الخطر القادم تفكيك السودان.. المخطط الذي حذر منه السيد عبدالملك الحوثي وتنفذه الإمارات
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
يمانيون|تقرير: محسن علي
قبل سنوات من اندلاع الحرب الأهلية المدمرة في السودان -حاليا-، كانت هناك تحذيرات واضحة ومباشرة تُدق جرس الإنذار للسودانيين من مغبة التورط في أجندات إقليمية ستعود بالضرر عليهم, فقد وجه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، نداءات متكررة للسودانيين خلال فترة مشاركة قواتهم ضمن تحالف العدوان الأمريكي الذي قادته السعودية على اليمن 2015، متنبئاً بالخطر القادم في خطاب وجه في ضمنه رسائله الخاصة للسودان 2018.
حيث حذر السيد عبدالملك من أن مشاركة القوات السودانية في العدون على اليمن هي “خدمة مباشرة لمخطط إقليمي ودولي يهدف إلى إضعاف الدول المركزية وتقسيمها”، وأنها ستعود بالضرر على السودان نفسه.
وقد وصف إرسال الآلاف من الجنود للقتال في اليمن بأنه “عبث” يخدم مخططاً صهيونياً شيطانياً أوسع يستهدف الأمة واستباحتها بأكملها.
لقد أكد السيد الحوثي بنظرة استشرافية أن الدول التي تدفع بأبنائها للقتال في اليمن ستكون هدفاً للاستهداف والتفكيك لاحقاً، وأن هذه المشاركة لن تجلب للسودان سوى الخسائر البشرية والمادية, وقد أثبتت الوقائع أن هذه المشاركة كانت استثماراً فاشلاً أدى إلى تدمير البنية التحتية العسكرية والسياسية للبلاد، حيث كانت الخسارة الأكبر هي تقوية “عصابات قوات الدعم السريع” بالتمويل والخبرة القتالية المكتسبة في اليمن، مما مهد بشكل مباشر للحرب الأهلية الحالية فضلا عن هلاك أكثر من 4000 جندي وضابط في سهول وسواحل وصحاري وجبال اليمن.
المخطط الصهيوني-الإماراتي.. الفوضى كغاية جيوسياسية
اليوم، لم يعد الصراع الدامي في السودان، الذي أدى إلى كارثة إنسانية وتشريد الملايين، مجرد حرب أهلية داخلية على السلطة أو الموارد, فالوقائع الميدانية والتحليلات الجيوسياسية تشير بوضوح إلى أن ما يجري هو تنفيذ لمخطط إقليمي ودولي أوسع، تكمن غايته الأساسية في إعادة تشكيل موازين القوى في منطقة البحر الأحمر الحيوية, وفي قلب هذا المخطط، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كـأداة تنفيذية محورية، لا تسعى فقط للاستحواذ على الثروات، بل لضمان التموضع الاستراتيجي الدائم على الشريان الملاحي الأهم عالمياً، خدمةً لأجندة صهيونية-أمريكية.
ما وراء الذهب.. الهدف الجيوسياسي في البحر الأحمر
إن الهدف الأعمق والأخطر من التدخل الإماراتي عبر دعم ما يسمى بقوات الدعم السريع التي أنشأتها ومولتها في السودان على غرار ما فعلته في اليمن بتمويلها ودعمها للعميل الصهيوني الأول “طارق عفاش” وعصاباته في الساحل الغربي لليمن, لا يختلف عن التموضع الجيوسياسي في الضفة الآخرى على ساحل البحر الأحمر, حيث يمتلك السودان شريطاً ساحلياً يمتد لأكثر من 850 كيلومتراً، وتُشكل السيطرة أو النفوذ المطلق على موانئه (بورتسودان وسواكن) نقطة ارتكاز لا غنى عنها للتحكم في حركة الملاحة بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس ومضيق باب المندب.
وتُظهر شبكة النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي استراتيجية واضحة لإحاطة الممر الملاحي بقواعد ومرافق لوجستية، ويُنظر إلى السودان كـ”الحلقة المفقودة” في سلسلة السيطرة على الضفة الغربية للبحر الأحمر وإغراق السودان في الفوضى وتقسيمه المحتمل يخدم هذا الهدف، حيث يضعف الدولة المركزية ويسمح بـ”تأجير” أو السيطرة على المواقع الاستراتيجية عبر فصائل موالية.
الفاشر.. مفتاح تفكيك الدولة
تتزايد المخاوف من أن الدور الإماراتي في السودان يندرج ضمن مخطط إسرائيلي-أمريكي يهدف إلى تفكيك الدولة السودانية وتقسيمها إلى كيانات أصغر, هذا المخطط يهدف إلى ضمان أمن الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وتطويق أي نفوذ لقوى المقاومة في المنطقة، وإزالة السودان كلاعب إقليمي كبير.
وفي هذا الإطار، تبرز مدينة الفاشر التي تدور رحى المعارك هذه الأيام بداخلها، عاصمة ولاية شمال دارفور، كـنقطة ارتكاز محورية في مخطط التفكيك, يؤكد مراقبون أن إقحام الفاشر في دائرة الاقتتال العنيف لم يكن صدفة، بل هو خطوة استراتيجية تخدم هدف التقسيم لعدة أسباب منها أنها العاصمة التاريخية لإقليم دارفور والسيطرة عليها تعني إحكام السيطرة على الإقليم بأكمله، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات الحكم الذاتي أو الانفصال تحت سيطرة القوة الموالية.
كما أنها تُعد العقدة الرئيسية التي تربط بين ولايات دارفور الخمس وسقوطها يفرض واقعاً عسكرياً على الأرض يصعب عكسه، ويجعل من دارفور كياناً شبه مستقل تحت نفوذ القوة المسيطرة (قوات الدعم السريع الممولة إماراتياً).
إن الاقتتال في الفاشر، وما تبعه من سيطرة لقوات الدعم السريع وجرائم إبادة جماعية طالت أكثر من 2000 مدني في يوم واحد ، هو مؤشر خطير على أن مرحلة التفكيك قد بدأت رسمياً من الغرب، مما يمهد الطريق لإنشاء كيانات تابعة للقوى الإقليمية الداعمة، بعيداً عن سلطة الحكومة المركزية, وتأتي المواجهات منذ عامين تمهيدا لتحقيق هذا الهدف على غرار ما كان يرسم لليمن سابقا وفشل دول تحالف العدوان في تحقيق مخطط تقسيم اليمن.
الصمت الأمريكي المريب وامتدادات المخطط في اليمن
الصمت الأمريكي المريب تجاه الكارثة في السودان يُعد دليلاً قوياً يؤكد هذه الفرضية, هذا الصمت يُفسر على أنه ضوء أخضر ضمني لتنفيذ أجندة تخدم مصالح واشنطن وتل أبيب في المنطقة.
إن تداعيات هذا المخطط لا تتوقف عند حدود السودان، بل تمتد لتشمل تقويض أمن الملاحة في البحر الأحمر واستهداف اليمن بشكل خاص، خصوصاً بعد تمكن اليمن من فرض سيادته على البحر الأحمر وباب المندب وحظر الملاحة الصهيونية منذ بدء عمليات إسناد “طوفان الأقصى”.
ويرى المحللون أن خلق بؤر صراع دائمة على جانبي البحر الأحمر (السودان واليمن) هو جزء من استراتيجية “الفوضى الخلاقة” التي تبرر لاحقاً الوجود العسكري الأجنبي المكثف, إن ربط الصراع في السودان بالصراع في اليمن يوضح أننا أمام جبهة واحدة هدفها النهائي هو السيطرة الكاملة على الشريان الملاحي، وتفكيك أي قوى إقليمية يمكن أن تهدد هذا النفوذ.
في الختام
يدفع الشعب السوداني الثمن الباهظ من دماء وتشريد وإنهاك وتشرذم، بينما تستخدم القوى المنفذة لهذا المخطط، وفي مقدمتها الإمارات، الفوضى كـجسر عبور لترسيخ نفوذها الاستراتيجي، بتنسيق ضمني مع قوى دولية وإقليمية ترى في استقرار الدول ووحدتها تهديداً لمصالحها العليا، لتحويل السودان إلى مجرد قاعدة لوجستية على خارطة النفوذ الإقليمي, فهل سيفيق أبناء السودان من هذه الغفلة..؟!
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: البحر الأحمر الدعم السریع هذا المخطط فی السودان فی الیمن
إقرأ أيضاً:
علماء للجزيرة نت: البحر الأحمر جف تماما قبل 6 ملايين سنة
اكتشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أن البحر الأحمر شهد اضطرابا هائلا منذ نحو 6 ملايين سنة، مما أدى إلى جفافه تماما. قبل أن يمتلئ مرة أخرى فجأة بفيضان كارثي من المحيط الهندي.
وقدمت الدراسة، التي نشرت في دورية "كومينيكيشنز إيرث آند إينفيرومنت"، دليلا قاطعا على حدوث الجفاف، ووضعت حدا زمنيا دقيقا لحدث جيولوجي كبير غيّر بشكل دائم معالم البحر الأحمر، ويوصف بأنه أحد أكثر الأحداث البيئية تطرفا على وجه الأرض.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت حول الكيفية التي توصل بها الباحثون لمعرفة حدوث جفاف البحر الأحمر منذ حوالي 6 ملايين سنة، تقول الدكتورة تيهانا بينسا الباحثة في قسم العلوم والهندسة الفيزيائية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والباحثة المشاركة في هذه الدراسة إن "استخدام التصوير الزلزالي كشف عن سطح عاكس قوي يمتد عبر حوض البحر الأحمر بأكمله".
وتضيف: "يخترق هذا السطح طبقات ملح وأنهيدريت تعود إلى عصر الميوسين القديم، وتغطيه بشكل حاد رواسب بحرية أحدث. يشير هذا الشكل الهندسي إلى أن قاع البحر كان معرضا للتآكل في السابق، مما يدل على أن الحوض قد جف تماما".
وفي تصريح للجزيرة نت يقول الدكتور عبد القادر عفيفي أستاذ هندسة وعلوم أنظمة الأرض في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا والباحث المشارك في الدراسة، إن اكتشاف عدم وجود توافق زاوي في البيانات الزلزالية يشير إلى أن قاع البحر الأحمر تعرض للتآكل تحت الظروف الجوية.
وذكرت الدراسة أن الجفاف من المرجح أن يكون قد حدث بسبب بداية أزمة الملوحة الميسينية في البحر الأبيض المتوسط، وهي الفترة التي تحوّل فيها البحر المتوسط تقريبا إلى صحراء مالحة عملاقة، وانهارت الحياة البحرية في أغلب مناطقه.
إعلانوفي البداية، كان البحر الأحمر متصلا من الشمال بالبحر الأبيض المتوسط عبر حاجز ضحل، لكن هذا الاتصال انقطع، مما أدى إلى جفاف البحر الأحمر وتحوله إلى صحراء ملحية قاحلة.
وتظهر الأدلة الحيوانية بالبحر الأحمر تحولا من أنواع البحر الأبيض المتوسط إلى أنواع المحيط الهندي، مما يؤكد الصلة الجنوبية الجديدة.
ويضيف عفيفي أنه بعد حدوث الجفاف اخترقت المياه من خليج عدن الحواجز البركانية في جزر حنيش وباب المندب في فيضان كارثي ونحتت واديا تحت الماء بطول 320 كيلومترا.
ويقول إن أبحاث البحر الأحمر تحظى بمكانة خاصة لدى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وذلك لموقع الجامعة على ساحل البحر الأحمر وقوتها في مجال البحوث البحرية.
وأظهر الباحثون أن هذا التغيّر الهائل حدث في فترة لا تتجاوز مئة ألف عام، وهي وفقا للدراسة فترة قصيرة جدا بالنسبة لحدث جيولوجي ضخم.
فقد تحوّل البحر الأحمر من بحرٍ متصل بالبحر الأبيض المتوسط إلى حوضٍ جافٍ مليء بالأملاح، قبل أن يتسبب فيضان ضخم في اختراق الحواجز البركانية وفتح مضيق باب المندب ليُعيد اتصال البحر الأحمر بالمحيطات العالمية.
وما زال الخندق البحري الذي تسبب هذا الفيضان في حفره بطول نحو 320 كيلومترا، مرئيا حتى اليوم في قاع البحر.
ويمثل هذا الجفاف وما حدث بعده من فيضان الانفصال النهائي للبحر الأحمر عن البحر الأبيض المتوسط والاتصال الأولي بالمحيط الهندي والذي استمر حتى الآن.
تاريخ البحر الأحمرتكوَّن البحر الأحمر نتيجة انفصال الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية قبل نحو 30 مليون سنة. في بدايته، كان عبارة عن واد صدعي ضيق مليء بالبحيرات، ثم اتّسع تدريجيا ليصبح خليجا واسعا عندما غمرته مياه البحر الأبيض المتوسط قبل 23 مليون سنة.
ويعد البحر الأحمر مختبرا طبيعيا فريدا لفهم كيفية نشوء المحيطات، وتراكم الترسبات الملحية العملاقة، وكيفية تفاعل المناخ مع الحركات التكتونية عبر ملايين السنين.
وتضيف هذه الدراسة فهما عميقا لعمليات تكوّن البحار والمحيطات واتساعها على كوكب الأرض.
كما تؤكد هذه الاكتشافات الترابط الوثيق بين تاريخ البحر الأحمر وتغير المحيطات العالمية، وتُظهر أن المنطقة قد شهدت من قبل ظروفا بيئية قاسية، لكنها تمكنت في نهاية المطاف من استعادة نظامها البيئي البحري المزدهر.