سودانايل:
2025-10-13@20:33:23 GMT

نزْعٌ و تمزيق . قصة قصيرة

تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT

نزْعٌ و تمزيق . قصة قصيرة
حكايةُ حربٍ!
أعدّ الجوع لهم مؤائد. تحولت دمدمة المتفجرات ، أزيز المسيّرات ، زمجرة الطائرات فوق رؤوسهم مع صوت الرصاص، تحولت إلي شخيرِ يصدر عن نومهم العميق. لم يكن بالأنحاء ماءٌ ليشربوه غير ما تبقي من خطوِ الجنود في بِرَكِ مياه الأمطار، شربوا ذلك الخليط المُشّبَع و المحتشد بالموت الذي رفض المجيء.

تعب الموتُ من التِجوال في شوارع حِلّتهم المنتهكة إلي آخر بيت فيها ،تعب!
قالوا " نحن عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءَه أو يؤلمه في الروح". و قالوا لم يعد عند الجنود ما يغضبوننا به أو يجعلنا نرد علي أسئلتهم. و قلت لم يعد للحرب ما تقوله أو تستطيع به أن تجعلهم يتكلمون.
جاء بعضهم ليقتلوهم لأنهم من الفلول، فعل القتَلّةُ فعلتهم و فرحوا بها و هللوا و كبّروا. جاء قتَلَةٌ آخرين ليقتلوهم لأنهم متعاونون مع المليشيا المتمردة، فعل القتَلّةُ فعلتهم و فرحوا بها و هللوا و كبّروا. قالوا لم نمت جراء الهجمتين لا بل ظللنا كما نحن "نحن عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءَه أو يؤلمه في الروح" قالوا إنتهت الحرب عندما صار القتلُ لا يقتل و أصبح الرعبُ لا يُخِيف. فقلت فعلاً إنتهت الحرب عندما تحوّل الجوع إلي واهبٍ للطعام.
لم يجد الجنود ما يفعلونه فقرّر قادتهم الإتفاق و إقتسام البلاد مناصفة بينهما ، ناسها و موارده مناصفةً بينهما. قالوا سمعنا ذلك عندما مرّ جندي جوار بيتهم. كان الجندي يسمع كلام قائده المتفق مع القائد الآخر. سمع الجندي ذلك في واحدٍ من تلفوناته التي كانت لمَوْتَى أو منهوبين. كان الجندي يسمع و يتلفت كأنه يسمع أصواتا. لم يكن هنالك ما يُصدِر صوتا لأنه خلال الحرب قد نفدت الكلمات و لم يتبقَ من الكلام غير تلك الأصوات المجوفة الي لا تهتم لها طبلةُ أُذنِ و لا ترتعش من أجلها. حتي الحيوانات صارت صمّاء. مع نهاية المكالمة إنتشرت في الهواء رائحةُ البُراز المختلطة برائحةِ الأجساد المُتحللة. رأيت في نهاية الشارع جثة قديمة تحلّلت و يبست و صارت هيكلا مكسواً بجلد رقيق، هيكلٌ بفم مبتسم. قوة الرائحة و نفاذها فيما يبدو دفع بالكلاب ، القطط، الطيور، الهوام، القوارض و جمهرة الحشرات النَشِطة. دفعت الرائحةُ الجميع ركضا، زحفاً و طيراناً نحو النهر. قالوا عندما تأكدنا من ذلك المنظر المهيب و هو مغادرة الحيوانات لحِلَتنا حدث أمر غريب حيث بدأت عائلتنا المندمجة في الإنفصال، إنفصل الأب مبتعدا، نزعت الأم نفسها عن جسد العائلة، تبقي جسد ممزق و مرتبك في إندماجه لكنه بدأ في الإنفصال فتفرق الأولاد و البنات بددا، خرجوا عن ذلك الجسد حيث كما قالوا كنّا عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءه أو يؤلمه في الروح. إنفصلنا أي واحد منّا بندوب و تقرحات شملت جسد الواحد منّا و روحه. قالوا لم نهتم بما حدث لأن الحرب إنتهت عندما لم يجدِ الموتُ من يقتله و لم يجدِ الجوعُ ما ينهشه و لم يجدِ المرضُ جسدا ليعذبه. قلت إنتهت الحرب.

طه جعفر الخليفة
كندا – اونتاريو
31 نوفمبر 2024م


taha.e.taha@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لم یجد

إقرأ أيضاً:

عندما تنتصر الإرادة تُستعاد السيادة

 

 

سُلطان اليحيائي

 

ما عادت "الدّولة" تعني ما كانت تعنيه يومًا. كانت تُشير إلى كيانٍ له سيادة وحدود وقرار، فإذا بها اليوم تُشبه شركةً متعددة الجنسيات، لا تملك من استقلالها إلّا الاسم والعَلَم. تُدار من الخارج وتُدارى من الداخل، ويُراد لشعوبها أن يصدّقوا أنّهم أحرار داخل سجنٍ كبير اسمه "الاستقلال".

 

مفهومُ الدولة حين تهتزّ الأرض من تحتها

 

الدولة ليست قطعة أرضٍ مرسومة على الخريطة، بل إرادةٌ تُعبّر عن نفسها. وما دامت هذه الإرادة مرهونة، فالكلمة "دولة" لا وزن لها. السيادة لا تُمنح؛ بل تُنتزع. وما رأيناه في العقود الأخيرة أنّ كثيرًا من الدول قد باعت سيادتها بالرضا، وتنازلت عنها مقابل حماية أو دعم أو رضا قوّة كبرى.

 

الخديعة الكبرى دولة فلسطين

وعندما اجتمع الغرب بكل دهائه، وثلّة من العرب بكل غبائهم، ليقنعوا العالم بأن هناك "دولة فلسطينيّة" ستُقام على أرض عام 1967، كانت المسرحيّة في ذروتها. سبعون عامًا من الوهم، والناس ما زالوا ينتظرون ميلاد دولة وُئدت قبل أن تُولد.

 

لكن السابع من أكتوبر كشف المستور. جاءت غزوةُ طوفان الأقصى لتُسقط القناع عن الجميع. فإذا "الدولة" التي وعدوا بها لم تكن سوى سراب سياسي في صحراء الكذب. لم تُحرّرها المفاوضات، بل حرّرها الدم. لم يُثبّت وجودها القرار الأممي، بل ثبّتَه صمود غزّة وثبات رجال المقاومة الإسلاميّة.

غزّة: الدولة التي لم يُعترف بها

غزّة وحدها اليوم تُعيد تعريف الدولة. بلا مقعد في الأمم المتّحدة، وبلا جيش نظامي، وبلا سفارات، ومع ذلك أرغمت العالم أن يعترف بها - لا بالاسم، بل بالفعل. هي دولة في الإرادة، في الكرامة، في العقيدة. أسقطت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، وفرضت معادلة جديدة على من ظنّ أنّه يملك القرار وحده.

محلّلو الهزيمة وجنرالات الورق

وفي الطرف الآخر يقف المتشدّقون المتفيقهون في شاشات التحليل، يملؤون الدنيا صخبًا بمصطلحات عسكرية لا يعرفونها إلا من كتب المناهج القديمة. يضعون النظريات على الورق ثم يقيسون عليها دماء الميادين. يعيشون وهْم البطولة خلف الميكروفون وكأنّ الشجاعة لا تكون إلا صوتًا مرتفعًا وتحليلًا باردًا.

يتحدّثون عن "تكتيك" و"خطط محكمة"، وهم الذين لم يختبروا رائحة بارود العدو، ولم تطأ أقدامهم ساحة قتال حقيقية. خاضوا حروبًا تمثيلية في الصحراء، وكتبوا تقاريرهم في القاعات المكيّفة، ثم خرجوا ليُقيّموا حرب غزّة كما لو كانت مناورات تدريبية. ينظرون إليها ماديًا لا معنويًا، لأنهم أبعد ما يكونون عن الإيمان بالله، وبأنّ النصر وعدٌ من عنده لا من عند سلاحهم. أولئك ليسوا محلّلين؛ بل شهود زور على بطولة لم يفهموا معناها.

أمّا أولئك المجاهدون في غزّة، فهم أحفاد حمزة وخالد وجعفر الطيّار وعبد الله بن رواحة، لم تكن على أكتافهم النجوم ولا الأوسمة المزيّفة، ولم يحملوا الكيلوغرامات من المعادن التي تُعلّق على صدور الجبناء في العروض العسكرية. سلاحهم الإيمان، ودرعهم الصبر، ورايتهم الحق. لم يدخلوا حربًا في ألعاب الفيديو، ولا تدربوا على القتال مع أعدائهم في صحاري التبعيّة وعلى نفقة بلدانهم، بل دخلوا النار بأقدام ثابتة وقلوب مطمئنّة بأنّ وراءهم وعد الله بالنصر أو الشهادة. فمن أراد أن يرى الإسلام حيًّا، فليذهب إلى غزّة، ففيها يسكن الشرف ويتنفّس الإيمان.

المُثبّطون بالأمس المُشكّكون اليوم

ويأتي أحدهم من هنا وهناك ممن لم يكن لأهل غزّة به صلة إلا بالتقليل من نضالهم، وبالتشكيك في صبرهم، وبالتخوين لمن يساندهم. يتحدّث اليوم كأنّه العارف بخفايا الميدان، فينظّر ويُشكّك، ولا يترك للناس بارقة أمل أو خيط تفاؤل بقيام دولة لأطهر وأشرف خلق الله على وجه الأرض في زماننا، وهم أهل غزّة ومقاومتهم الشريفة.

هؤلاء لا يُدافعون عن الحق؛ بل يُدافعون عن عجزهم، لأن قلوبهم خوَت من الإيمان، وأرواحهم بردت من شدّة الخنوع. مرادهم خَطف فرحة القلوب بالانتصار وبثّ في النفوس الهزيمة والإحباط والانكسار.

نحن المتفرّجين المرجِفين

ونحن اليوم أبناء اللسان والدين والجلد، نقف عند أسوار المجد متفرّجين، نُصفّق ولا نتحرّك، نرفع الشعارات ولا نحمل الهمّ. نُمارس البطولة في الكلام، ونخفي الجبن في صدورنا، نُدمن الجدل ونتقن النقد، لكن لا نملك الشجاعة أن نقف موقفًا يُغضب السيّد الأشقر أو يعبر عن غضبتنا أمام سفارات الظلم والظلال.

منّا من يعيش على فتات الإعلام، ومنّا من تهيّأ له أنّ الإيمان بالحق لا يتطلّب تضحية. نُكثر من التحليل، ونقلّل من العمل. نُفاخر ببطولة غزّة، ونحن في بُعدنا عنها شركاء في خذلانها بصمتنا وخوفنا وتبريرنا للباطل.

الحمد لله رب العالمين الذي جعل من غزّة ميزانًا تُوزَن به الأمم وتكشف الأستار الزائفة وتسقط الأقنعة عن الوجوه الكالحة.

من كان معها فهو في صف الحق، ومن خذلها فقد خذل الله.

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: 26).

مقالات مشابهة

  • جديد حادثة كمين الدامور.. إليكم هوية المُتورط وهذا ما فعلته المخابرات
  • الفيفا بين حماية هوية اللعبة وإغراءات المال.. جدل اقتصادي يهز كرة القدم العالمية
  • عندما تنتصر الإرادة تُستعاد السيادة
  • «الجوازات»: يمكن استخدام الهوية الرقمية على الأجهزة الذكية دون مراجعة لطباعة هوية مقيم
  • في الشوف.. جثة داخل منزل وهذه هوية الضحية
  • نشأت الديهي: العالم كله الآن لا يرى ولا يسمع إلا صوت مصر.. فيديو
  • فضيلة الداعية الشيخ «محمد الغزالى» (5)
  • هذه هوية المستهدف في غارة قلاويه
  • هل سداد الرسوم يعني إتمام تجديد هوية مقيم في السعودية؟
  • شاهد.. أداة مبتكرة تكشف هوية الأسماك عبر أصواتها