بحر قزوين.. خبراء يتوقعون انحسار مياهه بمستوى 30 مترًا في نهاية القرن
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- اعتاد أزامات سارسينباييف القفز من بقعة على الشاطئ إلى بحر قزوين المالح بلونيه الأزرق والأخضر. وبعد عقد واحد فقط، أصبحت البقعة تطل الآن على أرض جرداء حجرية تمتد نحو الأفق.
انحسرت المياه بسرعة كبيرة عن مدينة أكتاو الساحلية في كازاخستان، حيث عاش الناشط البيئي طوال حياته.
وعلى بعد أكثر من 1000 ميل إلى الجنوب، بالقرب من مدينة رشت الإيرانية، يشعر خاشيار جافانماردي بالخوف، جراء انحسار البحر بسبب التلوّث.
وقال المصوّر الذي سافر عبر الساحل الجنوبي لبحر قزوين من أجل توثيق تدهور حالته: "لا أستطيع السباحة بعد الآن.. لقد تغيّرت المياه".
يشعر الرجلان بارتباط وثيق بالمياه التي تربيا بجانبها. وكلاهما يشعران بالخوف على مستقبلها.
ويُعتبر بحر قزوين أكبر بحر داخلي على كوكب الأرض وأكبر بحيراته، وهو عبارة عن مسطح مائي ضخم بحجم ولاية مونتانا الأمريكية تقريبًا. ويمتد ساحله المتعرّج لأكثر من 4000 ميل (6437 كيلومترًا) وتتقاسمه خمس دول: كازاخستان، وإيران، وأذربيجان، وروسيا، وتركمانستان.
تعتمد هذه البلدان عليه في الصيد، والزراعة، والسياحة، ومياه الشرب، فضلاً عن احتياطاتها المرغوبة من النفط والغاز. كما يساعد بحر قزوين على تنظيم مناخ هذه المنطقة القاحلة، حيث يوفر تساقط الأمطار والرطوبة لآسيا الوسطى.
لكن، تسبب بناء السدود والتلوث إلى التفاقم المستمر لأزمة المناخ حيث يخشى بعض الخبراء أن يتم دفع بحر قزوين إلى نقطة اللاعودة.
وفي حين أنّ تغيّر المناخ يرفع مستويات سطح البحر العالمية، فإنّ الأمر مختلف بالنسبة للبحار والبحيرات غير الساحلية مثل بحر قزوين. إذ تعتمد على توازن دقيق بين المياه المتدفقة من الأنهار وهطول الأمطار، وتلك المتبخرة. يشهد هذا التوازن ارتفاعًا بدرجة حرارة العالم، ما يتسبًّب بانكماش العديد من البحيرات.
لا يحتاج الناس إلى النظر بعيدًا لمعرفة ما قد يحمله المستقبل. وكان بحر آرال القريب الممتد بين كازاخستان وأوزبكستان ذات يوم، أحد أكبر البحيرات في العالم، لكنه اختفى تقريبًا بعدما دمّره مزيج من الأنشطة البشرية وأزمة المناخ المتصاعدة.
على مدى آلاف السنين، تأرجح بحر قزوين بين الارتفاعات والانخفاضات مع تقلب درجات الحرارة وتقدم الصفائح الجليدية وتراجعها. لكن في العقود القليلة الماضية، تسارع الانحسار.
تلعب الأنشطة البشرية دورًا مهمًا، إذ تبني البلدان الخزانات والسدود. ويتغذى بحر قزوين من 130 نهرًا، رغم أن حوالي 80٪ من المياه تأتي من نهر واحد فقط، أي نهر الفولغا، وهو أطول نهر في أوروبا، الذي يتعرج عبر وسط وجنوب روسيا.
وبنت روسيا 40 سدًا، ويتواجد 18 سدًا آخر قيد التطوير، وفقًا لما ذكره فالي كاليغي، وهو خبير بدراسات آسيا الوسطى والقوقاز في جامعة طهران، ما أدّى إلى تقليل تدفق المياه التي تدخل بحر قزوين.
لكن تغير المناخ يلعب دورًا متزايد الأهمية، حيث يزيد من معدلات التبخر ويغذي هطول الأمطار غير المنتظمة.
قال ماتياس برانييغ، مصمّم أنظمة الأرض بجامعة بريمن في ألمانيا، إن مستويات مياه بحر قزوين تنخفض منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكنها تسارعت منذ عام 2005، حيث انخفضت بنحو 5 أقدام (1.524).
وقال برانييغ لـCNN إنه مع الارتفاع المتزايد لدرجة حرارة العالم، من المقرر أن "تنخفض المستويات بشكل كبير". ويتوقع بحثه تراجعًا يتراوح بين 8 و18 مترًا (26 إلى 59 قدمًا) بحلول نهاية القرن، اعتمادًا على مدى سرعة العالم بخفض تلوث الوقود الأحفوري.
وقد أشارت دراسة أخرى إلى إمكانية انخفاض تصل حدّ 30 مترًا (98 قدمًا) بحلول عام 2100. وحتى في ظل سيناريوهات الاحتباس الحراري العالمي الأكثر تفاؤلاً، فإن الجزء الشمالي الضحل من بحر قزوين، وغالبيته حول كازاخستان، قد يختفي تمامًا، كما قالت جوي سيناغرايير، أستاذة علم المناخ القديم في جامعة ريدينغ، والمؤلفة المشاركة للدراسة.
بالنسبة لدول بحر قزوين، فإن هذه تُعتبر أزمة كبيرة. وقال كاليجي من جامعة طهران إن مناطق الصيد سوف تتقلص، والسياحة سوف تتراجع، وستعاني صناعة الشحن مع صعوبة رسو السفن في مدن الموانئ الضحلة مثل أكتاو.
وسينجم عن ذلك تداعيات جيوسياسية أيضًا. وأوضحت سنغاراير أن خمس دول تتنافس على الموارد المتناقصة قد تتوج "بسباق لاستخراج المزيد من المياه". وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى نشوء صراعات جديدة حول احتياطيات النفط والغاز، إذا دفعت خطوط السواحل المتغيرة الدول إلى تقديم مطالبات جديدة.
ويُعتبر الوضع كارثي بالفعل بالنسبة للحياة البرية الفريدة في بحر قزوين. الذي يُعد موطنًا لمئات الأنواع، من بينها أسماك الحفش البري المهدّدة بالانقراض، وهي مصدر 90٪ من الكافيار في العالم.
وأوضح ويسلينغ لـCNN أن البحر كان محاطًا باليابسة لمدة لا تقل عن مليوني عام، ما أدى إلى عزلته الشديدة و"ظهور مخلوقات بشكل غريب مثل المحار".
لكن تراجع المياه يؤدي إلى استنزاف مستويات الأكسجين في أعماقه، وهو ما قد "يمحو ما تبقى من الكائنات المتبقية على قيد الحياة منذ ملايين السنين من التطور". وخلص إلى أنها "أزمة ضخمة لا يعرف عنها أحد تقريبًا".
وتطال الأزمة أيضًا فقمات بحر قزوين، وهي ثدييات بحرية مهددة بالانقراض لا يمكن ايجادها في أي مكان آخر على وجه الأرض. وتتغيّر مواقع وضع صغارها في بحر قزوين الضحل في شمال شرق البلاد، حيث تكافح الحيوانات أيضًا ضد التلوث والصيد الجائر.
وتُظهر المسوحات الجوية انخفاضًا كبيرًا في أعداد الفقمات، وفقًا لما ذكرته أسيل بيموكانوفا، الباحثة بمعهد علم الأحياء المائية والبيئة في كازاخستان.
أحصى العلماء 25000 فقمة بموقع واحد للصيد في جزر دورنيف، شمال شرق بحر قزوين في عام 2009. وقالت بيموكانوفا لـCNN: "بحلول ربيع عام 2020، لم نلاحظ وجود أي منها".
هناك حلول قليلة سهلة لهذه الأزمة. إذ أن بحر قزوين يقع في منطقة شهدت الكثير من عدم الاستقرار السياسي، وتتقاسمه خمس دول، تشهد كل منها تراجعه بطرق مختلفة.
وأشار كاليجي إلى أنه ما من دولة تتحمل اللوم منفردة، لكن إذا فشلت في اتخاذ إجراءات جماعية، فقد تتكرّر كارثة بحر آرال، مضيفًا أنه لا يوجد ما يضمن "عودة بحر قزوين إلى دورة طبيعية وعادية".
يُذكر أنه في الشهر المقبل، سيجتمع زعماء العالم في مدينة باكو عاصمة أذربيجان الساحلية لحضور مؤتمر المناخ السنوي للأمم المتحدة، حيث يناقشون العمل المناخي في ظل منصات النفط المنتشرة في أنحاء هذا الجزء من بحر قزوين.
التلوّثالنفطحيوانات مهددة بالانقراضدراساتنشر الثلاثاء، 29 أكتوبر / تشرين الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: التلو ث النفط حيوانات مهددة بالانقراض دراسات بحر قزوین ر المناخ
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت تكشف آليات عمل اللجنة السرية لاختيار خليفة خامنئي
طهران- مع حلول الذكرى الـ36 لرحيل مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني في الرابع من يونيو/حزيران 1989، تدور في الأوساط النخبوية بإيران تساؤلات مصيرية، منها: من سيخلف المرشد الحالي؟ وكيف يستعد "مجلس خبراء القيادة" لاختيار ثاني أقوى شخصية في تاريخ إيران الحديث؟
وفي خضم تصاعد التقارير الإعلامية عن صحة المرشد الأعلى آية علي خامنئي (86 عاما)، وتأثير وفاة الرئيس السابق آية الله إبراهيم رئيسي -الذي كان ينظر إليه في طهران على أنه خليفة محتمل للمرشد الحالي- يعود موضوع الخلافة إلى واجهة المناقشات لدى الأوساط السياسية في إيران.
فبعد رحيل رئيسي في حادث سقوط المروحية الرئاسية التي أودت بحياته ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، قبل نحو عام، توجهت الأنظار إلى آية الله مجتبى خامنئي (56 عاما) وهو نجل المرشد الحالي المقرب جدا من والده حيث يصفه أنصار التيار المحافظ بـ"الفقيه المتميز" والمتمرّس في إدارة المؤسسات القيادية الكبرى بحكم قربه من مكتب المرشد الأعلى في البلاد.
لكن معضلة "التوريث" الإشكالية في إيران سرعان ما أجهضت آمال هذه الشريحة، إذ تناقلت وسائل إعلام فارسية تقارير عن معارضة المرشد نفسه لتوريث منصبه لأحد أبنائه انطلاقا من موقفه الرافض لخوض أفراد أسرته مضمار السياسة في البلاد، ناهيك عن النظر إلى أحدهم كخليفة محتمل لمنصبه.
من ناحيته، وصف السياسي حسين كنعاني مقدم، الأمين العام لحزب سبز (الأخضر)، المعروف بقربه من المؤسسات السيادية في طهران، الحالة الصحية للمرشد بأنها "جيدة جدا"، موضحا أنه خلافا للمشهد الذي ترسمه وسائل إعلام مناوئة للنظام الإيراني فإنه لا توجد معضلة ولا خشية بشأن اختيار خليفة للمرشد الحالي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح كنعاني، الذي كان مقربا من روح الله الخميني وأخذ مهمة نقل رسائله على عاتقه، أن الدستور الإيراني يرسم خارطة طريق واضحة المعالم لاختيار المرشد، وأن الآليات الدستورية أثبتت كفاءتها في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة أفضت العام الماضي إلى انتخاب الرئيس مسعود بزشكيان خلفا للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
إعلانوتابع السياسي الإيراني أن الدستور الإيراني يضع مهمة اختيار المرشد على عاتق مجلس خبراء القيادة المكون من 88 عضوا من الفقهاء ورجال الدين، على أن يختار شخصا واحدا وفق شروط ومؤهلات واضحة للإشراف على عمل مختلف سلطات الدولة أو أن يختار "مجلس قيادة" إذا تعذر الإجماع على شخص واحد.
لجنة سرية
وخلافا لمنصب الرئاسة الذي يشترط أن يكون المرشح إيرانيا، فإن الدستور الإيراني لا يشترط ذلك لمنصب المرشد باعتباره وليا لأمور المسلمين، وفقا لكنعاني الذي يعتقد أن "منصب المرشد الأعلى لا يتبع الرؤية القومية للديمقراطية (nation state) وإنما لمبدأ (الأمة، والإمام)"، وبذلك يسقط شرط الانتماء القومي لمنصب المرشد، ولا يشترط أن يكون من جذور إيرانية.
وأوضح المتحدث نفسه أن عملية اختيار المرشد الأعلى في إيران تخضع لآليات دستورية دقيقة، ترتكز على سرية التحضيرات الأولية عبر إعداد لجنة سرية من مجلس خبراء القيادة قائمة المرشحين المحتملين، مضيفا أن هذه اللجنة تقوم بتقييم وفحص مؤهلات الأشخاص المحتملين للقيادة بشكل دوري بكامل السرية.
وبين أنه حتى الأفراد المحتملين للقيادة لا يعرفون بوجود أسمائهم في القائمة التي تعدها اللجنة السرية، كما لا يعرف أحد في إيران تركيبة أفراد اللجنة القائمة على دراسة الأشخاص المؤهلين للقيادة لتحييد الضغوط عنهم.
وتابع الأمين العام لحزب "سبز" أن مجلس خبراء القيادة يعقد اجتماعات بين الفينة والأخرى دون الكشف عنها إلى جانب اجتماعاته الدورية العلنية لمناقشة موضوع اختيار المرشد، مستدركا أن مجلس الخبراء لا بد أن يكون لديه عدة مرشحين محتملين جاهزين، لمناقشة مؤهلاتهم بشكل علني عندما تقتضي الضرورة.
صلاحيات استرشادية
وأوضح أن عدد الأفراد الذين يطلعون على أسماء قائمة المرشحين المحتملين لمنصب المرشد الأعلى في البلاد قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، مؤكدا أن بعد التجربة الفاشلة في اختيار السياسي الراحل حسين علي منتظري عام 1985، نائبا لمؤسس الجمهورية الإسلامية، والتي أثارت أزمة داخلية انتهت بعزله، تقرر أن تمارس هذه اللجنة عملها بسرية تامة.
إعلانويستدرك كنعاني أن هذه اللجنة ليست مصيرية ولا تمتلك صلاحيات قانونية، ولا حق لها في اختيار المرشد، وإنما مهمتها دراسة المؤهلين للقيادة مستقبلا وإعداد قائمة استرشادية ليس أكثر، وأن المرشد سيتم اختياره في جلسة مجلس الخبراء عند الحاجة وقد يكون خارج هذه القائمة.
وخلص إلى أن تسريب أسماء القائمة قد يحوّلهم إلى أهداف للتصفيات أو أدوات ضغط سياسية، لما للكشف عن الأسماء من تداعيات سلبية، حيث قد يُفهم خطأ في المجتمع بأن المذكورة أسماؤهم أصبحوا قادة فعليين، أو قد يُساء استخدام القائمة، وأن "سرية عمل اللجنة تحمي المجتمع من تداعيات غير ضرورية".
صلاحيات مجلس الخبراءمن ناحيته، يكشف الناشط السياسي عبد الرضا داوري عن وجود فريق متكامل يعتني بصحة المرشد الإيراني وأنه على علم بأن خامنئي يمارس برنامجه الرياضي بشكل يومي، كما يحافظ علی برنامجه الأسبوعي لصعود الجبل المطل على شمال طهران مشيا على الأقدام، مضيفا أن معدل أعمار آل خامنئي عادة يتجاوز 100 عام.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر داوري، المعروف بقربه من المؤسسات السيادية بسبب سجله المهني في مكاتب الرئاسة السابقة، معارضة المرشد الأعلى للنظر إلى نجله مجتبى مرشحا قياديا محتملا وصية إرشادية، وأنها لا تمنع مجلس خبراء القيادة من اختياره إذا تم التوصل إلى نتيجة أن جميع شروط ومؤهلات القيادة متوفرة لديه.
وأشار داوري إلى أن مجلس خبراء القيادة في إيران يتمتع بأعلى الصلاحيات الدستورية بسبب دوره الرقابي على مرشد البلاد، وأن الأخير لا يستطيع أن يملي إرادته على المجلس الذي يحدد صلاحياته بنفسه، مؤكدا أنه في ظل وجود المجالس المختلفة والمؤسسات الدستورية المتداخلة في إيران لم يعد الحديث عن تشكيل مجلس قيادي مطروحا بعد في طهران.
وخلص المتحدث نفسه إلى أن الديمقراطية الدينية لا تقبل بتشتيت صلاحيات المرشد بين أفراد أعضاء مجلس قيادي، وأن الثقافة السائدة في المجتمع الإيراني لا ترحب بتوريث الحكم، مضيفا أن مكانة المرشد في النظام السياسي الإيراني رمز للوحدة الوطنية، ولا ينبغي التفريط بدور عباءة المرشد التي تؤوي جميع الأوساط السياسية وشرائح المجتمع.
إعلان