مناظير الاحد 27 اكتوبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* لا يحتاج التعرف على السيناريو القادم الى ذكاء أو حتى غباء، ولا يحتاج الى زرقاء اليمامة لتراه، بل يستطيع أن يراه كل مَن لا بصر له ولا بصيرة، ويستطيع أن يتعرف عليه ويتنبأ به أغبى خلق الله، ولدىَّ يقين لا يتسرب إليه الشك أن الكل يعرف أن السيناريو القادم هو (الحرب الأهلية) التي يجري التجهيز والاعداد لها في العلن بدون مواربة او غطاء، بعد أن فشلت كل الخطط والخطوات السابقة في تحقيق الهدف المنشود من إشعال الحرب، إلا إذا كان الهدف من الحرب تدمير السودان وتشريد الشعب ــ وهو الشئ الوحيد الذي تحقق حتى اليوم ــ وليس هنالك ما يدهش في ذلك، فلم يُعرف في أي يوم من الأيام عن الذين يخططون لذلك دِين أو وطنية أو اخلاق تعصمهم من الخيانة والعمالة والارتزاق، هم وصنائعهم الذين إنقلبوا عليهم !
* غير أن الذي يصيب الإنسان بالدهشة والحيرة هو أن الحرب الاهلية ستكون وبالاً في المقام الاول على الذين يُعدون لها العدة بتهييج وتسليح القبائل والمكونات المجتمعية، ثم يأتي بعدهم الآخرون، لعدة أسباب، أولها أن الذين يسلحونهم ويخدعونهم باسم الكرامة والدفاع عن الارض والعرض ليس لهم قوة الآخرين الذين خُلقوا مقاتلين بحكم طبيعتهم البدوية القاسية والمنافسة الشديدة التي تتطلب الحذر والشدة والقوة، كما لهم الكثير من الخبرة في الحروب، بينما اعتادت المكونات المجتمعية في الوسط على الدعة والحياة الحضرية ومضى زمان طويل على آخر مشاركتهم في نزاعات وحروب قبلية ، بل إنهم عزفوا منذ زمان بعيد حتى عن العمل في الجندية بكافة اشكالها إلا ما ندر، بينما ظل الآخرون محافظين على طبيعتهم الخشنة وبدويتهم وبأسهم وشدتهم ونزاعاتهم القبلية الشرسة وتمرسهم على استخدام السلاح، بالإضافة الى اعتماد المؤسسة العسكرية النظامية عليهم في قوامها العسكري، وزادهم النظام المتأسلم البائد وخصمهم الحالي (البرهان) قوة على قوتهم وتطويرهم عسكريا، فمن أين لمدنيين عاديين ليس لهم قوة أو خبرة على مواجهتهم في ميادين القتال!
* توزيع السلاح وحده لا يكفي ليخلق مقاتلاً قادرا على الصمود والمناورة والقتال، كما يظن الذين يوزعون السلاح على المواطنين مثل توزيع قطع الحلوى على الأطفال في المواسم والاعياد، إلا إذا كان القصد من ذلك هو القضاء عليهم.
* ربما يكون العامل الوحيد في صالح هؤلاء هو معرفتهم بمكان وجودهم (ساحة القتال)، ولكن بماذا تفيد معرفة ساحة القتال في زمن الراجمات والمدافع والمسيرات بالاضافة الى انعدام الدراية والخبرة العسكرية؟!
* السبب الثاني، أن العالم لن يسكت على حرب أهلية يموت فيها الناس بالآلاف كل يوم، وسيتدخل لايقاف الحرب خاصة مع الموقع الإستراتيجي للسودان على البحر الأحمر والساحل الأفريقي وتوسطه لمنطقة مكتظة بالحروب والمشاكل والأزمات !
* صحيح أن التدخل قد يتأخر كما اعتاد الناس من المجتمع الدولي بسبب التعقيدات الكثيرة والمصالح المتضادة، ولكنه حتما سيتدخل في لحظة ما لا يمكن ان يقف فيها متفرجاً، ولن يكون التدخل بأي حال من الأحوال في مصلحة مشعلي الحرب والمحرضين عليها من فلول وجماعات إرهابية ليس لهم قبول عالميا أو إقليميا، ولا حتى لدى الذين يناصرونهم ويدعمونهم الآن .. ولقد قلتها من قبل وأكررها الآن ان الذين أشعلوا الحرب للوصول الى السلطة واهمون، فهم مجرد وسيلة يُحقق بها الآخرون، سواء كانوا قوى عالمية او محلية مصالحهم وغاياتهم، ثم يرمونهم للكلاب!
* بل إن (الجيش) نفسه الذي يعتقد مشعلو الحرب أنه نصيرهم وحليفهم، سينقلب عليهم عندما تتوفر الظروف المناسبة لذلك، حتى لو ظل هو نفس الجيش الذي يوجد الآن، وظل قادته هم نفس القادة الذين يديرونه الآن، والتجارب التي تثبت ذلك كثيرة جدا سواء في بلادنا او البلاد الآخرى، ويكفي أن أذكر هنا تجربتي المخلوعين جعفر نميري وعمر البشير مع الذين حملوهم الى كرسي السلطة !
* أما محاولة الصمود والاقتداء بطالبان في أفغانستان، أو الحوثيين في اليمن حتى يتنازل العالم ويسمح لهم بالعودة والبقاء، فهى محاولة ساذجة، فطالبان والحوثيون قوى مجتمعية في بلادهم (قبائل) لا يمكن تجاهلها في أى معادلة سياسية، وليسوا أحزابا أو تحالفات حزبية أو مجرد مليشيات ارهابية، كما يظن البعض !
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الذين رحلوا.. وبقي الوطنُ بهم
كل عام تُشرق علينا ذكرى شاهقة، قداسة تحلق فوق تراب هذا الوطن وذكرى تمتزج فيها عزة الإباء التي تعانق السحب، ووجع الفقد الذي يهد الأركان…. ترسي سفن العهد على شاطئ فداء أبدياً، يعبق عطره ولا يضمحل عطاؤه…. ففي اللحظة التي انشق فيها أديم الليل، وتصدع ركن السلام، انبثق من رحم الأرض رجال، باعوا زهرة العمر لله، ونقشوا بدمائهم الزكية سفر مجد ضارب في القدم حماية للوطن.
مناقبهم الماجدة، وبطولاتهم التي تزاحم الجبال هامة، أجل من أن تحاصرها حروف عابرة، وأعظم من أن يخطها التاريخ على صفحاته، فمن أتمّ المقايضة العظمى مع الخالق، وأوفى بالعهد الرهيب بصلابة اليقين، فقد ارتقى إلى درجة الكرامة الأسمى… نعم، بذل الروح غالياً؛ لكن هؤلاء الأصفياء حملوها بكل حب متيقنون أن ما عند الله هو خير المقام وأخلده.
لقد أثبت شعبنا اليمني منذ فجر نشأته، بأسه الذي لا يبارى ومجده الذي لا يدانى، فما من غاز لهذه الأرض إلا وأخرج منها ذليلا مكسور الجناح والتاريخ شاهد ناطق؛ ذلك أن قيادتنا وشعبنا لا تتخاذل عن دفع صولة المحتل، بل تشارك في خوض لجج المعارك بضراوة وبسالة، في حين أن غالبية الشعوب تفتقر لعطاء كهذا لا يجف معينه، فالنماذج المشرفة لا تحصى، ورحيلها كان نيزكا اخترق الأفئدة، كفقد الغماري الذي أدمى أرواحنا…
إن جراحنا عميقة، ومآسينا تفوق الاحتمال؛ غير أن فخر الكرامة يطوق كل نزيف، ويزرع فينا شموخا راسخا يأبى الذبول، رغم مر الخريف ووداع الأحبة، لا يخلو بيت من زاوية فقد يملؤها أعز الأهل، ثقل الغياب جاثم، ولوعة الثكالى مستعرة، وجرح اليتيم غائر… الفقد يهد الأركان، والقلوب تتداعى بعد كل جنازة؛ لكن الإيمان المتأصل بهذا الشعب حصن لا يميل، فمن عرف قدر الشهادة، هانت عليه الدنيا.