عربي21:
2025-12-02@04:38:41 GMT

هل الحرب الأوكرانية خلف جنون الذهب المستجدّ؟

تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT

بعد استراحة لم تكن طويلة، عاد العالم بأسره إلى الذهب؛ إقبال غير مسبوقٍ على المعدن الأصفر يكشف تحوّلا عميقا في مزاج الأسواق وثقة الدول بالبُنى المالية الغربية. لم يعد المعدن الأصفر مجرد أصلٍ تحوّطي في دورات التضخم، مثلما كان قبل عقود، بل تحوّل إلى "أصل سياديّ" مفضّل لدى أغلب صانعي السياسات حول العالم، خصوصا حين تبدأ قواعد اللعبة بالاهتزاز.



أسعار الذهب قفزت إلى قمم تاريخية في الشهرين الفائتين، وصلت إلى نحو 4300 دولار للأوقية ثمّ تراجعت قليلا بفعل بعض "الصدمات" الإيجابية الطفيفة، كزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى آسيا وبداية التلاقي مجددا مع الصين حول الرسوم الجمركية، المعادن النادرة، وغيرها من الملفات.. لكنّ الأسعار عادت اليوم إلى "الجنون"، وهذا يعني أنّ المحرّك الرئيسي للمعدن الأصفر محوره: سلوك الولايات المتحدة وحلفائها، تجاه الصين وحلفائها أيضا.

أداء أقتصادي ضعيف مُثقل بالتضخم، وهشاشة قانونية في حماية الأصول السيادية، وتشدّد جيوسياسي آخذ في الاتساع، وتبدّل في مواقف العواصم الكبرى من كلفة الحروب وتمويلها
إذا، الذهب ليس لغزا بقدر ما هو نتيجة طبيعية لتراكم محفّزات نادرة الاجتماع: أداء أقتصادي ضعيف مُثقل بالتضخم، وهشاشة قانونية في حماية الأصول السيادية، وتشدّد جيوسياسي آخذ في الاتساع، وتبدّل في مواقف العواصم الكبرى من كلفة الحروب وتمويلها.. وخصوصا الحرب الروسية- الأوكرانية، التي كانت الشرارة التي أطلقت "حرب الذهب" قبل 3 سنوات.

نقطة التحول تلك، كانت بقرار تجميد أصول المصرف المركزي الروسي بُعيد اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ الإجراء كسَر يقينا كان مستقرا منذ عقود، ومفاده أنّ احتياطيات المصارف المركزية في العالم (خصوصا في الغرب) محمية، وبمنأى عن الصراعات. لكنّ استخدام عوائد تلك الأصول المجمدة كضمان لقروض تُمنح لأوكرانيا، ثم تصاعد الحديث نحو مصادرة هذه الأصول رسميا ونقل ملكيتها إلى كييف، فجّر الموقف.

انتقلت القاعدة من بدعة "تجميد العوائد"، إلى بدعة أخرى أشدّ خطورة، وهي "مصادرة الأصول"، وبذلك تغيّرت تعريفات الأمان القانوني للأصول الاحتياطية، واندفعت المزيد من المصارف المركزية حول العالم، إلى تقليص تعرّضها للدولار واليورو، لصالح تخزين ذاك المعدن الأصفر.

مع تغيّر المزاج في واشنطن تجاه تقديم "الشيكات المفتوحة" لأوكرانيا، وجد الأوروبيون أنفسهم أمام سؤال التمويل في ظل رأيٍ عام مثقل بكلفة المعيشة. أحد حلول بروكسل كان تسييل الأصول الروسية المجمدة من أجل تمويل الحرب، لكن هذا المسار اصطدم بتحفظات مؤسسية وقانونية: المصرف المركزي الأوروبي حذّر من تآكل سمعة عملته (اليورو) كعملة احتياطي في حال بدت أوروبا مستعدة لاستخدام أصولٍ سيادية أجنبية خارج تقاليد الحماية السائدة، ناهيك عن عقد "يوروكلير" حيث تُحتجز الكتلة الأكبر من الأصول الروسية. بروكسل حاولت ألا تكون الطرف الذي يواجه وحده تبعات قضائية ومالية في حال ارتدّت الخطوة أمام المحاكم أو اتخذت مسارات قضائية.

كل ذلك، يفسر اليوم سباق المصارف المركزية إلى الذهب، خصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغ صافي المشتريات أكثر من ألف طن سنويا، على نحوٍ غير مألوف في الأسواق الحديثة، فاتسعت قاعدة المشترين لتشمل الاقتصادات الناشئة وتلك المتقدمة على السواء، ناهيك عن "الترند" لدى الأفراد الذين تأثروا بهذه الموجة وتهافتوا على شراء الذهب بجنون.

في أحدث البيانات المتاحة عن شهر آب/ أغسطس الفائت، رفعت 7 مصارف مركزية احتياطياتها بأطنان من الذهب، ومنها كازاخستان التي اشترت نحو 8 أطنان، كما سجّلت بلغاريا أكبر مشتريات شهرية منذ العام 1997، وانضمت تركيا وأوزبكستان والتشيك وغانا وإندونيسيا إلى تلك القائمة، فيما واصلت الصين الشراء للشهر العاشر على التوالي متجاوزة سقف 2300 طن ذهب من المشتريات المعلنة (الترجيحاتٍ تفيد بأنّ المشتريات غير المعلنة هي أعلى من الأرقام الرسمية).

برغم التصحيحات الذي نشهدها على الطريق، فإنّ ما يميّز هذه الموجة أنّها قائمة على "أسس تنظيمية" وليس على مضاربات عابرة
اللافت في كل هذا، ليس حجم المشتريات فحسب، بل "مكان الحفظ"، حيث تفضل المصارف المركزية الاحتفاظ بذهبها داخل حدودها الوطنية، بدلا من الاعتماد على خزائن لندن أو نيويورك.. أمّا الهدف خلف ذلك فهو: تقليل مخاطر "الطرف الثالث" الذي قد يُحول سياسيا دون الوصول تلك الدول إلى أصولها، تماما كما حصل مع روسيا.

أما السؤال الذي يُطرح اليوم، فيتعلق بمسار الذهب المستقبلي، وإن كان سيواصل صعوده المستقيم والصاروخي، والجواب ليس أكيدا، باعتبار أنّ المعدن الأصفر شديد الحساسية أمام دورات السيولة والتغييرات بأسعار الفائدة.

برغم التصحيحات الذي نشهدها على الطريق، فإنّ ما يميّز هذه الموجة أنّها قائمة على "أسس تنظيمية" وليس على مضاربات عابرة، بخلاف ما يظنّ البعض. النظام المالي الدولي يُعاد تعريفه على وقع الضغوط الجيوسياسية؛ أوروبا في مأزق تمويلي طويل الأمد، وعالقة في توازن نقدي يتبدّل ببطء لصالح الأصول المحايدة سياديا. في هذا السياق، يصبح السعر المرتفع امتدادا منطقيا لتحوّلٍ أعمق، لا مفاجأة صاخبة خالية من أي تفسير.

إذا، العالم أمام "عقيدة ذهبية" جديدة، تتجاوز وظيفة التحوّط إلى وظيفة الضمان السيادي في عالمٍ تتقاطع فيه المبادىء "القانونية" بتلك "السياسية"، وكلما تقدمت النقاشات الأوروبية نحو تحويل "تجميد" الأصول الروسية إلى "مصادرة"، ازداد هذا التحوّل رسوخا.

التحدي اليوم ليس توقّع الذروة السعرية للذهب، بل فهم عملية التحوّل المؤسسي الذي يعيد ترتيب هرم الأصول الموثوقة لدى سائر الدول حول العالم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الذهب اليورو أوروبا روسيا روسيا أوروبا الدولار الذهب اليورو مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المصارف المرکزیة المعدن الأصفر

إقرأ أيضاً:

ذكرى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن الذي صدح صوته أفاق العالم

في مثل هذا اليوم، تحل ذكرى رحيل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أحد أبرز قراء القرآن الكريم في العصر الحديث، وصاحب الصوت الذي ارتبط في وجدان الأمة الإسلامية بخشوع وسكينة لا تنسى.

ولد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في الأول من يناير عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت بمحافظة قنا (قبل ضمها لاحقا إلى محافظة الأقصر)، ونشأ في أسرة عرفت بحفظ كتاب الله وأتقنت تجويده جيلا بعد جيل، فقد كان جده من كبار الحفاظ، ووالده الشيخ محمد عبد الصمد من المجودين المتقنين للقرآن الكريم.

التحق منذ صغره بكتاب الشيخ الأمير في أرمنت، حيث ظهر نبوغه المبكر وسرعة حفظه، وتميز بعذوبة صوته ودقة مخارج حروفه، حتى أتم حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، وتتلمذ بعد ذلك على يد الشيخ محمد سليم حمادة، فدرس علم القراءات، وحفظ متن الشاطبية في القراءات السبع، وكان من أكثر تلاميذه نبوغا وإتقانا.

بدأت شهرة الشيخ عبد الباسط تتسع في محافظته، حتى توالت الدعوات إليه من قرى ومدن قنا والوجه القبلي، يشهد له الجميع بالأداء المتميز وصوته الذي يأسر القلوب، ومع نهاية عام 1951م شجعه الشيخ الضباع على التقدم لاختبارات الإذاعة المصرية، فقدم للجنة تسجيلا من تلاوته في المولد «الزينبي»، فانبهر الجميع بصوته وتم اعتماده قارئا رسميا بالإذاعة، وكانت أول تلاواته من سورة فاطر، ومنها انطلق صوته إلى كل بيت في مصر والعالم الإسلامي.

عين عبد الصمد قارئا لمسجد الإمام الشافعي عام 1952، ثم لمسجد الإمام الحسين عام 1958 خلفا للشيخ محمود علي البنا، ليصبح أحد أعمدة الإذاعة المصرية، التي ازدادت شعبيتها بشكل غير مسبوق مع صوته المهيب، حتى صار اقتناء جهاز الراديو في القرى وسيلة للاستماع إلى تلاواته.

ومن القاهرة بدأت رحلته الدولية التي حمل خلالها صوت القرآن إلى بقاع الأرض، فقرأ في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، ولقب بـ «صوت مكة» بعد تسجيلاته الشهيرة في الحرمين الشريفين، وجاب بلاد العالم قارئا لكتاب الله، فكان بحق سفيرا للقرآن.

حظى الشيخ الراحل بتكريم واسع في العالم الإسلامي، حيث استقبله قادة الدول استقبالا رسميا، ونال عدة أوسمة، من أبرزها: وسام الاستحقاق من سوريا عام 1959، ووسام الأرز من لبنان، والوسام الذهبي من ماليزيا عام 1965، ووسام العلماء من الرئيس الباكستاني ضياء الحق عام 1984، ووسام الاستحقاق عام 1987 في الاحتفال بيوم الدعاة.

وعن مواقفه المؤثرة، تروي كتب سيرته أنه خلال زيارته للهند فوجئ بالحاضرين يخلعون أحذيتهم ويقفون خاشعين وأعينهم تفيض بالدموع أثناء تلاوته، كما قرأ في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي بفلسطين، وفي المسجد الأموي بدمشق، إضافة إلى مساجد كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، حيث كان حضوره يملأ القلوب إجلالا لصوت القرآن.

ظل الشيخ عبد الباسط وفيا لرسالته حتى أواخر أيامه، رغم إصابته بمرض السكري والتهاب كبدي أنهك جسده، سافر إلى لندن للعلاج، لكنه طلب العودة إلى مصر ليقضي أيامه الأخيرة في وطنه، وفي يوم الأربعاء 21 ربيع الآخر 1409 هـ الموافق 30 نوفمبر 1988، رحل عن دنيانا عن عمر يناهز 61 عاما، بعد مسيرة حافلة بتلاوة كتاب الله، تاركا إرثا خالدا من التسجيلات والمصاحف المرتلة والمجودة التي لا تزال تبث في الإذاعات العربية والعالمية حتى اليوم.

رحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، لكن صوته ما زال يملأ الدنيا نورا وخشوعا، لقد كان سفيرا للقرآن بحق، جمع بين الإتقان والجمال والصدق، فصار اسمه رمزا للسكينة والروحانية، سيبقى صوته يرافق الأجيال، يشهد على أن تلاوة القرآن حين تخرج من قلب مؤمن، فإنها لا تموت أبدا.

اقرأ أيضاًعاجل.. محمد أحمد حسن يحصد أعلى الدرجات ويتأهل بقوة في دولة التلاوة

موسم ثاني وثالث ورابع من «دولة التلاوة».. وزير الأوقاف يفجر مفاجأة على الهواء

موعد إعادة برنامج دولة التلاوة الحلقة الخامسة

مقالات مشابهة

  • كالاس تتحدث عن لحظة فاصلة وواشنطن تدفع بمقترح معدل.. أسبوع الحسم في الحرب الأوكرانية
  • خاص.. الإدارة الأميركية متفائلة بقرب انتهاء الحرب الأوكرانية - الروسية
  • أردوغان : الحرب الروسية الأوكرانية تهدد البحر الأسود.. والسفن التجارية تحت النار
  • روسيا تضرب دنيبرو بعنف… هجوم جديد يعيد الحرب الأوكرانية لنقطة الاشتعال
  • تفاؤل إزاء محادثات فلوريدا بشأن الحرب الأوكرانية الروسية
  • الأصفر بكام؟.. سعر الذهب عيار 21 اليوم الأحد 30 نوفمبر 2025
  • عاجل| سعر الذهب عيار 21 اليوم الأحد 30 نوفمبر 2025.. تحديث لحظة بلحظة لـ «الأصفر»
  • ذكرى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. سفير القرآن الذي صدح صوته أفاق العالم
  • دروس الحرب الأوكرانية