية للمنتسبين لهذه الهيآت الإفريقية مما يجسد انفتاح المملكة على القارة السمراء وحرصها على نقل تجربتها لهذه الدول في عدة مجالات من بينها التوثيق على وجه الخصوص.
وتهدف هذه الاتفاقية، أيضا، إلى تبادل المعلومات والتكوين والرقمنة وتعزيز المجال القانوني.
من جهة أخرى، جرى التوقيع على اتفاقية شراكة بين المجلس الوطني للموثقين بالمغرب وجامعة الحسن الأول بمدينة سطات، تروم إحداث إجازة مهنية للموثقين وخلق سلك ماستر بالنسبة للأعوان والموثقين المغاربة وأيضا الطلبة المنتمين للدول الإفريقية، فضلا عن فتح باب التسجيل لنيل الدكتوراه في هذا الميدان الحيوي.
وفي هذا السياق، أكد رشيد التدلاوي، الكاتب العام لهيئة الموثقين بالمغرب، في تصريح للصحافة، أن الاتفاقية ستمكن من نقل التجربة المغربية في مجال الرقمنة إلى هيآت التوثيق بهذه الدول الإفريقية للرقي بهذه المهنة.
وأشار من جهة أخرى، إلى أن هذا المؤتمر يعد فرصة لتبادل التجارب بين الدول الإفريقية في ميدان الرقمنة لتطوير مجال التوثيق، لافتا إلى أن المغرب يعد رائدا في هذا الميدان على صعيد القارة، مما يتيح له نقل تجربته لهذه الدول.
وذكر، في هذا الصدد، أن المجلس الوطني للموثقين بالمغرب سبق له أن وقع اتفاقية مع هيئة التوثيق بالسينغال تم من خلالها تطوير المجال الرقمي للتوثيق مما ممكن من اعتماد نظام معلوماتي جديد أطلق عليه “توثيق السينغال”، مبرزا أن التعاون مع الدول الإفريقية يندرج في إطار التعاون الإفريقي الإفريقي.
كما أشار إلى المكانة الهامة للتوثيق المغربي على الصعيد الدولي، وهو ما تعكسه رغبة عدد من الدول الإفريقية في الاستفادة من التجارب التي راكمها المغرب في مجال الرقمنة ذات الصلة بالتوثيق لتطوير هذا الميدان على الصعيد الإفريقي حماية للعقود والتعاملات والقوانين المتعامل بها.
ويسلط هذا المؤتمر الذي يشارك فيه أزيد من 700 موثق يمثلون 19 دولة إفريقية إلى جانب نخبة من المسؤولين والخبراء وقضاة وأساتذة جامعيين، الضوء على التحولات الرقمية التي يشهدها قطاع التوثيق بإفريقيا.
وبحسب المنظمين، فإن اختيار موضوع “التوثيق الرقمي” يعكس انخراط الموثقين الأفارقة في مسلسل التحول الرقمي بنفس الطريقة التي تدعمها بلدانهم، حيث يعرف المجال الرقمي نموا مطردا في عدة قطاعات من بينها الحكامة والعدل والفلاحة والتعليم والصحة والخدمات المالية.
ويناقش المشاركون في هذا المؤتمر مواضيع تهم “التوثيق الرقمي ومحاربة تبييض الأموال وتمويل الارهاب”، و”رقمنة التوثيق رافعة للاستثمار والتنمية المستدامة”، و”أثر الذكاء الاصطناعي على التوثيق”، و”العقد الإلكتروني الأصلي”.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: الدول الإفریقیة فی هذا
إقرأ أيضاً:
من الرمز إلى التوثيق ...التعبيرية أمام دم غزة
تطرح اللحظة الراهنة في فلسطين، وبخاصة في غزة، سؤالًا ملحًّا على الكتابة الأدبية والفنية: هل تكفي التعبيرية، بما هي اتجاه أدبي وفني، اعتمد الرَّمز وانفتاح التأويل، لمواجهة الدم اليومي، والتجويع المنهجي، والتهجير القسري، والكذب السياسي؟ أم أن الزمن استدعى تطويرها إلى صيغة جديدة تحفظ للضحايا أسماءهم، وتحوّل الرَّمز إلى أداة فضح لا إلى ستار؟
نشأت التعبيرية في أوروبا في بدايات القرن العشرين كرد فعل مباشر على الحروب والاغتراب الصناعي، فأنتجت نصوصًا مسرحية، وعروضًا بصرية، وكتابات شعرية وسرديّة ركزت على الباطن النفسي، أكثر من الخارج الواقعي. استبدلت بالمشهد اليومي مشاهد كابوسية، وبالصورة الحسيّة المَجاز الحادّ، لتكشف عن القلق الوجودي والصدمة الداخلية. وعندما وصلت إلى الأدب العربي مع موجات التجريب في النصف الثاني من القرن العشرين، لم تلغِ الواقعية، بل زاحمتها، وأعادت تشكيلها، وكان المسرح العربي من أبرز من استثمر هذه الإمكانات الجديدة. من أبرز النماذج سعدالله ونوس، الذي قدّم في مسرحية الفيل يا ملك الزمان (1969) نصًّا يربط بين الاستبداد السياسي ورمز الفيل، حيث يتحول الحيوان إلى استعارة عن السلطة التدميرية القاهرة، والحوار إلى صرخة وجودية. وفي مغامرة رأس المملوك جابر (1971) لجأ ونوس إلى حكاية تاريخية تعبيرية، يقطع فيها الرأس ليصير علامة على أحادية السلطة والرّعب المستمر. وفي الخليج، قدّم إبراهيم غلوم نصوصًا تجريبية تتكئ على الرمزية التعبيرية، كما في عذابات ابن ماجد، حيث تتحوّل القصيدة إلى مشاهد درامية تشخصن البحر والرحلة والاغتراب، لتكشف عن عزلة الإنسان العربي وغربته الوجودية. هذه التجارب تكشف كيف استوعب المسرح العربي التعبيرية بوصفها أداة لتفجير الوعي ومساءلة السلطة والمجتمع. وفي سياق آخر، يمكن استحضار مسرحية العميان لموريس ميترلنك التي مثّلت أحد أعمدة التعبيرية بفراغها المسرحي وصمتها الطويل، غير أنّ المخرج التونسي منير لعرجي قدّم قراءته الخاصة لها في عرض ميراوش، حيث تخلّى عن لغة الصمت والانتظار ليُدخل أحداثًا مباشرة من الشارع التونسي، مستخدمًا لغة واقعية واضحة. بهذا التحويل، نقل النص من فضاء رمزي مغلق إلى فضاء اجتماعي- سياسي مفتوح، ليعيد توظيف التعبيرية في مواجهة هموم محليّة معاصرة.
لقد قامت التعبيرية منذ بداياتها على طرح أسئلة جوهرية من قبيل: من يكتفي برؤية سطح الأشياء؟ ومن يستطيع أن ينفذ إلى جوهرها الخفي؟ ومن يملك حسًّا مرهفًا يلتقط العلامات والرموز ليبصر وراءها حقيقة العالم؟ ولعلّ ما قاله الشاعر فرلين: «المعاني الخفية كالعينين الجميلتين تلمعان من وراء نقاب» يوجز هذا المبدأ. غير أنّ زمن الدم الغزّي لا يحتمل الاكتفاء بومضات خلف نقاب، بل يفرض على التعبيرية أن تبرهن على صدقيتها بربط الرمز بالوقائع وتثبيت الأسماء قبل الإيحاء، وإلا تحوّلت إلى زخرفة جمالية تضلّل بدل أن تكشف.
اليوم، وفي ظلّ الحرب المفتوحة على غزة، يواجه الأدب والفن اختبارًا غير مسبوق. الكذب السياسي لم يعد مجرّد خطابٍ مموّه، بل صار منظومةً متكاملة من التبرير والإنكار. التجويع تحوّل إلى سياسة ممنهجة، والقتل يُبثّ مباشرةً على الهواء. في هذه اللحظة، يظهر التناقض: ففي الغرب، الحكومات الرَّسمية تواصل دعمها للآلة الصهيونية بالسلاح والمال، لكنها تواجه مظاهرات شعبية ضخمة وأسطول صمود عالمي يحاول كسر الحصار. وفي المقابل، يغرق المشهد العربي الرسمي في صمت أو تواطؤ، بينما يَغيب الدعم الشعبي الحقيقي عن مستوى الفعل المؤثر. هذا التناقض يجعل من التعبيرية سؤالًا جديدًا: هل تصلح اللغة الرمزية حين يكون الواقع أكثر عنفًا من أي كابوس؟ أليست صور البيوت المهدّمة والجثث المسحوبة من تحت الركام أبلغ من أي رمز؟
الخطر هنا أن تتحوّل التعبيرية إلى جمالية غموض تُخفف وقع الدم عوضا عن أن تكشفه. لكن يمكن أن تُستعاد قوتها حين تتطور إلى ما نسميه التعبيرية التوثيقية. المقصود بهذه الصيغة هو دمج الرمز بالوقائع المثبتة، بحيث يظل الواقع راسخًا والرمز يعمل كعدسة مكبّرة. هذه الصيغة ترفض أن تكون الاستعارة بديلًا عن الشهادة، بل تجعل الاسم والتاريخ والنصّ التوثيقي أساسًا، والرمز إضافة تكشف الباطن. وهي بذلك تنفتح على مبادئ أساسية: إدماج الأسماء والتواريخ والأماكن في النصوص لتثبيت الوقائع، واشتقاق الرمز من الواقع لا فرضه عليه، والمزاوجة بين السجل التوثيقي والرمزي بحيث يتلو الرقم مشهد تعبيري يوسّع المعنى، وأخيرًا إبراز صوت الضحية لا صوت المؤلف وحده، بحيث يبقى النص أخلاقيًّا قبل أن يكون جماليًّا.
من واقع قراءاتي وتقويمي لعدد من المسرحيات والأفلام التي أنجزها مسرحيون شباب، هالني ذلك الميل إلى الاختباء وراء الرمز واجترار مفردات اللغة، بحيث تغيب الفكرة وراء تعابير مشوّشة تتشظى على الورق بلا جدوى. تظهر الشخصيات وكأنها قادمة من الحلم، مغلّفة بالكوابيس، ومضطربة في سلوكياتها: إما يتركها الكاتب قيد الانتظار، أو يرميها في صراع مع الظلام، أو يجعلها تدخل في حال من الهذيان والتيه بلا إدراك. والأسوأ من ذلك افتقارها إلى الإقناع الدرامي. أما الفضاءات المشهدية، فتأتي في هذه النصوص قاتمة السواد، تلتف على القضية الفلسطينية الراهنة المشتعلة بالغليان والدم، فلا تضيء حقيقتها، ولا تمنحها الصوت الذي تستحقه.
ما يلفت الانتباه أننا نرى على شاشات التلفزيون مشاهد موثقة: صحفيون يُقتلون على الهواء، بيوت تنهار في لحظة، أطباء يُحاصرون في مستشفيات بلا كهرباء، وأطفال يصرخون يطلبون الله أن يميتهم ليريحهم، وآخرون يفترشون الأزقة والشوارع كالجثث الميتة للنوم من التعب والإرهاق وهم في رحلة النزوح. هذه الصور الموجعة أصبحت جزءًا من وعي الناس اليومي، غير أنّ نصوصًا مسرحية كثيرة يكتبها بعض الشباب تتفادى مثل هذه الحقائق، وتستعيض عنها برموز فضفاضة أو مشاهد معتمة لا تمسّ التجربة المباشرة. المفارقة أن الواقع نفسه بات أكثر تعبيرية من أي استعارة، ومع ذلك يظلّ المسرح غائبًا عن استثمار هذه اللحظة في عمقها الإنساني والسياسي.
قد يعترض البعض بأن الجمهور يريد المباشرة لا الرموز، لكن التعبيرية التوثيقية تقدم الاثنين معًا؛ الاسم والتاريخ أولًا، ثم الرمز كطبقة ثانية. وقد يقول آخرون إن الرموز تضلّل، والجواب أن الرمز إذا كان مسندًا بشهادات موثوقة، يكشف عمق التجربة ولا يخفيها. أما القلق من أن الفن يجمّل الألم، فيتجاوز عندما يُقال الاسم قبل الاستعارة، والدم قبل المجاز.
لقد وُلدت التعبيرية من رحم الحرب والاغتراب. واليوم، في زمن غزة، لا تزال قادرة على الصمود إذا تحوّلت إلى تعبيرية توثيقية تحترم الدم، وتعيد له صوته واسمه. فالمسألة لم تعد مجرد اختيار أسلوب فني، بل صارت مسؤولية أخلاقية: كيف لا نجمّل الألم؟ كيف لا نحذف الضحية باسم الجمالية؟ إن الكتابة عن غزة اليوم ليست تمرينًا بلاغيًّا، بل موقفًا أخلاقيًّا. الرمز لا يُلغى، لكنه يُعاد إلى وظيفته الأصلية: فضح العنف وكشف الكذب وتثبيت الشهادة. وبهذا فقط يمكن للتعبيرية أن تظلّ ذات جدوى، وأن تتحول من جمالية غامضة إلى شهادة حيّة على زمن الدم والتجويع والخذلان.